دور التغيير في تحقيق النجاح

يثبت التاريخ مرةً تلو أخرى أنَّ إنجازات الإنسان ما هي إلَّا ثمرة طموحاته ومعتقداته، فقد ظلَّ السفر إلى الفضاء الخارجي ضرباً من المستحيل حتى جاء عام 1969 ودحض هذه الفرضية بوصول أول إنسان إلى سطح القمر.



بدأ العمل على تحقيق حلم الوصول إلى الفضاء الخارجي بناءً على طلب الرئيس الأمريكي "جون كينيدي" (John Kennedy)، ومنح الرئيس الأمريكي العلماء آنذاك مطلق الصلاحيات لتحقيق الحلم، وصرح بأنَّ الولايات المتحدة الأمريكية "تتعهد بتحقيق حلم البشرية المنشود بالوصول إلى الفضاء الخارجي وهبوط أول إنسان على سطح القمر وعودته سالماً إلى الأرض قبل انتهاء العقد الحالي".

لقد حفَّز هذا التحدي الروح المعنوية والقدرات الإبداعية والرغبة في تحقيق إنجاز غير مسبوق على مر التاريخ، ولقد صار المستحيل واقعاً حقيقياً بفضل تحدٍّ واحد جريء أيقظ الملكات الإبداعية لدى الإنسان.

لا شكَّ أنَّ المبادئ نفسها التي ساعدت الإنسان على الوصول إلى سطح القمر قادرة على تغيير حياتك جذرياً أيضاً، ويتحقق النجاح عند اجتماع عوامل الرغبة والتخطيط والجد والمثابرة، ولا تكمن المشكلة في مدى فاعلية هذه العوامل، وإنَّما بقدرة الفرد على تطبيقها والالتزام بها، لذا يستطيع الإنسان أن يحققَ جميع أحلامه عندما يمتلك الشجاعة اللازمة للإيمان بها وبقدرته على بلوغها.

لا تحدث التغييرات الجذرية في حياة الإنسان بين ليلة وضحاها؛ إذ تقتضي الخطوة الأولى تحديد المشكلة وراء التجارب الفاشلة.

أثر الأخطاء التراكمية على الأمد الطويل:

الفشل ليس مجرد تجربة أو حدث بحد ذاته، وإنَّما هو مجموعة من أخطاء المحاكمة العقلية التي يكررها الفرد في حياته اليومية، إذ يتحقق النجاح عندما يختار المرء أن يتعلَّم من أخطائه ويستفيد منها في تجاربه المستقبلية، في حين ينجم الفشل عن تكرار القرارات الخاطئة مرة تلو أخرى، ولكن لماذا يستمر الإنسان بتكرار أخطاء المحاكمة العقلية مرة تلو أخرى؟

لا يقدِّر الإنسان أهمية أفعاله اليومية؛ لأنَّ القرارات الخاطئة والأوقات الضائعة والهفوات البسيطة لا تُحدِث أثراً ملحوظاً عند اقترافها، ولا تنجم عنها عواقب واضحة على الأمد القصير، ولن يؤدي امتناعك عن ممارسة المطالعة لمدة 3 أشهر على سبيل المثال إلى حدوث عواقب ملحوظة على الأمد القصير.

بالنتيجة ستكرر خطأ المحاكمة العقلية مرة تلو أخرى من جديد؛ إذ لا ينتبه الفرد لهذه الأخطاء ولا يدرك مدى أهميتها وتأثيرها في حياته، وبالمثل مَن يكثر من تناول الأطعمة غير الصحية يصبح أكثر عرضة للإصابة بالأمراض في المستقبل، وتكمن المشكلة في أنَّ شعور اللذة اللحظي عند تناول هذه الأطعمة يمنع الفرد من التفكير في عواقب عاداته الغذائية على الأمد الطويل، وينطبق نفس المبدأ على المدخن الذي يستمر بتكرار قرار التدخين الخاطئ سنة تلو الأخرى؛ لأنَّه لا يلاحظ تأثيره في صحته على الأمد القصير، ولا يدرك أهميته.

تُظهِر نتائج أخطاء المحاكمة العقلية على الأمد الطويل، وعندها يدرك الإنسان عواقب ما اقترفت يداه على مر السنوات؛ إذ يُستنتَج مما سبق أنَّ تأثير أخطاء المحاكمة العقلية تراكمي، وقد يغفل عنه الإنسان في البداية لأنَّه غير ملحوظ على الأمد القصير.

تبرز المشكلة الحقيقية عندما لا يدرك الإنسان حالة الفشل التي يعيشها، لذا يمكن أن تحصل هذه الأخطاء التراكمية خلال فترات النجاح والسعادة دون أن يلاحظها الفرد حتى تتأزم بعد عدة سنوات، ويؤدي غياب العواقب الملحوظة على الأمد القصير إلى تكرار الأخطاء، والقرارات المغلوطة، وأنماط التفكير المؤذية يوماً تلو آخر.

يحكم الفرد على أفعاله بالصواب عندما لا تترتب عليها نتائج مؤذية على الأمد القصير، وبناءً على ما سبق يقتضي تحسين عملية اتخاذ القرار تغيير الفلسفة الحياتية التي تملي على الإنسان أفعاله وخياراته، لذا يجب أن تكون هذه الفلسفة الشخصية مدروسة وبنَّاءة حتى تساعد الفرد على اتخاذ قراراته، والانتباه لأفعاله والتأثيرات التراكمية الناجمة عنها.

شاهد بالفديو: 10 نصائح من ستيف جوبز لتحقيق النجاح

تحقيق النجاح بطريقة التغيير:

يمكن تفادي الأخطاء المؤدية إلى الفشل واستبدالها بمقومات النجاح بطريقة التركيز على التفكير المستقبلي، وعده أحد الأركان الرئيسة في الفلسفة الحياتية، ويتم ذلك بطريقة تخصيص بعض الوقت للتفكير بالمستقبل بصورة منتظمة بغية تكوين صورة واضحة عن تداعيات السلوكات والأفعال الحالية على الأمد الطويل.

تساعدك هذه المعلومات القيِّمة على تحديد الإجراءات اللازمة للتوقف عن تكرار الأخطاء واستبدالها بقواعد سلوكية تؤهلك لتحقيق النجاح، وتؤدي هذه التغييرات اليومية إلى إحداث نتائج إيجابية في حياتك، إذ تتحسن صحة الإنسان بشكل ملحوظ عندما يغير عاداته الغذائية ويلتزم بتناول الطعام الصحي، كما يزداد شعوره بالنشاط عندما يداوم على ممارسة التمرينات الرياضية، وتتحسن مهارات الإدراك وتزداد الثقة بالنفس عند الالتزام بالدراسة.

هذا يعني أنَّ الالتزام بعمل ما بشكل يومي؛ يؤدي إلى إحداث تغييرات جذرية تشجع الفرد على ضبط نفسه والالتزام بمزيد من القواعد السلوكية في المستقبل، لذا عليك أن تبدأ رحلة التغيير في الحال حتى تنعم بحياة طيِّبة وناجحة في المستقبل، ولن تقبل بعيش حياة متواضعة خالية من الشغف والإنجازات بعد أن تعمل بجد وتبذل ما بوسعك لتغيير التصرفات والقرارات الخاطئة واستبدالها بقواعد سلوكية بنَّاءة ومجزية.

العواطف المرتبطة بالتغييرات:

العواطف هي القوة المحركة للإنسان والتي تتحكم بمستوى أدائه في الحياة؛ بل ويمكن تعريف الحضارة بحد ذاتها على أنَّها الاستثمار الذكي للعواطف الإنسانية، ويتحقق التقدم في الحياة بطريقة العمل المشترك بين العواطف التي تمثل القوة الكامنة في الإنسان، والعقل المسؤول عن توجيه هذه القوة واستثمارها في تحقيق الإنجازات والنجاحات.

فيما يأتي 3 أنواع للعواطف الأساسية التي تحفز التقدم في الحياة:

إقرأ أيضاً: 5 عادات عليك التخلص منها للوصول إلى النجاح

1. النفور:

لا يُعدُّ النفور عاطفة إيجابية، ولكنَّه يؤدي دوراً بارزاً في تحسين حياة الأفراد عندما يُستثمَر بطريقة هادفة، فالشخص الذي يشعر بالنفور من وضعه وصل إلى مرحلة تتطلب إجراء تغييرات جذرية لا رجعة فيها، وهو لم يعد يحتمل حياته وأصبح مصمماً على تحسينها، لذا يبرز الجانب الإيجابي لمشاعر النفور عندما يقرر الفرد تغيير وضعه وتحسين حياته.

2. الرغبة:

تتولد مشاعر الرغبة من مجموعة متنوعة من العوامل، وهي تعتمد بشكل رئيس على التوقيت واستعداد الفرد لاستثمارها، لذا يمكن أن تشمل هذه العوامل أغنية مؤثرة أو فيلماً أو محادثة مع أحد الأصدقاء أو تجربة مريرة أو كتاباً أو مقالاً على سبيل المثال.

تختلف محفزات الرغبة من شخص لآخر؛ لهذا السبب عليك أن تستثمر كافة الفرص المتاحة، وتكون مستعداً لخوض جميع التجارب البنَّاءة التي تطرأ في حياتك في أثناء بحثك عن مصدر الرغبة المسؤول عن نجاحك، لذا إياك أن تتجنب التجارب الحياتية خوفاً من التعرض للفشل أو الخيبة حتى لا تحرم نفسك من فرص النجاح والتقدم في الحياة.

3. العزم:

يمكن تعريف العزم على أنَّه العاطفة التي تدفع الفرد إلى اتخاذ قرار التغيير والتصميم على تحقيق الأهداف على الرغم من الصعوبات والتحديات التي يمكن أن تطرأ في أثناء ذلك، وينجح التغيير عندما يتعهد الفرد بالاستمرار، ولا يسمح للمشكلات والصعوبات من أن تثنيه عن تحقيق أهدافه.

اتخاذ قرار التغيير:

قرار التغيير وتوقيته رهن إرادتك، وأنت قادر على ضبط نفسك والالتزام بالمطالعة؛ لتنمية معارفك وخبراتك، وممارسة النشاطات التي تساعد على إحداث التغييرات اللازمة في حياتك، وقد تُشعِرك فكرة التغيير بعدم الارتياح، وتمنعك من اتخاذ قرار التغيير وتطبيقه على أرض الواقع، وبالنتيجة لا يتسنى لك إحراز التقدم في حياتك، وقد لا تظهر عواقب السلوكات والقرارات الخاطئة على الأمد القصير كما ذُكِر في بداية المقال؛ وهذا يعني أنَّ شعورك بالراحة في الوقت الحالي ينذر بنتائج لا تُحمَد عقباها في المستقبل.

يجب عليك أن تفكر في مستقبلك حتى تعطي الأولوية للعمل والجد والدراسة والتفكير الواقعي والثقة بالنفس، وتنبذ الشكوك والراحة والتسلية والأوهام؛ لأنَّها ستمنعك من تحقيق أهدافك وعيش حياة هانئة في المستقبل.

الإنسان قادرٌ على تحديد خياراته واتخاذ قراراته وتغيير وضعه بدلاً من أن يتحسر عليها ويستمر بتكرار الأخطاء مرة تلو أخرى، فكما قال المؤلف المسرحي "شكسبير" (Shakespeare) في مسرحية "يوليوس قيصر" (Julius Caesar): "لا تكمن المشكلة في القدر أو النصيب يا عزيزي "بروتوس" (Brutus)، وإنَّما في إرادتنا واستعدادنا للتغيير".

تحدد خيارات الإنسان ظروفه وواقعه، وهو يمتلك القدرة على تحمل مسؤولية قراراته وأفعاله، فمن يبحث عن الحياة الهانئة لا يحتاج إلى مزيد من الأجوبة أو الوقت للتفكير بوضعه وإصدار الأحكام، وإنَّما يحتاج إلى فهم حقيقة الحياة الواقعية.

لا يجب أن تسمح لأخطاء المحاكمة العقلية اليومية بإفساد مستقبلك، وإنَّما عليك أن تعود إلى المبادئ الأساسية المسؤولة عن تحقيق النجاح في الحياة، وتتخذ القرارات اللازمة لإضفاء السعادة والبهجة على حياتك اليومية.

إقرأ أيضاً: نصائح لتكون أكثر بهجة وسعادة في الحياة

في الختام:

لا تقبل بعيش حياة لا ترضيك، فأنت قادر على تغيير ظروفك ووضعك، وتحسين حياتك؛ إذ تبدأ رحلة التغيير باتخاذ القرارات، وانتقاء الخيارات الأكثر حكمةً في حياتك اليومية.




مقالات مرتبطة