الموت أمر لا مفر منه، تعلم ألا تخشاه

الموت هو أحد الأشياء الوحيدة في الحياة التي يمكننا الاعتماد على صحتها، ومع ذلك فإنَّ فكرة الموت قد تكون مخيفةً للأغلبية، فالتفكير في الأمر يجعل الكثير من الناس يعانون من القلق والاكتئاب عندما تخطر ببالهم فكرة الموت، وبالنسبة إلى بعض الناس هو شعور عابر، ولكنَّه ما فتئ يسبب حزناً عميقاً، فهو مستمر ومتتالٍ وحتمي، وهذا يؤدي إلى تغييرات في السلوك قد تؤثر سلباً في حياتهم.



لن يغير أي قدر من الخوف أو القلق حتمية الموت، فلا توجد طريقة بديلة تجعلنا نعيش إلى الأبد، لذلك يجب أن يكون الهدف هو القيام بكل ما تريده خلال حياتك وعدم ترك المخاوف بشأن الموت تشتت الانتباه.

الموت يخيفنا جميعاً، ومن المحتمل أنَّ الأشخاص الذين يقولون خلاف ذلك يكذبون، فالقلق من الموت حقيقي دينياً وروحياً وغير ذلك، ولدينا جميعاً أسئلة عن هذا المجهول العظيم، وما يحدث بعد أن نموت، فهذا جزء من الحياة، فإذا كان الخوف من الموت أمراً طبيعياً، فإنَّ الشعور بالإعاقة أو الشلل بسبب هذا الخوف ليس أمراً طبيعياً بالضرورة ولا يُعَدُّ شيئاً جيداً، فالقلق من الموت يجب ألا يمنعك من العيش.

الخوف من الموت:

الخوف من الموت هو نوع من الرهاب، ومثل أنواع الرهاب الأخرى له اسم خاص وهو "رهاب الموت" (thanatophobia)، فمن السهل تحديد الخوف من الموت على أنَّه الخوف من نهاية الحياة، وإذا كنت تقول إنَّ عدم الرغبة في الموت هو خوف عقلاني، فأنت لست مخطئاً، لكن متى يصبح غير منطقي؟ عندما يصبح الخوف عدوانياً وقمعياً لدرجة أنَّه يمنعك من الاستمتاع بالوقت المتاح لك؟ هذا النوع من الخوف شيء لا نريده؛ وذلك لأنَّه قد يتحول إلى قلق بشأن الموت.

الخوف من الموت قد يؤثر فينا في أي وقت، ولكنَّه يميل إلى أن يحظى بأكبر قدر من الاهتمام لدى الناس - وخاصةً في سن التقاعد أو نحو 65 عاماً - الذين بدؤوا بالتفكير في الإنجازات وخيبات الأمل وما يندمون عليه ومسارات حياتهم وكيف قضوها.

قد يعاني الأفراد المصابون بأمراض مميتة من جميع الأعمار أيضاً من شكل من أشكال رهاب الموت أيضاً، والخوف من الموت أمر طبيعي إلى حد ما، ولكنَّه يكون أقل خصوصاً في الأشخاص المحاطين أو المغمورين به أو يعانون من اضطراب في الصحة العقلية مثل اضطراب الهلع والقلق واضطرابات الاكتئاب والمرض.

لماذا نخاف من الموت؟

ليست لدينا صورة واضحة عن سبب تعرض بعض الأشخاص لقلق الموت المنهك ولماذا لا يعانيه الآخرون، لكن يوجد قدر لا بأس به من الأبحاث التي تُظهر أنَّ بعض الأشخاص أكثر عرضةً للتعامل مع هذا الخوف في حياتهم، فالأشخاص المتقاعدون أو المسنون أو المرضى الميؤوس من شفائهم هم مجموعات شائعة تتأثر بالخوف منه؛ ونتيجة لذلك قد يمثل الخوف من الموت لديهم نهايةً أكثر حدةً وفوريةً وقابلةً للقياس الكمي من أولئك الذين لا يتوقعون أنَّ الموت على وشك الحدوث لهم.

كما أنَّ القلق من الموت يميل أيضاً إلى التأثير في بعض الأشخاص تأثيراً أكثر حدةً بناءً على مجموعة متنوعة من عوامل الصحة العقلية، وقد يؤثر الخوف من الموت تأثيراً أكبر في الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية أو الذين يختبرون ما يأتي:

  • حالة صحية سيئة.
  • عدم تقدير الذات.
  • ضعف الشجاعة والروح القتالية.
  • عدم الثبات على المعتقدات الدينية.
  • عدم وجود ألفة في العلاقات.
  • عدم الوفاء والتعرض للخيانة.

قد يؤثر الخوف من الموت تأثيراً سلبياً في الأشخاص القلقين أو المكتئبين أو الذين يتعاملون مع ضائقة لم تُحل نفسياً أو جسدياً، ومن المثير للاهتمام أنَّ الأشخاص المحاطين بكبار السن أو المرضى الميؤوس من شفائهم يمكن أن يصابوا أيضاً بالخوف من الموت بشكل متكرر.

أظهر تقرير عام 2010 أنَّ القلق من الموت لا يمكن أن يؤثر فقط في المرضى الذين يعانون من أمراض قاتلة مثل الإيدز والسرطان المتقدم، ولكنَّه قد يؤثر أيضاً في مقدمي الرعاية من أفراد الأسرة، وفي الواقع أظهر مقدمو الرعاية أعراض قلق الموت مماثلةً لأعراض من يحتضرون من المرض، ومع ذلك فإنَّ أعراض القلق من الموت التي يشعر بها المرضى الميؤوس من شفائهم كانت أكبر بشكل ملموس.

إقرأ أيضاً: قبول الفقد إنقاذ للموجود: كيف يمكن تلطيف فكرة الموت؟

التركيز على الحياة بدلاً من الموت:

قد يكون من السهل على الموت أن يشغل أفكارك، فالفكرة تثير الكثير من الأسئلة والعواطف، مع أنَّ القلق بوصفه استجابة تطورية يساعدنا على البقاء على قيد الحياة، ومن المفهوم أنَّ قلقك سوف يبدأ بشأن موتك في المستقبل، لكن مثل العديد من حالات القلق، فإنَّ القلق بشأن الموت الذي لا يمكنك فعل أي شيء حياله سوف يستهلك الكثير من طاقتك ويتركك تشعر بالإرهاق والتعاسة، وبدلاً من ذلك من المفيد إعادة برمجة طريقة تفكيرك في الموت والتركيز على ما يمكنك القيام به في الحياة:

1. حدد الأهداف:

عندما يكون لديك أهداف تحتاج إلى تحقيقها في الحياة، سيكون لديك وقت أقل تقضيه في القلق بشأن أيامك الأخيرة.

شاهد بالفديو: 8 أخطاء شائعة في تحديد الأهداف

2. تدرَّب على الامتنان:

خذ وقتاً كل يوم لتدوين اللحظات التي تشعر بالامتنان لها من خلال رؤية امتلاء حياتك بالمواقف والذكريات الجميلة، فإنَّ فكرة تركها خلفك قد تكون أقل إثارةً للخوف.

3. فكِّر في إرثك:

ما ستتركه من أعمال ومشاعر في العائلة والنجاحات والذكريات سيستمر في العيش إلى الأبد؛ لذا ركز على ترك إرث زاخر تريد أن تتذكره الآن ويتذكره غيرك بعد رحيلك.

4. تحدَّث عنه:

لأنَّ الموت موضوع محفوف بالمخاطر، فغالباً ما يتجنب الناس الحديث عنه، ولكنَّ التحدث مع العائلة أو المعالج والتعامل مع مهام خاصة به مثل كتابة وصية، ربما يزيل حساسيتك تجاه هذه الفكرة.

كيف تتغلب على الخوف من الموت؟

يُعَدُّ التعامل مع القلق من الموت عمليةً معقدة سواء كنت مريضاً في نهاية المطاف أم لا أم بصحة جيدة، فالموت موضوع يصعب التعامل معه، وإذا كان الخوف من الموت يسيطر عليك، فإنَّ البحث عن علاجات قياسية للقلق أو المساعدة المهنية أو تعلم آليات التأقلم الصحية قد تكون تذكرتك للراحة والسيطرة على هذه المشاعر.

بعد قولي هذا، إليك تسع طرائق للمساعدة على إدارة خوفك من الموت:

1. ممارسة الرياضة:

تشير الدراسات إلى أنَّ التمرينات الرياضية قد تساعد على إدارة القلق، فقد تساعد أيضاً جسمك على البقاء بصحة أفضل لفترة أطول، وهذا قد يزيد من متوسط ​​العمر المتوقع.

2. التأمل:

كانت حتمية الموت موضوعاً أساسياً للعديد من الفلسفات الدينية والروحية، وليس من المستغرب أنَّ البحث عن السلام أدى في كثير من الحالات إلى ممارسات التأمل، فالتأمل طريقة رائعة لاستخدام تقنيات التنفس والأدوات الأخرى لتهدئة تلك الأفكار المتطفلة المتعلقة بالموت مع مرور الوقت.

3. العلاج بالكلام والدعم:

إذا كان موتك الحتمي مصدر قلق، فتحدث إلى شخص ما عن ذلك؛ إذ يُعَدُّ المعالج أو الأصدقاء المقربون والعائلة ملاذاً مناسباً عندما تجول فيك هذه المشاعر، وقد يكون الشخص الذي تثق به مناسباً جداً للتعبير عن هذه الأفكار في بيئة آمنة وصحية وداعمة.

شاهد بالفديو: كيف نتجاوز فقدان شخص عزيز؟

4. تغيير عاداتك:

قد يكون استكشاف ما يثير أفكارك المتعلقة بالموت وكيف ينتهي بك الأمر إلى التفكير في هذه الأفكار طريقةً رائعةً لملاحظة الأنماط وتجنب الأفكار المقلقة في المستقبل، وقد لا يكون من المنطقي تجنب هذه المحفزات تماماً، ولكنَّ معرفة وجودها ستمنحك مزيداً من الفاعلية عند حدوثها في المستقبل.

5. تحديد علامات القلق مسبقاً:

حتى إذا كنت لا تستطيع منع المحفزات من إرسالك إلى دوامة القلق، فإنَّ القدرة على التعرف إلى علاماته في حياتك اليومية قد تساعدك على اكتشاف الهجمات مبكراً وتعلُّم كيفية تهدئة تلك المشاعر من خلال استراتيجيات التأقلم.

6. علاج التعرض أو المواجهة:

خذ هذا على سبيل المثال، يُعَدُّ قضاء الوقت مع العناكب طريقةً مثلى للتعامل مع خوفك منها، لذلك عندما يتعلق الأمر بالموت فتعلُّم القبول والارتياح في حالة الانزعاج والقلق منه هو نفس الشيء، فلا يجب أن يبدو التعرض للموت وكأنَّه تجربة قريبة من الموت (near death experience)، سواء كانت محادثات عن الموت أم الحياة الآخرة أم تصور الجنازة أم مجرد الحديث عن تشخيص نهائي لمرض عضال، وقد يكون التعرض هو الحل لتهدئة الأفكار المقلقة.

إقرأ أيضاً: 10 عادات من شأنها أن تغير حياتك إلى الأفضل

7. طلب الدعم التخصصي:

قد يتخذ الحصول على مساعدة بشأن القلق أحد الأشكال العديدة، لكن كل شيء يبدأ بمحادثة مع اختصاصي رعاية صحية عن الأعراض التي تعاني منها، فتحدَّث إلى مقدم الرعاية الصحية الخاص بك أو اطلب منه الإحالة إلى طبيب أو معالج نفسي، كما يمكنك أيضاً العثور على المساعدة عبر الإنترنت من خلال مواقع خدمات الصحة العقلية الرقمية.

8. الحصول على العلاج:

بمجرد طلب الدعم المهني، قد يتم توجيهك إلى مسار العلاج النفسي، فعلاج القلق شائع هذه الأيام، وأحد الأشكال الشائعة هو العلاج المعرفي السلوكي؛ والعلاج المعرفي السلوكي هو نظام يعلمك كيفية تحديد أنماط التفكير والبدء بتنظيمها في نهاية المطاف، وقد ينفع مع القلق من الموت تماماً كما هو الحال مع أي نوع آخر من القلق.

9. العلاج الدوائي:

يتم التعامل مع اضطراب القلق العام واضطراب ما بعد الصدمة واضطراب الهلع وأشكال القلق الأخرى بشكل فعال مع فئة الأدوية التي يشار إليها عادةً باسم مضادات الاكتئاب، كما هو الحال مع الاضطرابات الاكتئابية؛ إذ تساعد هذه الأدوية عقلك على تنظيم حالتك المزاجية بشكل أفضل من خلال التأثير في بعض النواقل العصبية، وهي فعالة في ذلك لدرجة أنَّها أصبحت حلاً مناسباً للقلق.

قد يتم وصف مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)؛ وذلك لأنَّها تُعَدُّ أكثر الأدوية أماناً وفاعليةً للقلق في السوق اليوم، على الرغم من أنَّه يمكن استخدام أنواع أخرى من الأدوية إذا لم تكن مناسبةً لاحتياجاتك.

في الختام:

الموت مفهوم ينذر بالخطر، لكن لن يؤدي أي قدر من القلق إلى حياة أطول، والعيش في خوف من الدورة الطبيعية للحياة والموت لن يكلفك سوى الحياة التي لديك وقدرتك على تحقيق أهدافك، فمن الأفضل معالجة هذه المخاوف وجهاً لوجه، والتركيز على ما يمكنك فعله لتحقيق أقصى استفادة من حياتك الآن.




مقالات مرتبطة