سايكولوجيا العنف في المدارس: آثاره السلبية وطرق محاربته

لأنَّ العلم هو أساس تقدُّم الشعوب وبناء الحضارات، فإنَّ المدارس لها الدور الأهم في تأمين الطاقات البشرية والعقول التي تعي أولاً أهمية العلم، وتؤمن بأنَّه السبيل الوحيد للخلاص من جميع المشكلات سواء كانت اقتصادية أم اجتماعية أم صحية أم غيرها.



شخصيَّة المعلم في مدارس الدول النامية:

إنَّ أساس أيَّة مدرسة هو الكادر التعليمي والإداري؛ إذ يحتل المعلِّم مكانة مرتفعة ومرتبة عالية اجتماعية وعلمية وثقافية في المجتمع، وفي بعض المجتمعات ترتفع رتبة المعلم إلى منزلة رسول؛ وهذا أمر قد يبدو جيداً في الظاهر وداعماً للعلم والعملية التعليمية التي لا تكتمل إلَّا بهيبة الأستاذ أو المعلم، ولكنَّه في بعض الحالات قد يؤثر سلباً في العملية التعليمية.

في الكثير من الدول النامية تكون صورة المعلم مبالغ فيها تجاه ما يملكه هذا المعلِّم من وعي تربوي أو فكري أو حتى تعليمي؛ إذ إنَّ التعامل مع الطفل يحتاج إلى منهجية خاصة به غير تلك التي نتبعها مع الكبار؛ وهذه النقطة غير موجودة غالباً عند المعلم في الكثير من الدول النامية.

إقرأ أيضاً: التنمر المدرسي: تعريفه، أسبابه، وطرق علاجه

ما هي أبرز الأخطاء التي تُرتكَب في المدارس؟

1- التعنيف:

لا بدَّ أنَّ هذه الظاهرة قد تراجعت في السنوات الأخيرة جداً في الكثير من الأماكن، ولكنَّها ما تزال موجودة في دول العالم الثالث بشكل لا يمكن إهماله؛ إذ إنَّ تعنيف الطفل أو التلميذ ليس حلاً للمشكلة؛ بل زيادة لها، وهو يعكس العقلية الخاطئة الموجودة عند المعلم؛ وهنا تكمن المشكلة الأساسية.

2- العلامة أهم من المعلومة:

نرى في العديد من المدارس أنَّ الطلاب وبعض المعلمين يعطون أهمية أكبر للعلامة؛ وذلك على حساب المعلومة، فقد يلجأ بعض الأساتذة إلى الطلب من التلاميذ حفظ أشياء حفظاً جافاً كما هي من أجل الحصول على العلامة، وفي ذلك إهانة لفكرة التعليم وتقليل من أهمية العلم، فكما نعلم أنَّ العلم وحده يبني الأوطان وليس العلامات.

3- جفاف العملية التعليمية:

توجد بعض المدارس تعطي الدروس دون استخدام أيَّة أدوات مساعدة؛ متجاهلة ربط المعلومات من قوانين فيزيائية أو كيميائية أو رياضية بالحياة العملية والواقعية بما يتناسب مع المستوى العقلي للطفل؛ إذ أثبتت الدراسات الحديثة أنَّ أكثر الطرائق التعليمية نجاعة وفاعلية هي الطرائق التي تركز في تبسيط المعلومات من خلال ربطها بأمور عملية نستخدمها في حياتنا اليومية.

شاهد بالفيديو: أعراض التنمر المدرسي وعلاجه

ما هي أشكال العنف المدرسي؟

1- التهديد:

يُعَدُّ التهديد بالعنف من أكثر الأساليب التي تؤذي نفسية الطفل؛ فهي تؤذيه أكثر من العنف بحد ذاته، صحيح أنَّ تعرُّض الطفل للعنف هو أمر مؤذٍ، ولكنَّه ينتهي بانتهاء العنف في أغلب الحالات ويستمر بعض الشيء بحسب كل طفل، ولكنَّ التهديد بالعنف يترك أثراً أكثر ديمومة في نفسية الطفل؛ وذلك لأنَّ خياله دوماً ما يدفعه إلى تخيُّل أبشع سيناريوهات العنف واجترارها لفترات طويلة.

2- التحقير:

قد يأخذ العنف المدرسي أشكالاً لفظية أو غير جسدية؛ مثل السب أو الشتم أو إطلاق لقب مُعيب على الطفل يجعل أقرانه يستهزؤون به؛ وهذا شكل مؤذٍ من أشكال العنف المدرسي الذي لا يمكن التغاضي عنه بأي شكل من الأشكال؛ وذلك لأنَّه يحطِّم ثقة الطفل بنفسه، ويؤثر سلباً في إنتاجيته وعملياته العقلية والفكرية.

3- الضرب:

هو أحد أشيع أشكال العنف المدرسي، وعلى الرغم من وجود قوانين تمنع ضرب الطفل في المدارس، إلَّا أنَّ الكثير من المنظمات الحقوقية والإنسانية توثِّق تعرُّض الأطفال لحالات بشعة من العنف المدرسي، وأكثر ما تكون في دول العالم الثالث.

ما هي الآثار السلبية للعنف في المدارس؟

  1. إنَّ استخدام العنف ضد الطفل ليس حلاً تربوياً أو إنسانياً؛ بل هو تفريغٌ لانفعال المعلم وغضبه الناجم عن مخالفة الطفل للنظام العام.
  2. العنف مع التلميذ لا يحل المشكلة؛ أي إنَّه لا يعلِّم الطفل أن يكون منضبطاً؛ بل يجبره على ذلك بدافع الخوف من الضرب.
  3. قد يلتزم الطفل بنظام المدرسة خوفاً من العقوبة التي يمكن أن يطبِّقها المعلم بحقه، لكن خارج المدرسة سيغيب الالتزام بالنظام بسبب غياب المعلم والعقوبة.
  4. إنَّ الوسيلة الأساسية في التعامل مع الطفل هي الحب، وخاصةً في السنوات الأولى من المدرسة؛ فالعنف سيُحدِث الكثير من الاضطرابات النفسية والانفعالية لديه.
  5. لا يقتصر تأثير العنف في الطفل على دقائق أو ساعات أو أيام فقط؛ بل يمتد في حالات كثيرة إلى سنوات طويلة، وقد يستمر معه طوال حياته.
  6. يؤثر في نمو الطفل وتطوره العقلي والنفسي والشعوري والانفعالي، ويحطِّم في داخله مواطن الإبداع، ويمنعه عن أن يكون إنساناً سوياً في المستقبل.
إقرأ أيضاً: الآثار السلبية لضرب الأطفال ونتائجها

ما هي المشكلة الأساسية التي يسببها العنف في المدارس؟

إنَّ الطفل الذي يأتي كل يوم إلى المدرسة مبرمج بحكم والديه وبيئته الاجتماعية على أنَّ الأستاذ أو المعلم في المدرسة هو شخص كامل من الناحية الأخلاقية والعلمية ولا يمكن أن يقع في الخطأ؛ فما يراه الطفل من أستاذه في المدرسة يأخذه على أنَّه حقيقة مطلقة غير قابلة للخطأ ولا تحتمل الشك؛ وهذا ما يُسمى بالتفكير الحدِّي عند الطفل؛ والذي يأخذ الأمور بتطرُّف؛ أي إمَّا خير مطلق أو شر مطلق.

يؤدي هذا النمط من التفكير - والذي يوجد بنسب متفاوتة عند الأطفال - إلى ترسيخ فكرة العنف في ذهن الطفل، وعدِّها أمراً عادياً أو نوعاً من أنواع القوة التي يريد امتلاكها في المستقبل. وعندما يكبر الطفل قد تكبر هذه الفكرة معه، ويسعى إلى امتلاك السلطة أو المنصب من أجل امتلاك القوة التي تمكِّنه من ممارسة العنف، وهو غير قادر على تصنيف هذا الفعل ضمن قائمة الممارسات الخاطئة؛ وذلك لأنَّ العنف الذي تلقاه في طفولته قد أدى إلى أذية دارات المحاكمة العقلية بشكل أو بآخر.

هذا الطفل الذي تربَّى في وسط يمارس العنف بشكل طبيعي أو تعرَّض للعنف بطريقة أو بأخرى، قد يكبر ويمارس العنف أيضاً على مَن هُم أقل منه رتبة أو علماً أو عمراً، وهنا يكون المجتمع قد دخل في دائرة مفرغة من العنف، وكل جيل تربى على العنف سيعمل على تطبيق العنف على الجيل الذي سيأتي بعده وينقله إليه.

