المهارات الخاصة بنموذج العمل الهجين

المرونة والتعاطف والإبداع هي المهارات البشرية الأساسية لعالمنا الذي تحول لنهج العمل الهجين، إن كنت تتساءل عن النهج الهجين؛ فهو الذي يجمع بين العمل عن بُعد والعمل ضمن الشركة.



منذ بدء جائحة كورونا (COVID-19) والسؤال عن مستقبل الأعمال بعد انتهاء الجائحة لا يفارق أذهاننا؛ لذا توصلت الكثير من الشركات إلى ضرورة اعتماد نموذج العمل الهجين، وتحول موضوع النقاش الآن إلى مستقبل سوق العقارات التجارية، وتغيير تصميم مكاتب العمل وأثاثها والأدوات التقنية التي سنحتاج إليها في مستقبل العمل الهجين الجديد.

الأهم من التصميم التنظيمي والأدوات التقنية لنظام العمل الهجين هي المهارات الهجينة التي سنحتاج إلى تطويرها في أيِّ مكان وأيِّ نوع عمل، لا شك أنَّ المهارات والخبرات الصلبة دائماً تحتمل الفوز أو الخسارة، ولكن لإنجاح عالم الأعمال الهجين الجديد المحاط بحالة من التغيير وانعدام اليقين المستمر، سنحتاج إلى مهارات إنسانية كالتعاطف والمرونة والتعاون وبناء الفريق والإبداع، هذه هي المهارات التي ستسمح لنا بالتكيف مع البيئات الجديدة والتغييرات المستمرة، واستخدام جميع مهاراتنا الأخرى باستمرار دون أن نستهلكها بالكامل.

يقول ألكسندر ويستردال (Alexander Westerdahl)، نائب رئيس الموارد البشرية في شركة سبوتيفاي (Spotify): "نحن على شفا التغيير التالي، وهو عصر القوى العاملة الموزعة؛ حيث تظهر قيمة الأشخاص في كيفية أداء عملهم، وليس مكانه"، عندما يتم تقسيم أماكن العمل لدينا، تصبح كيفية عملنا واهتمامنا بما يسمى "المهارات الناعمة" محور اهتمامنا.

شاهد بالفيديو: 10 مهارات ناعمة تساعدك على تحسين حياتك المهنية

في الواقع، يشير مصطلح "ناعمة" بصورة كبيرة إلى مدى أهمية هذه المهارات البشرية للنجاح، سواء بالنسبة إلى الأفراد أم الشركات؛ وذلك لأنَّها في الواقع مهارات أساسية تسمح لنا بتعزيز المهارات والخبرات الخاصة بالوظيفة أو المهمة التي اكتسبناها، فضلاً عن قدرتنا على التدرب عليها وتطويرها، في الواقع، لم يَعُد التمييز بين المهارات الناعمة والمهارات الصلبة ذا أهمية، وقد حان الوقت لإلغاء التركيز على أحدها دون الآخر كنتيجة إيجابية للجائحة.

يشرح مارك بينوف (Marc Benioff)، المؤسِّس والمدير التنفيذي لشركة البرمجيات سيلزفورس (Salesforce)، كيف كان عليه أن يبتكر طريقة جديدة لإدارة شركته ودعم موظفيه، فيقول: "علينا تمكين المهارات الهامة مثل مهارات الصحة النفسية، وعلينا أن نطلق العنان لها لوضع الناس مجدداً على طريق النجاح والإنتاجية".

تزايدت الحاجة إلى المهارات الهجينة حتى قبل انتشار الجائحة؛ حيث عززت الأتمتة وتعلم الآلة أهمية مهارات مثل الإبداع والتعاطف والتعاون والابتكار وحل المشكلات المعقدة والعمل الجماعي التي لا يمكن أتمتتها، وهذه هي المهارات التي نستخف بها كثيراً عندما نتعرض للتوتر والاحتراق الوظيفي والاستنزاف الذين زادت نسبتهم في ظل جائحة كورونا (COVID-19)؛ لذا فقد كانت الجائحة عاملاً مساعداً لتحطيم نموذج عمل على وشك الانهيار، من خلال تسريع كل من الأزمة والحل - وهي طريقة عمل تعطي الأولوية لهذه المهارات البشرية - سرَّعت الجائحة جميع أنواع العمل، جيدها وسيئها.

مع انتهاء الجائحة، من الواضح أنَّ الناس يريدون التمسك بمرونة العمل الهجين، أفاد موقع الوظائف إنديد (Indeed) أنَّ عمليات التوظيف في الولايات المتحدة التي تقدم العمل عن بعد قد تضاعفت منذ بدء الجائحة، وفي تقرير "العودة إلى مكان العمل" (Return to the Workplace)، قال ما يقرب من نصف الموظفين الذين شملهم الاستطلاع إنَّهم سيستقيلون إذا لم يمنحهم رب العمل خيار العمل الهجين.

في الوقت نفسه، لسنا مستعدين للتخلي عن فوائد العمل والتواجد الفعلي في مكان العمل؛ إذ وجد تقرير أجرته شبكة الخدمات المهنية برايس ووترهاوس كوبرز (PwC) حول إعادة تصوُّر مكان العمل أنَّ ما يقرب من 90% من الموظفين قد صرحوا أنَّ العمل ضمن الشركة ضروري للتعاون وتشكيل الفريق، واستناداً إلى التقرير، فإنَّنا نتواصل شخصياً مع الآخرين تواصلاً يختلف عن التواصل عبر الإنترنت، خاصة عندما نشعر بالتوتر.

يقول كل من دانيال ليفين (Daniel Levin) وَتيري كيرتسبرغ (Terri Kurtzberg)، أُستاذا الإدارة في كلية روتجرز للأعمال (Rutgers Business School): "يجعل التواصل الافتراضي والأزمات الناسَ أكثر سلبية، وأكثر تشتتاً، وأقل رغبة في التعاون مع الآخرين أو مشاركة المعلومات المفيدة، كما يقوِّضان ثقتهم بالآخرين، ويقلِّلان من رغبتهم في قبول الأفكار الجديدة".

وجد استطلاع داخلي أجرته شركة مايكروسوفت (Microsoft) انخفاض عدد الموظفين الذين يشعرون بأنَّهم على تواصل ببعضهم من 91% في نيسان من عام 2020 إلى 71% بحلول شباط من عام 2021؛ حيث يقول دون كلينجوفر (Dawn Klinghoffer)، رئيس قسم تحليلات الناس في شركة مايكروسوفت (Microsoft): "بينما نتكيف مع العمل الهجين، تتمثل مهمتنا في البحث عن طرائق لإعادة تلك المستويات إلى سابق عهدها".

ستكون إدارة كل هذه الاحتياجات المتضاربة ذات أهمية كبيرة كأهمية التحول العاجل إلى العمل عن بُعد في بداية الجائحة، وستحدث عندما تكون الجائحة قد أرهقت الجميع، وعندها سيبرز الدور الهام للمهارات البشرية لأيِّ نموذج عمل هجين تريد الشركة تبنِّيه في المستقبل.

قضى العاملون لدى شركة ثرايف (Thrive) - التي تُعنى بالسلوك - عام 2020 في العمل مع العملاء وقادة الشركات في عدد من الأعمال التجارية، وتوصلوا إلى خارطة طريق تساعدهم على اعتماد نهج نموذج العمل الهجين، وإليك أبرز نصائحهم:

1. اغتنم فرصة إعادة النظر في الإنتاجية:

لم نُعِد النظر تماماً في كل شيء حول مكان وكيفية عملنا منذ الثورة الصناعية، والآن لدينا فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في كل جيل لإيجاد وضع طبيعي جديد يستند إلى الطريقة التي يكون أداؤنا فيها في ذروته، تقول ساندرا بوند تشابمان (Sandra Bond Chapman)، عالمة الأعصاب المعرفي في مركز صحة الدماغ بجامعة تكساس (University of Texas): "يتراجع الناس الآن ويبحثون عن سبل لتحسين الإنتاجية وليس زيادة كميتها، بدلاً من إحصاء عدد الأشياء التي قمنا بها، لدينا الآن فرصة للتحول نحو الإجراءات الأكثر أهمية التي تركز على الإبداع وتكون مدفوعة بالهدف أو العلاقات الاجتماعية". 

قد نظن عندما نوزع القوى العاملة لدينا أنَّ الفاعلية ستقل، ولكنَّ العكس هو الصحي؛ حيث يقول عالم النفس التنظيمي آدم غرانت (Adam Grant): "أكثر ما أفضِّله في الفِرق، رؤيتي لها كنوع من مضخمات الصوت، فأيُّ فعل يقومون به يظهر ظهوراً أقوى، ويظهر ذلك جلياً أكثر عندما نبتعد، يعلو صوت جميع ميكروفوناتنا في وقت واحد، وقد يتسبب ذلك في حدوث مشكلات"؛ لذلك هذا هو الوقت المناسب لتعزيز الرسالة الهامة التي نحتاج إليها للتخلي عن الوهم الجماعي بأنَّنا لكي نكون منتجين، يجب أن نكون حاضرين على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وأن نجعل من الإرهاق حافزاً للتقدم، وبدلاً من ذلك، يمكننا نشر أحدث العلوم والبيانات حول تناقص العوائد وأهمية إدارة طاقتنا، وليس وقتنا.

إقرأ أيضاً: 5 طرائق لتخفيف التوتر وزيادة الإنتاجية بشكلٍ تدريجي

2. اجعل السلامة جزءاً أساسياً لتنمية المهارات البشرية:

شغل موضوع الصحة النفسية في مكان العمل في أثناء الجائحة العديد من الشركات، يقول فران كاتسوداس (Fran Katsoudas)، رئيس موظفي شركة سيسكو (Cisco) التكنولوجية: "لقد أدركنا أنَّ موظفينا يلجؤون إلينا لنقدم لهم إرشادات بشأن كل شيء كالجائحة وأسلوب عيشهم؛ راغبين بتمييز الآمن عن غير الآمن، أصبح من الطبيعي جداً بالنسبة إلينا أن نعقد اجتماعات بوجود اختصاصي الصحة الجسدية والصحة النفسية، ونتناقش حول استراتيجية العمل، وكل ذلك في اجتماع واحد".

ومع ذلك، وجد استطلاع أجرته مؤسسة الأبحاث والاستشارات غارتنر (Gartner) لقادة الموارد البشرية أنَّه على الرغم من تقديم 64% من الشركات برامج سلامة جديدة في أثناء الجائحة؛ إلا أنَّ ربعها فقط يخطط لمواصلة هذه البرامج.

ليس على الشركات مواصلة هذه البرامج فحسب؛ بل التوسع فيها أيضاً، في الشركات ذات النهج الهجين، تشكل حلول السلامة أساس المهارات الهجينة، وفي مؤشر تحليل العمل من تطبيق أسانا (Asana) لعام 2021، صنف الموظفون صحتهم النفسية على أنَّها متدنية أو متدنية جداً بأكثر من ثلاثة أضعاف، مقارنة بالعام السابق، يقول ما يقارب نصفهم إنَّ مستويات التوتر لديهم مرتفعة أو مرتفعة جداً، ويقول نيكولاس بلوم (Nicholas Bloom)، الخبير الاقتصادي في جامعة ستانفورد (Stanford University)، الذي تعمق في دراسة العمل عن بُعد لسنوات: "لن تقضي فترة طويلة من العمل من المنزل على إنتاجية العمل ضمن الشركة فحسب؛ بل ستؤدي إلى حدوث أزمة في الصحة النفسية أيضاً".

3. استخدِم التكنولوجيا لتعزيز الإنسانية والإنتاجية:

لا شك أنَّ التكنولوجيا كانت عصب الحياة خلال الجائحة، والانتشار المتسارع لتكنولوجيا الاتصالات هو ما يجعل عالمنا الهجين الجديد ممكناً، وفي الوقت نفسه، تزيد الكثير من هذه التكنولوجيا أيضاً معدلات الإرهاق، ففي مؤشر تحليل العمل من تطبيق أسانا (Asana) لعام 2021، كان هناك ارتباط مباشر بين معدلات الإرهاق ومدى استخدام الموظفين لأجهزتهم، يشير التقرير أيضاً إلى أنَّه على الرغم من زيادة عدد ساعات العمل لتصبح 213 ساعة عمل وسطياً في عام 2020 مقارنة بعام 2019، فقد ارتفع عدد المواعيد النهائية غير المستوفاة، هذه هي مفارقة الإنتاجية: نحن نعمل أكثر ولا ننجز إلا القليل.

والأسوأ من ذلك، وجد المؤشر على تطبيق أسانا (Asana) أنَّ الفِرق تستخدم 13% من وقتها لتكرار العمل الذي قاموا به مسبقاً، مما أدى إلى إهدار 236 ساعة من الوقت كل عام.

وكلَّما زاد عدد التطبيقات التي يستخدمها الموظفون، زاد احتمال تكرارهم للعمل، قال ما يقرب من ثلاثة أرباع المشاركين في المؤشر وجود ضغط عليهم على مدار اليوم للقيام بمهام متعددة، وكلَّما كان عدد الموظفين الذين يستخدمون التطبيق أكثر، كان احتمال مضاعفتهم لعملهم أكبر، وكان الموظف يقضي 60% من وقته في "العمل البحت"؛ يبحث عن المعلومات، وينسق مع زملائه، ويقوم بجميع الأشياء اللازمة لبدء العمل في المهمة الفعلية في متناول اليد؛ وهذا يعني أنَّه قضى 26% فقط من اليوم يقوم بأعمال تتطلب مهارة محددة.

علاوة على ذلك، انتشرت الاجتماعات الافتراضية، مما جعلنا جميعاً على دراية بالإرهاق الناجم عن استخدام تطبيق زووم (Zoom) ومشكلات انقطاع الاتصال بالإنترنت، وفقاً لشركة مايكروسوفت (Microsoft) في شباط من عام 2021، تضاعف الوقت الذي أمضاه الموظفون في الاجتماعات بنسبة 148% زيادة على شباط من العام الماضي، وقد يكلفهم ذلك أكثر من إهدار الوقت الثمين؛ نظراً لأنَّه من الصعب تحقيق عمل جماعي ناجح عن بُعد.

تقول مارتين هاس (Martine Haas)، أستاذة الإدارة التي تدرِّس التعاون: "تكمن المشكلة الأساسية لديكم في نقص المعلومات، وعدم فهم بعضكم بعضاً؛ لذا من المفيد حقاً أن تسأل أعضاء فريقك الذي يعمل عن بُعد، أسئلة فيها شيء من الخصوصية، كالسؤال عن المكان الذي يعملون فيه وعن زملائهم وعن عدد أولادهم ونوع الحيوان الأليف الذي يربونه والأحداث في حياتهم".

نفترض أنَّ مكالمة الفيديو تمنحنا فهماً أكبر، لكن ليست هذه طبيعة الحال دائماً، فقد وجدت دراسة مذهلة أجراها مايكل كراوس (Michael Kraus)، الأستاذ بجامعة ييل (Yale)، أنَّ الأشخاص كانوا أكثر قدرة على إدراك مشاعر الآخرين باستخدام المكالمات الصوتية فقط؛ ولهذا السبب يقول آدم غرانت (Adam Grant): "عندما يسأل الناس عن منصة اجتماعات الفيديو التي أفضلها، أنصحهم بالمكالمات الصوتية".

هذا لا يعني أنَّه عليك التخلص من كل تطبيقات الاجتماعات عبر الفيديو المذهلة التي تعلمت مؤخراً كيفية استخدامها، ولكن ما يجب أن نسأل أنفسنا هو هل تُوظَّف التكنولوجيا في شركتنا لتعزيز الإنتاجية، أم أنَّها ترهق أعضاء فريقنا؟ وإذا كان الجواب هو الأخير، فما هي الخطوات الدقيقة أو العقلية التي يمكن أن تساعدنا على تصحيح المسار بسرعة؟

إقرأ أيضاً: 17 نصيحة وحيلة تقنية لجعل العمل من المنزل أكثر إنتاجية ومتعة - (1)

4. ضع نموذجاً لمهارات العمل الهجين:

إذا لم يتخذ القادة خطوات لرعاية التعاطف والإبداع والمرونة الذهنية، فإنَّ فِرقهم لن تفعل ذلك أيضاً، ولا يتوقف الأمر على مجرد احتذائهم بقائدهم، فوفقاً لاستطلاع أجرته شركة كي بي إم جي (KPMG)، كان المديرون معرضون أكثر من غير المديرين لمواجهة مشكلات في التعامل مع قضايا الحياة العملية، كان مارك بينوف (Marc Benioff) صريحاً بشأن كيف ساعدته كل من اليقظة الذهنية والتأمل على اتخاذ القرارات التي ترقى لأن يتخذها قائد؛ حيث يقول: "أُصغي لأفهم ما بين سطور الرسالة، فأصبحُ أكثر ارتباطاً بجزء أعمق من نفسي، كيف أُبلي بلاءً حسناً الآن في هذه اللحظة بصفتي قائداً؟ يساعدني التأمل على الإجابة عن هذا السؤال الجوهري".

لذا بالإضافة إلى أية مهام أخرى تقع على عاتق القادة، يجب أن يكونوا مسؤولين عن سلامة مرؤوسيهم، يلهم وضع نماذج لطرائق العيش والعمل التي تعزز المهارات الهجينة لدى الآخرين وتعطيهم الإذن للقيام بالمثل.

في عام 1989، نشرت إيمي وارنر (Emmy Warner)، التي كانت آنذاك باحثة في جامعة كاليفورنيا (University of California)، دراسة طولية شهيرة تمت فيها متابعة الأطفال المعرضين لمخاطر عالية لمدة 32 عاماً، وجدت أنَّ الأطفال الأكثر مرونة لديهم "مركز تحكم داخلي" يسمح لهم "بمقابلة العالم بشروطهم الخاصة"، ووجدت أيضاً أنَّ بعض الذين يفتقرون إلى المرونة في وقت مبكر تمكنوا من تعلُّم المرونة مع تقدُّمهم في السن.

في العصر الذي انتشر فيه نمط العمل الموزَّع، وأصبح العمل الهجين هو المتَّبع، سيكون وجود مركز التحكم الداخلي هذا أكثر أهمية من أيِّ وقت مضى، وستزدهر الشركات التي تعطي الأولوية للسلامة، وتعزز المهارات البشرية المتمثلة في التعاطف والإبداع والمرونة في عالم الأعمال الهجين.

المصدر




مقالات مرتبطة