الوقاية من الأمراض النفسية لدى الأطفال والمراهقين

لقد عشنا في مجتمع رافض تماماً لمسألة المرض النفسي، وينظر إليه على أنَّه عار وغضب إلهي، ففي الوقت الذي يتعامل فيه الأب والأم بمنتهى الاهتمام مع ابنهم المريض صحياً، لا يعترف هؤلاء أنفسهم على مرض ابنهم النفسي، معتقدين أنَّ الهيكل الخارجي هو المعيار الكافي للحكم على صحة الطفل، فطالما أنَّ طفلهم يتحرك ويأكل ويذهب إلى المدرسة فهذا كافٍ ووافٍ، ودليل قاطع على أموره الجيدة والرائعة، فلا يُعِير أغلب الأهالي انتباهاً إلى الجانب النفسي لأطفالهم، ولا يصغون إلى الأنين الداخلي المنبعث من أطفالهم، ولا يدققون على تفاصيل أطفالهم ويمرون مرور الكرام على التغييرات الطارئة على أجسادهم والتي تُولِّد حالةً من الصراع الداخلي ما بين الهرمونات وما بين الأسس التي تربوا عليها أولئك الأطفال.



يؤثر ما ذُكِر آنفاً في درجات الأطفال العلمية وتحصيلهم الدراسي، إلَّا أنَّ ردة فعل الأهل غالباً تكون عنيفةً وقاسية وغير واعية، فبدلاً من محاولة فهم خفايا المشكلة ومحاولة علاجها، يلجؤون إلى تقريع أطفالهم وتحطيم ثقتهم بنفسهم، الأمر الذي يساهم في خلق طفل مريض نفسياً، ومن جهة أخرى، يعتمد معظم الأهالي أسلوب النصائح والأوامر، بدلاً من التعامل مع أطفالهم تعاملاً محبباً وقريباً من قلوبهم، الأمر الذي يزيد من عناد الطفل وصفاته المتمردة.

لعلَّ الأمراض النفسية التي من الممكن أن يعاني منها الأطفال تُحَل بكلمة واحدة، وهذا ما سنعرفه من خلال هذا المقال.

الأمراض النفسية عند الأطفال والمراهقين:

1. القلق:

يعاني الأطفال من مرض القلق إمَّا لسبب وراثي؛ حيث تزداد نسبة إصابة الطفل بالأمراض النفسية في حالة إصابة أحد أفراد العائلة فيها، ومن جهة أخرى، تعزز البيئة مرضَ القلق لدى الطفل من خلال التدقيق على درجاته في المدرسة وتوبيخه ونهره في حال تقصيره الدراسي؛ حيث يربط الأهل قيمة ابنهم بقيمة الدرجات العلمية التي يحصل عليها، فيجد الطفل أنَّه بلا قيمة أو فائدة في حال عدم حصوله على الدرجات المناسبة؛ مما يشوه علاقة الطفل بنفسه وبتقديره الذاتي.

إقرأ أيضاً: أسباب القلق عند الأطفال وكيفية التعامل معه وعلاجه

2. الاكتئاب:

وهنا يشعر الطفل بانعدام الرغبة في أي شيء، كما يفقد المتعة بالأشياء التي كانت تعطيه السعادة فيما سبق، كما يميل إلى العزلة والابتعاد عن الناس، ويصاب باضطرابات في النوم والأكل، فإمَّا أن ينام كثيراً للهروب من الواقع أو يعتزل النوم تماماً، وإمَّا أن يأكل بشراهة أو ينسى الأكل تماماً، وينتج الاكتئاب عن تغيير في كيمياء المخ، نتيجة وجود العامل الوراثي غالباً، بحيث يعاني المريض من نقص السيروتونين المسؤول عن مشاعر السعادة والراحة.

3. الاضطراب الوجداني:

وهنا يشعر الطفل بنوبات من السعادة الهستيرية ويلحقها نوبات من الحزن الهستيري؛ حيث يصاب الطفل خلال نوبات السعادة بالحركة الشديدة والثرثرة وعدم القدرة على النوم، كما يميل إلى الكلام الخارج عن نطاق الأدب وإلى التصرفات المتهورة والمتسرعة، أمَّا خلال نوبات الحزن، فيميل الطفل إلى الانعزال والبعد عن كل الناس، وقد يصل فيه الأمر إلى التفكير بأفكار انتحارية.

4. فصام الشخصية:

يصاب الطفل بالفصام من عمر الخامسة عشر وحتى عمر التاسعة عشر؛ حيث يعاني الطفل من الهلاوس والضلالات، فيسمع أصوات في خلوته، كما يبدأ بالشك الدائم في المحيط، كأن يقول لأبويه: "أنتم تريدون قتلي، أنا أعلم ذلك"، ويشعر أنَّ هناك مؤامرة كونية تهدف إلى النيل منه، وينتج مرض الفصام عن الوراثة، أو عن تناول الطفل للمخدرات؛ إذ تُعَدُّ المخدرات سبباً أساسياً للإصابة بالفصام.

5. مرض فقدان الشهية العصبي:

وفيه يشعر الطفل بأنَّ صورته الخارجية هامة جداً؛ حيث يبتعد عن الأكل تماماً لكيلا يزداد وزنه، وكما أنَّه يجد نفسه بديناً على الرغم من نحافته الشديدة، فيواظب على إنقاص وزنه، الأمر الذي يصيبه بالكثير من الأمراض ونقص المناعة، وقد يؤدي به إلى الوفاة.

6. نقص القدرات الذكائية:

قد يؤدي تعرُّض الطفل للمواد الكيميائية والأبخرة الناتجة عن المصانع الواقعة بالقرب سكنه إلى الإصابة بخلل في الأعصاب، الأمر الذي قد يسبب ضعفاً في القدرة الذكائية لدى الطفل.

شاهد بالفيديو: 13 طريقة تساعد الأبوين على علاج الاكتئاب عند الأطفال

كيف أحمي طفلي من الأمراض النفسية؟

1. التكامل:

يجب على الأهل فهم التركيبة الشخصية المتوازنة للطفل، فالطفل أكثر من مجرد آلة للحفظ والتحصيل العلمي والأكل؛ بل هو إنسان وكائن عظيم، ويجب على الأبوين الاهتمام بالجانب الاجتماعي والروحي والعاطفي للطفل، كأن يكون لدى الطفل مهام تشبع الجوانب الأساسية كلها في حياته، مثل الرياضة والأكل الغذائي لتنمية الجانب الجسدي للطفل، والتأمل الذي ينمي الجانب الروحي لديه، والرحلات العائلية، ولقاءات الأصدقاء والحوار معهم لتنمية الجانب العاطفي والاجتماعي لديه، والبحث والعلم من أجل تنمية الجانب العقلي لديه.

2. الحوار:

يجب على الأهل التخلي عن أسلوب النصائح في التربية، والانتقال إلى أسلوب الحوار والتوعية غير المباشرة، كأن يتخذ الأبوان من طفلهما صديقاً لهما؛ بحيث يحاورانه في حال تقصيره الدراسي ويبحثان عن المشكلة معه للوصول إلى الحل المناسب، على سبيل المثال: كأن يقول الأب لابنه: "ما المشكلة يا حبيبي، أنا أثق بك، وأثق بقدراتك، وأعلم أنَّك تستطيع تحصيل درجات ممتازة، فقل لي ما المشكلة التي حالت دون تحصيلك العالي، ولا تقلق، يمكننا معالجة أيَّة مشكلة معاً".

3. الأمان:

يجب على الأهل إشعار ابنهم بالأمان التام، وعدم التكلم أمام أولادهم عن المشكلات المالية التي تعصف بهم أو أي نوع آخر من المشكلات، وعند انتباه الأولاد إلى المشكلات، حينها يقوم الأبوان بطمأنة الأولاد ومصارحتهم بأنَّهم على الرغم من الضائقة المالية التي يمرون بها، إلَّا أنَّه لن يتغير شيء على أسلوب حياة الأولاد، من جهة أخرى، يجب أن يشعر الطفل أنَّ أهله مصدر الأمان والاحتواء الحقيقي له حتى في حال قيامه بالأخطاء، فهو متأكد أنَّ أهله يحبونه في جميع الحالات، وهذا لا يعني أنَّهم سوف يسامحونه في حال ارتكابه الأخطاء، ولكن يعني أنَّهم سيتقبلون خطأه ومن ثمَّ سيجعلونه يتحمل مسؤولية هذا الخطأ ولكن دون تقليل من قيمته أو جرح لكرامته.

4. القيمة:

يجب على الأهل ربط قيمة الطفل بالأشياء الإيجابية التي يقوم بها، وبالقيم السليمة التي تربَّى عليها من صدق وأمانة ومسؤولية، فيُخطِئ الأهل عندما يعلِّقون قيمة الطفل وشخصيته وكيانه بتحصيله العلمي أو بما يقوم به من أخطاء، كأن يقول الأب لابنه: "أنت عديم القيمة والنفع لأنَّك قمتَ بكسر التحفة"، فبدلاً من صبِّ التعليقات السلبية على شخص الطفل، يجب على الأهل إضافة تعليق على تصرفات الابن وليس على شخصه، على سبيل المثال: يقول الأب لابنه: "انتبه يا حبيبي، لقد كان تصرفك خاطئاً وعليك أن تتحمل مسؤولية خطئك بكسر التحفة، أنا أحبك ولكن لا بُدَّ من تحمُّل مسؤولية ما قمتَ به".

5. الاهتمام:

يجب على الأهل الاهتمام بكل ما يهتم به الابن، كأن تشارك الأم ابنها اهتمامه بالرياضة، وتدخل معه في حوارات عن الرياضة وفوائدها، فمن شأن ذلك أن يقوِّي علاقة الطفل بأهله.

6. الدفء:

يجب على الأهل تخصيص وقت محدد لاجتماع الأسرة؛ بحيث تتوطد العلاقات العائلية، ويشعر الطفل بالدفء والسعادة بين أحضان هذه العائلة، ومن جهة أخرى، يؤدي وجود قناة مفتوحة بين الطفل وعائلته إلى ابتعاده عن المشتتات مثل وسائل التواصل الاجتماعي ورفاق السوء.

7. مراعاة مرحلة البلوغ:

يجب على الأهل مراعاة التغيرات الفيزيولوجية والنفسية التي يمر بها الطفل في أثناء فترة انتقاله من الطفولة إلى الشباب، فلا يكتمل نمو الفص الأمامي من الدماغ المسؤول عن العقلانية والقدرة على السيطرة على المشاعر وإدارتها اكتمالاً صحيحاً إلَّا في عمر الثامنة عشرة، في حين يكون الفص الخلفي من الدماغ مكتملاً في مرحلة مبكرة من الطفولة، وهو الفص الذي يعطي مشاعر الحماسة والسعادة والإثارة؛ لذلك يجب على الأهل مراعاة اختلاف النمو ما بين الفصين الذي يعانيه الطفل المراهق، والذي ينتج عنه تصرفات طائشة وغير مسؤولة في بعض الأحيان.

إقرأ أيضاً: 7 طرق تساعد على بناء شخصية الطفل

8. الرسائل المزدوجة:

يجب على الأهل الانتباه إلى الرسائل التي يرسلونها إلى ولدهم؛ حيث يشعر الطفل بالاضطراب وعدم الاتزان النفسي في حال كانت الرسائل مزدوجةً ومتناقضة، وقد يؤدي الأمر إلى إصابة الطفل بالفصام، على سبيل المثال: قد تدعو الأم طفلها لكي يدرس وحده، وبعد ساعة تعود إليه وتلقي نظرةً على إجاباته فتصرخ فيه قائلةً: "ألم أقل لك ألَّا تجيب عن أي سؤال إلَّا في حال وجودي معك"، فتؤدي هاتين الرسالتين المتناقضتين إلى شعور الطفل بعدم التوازن.

9. الاستقلالية:

يجب على الأهل تربية الطفل على الاستقلالية بحيث تزداد ثقته بنفسه وإحساسه بكيانه، كأن تسمح الأم للطفل باختيار ملابسه أو ألعابه بحيث يكون حراً في ذلك، أو أن تطلب إليه مساعدتها في اتخاذ القرار ما بين أمرين من أمورها، فيشعر حينها الطفل باستقلال شخصيته وقدرته على إقناع الآخر بآرائه.

بات الهاتف الجوال من أكثر الأشياء التي تعوق اجتماعات العائلة، فبينما يجتمع الأب والأم مع الأولاد شكلياً، يبدو أنَّ كل شخص من أشخاص العائلة متحد مع هاتفه الجوال بطريقة كبيرة، ولا يعير أي انتباه إلى الشخص المقابل، وكما نلاحظ غياب التواصل البصري بين أفراد العائلة، بسبب سيطرة الأجهزة الذكية على العيون والعقول، وهنا يجب على الأبوين أن يكونوا واعين كفايةً للابتعاد عن هذه الظاهرة بحيث يحددون لأطفالهم أوقاتاً لتصفُّح وسائل التواصل الاجتماعي، وأوقاتاً خاصة بالعائلة لا يجوز بحال من الأحوال خرق قداستها بالأجهزة الذكية.

10. الخصوصية:

لا تشكُ ابنك ولا تتحدث عن تصرفاته الطائشة إلى الأشخاص الغريبين؛ بل حافظ على الخصوصية بينك وبينه، ففي اللحظة التي تنشر فيها أموركم الخاصة إلى الغرباء، فأنت تُعرِّض عنصر الأمان الذي يشعر به الطفل نحوك إلى الاختفاء، ومن ثمَّ يحرِّض هذا الأمر الطفل على التحول إلى مريض نفسي.

الخلاصة:

أطفالنا بحاجة إلى الحب والأمان والاستقلالية ومساحة التعبير، فلا تعنِّف طفلك جسدياً أو نفسياً فتخلق منه مريضاً نفسياً، وضع نفسك في مكان الطفل وافهم دوافعه واحتياجاته، عندها فقط ستصبح صديقاً له، وستأخذ منه أفضل ما لديه.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة