تكييف الثقافة التنظيمية خلال فترة الركود الاقتصادي

سبَّبت أزمة جائحة كورونا -لأول مرةٍ في التاريخ- انهيار الاقتصاد العالمي، حيث تشير الأمم المتحدة (UN) أنَّ حوالي نصف مليار شخص مهدَّدون بفقدان وظائفهم في جميع أنحاء العالم، وتضع البلدان في جميع أنحاء العالم أشكالاً مختلفة من خطط وبرامج لدعم أجور الموظفين، وذلك في مساعيها للتخفيف من تأثير الركود الاقتصادي ومنع حالات تسريح العمال بشكلٍ جماعي.



على سبيل المثال: تُقدِّم أستراليا (Australia) دعماً لأجور موظفي الشركات التي تَشهد انخفاضاً كبيراً في الإيرادات بسبب الجائحة، وفي الولايات المتحدة (US)، أصبح الموظفون الذين سُرِّحوا من عملهم مؤقتاً مؤهَّلين للحصول على إعانات البطالة، وفي المقابل، تتخذ الحكومات في جميع أنحاء أوروبا (Europe) إجراءات أكثر صرامة لحماية سوق العمالة، ففي العديد من البلدان الأوروبية، وُضِعَت خططٌ جديدة للاحتفاظ بالوظائف، على سبيل المثال: وسَّعت ألمانيا (Germany) نطاق دعم عملها لفترة قصيرة حتى نهاية عام 2021، بينما مُدِّدَت خطة تسريح الموظفين من العمل بشكلٍ مؤقت في الولايات المتحدة حتى نهاية شهر آذار.

ومن الهام مع ذلك، الاعتراف بأنَّ هذه التدابير تعيد تشكيل القوة العاملة بصورة أساسية، حيث يعمل بعض الموظفين إما لساعات محدودة أو لا يعملون أبداً لفترة طويلة، كما يُعدُّ تكييف ثقافتك مع الواقع الجديد أمراً بالغ الأهمية، حيث ستؤثِّر ترتيبات العمل الجديدة هذه في الموظف وعلاقته مع ربِّ العمل والزملاء.

التأثير النفسي لترتيبات العمل الجديدة:

1. على الفرد:

لا شك بأنَّ الحصول على عمل مأجور أو الاستمرار في العمل يؤثِّر في الصحة النفسية تأثيراً إيجابياً بصورةٍ أكبر من عدم الحصول على أي عمل أبداً، ومع ذلك، لا يعني هذا الأمر أنَّ الأشخاص الذين ما زالوا على رأس عملهم سيشعرون بالإيجابية تجاه وضعهم الحالي، وحتى الأشخاص الذين يستمتعون بوقتهم بعيداً عن العمل أو يعملون لساعات محددة قد يشعرون الآن بتأثير ذلك في سلامتهم، حيث تُظهِر البحوث على مر السنين أنَّ العمل هام بالنسبة إلينا، فبالإضافة إلى أنَّه يوفِّر لنا الراتب، يمكِن أن يمنحنا أيضاً إحساساً بهويتنا ويعزز تقديرنا لذاتنا، وبالنسبة إلى الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم، أو يشعرون بالعزلة والوحدة، يمكِن أن يساعدهم العمل على تكوين الصداقات والتواصل مع الآخرين، وباختصارٍ، يمكِن أن يكون لإبعاد الموظفين عن العمل تأثير هائل في سلامتهم وصحتهم النفسية.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح تُسهّل عليك تبنّي الإيجابية كأسلوب حياة

2. على علاقة ربِّ العمل مع الموظف:

قد يتعرض الموظفون الذين يُسرَّحون من عملهم لفترة مؤقتة ويبتعدون تماماً عن نظام العمل اليومي، أو الذين يعملون لساعات عمل محددة، لتأثيرات نفسية نتيجة انتهاك عقدهم النفسي مع ربِّ العمل (وهو مفهوم يعني المعتقدات المشتركة، والتصورات، والالتزامات غير الرسمية بين رب العمل والموظف، كما أنَّه يُحدِّد ديناميكية العلاقة ويُحدِّد التطبيق العملي التفصيلي للعمل الذي يتعين القيام به)، فقد يسأل الموظفون أنفسهم لماذا جرى اختيارهم بدلاً من زملائهم؟ ويتساءلون متى أو فيما إذا كان يمكِنهم العودة إلى العمل بدوام كامل أم لا، وقد يؤدي هذا الأمر إلى فقدانهم الثقة في ربِّ العمل، وانخفاض التزام الموظف بعمله، وزيادة شعوره بعدم الأمان.

3. على العلاقات بين الزملاء:

لا تؤثِّر ترتيبات العمل الجديدة هذه في العلاقة بين الموظف وربِّ العمل فحسب؛ وإنَّما يمكِن أيضاً أن تسبب خلافات بين الزملاء، فقد يَشعر الأشخاص الذين عملوا خلال فترة الأشهر الأولى من جائحة كورونا بالإحباط؛ بسبب زيادة أعباء العمل عليهم خلال هذه المدة، في حين قد يشعر الأشخاص العائدون إلى العمل بصدمةٍ عند عودتهم إلى مكان عمل مختلف عنهم تماماً، وقد يَشعر الأشخاص الذين سُرِّحوا من العمل بصورةٍ مؤقتة أو حُدِّدَت ساعات عملهم، بقليلٍ من التقدير وعدم الأمان بشأن مستقبلهم، وبناءً على ذلك، قد تَشعر كل مجموعة من هؤلاء الأشخاص بأنَّ الآخرين في المنظمة لا يُقدِّرون الظروف التي يمرون بها، ويمكِن أن يَشكُّوا ويشعروا بالغيرة من بعضهم بعضاً. لا يجعل العمل عن بُعد الموقف أسهل، كما أنَّ قلة التواصل مع الموظفين وفيما بينهم يزيد من حالات سوء الفهم والتصورات الخاطئة.

تَعمل مخططات الدعم الوظيفي المتعددة على تغيير الطريقة التي قد تَشعر بها فئات مختلفة من الموظفين تجاه العناصر الأساسية لثقافتك التنظيمية، بما في ذلك وضوح التواصل، وثقتهم في القيادة، وشعورهم بالارتباط مع الآخرين، ومقدار شعورهم بالتقدير والاعتراف بأعمالهم، وبدلاً من معاملة الجميع بنفس الطريقة، من الضروري الاهتمام بالاختلافات التي تُسببها ترتيبات العمل المتغيرة هذه بين الموظفين، ولدعم الفِرَق بصورةٍ أفضل؛ يحتاج المديرون والقادة الآن إلى التفكير في نهج يناسب الفريق والفرد معاً لتكييف ثقافتهم التنظيمية.

طرائق تكييف ثقافتك التنظيمية مع واقع العمل الجديد:

تَختبر كل من جائحة كورونا والتداعيات الاقتصادية الناجمة عنها مقدار نجاح الثقافات التنظيمية بصورةٍ مرهِقة، ومع ذلك، يوجد عديدٌ من الخطوات التي يمكِن اتخاذها للتكيف مع ثقافتك وتعزيزها. 

نُقدِّم إليك فيما يلي طرائق تكييف ثقافتك التنظيمية مع واقع العمل الجديد:

1. الإصغاء إلى الموظفين:

يتيح لك جمع التغذية الراجعة المتعلقة بسلامة الموظفين تحديداً إدراك سلامتهم العاطفية والاجتماعية والجسدية، واتخاذ إجراءات مُحدَّدة لدعمهم، ويمكِن أن يكون إجراء استطلاع لسلامة الموظفين مؤشراً قوياً أيضاً على الاهتمام بصحتهم الجسدية والنفسية، والذي يُشكِّل في حد ذاته تأثيراً إيجابياً، وكذلك الأمر في ظل الجائحة الحالية، من الهام أن تبقى على دراية بمشاركة الموظفين في مكان العمل ومعرفة الأمور الأكثر أهمية بالنسبة إليهم. عموماً، يُعدُّ جمع التغذية الراجعة أيضاً طريقةً مناسبة للبقاء على تواصل، وبناء الثقة، وتعزيز العلاقات مع الموظفين بغضِّ النظر عن وضع عملهم الحالي.

شاهد بالفديو: 7 أسرار للإصغاء الفعال

2. فهم تجربة الموظفين:

يتيح لك الاهتمام بطريقة تأثُّر فئات الموظفين المختلفة بالجائحة فهم تجاربهم ضمن المؤسسة، وتحديد فيما إذا كان ينبغي اتخاذ إجراء على المستوى التنظيمي، أو على مستوى المجموعة، (على سبيل المثال: الموظفون الذين يعملون لوقت قصير أو ساعات محددة)، ويُعدُّ تحديد الأمور التي تهم الموظفين ولا سيَّما معرفة طريقة اختلافها بينهم أمراً بالغ الأهمية (على سبيل المثال: شعور بعض الموظفين بأنَّهم مُهمَلون وغير مُعترَف بأعمالهم بسبب وضعهم الحالي).

3. اتخاذ إجراءات لدعم الموظفين:

عند اتخاذ إجراءات لدعم الموظفين وتكييف ثقافتك بما يتناسب معهم، يلعب المديرون والقادة دوراً أساسياً في ذلك؛ حيث عليك أن تدعم الموظفين في تعزيز استجابتهم للتحديات الراهنة على مستوى الفريق والمستوى الشخصي.

إقرأ أيضاً: مع انتشار فيروس كورونا: نصائح لإدارة الموظفين عن بُعد في أوقات الأزمات

4. التعاطف مع الموظفين وتفهُّم مواقفهم ضمن الفريق:

بمجرد جمع التغذية الراجعة للموظفين، نوصيك بمناقشة النتائج بين الفريق؛ حيث لا يؤدي ذلك إلى خلق حالة من الشفافية والوضوح فحسب؛ وإنَّما يؤدي إلى الفهم المشترك والتعاطف بين الموظفين بخصوص الظروف الشخصية لبعضهم بعضاً، كما إنَّ مشاركة فريقك بفاعلية في هذه العملية يزيد من التزامهم بالعمل، ويدفعهم إلى تطبيق الإجراءات التي تخطط لاتخاذها بنجاح.

5. إجراء مناقشات صادقة وشفافة مع الموظفين:

طوال فترة انعدام اليقين التي نعيشها في ظل جائحة كورونا، من الهام جداً أن يُجري المديرون مناقشات منتظمة، ومفتوحة، وشفافة مع موظفيهم لتعزيز التواصل معهم؛ حيث يساعد هذا الأمر على خلق مساحة آمنة يمكِن للموظفين من خلالها مشاركة مخاوفهم بشأن وضعهم الحالي، وبالإضافة إلى ذلك، يَخلُق التزاماً من المديرين والموظفين، ويمكِّنُهم من البقاء على تواصل حتى لو كان الموظفون لا يعملون بدوام كامل أو في نفس المكان.

6. دعم سلامة الموظفين وتعزيز قدراتهم على التكيف:

ينبغي أن يوفِّر المديرون مجموعةً متنوعة من الأدوات والموارد التي تتيح للمديرين تدريب ودعم الموظفين وتحسين قدرتهم على التكيف، على سبيل المثال: يمكِن أن يُنشِئوا دليلاً إرشادياً يحتوي مجموعة من الأفكار ومقاطع الفيديو والموارد الأخرى، وذلك لتحسين قدرتهم على قيادة الفِرَق عن بُعد، بالإضافة إلى دعم سلامتهم، كما يساعد الحصول على هذه الموارد المديرين في معالجة التفاوت ضمن فريقهم من خلال الاستجابة للاحتياجات الفريدة لكل موظف.

7. الحفاظ على تحقيق التواصل بين أعضاء الفريق:

يساعد تسهيل التواصل الاجتماعي المنتظم بين الموظفين وإيجاد طرائق تُمكِّنُهم من التواصل مع بعضهم بعضاً على مشاركة الفريق في العمل وتعزيز معنوياتهم، كما يمكِن للبقاء على تواصل وثيق أن يجمع الموظفين ويتغلب على أي تفاوت بينهم، سواء كانوا يعملون لفترة قصيرة أم عادوا إلى عملهم بعد أن سُرِّحوا مؤقتاً أم يعملون بدوام كامل.

لم يكن هذا العام سهلاً أبداً، وعلى الرغم من أنَّنا لا نعرف تماماً ما الذي تخبئه لنا الأشهر المقبلة؛ فمن العدل أن نفترض أنَّنا سنواجه مزيداً من التحديات بعد عام 2020، كما يمكِن للموظفين الذين يشعرون بالدعم خلال هذه الأوقات العصيبة أن يتكيفوا مع ثقافتك التنظيمية؛ فلن يساعدك هذا الأمر على التعامل مع الوضع الراهن مجهول النهاية فحسب؛ وإنَّما سيجعل ثقافتك أقوى للمضي قدماً.

 

المصدر




مقالات مرتبطة