دليلك للتغلب على مخاوفك واكتشاف إمكانياتك

تخيل أن تعيش بلا خوف، ماذا كنت ستفعل؟ إنَّ الخوف هو أكبر معوقاتنا التي تقف عثرة أمام إمكانياتنا، وتقديمنا أفضل ما لدينا كي نكون النسخة الأفضل من أنفسنا؛ وهو أمر بغيض، لكنَّه حالة طبيعية عند البشر، وموجود لدى الجميع دون استثناء.



قد نخاف من الفشل أو الهجر أو النجاح، أو نخاف من ألَّا نكون جيدين بما يكفي؛ والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: من أين ينبع هذا الخوف؟

يقول علماء الأعصاب أنَّ البشر هم أكثر المخلوقات خوفاً على هذه الأرض، وذلك بسبب قدرتنا على التعلم والتفكير وخلق الخوف في أذهاننا؛ فنحن نخيف أنفسنا بتخيل أسوأ النتائج الممكنة، معتقدين أنَّنا نحمي أنفسنا من خطر وشيك.

عندما تفكر فيما كنت مذعوراً من القيام به في الماضي، ستكتشف أنَّه لم يكن بالسوء الذي تخيلته، وأنَّك بدَّدت وقتك بالتفكير فيه سدى؛ فأنت من يختار أن يكون ضحية لمخاوفه، أو أن يدفعها جانباً ويختار أن يكون شجاعاً.

سننظر في هذا المقال في السبب الكامن وراء الخوف وإمكانية التغلب عليه لاكتشاف أقصى إمكاناتنا.

ما هو الخوف؟

يُظهِر لك اختصار أحرف كلمة الخوف باللغة الإنكليزية على حقيقته ("FEAR"):

  • خاطئة (False).
  • دلائل (Evidence).
  • تبدو (Appearing).
  • حقيقة (Real).

فإن جمعت هذه الكلمات الإنكليزية في جملة واحدة، تصبح كالآتي: "Fear: False Evidence Appearing Real"، ويكون معنى الجملة في اللغة العربية كالآتي: "الخوف: مجموعة دلائل خاطئة تبدو وكأنَّها حقيقية".

الخوف هو عاطفة، أي أنَّه ليس شيئاً مادياً؛ فهو ليس حقيقياً إذاً، بل مجرد وهم من صنع عقلك.

تؤدي السيناريوهات التي تتخيلها تجاه تهديد محتمل إلى تغذية خوفك حتى تُستهلَك بالكامل؛ لكن في الحقيقة، لا تحدث هذه السيناريوهات أبداً في كثير من الأحيان.

تقول "ستيفاني ميليش" (Stephanie Melish): "الخوف فكرة معيقة ومحطمة للتجارب ومثبطة للنجاح أنت السبب فيها"؛ فنحن من يصنع السيناريو الذي يغذي الخوف ونتركه يتحكم بنا، رغم أنَّ السيناريوهات التي تتخيلها أذهاننا قد لا تحدث أبداً؛ وأنَّ المسألة الحقيقية ليست الخوف بحدّ ذاته، بل بالأحرى كيف نتعامل معه ونتبنَّاه في أذهاننا.

كيف تتغلب على الخوف وتدرك إمكاناتك؟

قد يبدو التغلب على الخوف أسهل قولاً من الفعل؛ فعندما ترزح تحت وطأة الخوف، فمن الصعب أن تجد مخرجاً؛ لكنَّ الجيد في هذا الموضوع أنَّك أنت السبب الأساسي لمخاوفك، ممَّا يعني أنَّك أيضاً الحل لها؛ ومع ذلك، لن يكون هذا الحل ممكناً ما لم تكن مستعداً لمواجهة مخاوفك.

1. حدد مخاوفك من خلال كتابتها:

قد تشعر في بعض الأوقات بالخوف، لكنَّك لا تستطيع تحديد السبب؛ لكن إذا أبقيت مخاوفك مكبوتة في داخلك، ستسمح لعقلك بالسيطرة على مشاعرك، ممَّا يؤدي إلى نتائج قد لا تُحمَد عقباها؛ ولمنع حدوث هذا الالتباس في المقام الأول، عليك تحديد مخاوفك كخطوة أولى.

ما الذي يُشعِرك بالخوف؟

بدلاً من مجرد التفكير في هذه الأشياء، حاول كتابتها؛ فعندما تكتب مخاوفك على الورق وتتساءل عنها فعلياً، يجبرك هذا على تحليل سبب خوفك؛ إذ إنَّ هذه الأسئلة مصممة لإثارة مخاوفك وإظهارها، رغم أنَّ هذه العملية لن تكون مريحة.

إنَّ ما يعتلج في صدورنا لا يكون مريحاً أبداً؛ لكن ومع ذلك، إذا واصلت إخفاء مشاعرك، سيزداد الأمر سوءاً، وستصبح أكثر ضعفاً؛ ولكن بمجرد تحديد التجربة التي تربطها بمخاوفك، تصبح مسلحاً بالقدرة على اتخاذ تدابير لتغييرها، وتصبح مخاوفك في النهاية أصغر فأصغر، وتزداد قوتك لمواجهتها.

2. عوِّد نفسك على الامتنان:

لا يجتمع الخوف والامتنان معاً؛ فهما حرفياً على طرفي نقيض من استمرارية التجربة الإنسانية؛ فعندما تواجهك أوقات عصيبة في الحياة، فمن السهل أن تقع ضحية الخوف، وأن يُشعِرك أي شيء بالارتباك؛ فقد يكون من الصعب الحفاظ على التوازن في هذا العالم المتغير.

تساعدك ممارسة الامتنان على عدم الانزلاق إلى هوة الخوف؛ ولا يعني هذا أنَّك لن تشعر به، ولكن سيكون وقعه عليك أقل شدة؛ ممَّا يتيح لك رؤية الجانب الأكثر إشراقاً من الحياة الذي لم تؤمن بإمكانية وجوده سابقاً.

يرتبط الامتنان في أبحاث علم النفس الإيجابي بشكل قوي وراسخ بالقدر الأكبر من السعادة، حيث يساعد الامتنان الناس على تكوين مشاعر أكثر إيجابية، والاستمتاع بالتجارب الجيدة، وتحسين صحتهم، والتعامل مع الشدائد، وبناء علاقات قوية.

يعرف أي شخص شعر بالخوف في وقتٍ ما أنَّ هناك دائماً قصة مرتبطة بكلِّ ما يخاف منه؛ وبغض النظر عن ماهية تلك القصة، فإنَّ الفكرة التي تدور في ذهنه في حينه هي: "أنا لا أستطيع فعل شيء".

يحب الخوف الارتباط مع ناقدك الداخلي والتوصل إلى أسوأ السيناريوهات حول ما يمكن أن يحدث؛ لكنَّ الامتنان يساعد في إبعاد هذه القصص المعيقة؛ فعندما تعتاد على الامتنان، ينتقل ذهنك من التفكير السلبي إلى الإيجابي، ويركز على الأمور الناجحة في حياتك بدل تلك التي لم تنجح.

إنَّ الخوف عملية موجهة نحو المستقبل، في حين أنَّ الامتنان عملية موجهة نحو الحاضر؛ لذا في المرة القادمة التي يحاول فيها هذا الخوف التسلل إلى ذهنك، استبدل الفكرة المسببة للإحباط بأفكار تحفيزية؛ وربَّما تبدو هذه الفكرة أسهل نظرياً من تطبيقها العملي، لكنَّها فكرة ناجحة بالتأكيد.

إقرأ أيضاً: لماذا يعد التحلي بالامتنان أمراً ضرورياً؟

3. تحرر من السيطرة:

قد تكون مهووساً بالسيطرة، ويشاركك الكثيرون هذا الطبع؛ حيث تعدُّ طريقة يقوم بها الكثيرون للتحكم بمخاوفهم، أو هكذا يعتقدون، وكل ما يفعلونه في الواقع هو إخفاء مخاوفهم من خلال محاولة السيطرة على كل شيء آخر؛ فإذا كان بإمكانك أن تربط هذه الأمور ببعضها بعضاً، فقد حان الوقت للحدّ من السيطرة؛ ذلك لأنَّك لن تجني منها سوى الخسارة.

يؤدي الخوف إلى التحكم بالسلوك؛ وعندما لا يمنحنا هذا السلوك النتائج التي نسعى إليها، فإنَّه يزيد من حدة مخاوفنا.

إن حاولت السيطرة على الخوف، تصبح في الحقيقة ضحية له؛ إذ تترك حلقة الخوف والسيطرة هذه الكثير من الأشخاص يشعرون بالهزيمة؛ ذلك لأنَّه ستكون هناك دائماً أشياء خارجة عن إرادتك بطبيعة الحياة.

لذا فالطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها نسيان حاجتنا إلى السيطرة هي قبول حقيقة أنَّ الأمر لا يعود لنا دائماً؛ فعندما تملك السيطرة على قراراتك، لا يمكنك دائماً السيطرة على الظروف التي تظهر في طريقك، ولا يمكنك التحكم بكيفية تفاعل الآخرين معك.

الشيء الوحيد الذي تتحكم به هو عالمك الداخلي، وكيف تختار الاستجابة لبيئتك الخارجية؛ لذا في المرة القادمة التي تجد فيها نفسك تحاول التحكم بكل شيء، توقف واسأل نفسك عمَّا تخاف منه، وحاول التقصي عن الأفكار التي تُولِّد خوفك، إذ لا يمكن للفضول والخوف أن يجتمعا؛ وبمجرد أن تتخلى عن أحدهما، تجذب الآخر إليك.

تنبع الحرية الحقيقية من التحرر الكلي من السيطرة؛ وعندما تتمكن من القيام بذلك، ستتخلص من مخاوفك أيضاً.

شاهد بالفيديو: 5 طرق تحول بها الخوف إلى حافز يدفعك للأمام

4. مارس التأكيدات الإيجابية:

يمكن استخدام التأكيدات الإيجابية لمواجهة أي نمط تفكير سلبي تقريباً، ويساعد استخدامها في تحدي مخاوفك وإعادة تدريب عقلك وإعادة صياغة مخاوفك على أنَّها عبارات تحفيزية.

تُظهِر الأبحاث أنَّه يمكنك بالفعل تدريب عقلك الباطن بحيث يساعدك على جذب ما تريده بالضبط في الحياة؛ فبدلاً من قول: "أنا خائف من القيام بذلك لأنَّني قد أفشل"، درِّب نفسك على النظر في المرآة وتكرير عبارة: "لقد أعددت لذلك جيداً، وأنا مستعد، ولن أفشل"؛ إذ كلَّما استخدمت التأكيدات الإيجابية، أصبحت أقوى؛ إذ تعدُّ أفضل طريقة لإلغاء الاعتقاد السلبي تطوير نظيره الإيجابي.

التزم بجعل التأكيدات الإيجابية عنصراً أساسياً في طقوسك الصباحية من خلال قراءتها بصوتٍ عالٍ لتكون طريقتك في إخبار الكون أنَّ "هذا ما أريده"، حيث يتطلّب الأمر فعلياً فكرةً واحدةً تُعاد مراراً وتكراراً، وذلك بغية وضعك على طريق تغيير حياتك بأكملها.

إقرأ أيضاً: 10 طرق بسيطة لجعل التفكير الإيجابي عادة من عاداتك

5. افعل كلَّ يومٍ شيئاً واحداً يخيفك:

لن يغير البقاء في منطقة راحتك من حياتك شيئاً، ولن يؤدي عدم القيام بالأشياء التي تخيفك إلَّا إلى زيادة احتمالية نمو هذه المخاوف وتحكمها بكل قرار تتخذه في الحياة؛ لذا يجدر بك حقاً الخروج من منطقة راحتك.

جرب كل يوم فعل شيء واحد يخيفك مهما كان صغيراً، فكل ما يهم هو أن تتخذ إجراءً إزاءه، واجعل الشعور بعدم الارتياح عادة لديك؛ وقد يبدو القيام بذلك بغيضاً؛ ولكن إن أردت تحقيق النجاح، فعليك أن تكون على استعداد للمحاولة.

يؤدي وضع نفسك في مواقف جديدة وغير مريحة إلى استثارة جزء فريد من الدماغ ليطلق الدوبامين، وهو مادة كيميائية طبيعية تجعلك سعيداً؛ ولعلَّ المثير في الموضوع أنَّه يجري تنشيط تلك المنطقة الفريدة من الدماغ فقط عندما ترى أو تختبر أشياء جديدة تماماً.

عندما تعوِّد نفسك كل يوم على فعل شيء يخيفك، سيتلاشى خوفك وتزداد شجاعتك وتصبح أقوى؛ ولنكن صريحين، عندما تواجه مخاوفك، لن تخاف منها مرة أخرى، وستزداد ثقتك بنفسك بعد فترة وجيزة.

الخلاصة:

جرب واحدة أو أكثر من النصائح المذكورة أعلاه في المرة القادمة التي تخشى فيها الشعور بالخوف، وغيِّر نظرتك إلى الخوف؛ وبدلاً من السماح له بتحطيمك، استخدمه كدافع للتطور وتحقيق المزيد.

بمجرد أن تدرك أنَّ الخوف ليس حقيقياً، ستتخلص من العقبات التي تقف في طريقك، وتكتسب القدرة على القيام بأمور عظيمة.

هناك طريقتان لمواجهة الخوف: انسَ كل شيء واهرب، أو واجه كل شيء وانتصب شامخاً؛ وأنت من يختار بينهما، ولا يمكن عندها لأي شيء أو أحد أن يقف في طريقك إلى العظمة.

يحدد إمكاناتك في الحياة عامل واحد فقط، وهو أنت؛ فهل أنت مستعد إذاً لتحويل خوفك إلى عمل يوصلك إلى ما تريد؟ القرار لك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة