صيام الأطفال في شهر رمضان

لا يخفى على أيِّ مُسلمٍ بالغٍ راشدٍ أنَّ الصيام ركنٌ من أركان الإسلام الخمس. يقول الله عزَّ وجل في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، (183: سورة البقرة).



وبتفسير الآية القرآنية الكريمة نستنتج أنَّ الصيام مكتوب على كلِّ مسلم ومسلمة، وكما ذُكِر في القرآن الكريم وجاء في سنَّة نبينا محمد ﷺ فإنَّ للصيام أهميةً عظيمةً بالنسبة إلى المسلم وفائدةً كبيرةً لا تعود عليه بشكلٍ خاصٍّ فحسب، بل على المجتمع الإسلامي بكليَّته أيضاً.

لكنَّ السؤال الذي يراودنا دائماً، وخاصةً مع حلول الشهر الكريم:

  • هل الصيام واجبٌ على أطفالنا أيضاً؟
  • ما هو السِن الشرعي لوجوب الصيام على الأطفال؟
  • كيف أعوِّد طفلي على الصيام؟
  • وغيرها من الأسئلة.

لذلك، وللإجابة عن هذه التساؤلات، سنتحدَّث في مقالنا هذا عن كيفية صيام الأطفال، وما هو السِنّ الذي من الممكن أن يبدأ فيه الطفل بالتعوُّد على الصيام، بالإضافة إلى بعض الإرشادات التي يجب اتباعها من قِبَل الأهل مع طفلهم في حال صيامه.

متى يجب أن يصوم الطفل؟

هو سؤالٌ يراود العديد من الأهالي في شهر رمضان، والجواب الأصح هو أنَّ الصيام في الشريعة الإسلامية لا يجب إلَّا على البالغ العاقل، أي بعد سن البلوغ؛ وذلك استناداً إلى حديث النبي ﷺ: (رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاثَة: عَن النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِم، وَعَن الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِل)، رواه أبو داود.

لذلك فإنَّ صيام الطفل في رمضان ليس على وجه التكليف والوجوب في الشريعة الإسلامية، وإنَّما على وجه التحبيب والترغيب والتعويد؛ حيث أنَّ قيام الطفل بالصيام لبضع ساعاتٍ في نهار رمضان مع متابعة الأهل له، تجعل منه شخصاً قادراً على الصيام عند بلوغه، وراغباً به.

وهناك آراءٌ مختلفةٌ حول العمر الأنسب للبدء بتعليم الطفل الصيام وتعويده عليه، فهناك من ذهب إلى البدء بسن السابعة، وأشهر الأراء ذهبت إلى أنَّ سن العاشرة هو السن الأنسب في حال قدرة الطفل على الصيام.

الخلاصة: إنَّ السِن الأنسب لتعويد الطفل على الصيام وتعريفه به هو سن العاشرة، مع مراعاة الأهل لقدرة أطفالهم على الصيام، وحالتهم الصحية، وفهمهم لمقاصد الصيام ومعانيه، وامتناعهم عن إجبار أطفالهم على الصيام، أو ترهيبهم وتخويفهم من الإفطار في رمضان، أو فرض العقوبات عليهم.

كيف أعلم أنَّ طفلي قادرٌ على الصيام؟

هناك عددٌ من الأمور التي تُحدِّد قدرة طفلك على الصيام منها: عمره وحالته الصحية والجسدية والنفسية. لذلك من أهمِّ الأمور التي يجب على الأهالي القيام بها: استشارة الطبيب لتحديد إمكانية صيام الطفل، بالإضافة إلى معرفة ما إذا كانت حالته الصحية تسمح له بالصيام، وبشكلٍ خاصٍّ إذا كان الطفل يعاني من مرضٍ مزمن، وما إذا كان يسمح له بالصوم أم لا، كيلا يؤثِّر الصيام بشكلٍ سلبي على صحة الطفل بعد ذلك.

ومن الضروري جداً متابعة الطفل بشكلٍ منتظمٍ في أثناء صيامه، ومراقبته من قِبَل الأهل حتَّى لا يتعرَّض إلى هبوطٍ مُفاجِئٍ في مستوى السكر في الدم، إذ قد تصل الخطورة في هذه الحالة إلى فقدان الطفل لوعيه والتشنجات والوفاة أحياناً. وعليه يجب إنهاء صيام الطفل في حال لاحظت عليه الأعراض التالية:

  • نومٌ وخمولٌ غير طبيعي.
  • رعشةٌ في الأطراف.
  • شحوبٌ في وجه الطفل، أو التعرُّق الشديد.
  • زغللة في العينين.
  • زيادة معدَّل ضربات القلب، والغثيان، أو الدوخة.

ويجب على الأهل في تلك الحالة إعطاء الطفل السوائل والسكريات أو العصائر، وفي حال عدم تحسُّنه خلال دقائق يجب أخذه إلى المستشفى على الفور.

إقرأ أيضاً: كيف تُعوّد أطفالك على الصيام في رمضان؟

متى يجب منع الطفل عن الصيام؟

يمتنع على الطفل الصيام في الحالات التالية:

  • الأطفال الصغار في السن: غالباً لا يُنصَح بصيام الأطفال صغار السن. حيث أنَّ الصيام في عمرٍ صغيرٍ جداً قد يؤثِّر في نموِّهم (أي وزنهم وطولهم)، لذا يُنصَح بأن يبدأ الطفل بالصيام بعد بلوغ الـ 10 سنوات، مع مراعاة بعض الأمور التي سنأتي عليها لاحقاً.
  • في حال مُعاناة الطفل من مرضٍ خاصٍّ مثل:

كيف يمكننا تعويد الطفل على الصيام؟

غالباً لا يمكن للطفل أن يصوم لشهرٍ كاملٍ يومياً، ولساعاتٍ متواصلةٍ قد يصل بعضها إلى 16ساعةً أو أكثر، لذلك لا بدَّ للأهل من اتباع طريقة التدرج في الصيام.

ويقصد بالصيام التدريجي: أن يصوم الطفل الصغير لساعاتٍ قليلةٍ ثمَّ يفطر، وهكذا يوماً تلو الآخر، بحيث تُزاد الساعات بالتدريج. ويُفضَّل أن تكون زيادة ساعات الصوم في أيام العطلة، مع مراعاة اتباع الطفل لعاداتٍ غذائيةٍ صحية.

أيضاً يمكن للأهل البدء بتدريب الطفل على الصوم التدريجي في حال سمحت حالته الصحية والجسدية بذلك، من خلال البدء في سِنٍّ معينة، وزيادة ساعات الصيام على مدار عدَّة سنوات، حتَّى يصل إلى مرحلة الصوم الكاملة.

إنَّ إقناع الطفل بالصيام لا يقتصر على إفهامه أنَّه امتناعٌ عن الأكل والشرب فحسب، بل يجب أن تشرح لطفلك معاني هذه الشعيرة الدينية والمقاصد منها بطريقةٍ يفهمها الطفل وتجعله يحبُّها، من خلال تبسيط الأمر وعدم إقرانه بالعقوبة أو العذاب والتخويف.

يجب على الأهل الابتعاد عن إجراء مقارناتٍ بين صيام الطفل وصيام أقرانه، فقد تدفعه الغيرة إلى الضغط على نفسه لتحمُّل الصيام رغم عدم قدرته، ممَّا يُعرِّض نفسه إلى مشاكل صحية. ولا يصح إجبار الطفل على الصوم قبل أن يصل إلى سن البلوغ؛ لأنَّه غير مُكلَّف. وفي حال أفطر، فلا يجوز معاقبته أو إشعاره بالعار أو الخجل من عدم قدرته على الصيام، وبدلاً من ذلك يتوجَّب على الأهل أن يشرحوا للطفل أنَّه يتدرَّب على الصيام قبل سِن البلوغ.

إنَّ لوم الطفل على عدم قدرته على الصبر والاحتمال، قد يدفع الطفل إلى كسر صيامه بالسرّ خوفاً من ردَّة فعل والديه، وبذلك تضيع الغاية الرئيسة من تدريبه على الصيام.

من الأخطاء المنتشرة بشكلٍ كبير، نصيحة الأهل بتقديم مقابلٍ ماديٍّ للطفل مقابل صيامه، وذلك لحثِّ الطفل على الصيام وتعويده عليه. والأصح هو أن نعلِّم أطفالنا أنَّ الصيام عبادة، وأنَّ مقابل العبادة أجرٌ وثوابٌ ومحبةٌ من الله تعالى، وليس مالاً أو هدايا. ويمكن مكافأة الطفل من خلال الثناء عليه وتشجيعه وإعداد الأطعمة المفضَّلة لديه، دون الربط المباشر بين الصيام والمقابل المادي.

يمكن تعويد الطفل على الصيام من خلال ربط شهر رمضان بأجواءٍ دينيةٍ معينة، تكون محبَّبةً إلى قلب الطفل، وتجعله يرغب بقدوم هذا الشهر المبارك ومشاركة عائلته بالصيام وإحياء طقوس رمضان.

هناك طريقةٌ أخرى لتعويد الطفل على الصيام وهي "صوم العصافير"، ويقصد به أن يصوم الطفل حتَّى فترة الظهيرة فقط لتعويده على الصيام تدريجياً.

إقرأ أيضاً: 5 أغذية ضروريّة للأطفال خلال شهر رمضان

ما هو النظام الغذائي الأفضل للأطفال خلال صيام شهر رمضان؟

يتوجَّب على الأهل عند صيام أطفالهم في شهر رمضان أن يولوا اهتماماً خاصاً للنظام الغذائي لأطفالهم في سبيل تعويض ما فقدته أجسادهم خلال ساعات الصيام، ومنحهم الطاقة اللازمة للتمكُّن من متابعة الصيام، وذلك من خلال اتباع ما يلي:

بالنسبة إلى وجبة الإفطار:

يُفضَّل أن تتضمَّن وجبة الإفطار ما يلي:

  • حبتان من التمر وكأسٌ من العصير الطبيعي، فذلك يُساعد الطفل في تعويض كميةٍ كبيرةٍ من السكريات والمعادن والماء الذي فقده جسمه في أثناء الصيام.
  • تعويض ما فقده الجسم من سوائل من خلال شرب الماء.
  • يُفضَّل أن يتضمَّن الإفطار -إلى جانب الوجبة الرئيسة- شوربة الخضار أو أيَّ نوعٍ آخر لا يحتوي على الكثير من الأملاح؛ وذلك لتعويض الطفل عن السوائل التي فقدها جسمه.
  • يُفضَّل تناوُل الخضار، والتي تُعدُّ من الأطباق الهامَّة جدّاً على مائدة الإفطار، وذلك سواءً كانت مطبوخة أو طازجةً مثل: السلطة؛ لاحتوائها على كمياتٍ وافيةٍ من الماء والفيتامينات، ممَّا يُساعد في الشبع.
  • من الأفضل أن يكون هناك طبقٌ رئيسٌ واحدٌ يحتوي على نوعٍ من مجموعة البروتينات، كاللحوم بأنواعها المختلفة؛ وكذلك على النشويات كالأرز، أو البطاطا، أو المعكرونة.
  • من الأفضل تجنُّب تناول الأطعمة المالحة والبهارات، والتي قد تزيد من الشعور بالعطش.
  • من الأفضل تجنُّب أو تخفيف تناوُل الأطعمة المقليّة، بالإضافة إلى الأطعمة الدسمة، والتي قد تُسبِّب مشاكلاً في المعدة وعسراً في الهضم.
  • يمكن للأهل أن يقدِّموا للطفل الصائم وجبة تحليةٍ مؤلَّفةً من الفواكه أو الأرز بالحليب الغنية بالفيتامينات والمعادن، بدلاً من الحلويات الغنية بالدهون والسكريات، وبذلك يتناول الطفل تحليةً لذيذةً وصحيةً، ويحصل في الوقت ذاته على ما يحتاجه من فيتاميناتً ومعادن لبناء جسمه وعظامه.
إقرأ أيضاً: 5 فيتامينات ضروريّة لطفلك بعد رمضان

بالنسبة إلى وجبة السحور:

إنَّ وجبة السحور وجبةٌ هامَّةٌ جداً في رمضان بالنسبة إلى الأشخاص البالغين، فما بالك بالأطفال الذين ينوون صيام يومٍ كاملٍ، أو يحاولون الصيام. لذلك يجب على الأهالي مراعاة الأمور التالية:

  • من الأفضل تأخير وجبة السحور قدر الإمكان وجعلها في وقتٍ قريبٍ من موعد بدء الصيام، وذلك كونها هامَّةً جداً لمنح الطفل الطاقة التي يحتاجها جسمه لتحمُّل الصيام، وحتَّى لا تطول ساعات صيامه، ممَّا قد يتسبَّب في إجهاده وتأثُّر صحته بسبب تعرُّضه إلى الجفاف أو نقصٍ حادٍ في مستوى السكر.
  • يُنصَح أن تحتوي وجبة السحور على جميع العناصر الغذائية الهامَّة، والتركيز بشكلٍ خاصٍّ على عنصر الكالسيوم، والذي يتوافر في منتجات الحليب والألبان.
  • من الأفضل أن تحتوي وجبة السحور على البروتين، والذي يتوفَّر في البيض، والحليب، واللبنة، والجبن.
  • التركيز على تناوُل النشويات، والتي تمنح الجسم الطاقة اللازمة، مثل: الخبز، والحبوب.
  • يُفضَّل التنويع في الخضروات، والامتناع عن تناول الموالح أو المخللات لاحتوائها على الملح، والذي يسبِّب العطش.
  • يُنصَح بشرب كمياتٍ كافيةٍ من الماء، والابتعاد عن شرب المياه الغازية والشاي؛ لأنَّهما يعملان على تنبيه الجهاز العصبي، الأمر الذي قد يصيب الطفل بالأرق وصعوبة النوم، وبالتالي الشعور بالتعب في أثناء الصيام.

وأخيراً، يُنصَح بمراقبة الطفل في أثناء فترة صيامه، وإيقافه عن الصيام في حال شعوره بالتعب أو المرض، مع مراعاة عدم قيام الطفل بأيِّ مجهودٍ شاقٍ خلال ساعات الصوم، وفي حال ظهور أيِّ أعراض نقص فيتامينات أو معادن أو جفاف يجب التوقُّف عن الصيام فوراً، واستشارة الطبيب.

 

المصادر:  1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، 6




مقالات مرتبطة