شاهد بالفيديو: 15 نصيحة للآباء في تربية الأبناء

لماذا يجب محاربة العنف في المدارس أكثر منه في الأماكن الأخرى؟

لا يمكن الإنكار بأنَّ العنف هو ظاهرة سلبية يجب محاربتها أينما وُجِدَت وأينما انتشرت، ولكنَّ العنف في المدارس له أولوية خاصة، بحكم ما يأتي:

  1. الأطفال الذين يتعرَّضون للعنف في المدارس، لن يكونوا قادرين في المستقبل على أن يكونوا أفراداً منتجين في مجتمعاتهم، ومن ثم فإنَّ ظاهرة العنف في المدارس يمكن أن تقضي على المستقبل.
  2. إنَّ تعرُّض الطفل للعنف في المدرسة يختلف اختلافاً كاملاً عن تعرُّضِه للعنف بعد مرحلة المدرسة؛ وذلك لأنَّه في سنين حياته الأولى تتأثر شخصيته على الأمد الطويل وربما يبقى متأثراً بذلك طوال حياته، وذلك على عكس العنف في مرحلة الجامعة أو مرحلة الكهولة؛ إذ يكون تأثير العنف أخف بكثير.
  3. إنَّ العنف في المدارس يؤدي إلى تخريج أجيال مضطربة نفسياً تعاني من الكثير من العقد النفسية، وتكبر هذه الأجيال وهي تتصارع مع ذاتها دون أن تكون قادرة على فهم مشاعرها وعواطفها؛ وذلك لأنَّها فقدت هذه القدرة جرَّاء العنف الذي تعرَّضت له في فترة المدرسة.

كيف يمكن محاربة ظاهرة العنف المدرسي؟

  • إنَّ أهم نقطة في محاربة العنف المدرسي هي نشر ثقافة التسامح ونبذ العنف؛ وذلك من خلال ورشات تثقيفية تعليمية للكادر الإداري والتدريسي.
  • سنُّ قوانين واضحة وصارمة من أجل حماية الطفل من أشكال العنف المدرسي كافة؛ سواء كانت لفظية أم جسدية.
  • وضع آلية رقابية جديَّة تراقب سير العملية التعليمية؛ وذلك من خلال إجراء جولات تفقدية مفاجئة على المدارس وسؤال التلاميذ بعيداً عن وجود المعلمين.
  • سنُّ تشريعات وقوانين دولية واضحة تتيح لمنظمة حقوق الإنسان أن تتدخل تدخُّلاً مباشراً بالدول التي تمارس العنف المدرسي.
  • نشر ثقافة حقوق الإنسان وحقوق الطفل، ونشر الوعي عند الأطفال بخصوص حقوقهم وبأنَّ من حقهم العيش بسلام وأمان في أوطانهم، وتلقِّي التعليم هو أحد هذه الحقوق التي يجب على الحكومات تقديمها بشكل إنساني.

كيف يكون رد فعل الطفل على ظاهرة العنف المدرسي؟

  1. قد يلجأ الطفل إلى تخريب الأثاث المدرسي من مقاعد وكتب ووسائل تعليمية؛ وذلك بوصفه ردَّ فعل على العنف المدرسي؛ وهذا يجعل المشرفين عليه يزيدون من العنف وهذا يؤدي إلى المزيد من التخريب.
  2. التأخُّر الدراسي والعلمي، وقد يصل الأمر إلى حد الرسوب.
  3. الاكتئاب والكثير من الاضطرابات النفسية والعقلية.
  4. شخصية مُعادية للمجتمع في المستقبل.
  5. ممارسة العنف خارج المدرسة.
إقرأ أيضاً: نظرية "اضرب مَن يضربك": أسلوب لاسترداد الحق أم منهج تدميري للطفل؟

كيف يمكن معالجة نتائج العنف المدرسي؟

  • إقامة ورشات تعليمية وتثقيفية ونشاطات متنوعة تُنمِّي من مهارات التعامل الاجتماعي عند الطفل.
  • تشجيع الطفل على قراءة القصص والمجلات؛ إذ تبيَّن أنَّ لها دوراً إيجابياً في معالجة الآثار النفسية الناجمة عن العنف المدرسي، فيما يُطلَق عليه اسم العلاج القصصي.
  • تشجيع الطفل على إبلاغ والديه عن تعرُّضه لأيَّة حالة عنف داخل المدرسة؛ وهذا بحاجة إلى علاقة جيدة وآمنة بين الطفل وأسرته.

في الختام:

إنَّ تعرُّض الأطفال للعنف في المدرسة يؤدي إلى نمو هؤلاء الأطفال وهم يَعُدُّون العنف أمراً عادياً، أو حتى أداةً ضرورية من أجل الحفاظ على الانضباط والنظام؛ وهذا يدفعهم إلى ممارسة هذا العنف حين يكبرون معتقدين أنَّهم بذلك يفعلون شيئاً مفيداً؛ لذا يجب محاربة العنف المدرسي بشتى الوسائل الممكنة.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة