داء بهجت: أسبابه وأعراضه وعلاجه
داء بهجت هو مرض غامض ونادر وذو اسم غريب أيضاً، وسُمِّي هكذا نسبة إلى مُكتشفه الطبيب التركي خلوصي بهجت المدِّرس في كلية الطب في جامعة اسطنبول عام 1937، وفي مقالنا هذا سنتعرَّف إلى هذا المرض وأسبابه وأعراضه وطرائق علاجه بشكل أوسع.
ما هو داء بهجت؟
داء بهجت أو ما يُعرَف بمتلازمة بهجت؛ وهو مجموعةٌ من الأعراض تُصنَّف كحالة نادرة لم تُفهَم أسبابها جيداً بَعد؛ وتُسبِّب التهابات في أنسجة الجسم والأوعية الدموية.
الأمر الذي يُصِّعب تشخيص هذا المرض هو أنَّ الأعراض التي تصاحبه تكون واسعة النطاق ومُعمَّمة جداً؛ فيمكن أن تُصاحب عدداً من الأمراض والحالات الأخرى.
أعراض داء بهجت:
يتظاهر داء بهجت بمجموعة من الأعراض ومنها ما يأتي:
- ظهور قروح في الفم وعلى الأعضاء التناسلية.
- ظهور بقع وآفات جلدية تشبه إلى حدٍّ ما حب الشباب.
- صداع.
- ألم في المفاصل مع قساوة ووذمة فيها.
- وفي الحالات الشديدة تزداد خطورة حدوث مضاعفات تشمل فقدان الرؤية والسكتات الدماغية.
- تأتي الأعراض بشكل نوبات مُتفاوتة الشدة، وتختفي لتعاود الظهور مجدداً بشكلٍ تنكسي.
- تستقر الأعراض مع مرور الزمن ويَعتاد الجسم عليها لتصبحَ أقل إزعاجاً، رغم أنَّ نسبة اختفائها أو الشفاء منها شبه معدومة.
تشخيص داء بهجت:
لا يوجد تشخيص واسم يكشف داء بهجت بالضبط، لكن تجرى بعض الاختبارات التشخيصية للأعراض؛ وذلك لنفي الأسباب الأخرى وتضييق نطاق البحث والتشخيص التفريقي، وتشمل هذه الاختبارات ما يأتي:
- تحاليل دم شاملة.
- تحاليل بول وراسب.
- التصوير بالأشعة السينية البسيطة والطبقي المحوري أو الرنين المغناطيسي.
- إجراء خزعة جلدية.
- اختبار باثرجي الذي يشمل وخز نقطة معيَّنة من الجلد ومراقبة مكان الوخزة ليوم أو عدَّة أيام بعدها لمعرفة إذا ما كان سيحدث ارتكاس تحسسي مكان الوخز؛ إذ يعاني المصابون بهذا المرض من بشرة حساسة جداً.
- تنص الإرشادات الحديثة على أنَّ التشخيص الدقيق لداء بهجت يتم في حال تعرُّض المصاب إلى 3 نوبات أو أكثر من تقرحات الفم على مدى 12 شهراً مع ترافق اثنين من الأعراض الآتية على الأقل:
- التهابات عينية.
- حساسية بشرة شديدةٍ.
- آفات جلدية.
بالإضافة إلى نفي الأسباب الأخرى المسببة لهذه الأعراض قبل وضع التشخيص النهائي.
شاهد بالفيديو: 10 أنواع أطعمة تقوي جهاز المناعة
أسباب داء بهجت:
لا يوجد سبب صريح ودقيق لداء بهجت، ولكنَّ معظم الأطباء يعتقدون أنَّه أحد الأمراض المناعية الذاتية.
المرض المناعي الذاتي هو المرض الذي يحدث نتيجة مهاجمة الجهاز المناعي لخلايا وأنسجة الجسم السليمة؛ إذ يؤدي خلل ما فيه إلى جعله يرى كل خلايا وأنسجة وأجهزة الجسم أجساماً ضارةً ويبدأ بمهاجمتها للتخلُّص منها، وفي حالة داء بهجت يظن الأطباء أنَّ جهاز المناعة يهاجم الأوعية الدموية عن طريق الخطأ.
لم تُحدَّد الأسباب التي تؤدي إلى هذا الخلل في الجهاز المناعي، لكن يعتقد الأطباء أنَّه يوجد عاملان يؤديان دوراً في حدوثه وهما الجينات والعوامل البيئية.
ينتشر داء بهجت في مجموعات عرقية محددة؛ لذا من الممكن أن تكون الجينات ذات ارتباط بهذه الحالة المرضية، وكذلك العوامل البيئية رغم عدم القدرة على تحديدها بشكل دقيق، لكن يُعتَقد أنَّ الأشخاص القاطنين في حوض البحر الأبيض المتوسط وآسيا أكثر عرضةً إلى الإصابة بهذا الداء؛ وذلك ربما بسبب العوامل الوراثية أو العوامل البيئية، وعلى الرغم من أنَّ هذا الداء قد يظهر في مجموعات عرقية أخرى، ولكنَّ أشيع الإصابات فيه كانت في دول المتوسط مثل تركيا وفلسطين وغيرها.
علاج داء بهجت:
لا يوجد علاج نوعي لداء بهجت؛ وإنَّما يعتمد العلاج على معالجة الأعراض واستهداف الالتهابات والقروح الأجزاء الأخرى المصابة من الجسم.
يشتمل العلاج الدوائي على ما يأتي:
- الأدوية المضادة للالتهابات والمنشطات.
- مثبطات المناعة التي تقوم على تخفيف وتثبيط رد الفعل المناعي مثل: الآزوثيوبرين والسيكلوسبورين والميثوتريكسات والميكوفينولات موفتيل والثاليدومايد وغيرها.
- الكولشيسين في معالجة التهابات المفاصل التي ترافقه.
- المعالجة البيولوجية كالأدوية التي تستهدف العمليات الحيوية التي تشارك في عملية الالتهاب، مثل الأدوية المثبطة لعامل نخر الورم ألفا المعروفة باسم إنفليكسيماب وإنترفيرون ألفا.
- الستيروئيدات القشرية الفموية والموضعية أو الوريدية.
- مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية NSAIDs الفموية والموضعية.
- الكورتيكوستيروئيدات الفموية والموضعية أو الوريدية.
- يطبق الكورس العلاجي حسب الأعراض الظاهرة ونوعها وتواتر ظهورها.
نظرة موسَّعة على أعراض داء بهجت:
يتسبب داء بهجت كما ذكرنا بمجموعة واسعة من الأعراض، لكن من النادر أن نجد شخصاً يعاني من كل الأعراض في وقت واحد؛ إذ يعيش المصابون حالة من الثبات وزوال الأعراض تليها انتكاسات ونوبات اشتدادية.
فيما يأتي سنوصِّف الأعراض بشكل أدق:
1. القروح الفموية:
يعاني أغلب المصابين بداء بهجت من قروح فمويَّة تشبه القلاع والقروح الشائعة، لكن تختلف بكثرةِ أعدادها وبأنَّها غير مؤلمةٍ، وغالباً ما تظهر على اللسان والشفاه وباطن الخدين، وتختفي خلال أسبوع أو أكثر دون ترك أيَّة ندوب، لتعاود الظهور مجدداً بعد فترة.
2. قروح على الأعضاء التناسلية:
تظهر هذه القروح على الأعضاء التناسلية، وتُعَدُّ من الأعراض الشائعة لداء بهجت مثل قروح الفم، وتظهر عادةً على كيس الصفن عند الرجال ومن الممكن أن تنتشر إلى القضيب والفخذين، بينما تظهر عند النساء على الفرج أو المهبل أو عنق الرحم وقد تنتشر إلى الفخذين أيضاً.
تترافق هذه القروح بتورُّم الخصيتين والتهابها، وتكون مؤلمة عادةً وتترك ندوباً دائمةً ومزعجة في أثناء ممارسة الجنس وخاصةً عند النساء، والجدير بالذكر أنَّ القرحات التي يسببها داء بهجت غير مُعدية ولا تنتقل عن طريق الجنس.
3. الآفات الجلدية:
تظهر على المصابين بداء بهجت آفات على شكل تورمات حمراء مؤلمة تتوضع على الساقين وتُدعى بالحمامى العقدية وبعد زوالها غالباً ما تترك ندباً وآثاراً في مكانها، بالإضافة إلى ظهور بقع تشبه حب الشباب وتُسمى التهاب الجريب الكاذب، وعادةً ما تُشفى خلال عشرة أيام أو أكثر، وتعاود الظهور مجدداً بعد فترة.
4. التهاب المفاصل:
يسبب داء بهجت مشكلات مفصلية تشبه أعراضها أعراض التهاب المفاصل، وتظهر هذه المشكلات عند حالة من كل اثنين من المصابين بهذا المرض، وتشمل الأعراض صلابة وتورماً وحرارةً موضعيةً وألماً وتحدُّدَ حركةٍ بالمفصل المصاب، وغالباً ما تُصاب مفاصل الركبتين والكاحلين ومفاصل المعصمين والأصابع، ولكنَّ هذه الالتهابات المترافقة مع داء بهجت نادراً ما تسبب تلفاً دائماً في هذه المفاصل، ويمكن السيطرة عليها على عكس الالتهابات المفصلية التنكسية الأخرى.
5. التهاب العيون:
يُعَدُّ التهاب العيون من الأعراض الشائعة أيضاً لداء بهجت، ويحدث في سبع حالات من كل عشر حالات، ويتطور بشكل مفاجئ وسريع، ويؤثر في القناة العنبية وعادةً ما تتأثر كلتا العينين في نفس الوقت، وتشمل أعراض التهاب القناة العنبية احمراراً وألماً في العينين ورؤية غير واضحة، وظهور العوَّامات وهي عبارة عن نقاط سوداء اللون تُرى سابحة عبر مجال الرؤية، وفي الحالات الشديدة يمكن أن يسبب العمى، لكن يمكن تدارك الأعراض والمضاعفات بالعلاج المبكر والمناسب.
6. بشرة حساسة:
يعاني المصابون بداء بهجت من جلد حساس بشكل خاص، والمسمى بالجلد متعدد الأرجية أو باثرجي؛ إذ يظهر رد فعل تحسسي من أبسط العوامل المؤثرة؛ لذا عند الشك بالإصابة بداء بهجت يُجرى اختبار باثرجي، والذي يُعَدُّ اختباراً مشخَّصاً نوعاً ما، ويتم عن طريق وخز نقطة معينة من الجلد ومراقبتها، وعندها سيظهر مكان الوخزة نتوء أحمر كبير يتطور في يوم أو يومين.
7. أعراض هضمية:
قد يتسبب داء بهجت بحدوث التهاب معدة وأمعاء وظهور أعراض مثل الألم البطني وعسر الهضم وفقدان الشهية والإسهال المترافق بنزف، وفي الحالات الشديدة من المُحتمل أن يتسبب داء بهجت بتلف في الأمعاء، لكن مع العلاج المُبكِّر والمناسب يمكن الحد من هذه المضاعفات.
8. الجلطات الدموية:
يتسبب داء بهجت بالتهابات في بطانة الأوعية الدموية ويتسبب في حدوث الخثرات، ومن أشيع الإصابات الوعائية التي تحدث عند المصابين بداء بهجت هي الخثار الوريدي العميق DVT؛ وهو تجلُّط يحدث في الأوردة العميقة في الجسم ويتطوَّر بشكل بطيء غير ملحوظ، وعادة ما يظهر في الساقين.
تشمل أعراض الإصابة بالخثار الوريدي العميق تورماً في الساقين أو إحداهما مع ألم شديد مصحوب بحرارة موضعية واحمرار في مكان الإصابة، وهذه الإصابة تتطلَّب علاجاً فورياً وإسعافياً.
شاهد بالفيديو: 14 نصيحة للتمتّع بصحة جيدة طول العمر
9. الخثار الوريدي الدماغي:
يُعَدُّ هذا النوع من الخثار الأقل شيوعاً بين الخثارات المرتبطة بداء بهجت، ويحدث الخثار الوريدي الدماغي CVT نتيجة حدوث تجلُّط داخل الأوعية الدموية التي تمر عبر القنوات الموجودة بين الطبقة الداخلية والخارجية للدماغ، ويتطوَّر هذا التجلُّط مع الوقت.
قد يحدث ارتفاع في الضغط داخل القحف نتيجة الجلطة، وهذا الأمر قد يؤهب لحدوث السكتة الدماغية.
تشمل أعراض الخثار الوريدي الدماغي الصداع الشديد الذي يُوصَف بأنَّه ثاقب أو بشكل خفقان يظهر فجأة وبشدة قوية، بالإضافة إلى كلام غير واضح وفقدانٍ للسمع وازدواج في الرؤية، وضعف في العضلات أو الشلل، تشبه أعراض السكتة الدماغية لكن على عكس السكتات الدماغية التي تصيب جزءاً واحداً من الدماغ أحياناً، في داء بهجت يتأثر كلا فصَّي الدماغ وكل الجسم وتُعَدُّ حالة طارئة ومهددة للحياة.
10. تمدد الأوعية الدموية "أمهات الدم":
في أغلب الأحيان يتسبب التهاب الأوعية الدموية الناجم عن داء بهجت في حدوث ضعف في جدران هذه الأوعية؛ الأمر الذي يؤدي إلى حدوث انتفاخ وتمدد في جدران الوعاء الدموي إلى الخارج نتيجة ضغط الدم الوارد إليه، وهذا ما يُسمى بتمدد الأوعية الدموية أو أم الدم.
في العادة، لا يُظهِر تمدد الأوعية أيَّة أعراض ما لم يصبح جدار الوعاء ضعيفاً لدرجة التضخُّم الشديد، ومن ثم قد يضغط على أعضاء أو أوعية مجاورة له أو ينفجر ويسبب نزيفاً داخلياً مهدداً للحياة.
11. التهاب الجهاز العصبي:
يُعَدُّ التهاب الجهاز العصبي المركزي من أخطر الأعراض المصاحبة لداء بهجت؛ إذ تتطور الأعراض بسرعة كبيرة على مدى بضعة أيام وتشمل صداعاً شديداً مع ازدواج رؤية وفقدان في التوازن ونوبات اختلاجية، وقد يحدث شلل جزئي أو كلي بالإضافة إلى تغييرات سلوكية وشخصية.
في الختام:
لا يوجد علاج نوعي لمرض بهجت كما ذكرنا، ولكنَّ العلاج يكمن في تدبير الأعراض ومعالجتها بشكل مبكر لتجنُّب المضاعفات الخطرة للمرض قدر الإمكان، ودمتم بخير وصحة وعافية.