تقنية سيدونا للحرية النفسية والعاطفية

نحن نخرج من وظائفنا مشحونين بكثير من الغضب بسبب الجدال مع العملاء طيلة النهار والاستماع لانتقادات المدير، وما إن نعود إلى المنزل ويطلب منَّا أحد من إخوتنا شيئاً بسيطاً حتى نثور في وجهه، لنعتذر فيما بعد مستغربين من كم الصراخ الذي كان مكتوماً في أجوافنا.



يخسر فريقنا المفضَّل مباراته في الليل، ونتأخَّر فنفوِّت الحافلة في الصباح، ونصل إلى العمل لنكتشف أنَّنا نسينا هواتفنا المحمولة في المنزل، وما إن نهم بإعداد كوب من القهوة حتى يسقط من أيدينا ويتكسر، فنغرق في نوبات بكاء هستيرية.

في كل من الحالتين السابقتين يكون الموقف الأخير هو الشعرة التي قصمت ظهر البعير كما يُقال، موقف واحد أو عبارة واحدة سبب كافٍ لانفجار بركان من المشاعر المكبوتة سواء كنا نعي وجودها أم لم نعِ، ولأنَّ الضغط يولِِّد الانفجار دائماً؛ وجب علينا تفريغ ما تختزنه أنفسنا من مشاعر مكبوتة قبل أن يصل استيعابنا حده الأعظم، وليس ثمة ما هو أنجع من تقنية "سيدونا" للتحرر من المشاعر النفسية والعاطفية لفعل ذلك، فهل تعلمون ما هي تقنية "سيدونا"؟ وما هي خطوات تطبيق تقنية "سيدونا"؟ تفضلوا بقراءة هذا المقال.

ما هو تحرير المشاعر؟

لا بد من الحديث عن معنى مصطلح تحرير المشاعر قبل الدخول في تفاصيل تقنية "سيدونا"، ومن أجل توضيح هذا المفهوم سنقوم باستعارة النظرية الخاصة بحفظ الطاقة لنسقطها على المشاعر فنقول "إنَّ المشاعر لا تُفنى ولا تُخلق من العدم"؛ أي إنَّ المشاعر تتأجج في النفس بفعل الأفكار أو المواقف، ولا يمكن أن تتبدد من تلقاء ذاتها، فلا بد من تفريغها بشكل صحي أو ما يسمى "تحرير المشاعر" من أجل أن تخرج من الجسم بأقل الأضرار الممكنة.

يمكن لتراكم المشاعر في النفس أن يعود على كل من الصحة النفسية والجسدية بأضرار جسيمة، فكتمان المشاعر السلبية هو عامل مسبب للاكتئاب والتوتر والقلق، كما يؤكد المتخصصون على الارتباط الوثيق بين كبت المشاعر وأمراض الجسد، وإنَّ تحرير المشاعر يعني الاعتراف بوجودها وشرعية الإحساس بها وتسميتها وإدراك أسبابها، ومن ثم التصالح معها وتقبُّلها والسماح لها بالرحيل خارج أسوار الروح، وإنَّ تحرير المشاعر يجعل الإنسان يتقبل إنسانيته ويشعره بالخفة والتوازن.

شاهد بالفيديو: كيف تطرد الطاقة السلبية من الجسد

ما هي تقنية "سيدونا"؟

إنَّ تقنية "سيدونا" هي واحدة من أفضل الطرائق لتحرير المشاعر التي تتراكم في النفس والتي يسبب تراكمها خللاً في التوازن الشعوري للإنسان، وهي تقنية تُستخدم للتخلص من المشاعر السلبية التي تتولد في النفس جراء المرور بمواقف سلبية حديثة العهد أو بسبب صدمات ومواقف مر بها الإنسان في مراحل سابقة وخاصة تلك التي حدثت في الطفولة وتركت في داخله أثراً كبيراً يمنعه من ممارسة حياته بشكل طبيعي في الوقت الحالي وتثير في داخله خوفاً من المستقبل.

إنَّ تقنية "سيدونا" لتحرير المشاعر النفسية والعاطفية يمكن أن تكون سبباً في التشافي من الاكتئاب والقلق والخوف والتوتر، كما أنَّ لها فوائد ملموسة في علاج الأمراض العضوية التي يكون سببها الأصلي مشاعر سلبية متكدسة في داخل الإنسان أو أخرى يحاول إنكارها، فتؤثر في عضو أو مجموعة محددة من الأعضاء داخله.

تؤدي تقنية "سيدونا" للتحرر من المشاعر السلبية دوراً في إيصال الإنسان نحو طموحه وتحقيق أهدافه كونها تتيح له تحرير المشاعر التي تعرقل تحقيقه تلك الأهداف والوصول إليها، ففي كثير من الحالات تكون مقاومة الشعور ورفضه سبباً في حدوثه، فنرى الأشخاص الذين يخافون من خسارة الوزن مثلاً يخسرونه دون أدنى جهد، ونرى الذين يخافون خسارة وظائفهم يخسرونها في أكثر الأحيان، ونرى الذين يخشون المرض يمرضون أكثر من غيرهم، كل ذلك بسبب مشاعرهم المكبوتة المتعلقة بمخاوفهم التي تتحكم بأفكارهم وسلوكاتهم وفق مثلث "فكرة، شعور، سلوك".

على سبيل المثال يشتكي شاب من عرقلة مشروع زواجه، ففي كل مرة يتقدم فيها لخطبة فتاة وتقارب الأمور على الاكتمال يحدث شيء ما يفشل المخطط برمته، وبالدخول إلى مشاعر هذا الشاب نجد أنَّه في قرارة نفسه لديه الكثير من المخاوف المتعلقة بفكرة الزواج، ربما خوفه من تحمل مسؤولية أسرة كاملة أو خوفه من مهمة تربية الأطفال وتنشئتهم أو كانت الأجواء الأسرية في طفولته مشحونة بالصراعات فيخشى أن يتكرر الجحيم ذاته في حياته، وغيرها من الأفكار المختبئة ضمن عقله الباطن التي تكون سبباً في إعاقة إتمام زواجه.

إقرأ أيضاً: لماذا لا تعد المشاعر السلبية سيئة للغاية؟ وكيف تتعامل معها؟

تاريخ تقنية "سيدونا":

يعود تاريخ تقنية "سيدونا" إلى تجربة الكاتب الأمريكي "ليستر ليفنسون" المولود عام 1909 الذي أصيب في أربعينيات عمره بمرض خطير أمهله الأطباء ثلاثة أشهر في الحياة على إثره، الأمر الذي دفع الكاتب إلى تدوين مذكراته وجميع محطات حياته ورواية المواقف المؤلمة والصعبة والأخطاء التي مر بها، وبعد أن انتهى راعه أن يطلع عليها أحد بعد موته فقام بإحراقها جميعاً ومراجعة الأطباء، فكانت الصدمة.

لقد ذهل الأطباء من دخول الكاتب مرحلة التشافي من المرض، ولقد عاش "ليفنسون" 42 عاماً بعد تلك الحادثة، وبعد أن قام الكاتب بعصف ذهني لما يمكن أن يكون سبب شفائه اكتشف أنَّ إحراقه لأوراق مذكراته هو السبب، وبدأ منذ ذلك الوقت بتدريس تجربته التي تحولت إلى واحدة من أهم نظريات التحرر النفسي وحتى يومنا هذا.

فوائد تقنية "سيدونا":

تبرز فوائد تقنية "سيدونا" لتحرير المشاعر في مساعدة الإنسان على إطلاق سراح المشاعر والأفكار المختبئة في ظلمات رأسه التي قد لا يعي وجودها أصلاً في بعض الأحيان، وخاصة تلك التي يكون متطرفاً في الرغبة فيها أو رفضها، وتعيد إليه التوازن والحياد تجاه هذه الأشياء.

من فوائد تقنية "سيدونا" لتحرير المشاعر أنَّها تطهِّر مسارات الطاقة الموجودة في الجسم والشاكرات عن طريق إزاحة كل المشاعر السلبية المتراكمة فيها وخاصة مشاعر الغضب والخوف، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على حياة الإنسان وطاقته وقدرته على تحقيق أهدافه مهما بدت بعيدة أو صعبة المنال.

لا ننسى في معرض حديثنا عن فوائد تقنية "سيدونا" ارتفاع مستوى وعي الإنسان بمشاعره أو ما يسمى احتراف المشاعر، بحيث يتمكَّن الإنسان من التحكم بشعوره والتفكير بإيجابية تجاه المواقف والأحداث التي تمر في حياته.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتبنّي التفكير الإيجابي كمنهج حياة

كيفية تطبيق تقنية "سيدونا":

بعد أن تعرفنا إلى مفهوم تقنية "سيدونا" وفوائد تقنية "سيدونا" نصل الآن إلى لب موضوعنا، وسوف نتحدث فيه عن كيفية تطبيق تقنية "سيدونا" من أجل الوصول إلى مرحلة تحرير المشاعر السلبية التي تنغص حياتنا وتعرقل سير الأمور كما نرغب لها أن تسير؛ إذ إنَّ تطبيق تقنية "سيدونا" ليس صعباً؛ إنَّما يحتاج إلى الجلوس في مكان هادئ برفقة ورقة وقلم، والتركيز بعيداً عن المشتتات ومصادر الإزعاج، وإليكم الخطوات:

1. ما الأمر؟

في هذه الخطوة نقوم باسترجاع الموقف السلبي الذي حدث معنا أو الهدف الذي لم نستطع تحقيقه، ونقوم بتوصيف المشاعر السلبية التي أحسسنا بها بدقة، فكل هذه الأشياء يجب كتابتها بالتفصيل والاستفاضة في شرحها متوخين الإجابة عن التساؤلات الآتية:

  • ما هي جذور هذا الموقف؟
  • ما هي المشاعر التي أججتها هذه التجربة؟

مثال، لقد انفصلت عن زوجي وأنا الآن امرأة مطلقة في سجلات الدولة وعيون المجتمع، وإنَّ هذا الخيار أفضل بالنسبة إليَّ وإلى طفلي، ولكنَّني لست أدري إن كنت أستطيع مواجهة كل هذا وحدي، وأشعر أنَّني مشوشة وضعيفة ومكسورة وخائفة وغاضبة ومتعبة، ويجب كتابة جميع التفاصيل التي ترد إلى الذهن في تلك اللحظات مهما بدت سخيفة، كما يجب السماح لأيَّة مشاعر بالخروج أيضاً كالبكاء أو الضحك وغيرها.

2. تقبُّل المشاعر:

في هذه الخطوة، علينا أن نثبت لأنفسنا شرعية مرورنا بهذه التجارب الحياتية والشعورية، ونعلن عن تقبلنا لها ونضع التبريرات كأنَّنا نخفف عن شخص عزيز مصابه.

بالعودة إلى المثال السابق، من الطبيعي أن أشعر أنَّني مشوشة فأنا على أعتاب دخول مرحلة جديدة من حياتي لم أكن لأتصور بلوغها، ومن حقي أن أكون ضعيفة وخائفة للحظة فأنا العشرينية التي تحمل على كتفها رضيعاً تريد تنشئته بشكل متوازن لا يشعر فيه بالنقص لغياب والده في مجتمع يرمي المطلقات بالسهام والحجارة، وهذا يتطلب مني العمل من أجل تأمين لقمة عيشي وعيشه فلا أحتاج إلى منة أحد ولا أتعرض للاستغلال، ومن حقي أن أكون غاضبة من طليقي المستهتر الذي أوصلنا بحماقته إلى هذه الهاوية ومن المجتمع الذي يضع كل اللوم على النساء، فأنا متعبة من الشرح والتبرير والوقوف في أقفاص الاتهام على الرغم من قساوة كل ما أمر به.

بعد ذلك نسأل "هل نتقبل شعورنا بالخوف؟ بالغضب؟ بالتعب؟ بالحزن؟"، فنجيب من صميم أعماقنا "نعم، نعم، نعم".

3. إطلاق سراح المشاعر:

بعد تقبل المشاعر لا بد من إطلاق سراحها وسؤال أنفسنا عما إذا كنا نرغب في تحريرها فنجيب "نعم"، وبالعودة إلى المثال، هل سأحيا بقية عمري أعاني الخوف واليأس والغضب؟ وهل ستمكِّنني هذه المشاعر من عيش حياة جيدة أنا وطفلي؟ أريد حياة كلها رضى، وأريد أن أتحرر من الخوف، وسوف أعمل وأتجاهل انتقادات المجتمع وسأكون قوية.

شاهد بالفيديو: كيف تضع حداً للأفكار السلبية؟

4. متى أتحرر؟

بهذه الخطوات السابقة نكون قد فتحنا أبواب سجن المشاعر الذي وضعنا أنفسنا فيه، وبقيت لنا لحظة اتخاذ القرار بالخطو خارج الزنزانة، فنسأل أنفسنا "متى نريد التحرر؟" ونجيب "الآن"، فنحرق الأوراق التي احتوت بوحنا وضعفنا، ونتأمل مشهد تحولها إلى رماد يشهد انبعاثنا من جديد، وفي المثال السابق سيكون احتراق الورقة مشابهاً لاحتراق الماضي بكل آلامه وصعوباته لتبدأ صفحة جديدة في الحياة تكون سطورها كما ترغب كاتبتها أن تكون.

في الختام:

إنَّ تقنية "سيدونا" لتحرير المشاعر المكبوتة والمتراكمة هي خطة علاجية نفسية وجسدية، فلا شيء أثقل على الروح والجسد من مشاعر سلبية تصول وتجول في الأرجاء وترتطم بجميع المفاصل والزوايا كأنَّها نحلة محتجَزة في وعاء زجاجي، فلنفتح لها باب هذا السجن ولنرمِ عن أرواحنا الأثقال لتلاحق تجارب الحياة وأهدافها بخفة واتزان.




مقالات مرتبطة