سايكولوجيا السرقة عند الأطفال: أسبابها وأساليب علاجها

في البداية يجب أن نشير إلى قضية في غاية الأهمية وهي أنَّ الطفل عندما يكون عمره أقل من خمس سنوات تقريباً، لا يمكن أن نقول إنَّه لديه حس أو مشكلة السرقة حتى ولو قام بذلك بطريقة واضحة؛ وذلك لأنَّ الطفل قبل مرحلة الخمس سنوات لا يدرك معنى الملكية ولا يميز بين ملكيته الخاصة وملكية غيره، فالموضوع لديه يكون عبارة عن إشباع حاجات ليس إلا.



على سبيل المثال عندما يشعر الطفل بالجوع فإنَّه يذهب إلى حقيبة صديقه ويأخذ منها الطعام ويأكل دون أن يكون لديه أي شعور بأنَّه قد قام بفعل غير أخلاقي؛ إذ إنَّه في هذه المرحلة لا يمكن أن يستوعب سوى معادلة "أنا جائع لذا أريد أن أتناول الطعام"، وذلك بصرف النظر عن ملكية الطعام أو بقية الظروف المحيطة بعملية الأكل.

إنَّ الطفل لا يستطيع أن يدرك معنى أو مفهوم السرقة من تلقاء نفسه؛ أي إنَّه حكماً بحاجة ماسة إلى مَن يعلمه ويرشده نحو الصحيح ويحذره عند ارتكاب أمر خاطئ؛ إذ إنَّه يتعلم ذلك من خلال ردة فعل والديه في حال قيامه بأخذ ما ليس له.

ما هي الأسباب السايكولوجية التي تدفع الطفل إلى السرقة؟

1- الحرمان:

وجد خبراء علم النفس أنَّ أغلب الأطفال الذين يسرقون يفعلون ذلك بدافع الحاجة؛ وذلك سبب شائع جداً، فالطفل لا يملك القدرة الكاملة على ضبط رغباته وحاجاته مثل الإنسان البالغ.

إقرأ أيضاً: أفضل 3 استراتيجيات لضبط سلوك طفلك

2- إثبات الذات:

لوحِظَ أنَّ عدداً كبيراً من الأطفال الذين يتوجهون إلى السرقة من أجل أن يشتروا لأصدقائهم، ويثبتوا ذواتهم وشجاعتهم بين أفراد المجموعة.

3- إثارة الانتباه:

في بعض الحالات قد يكون الأبوان في حالة انشغال عن الطفل؛ وهذا ما يُقلِق الطفل ويجعله يعيش حالة من القلق وعدم الارتياح؛ لذا فإنَّه يلجأ إلى إثارة انتباه أهله من خلال قيامه بفعل السرقة، ويلاحَظ هذا السلوك عند ولادة طفل ثاني في العائلة وانصراف الوالدين نحو الاهتمام به.

4- التودد والتقرُّب:

يروي الأهل أنَّ طفلهم سرق المال من منزل الجيران وذهب ليشتري بلايستايشن لصديقه، وهنا نلاحظ أنَّ الطفل كان يهدف إلى بناء صداقات والتودد والتقرُّب، ولا يسرق من أجل المال.

5- عدم احترام ملكيته الشخصية:

إنَّ أخذ الأهل للمال الذي بحوزة طفلهم دون إذنه، أو حتى دون إخباره؛ فهذا يجعله يقول في نفسه: "هم يأخذون مني دون علمي؛ لذا يجب عليَّ أن آخذ منهم"، وهنا يتعلم الطفل عدم احترام ملكية الآخرين؛ لأنَّ أهله أصلاً لا يحترمون ملكيته.

6- انعدام الأمان:

إنَّ إحساس الطفل بحالة انعدام الأمان التي قد تكون ناجمة عن عدة أسباب منها انشغال الوالدين عن رعاية طفلهم والاهتمام به؛ وهذا يدفعه إلى سرقة الأشياء من أجل الحصول على الأمان؛ إذ إنَّ وجود الأغراض والحاجات والمأكولات لديه تشعره بنوع من الأمان وتعوضه عن شعور النقص.

7- دافع الانتقام:

قد يلجأ الطفل إلى السرقة من أجل الانتقام من صديقه أو إخوته أو حتى والديه؛ إذ يشعر الطفل بالضعف والغبن وخاصةً عندما يكون غير قادر على أخذ حقه بطريقة مباشرة؛ لذلك يقوم بذلك بطريقة غير مباشرة من خلال السرقة.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح تساعد على تكوين شخصيّة الطفل السليمة

ما هو سبب تكرار فعل السرقة من قِبَل الأطفال؟

وجد العلماء والباحثون - من خلال إجراء التصوير الشعاعي الوظيفي للدماغ - وجود منطقة معيَّنة في الفص الجبهي عند البالغين والكبار في العمر تجعلهم يتعلمون من الخطأ؛ إذ يُظهِر التصوير وجود نشاط في هذه البؤرة عندما يرتكب الإنسان خطأً ما ويحاول التعلُّم منه من خلال تخزينه ومن ثم التعامل معه بشكل صحيح في المرة القادمة.

ولكنَّ هذه البؤرة غير موجودة لدى الأطفال الصغار والمراهقين؛ إذ من الممكن أن يكرروا نفس الخطأ دون أن يتعلموا منه؛ أي قد يكرر الطفل عملية السرقة على الرغم من نصائح الأهل أو حتى التوبيخ؛ هذا لأنَّ البؤرة لم تنشط أو لم تنضج بعد.

شاهد بالفيديو: 15 نصيحة للآباء في تربية الأبناء

ما هي الطرائق المستخدمة من أجل معالجة مشكلة السرقة عند الأطفال؟

1- ترسيخ مفهوم الملكية:

يجب على الأهل العمل على بناء مفهوم الملكية بالتدريج عند الطفل؛ وذلك من خلال احترامهم لملكيته الخاصة وعدم أخذ أي غرض من أغراضه الشخصية إلَّا بعد سؤاله وأخذ موافقة واضحة منه، ويتعلَّم الطفل من هذا السلوك أن يسأل صاحب الشيء قبل أن يأخذه.

2- القدوة الحسنة:

لا شكَّ بأنَّ الطفل يقتدي بوالديه دائماً؛ لذلك يجب على الأهل أن يكونوا حذرين حيال تصرفاتهم أمام الطفل؛ إذ قد يمر الوالدان بجانب شجرة قد تعود ملكيتها إلى أحد أصدقاء العائلة وهذا لا يمانع أن يقطفوا منها حتى في حال عدم وجوده، ولكنَّ الطفل لن يفهم جميع ملابسات وظروف القصة؛ بل ستبدو القصة له بأنَّها شجرة وأنا يجب أن آكل منها؛ لذا يجب على الأهل الامتناع عن القطف منها إلَّا بوجود صاحبها.

3- قصص الأمانة:

مليئة هي المكتبات التي تحتوي على الكثير من القصص التي تتحدث عن مفهوم الصدق والأمانة واحترام ملكية وخصوصية الآخرين؛ لذا يجب قراءة هذه القصص للطفل أو تشجيعه على قراءتها؛ وذلك حسب المرحلة العمرية للطفل؛ لما لها من أثر عظيم في زرع مبادئ وقيم سامية وإيجابية ومفيدة تسهم مساهمة كبيرة في صناعة إنسان أخلاقي ملتزم.

4- إعادة ما ليس له:

إذا أتى الطفل إلى أهله وفي يده لعبة يقول إنَّه وجدها في الشارع، فيجب على الأهل أن يشرحوا للطفل أنَّ هذه اللعبة ليست له، ولا يمكنه أخذها حتى لو لم يكن لها مالك؛ إذ إنَّ هذا التصرف ضروري جداً من قبل الأهل وهام في بناء شخصية الطفل.

5- كل شيء له مقابل:

يجب على الأهل أن يعلِّموا طفلهم أنَّ لكل شيء في هذه الحياة مقابل؛ فعلى سبيل المثال عند الذهاب إلى السوبر ماركت نشرح للطفل بأنَّنا لا نستطيع أن نحصل على أي غرض دون دفع المال؛ وهذا المال أيضاً لا نستحقه إذا لم نعمل شيئاً مقابل الحصول عليه، وطبعاً مع استخدام لغة تراعي المرحلة العمرية للطفل.

6- عدم حرمان الطفل:

يجب على الأهل ألَّا يبخلوا على طفلهم بما هو متوفر لديهم؛ إذ لا يجوز معاقبة الطفل بحرمانه من مصروفه؛ لأنَّ ذلك يولِّد في داخله شعور الحاجة وشعور الإحباط أمام أصدقائه؛ لذا من الأفضل أن يكون للطفل مصروف ثابت يتقاضاه من الأهل بشكل دوري ومنتظم.

7- تفهُّم الطفل:

يجب على الأهل أن يتفهموا طفلهم بطريقة إيجابية لا تضره ولا تزيد من المشكلة عندما يسرق؛ إذ من المفضل أن يجلس الأهل مع طفلهم ويفهموا منه سبب ما فعله ويعملون على معالجته؛ فعلى سبيل المثال إن كان السبب هو الحاجة، فيجب على الأهل زيادة المصروف المخصص له، وإن أحسَّ الأهل بأنَّ طفلهم يلجأ إلى السرقة ليثبت ذاته بين أصدقائه أو ليثير الانتباه بعد ولادة أخ جديد له، هنا على الأهل أن يعلموا أنَّ السبب هو نقص اهتمامهم وتجاهلهم لاحتياجاته النفسية والعاطفية.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح للتعامل مع الطفل السارق

8- الابتعاد عن الضرب:

في حال اكتشف الأهل أنَّ ابنهم يسرق؛ يجب الامتناع عن ضربه أو إيذائه فقد يكون الطفل يقوم بالسرقة أصلاً بوصفها ردَّ فعل على تعرُّضه للضرب؛ لذلك العنف لا يحل المشكلة؛ بل قد يدفع الطفل إلى إعادة الكرة بغية استفزاز والديه والانتقام منهم بسبب الضرب.

9- عدم القول له: "أنتَ سارق":

سيكون الطفل ما تطلقه عليه من ألقاب أو أوصاف؛ فقد يظن الأهل أنَّه في حال قالوا لابنهم: "أنتَ سارق"، سيخاف من السرقة، وبخلاف ذلك تماماً؛ لأنَّ دماغ الطفل لا يعمل بنفس الطريقة التي يعمل بها دماغ البالغ؛ إذ إنَّ تصرفاته تصبح كتصرفات السارق في حال قلنا له تلك العبارة.

10 - معاملة ابنك بصفتك صديقاً له:

لا توجد علاقة أجمل من علاقة الصداقة بين الأهل والطفل؛ إذ إنَّ علاقة الصداقة تجعل الأهل يعرفون تماماً كل ما يدور في ذهن أطفالهم، ويصلون بذلك إلى كل تصرفاته وأفكاره قبل أن يطبقها على أرض الواقع؛ وهذا يفيد الطفل من ناحية تلقي النصائح الإيجابية والمفيدة من قبل الأهل والاستفادة من خبرتهم في الحياة.

11- تعليم الطفل أن يفكر في الآخرين:

عندما تتأكد من أنَّ طفلك قد سرق، فيجب عليك أن تفهم منه أولاً ظروف وملابسات الحادثة ثم تطلب منه أخيراً أن يضع نفسه مكان الشخص الذي تعرَّض للسرقة، ثم تسأله عن شعوره فيما لو تعرَّض للسرقة؛ ألن يكون هذا مؤلماً ومزعجاً؟ هل تحب أن يأخذ أحد منك كرتك التي تحبها أو أغراض بيتك؟ طبعاً نقول هذا الكلام بلغة هادئة وعقلانية دون أن نلجأ إلى الصراخ أو التهديد.

شاهد بالفيديو: 6 خطوات أساسية لتربية الأطفال على المسؤولية

في الختام:

في الحقيقة يمكن تلخيص كل ما جاء في هذا المقال بنصيحة واحدة يمكنها علاج - ليس فقط مشكلة السرقة - بل كل المشكلات التي يمكن أن يعاني منها الطفل؛ وهذه النصيحة هي: "أحبوا أطفالكم دون شروط"؛ إذ إنَّ الحب غير المشروط هو أسمى ما يمكن تقديمه للطفل، وهو حاجته الأساسية ودواؤه تجاه كل ما يمكن أن يواجهه في الحياة، فيجب على الأهل ألَّا يخاطبوا طفلهم: "أحبك فقط إن أتممتَ واجباتك، أو أحبك فقط إن سمعت كلامي، أو أحبك فقط إن أصبحتَ مؤدباً"؛ بل على الأهل أن يقدموا الحب المطلق لطفلهم دون قيد أو شرط، فهذه الطريقة ستدفع الطفل إلى أن يطيع الأهل بكل محبة وسرور، عوضاً عن طاعتهم خوفاً من أن يفقد محبتهم واهتمامهم.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة