من الهام الحفاظ على ارتباط الموظفين ببيئة العمل في ظل ظروف العمل عن بُعْد، ونظراً لتوسُّع الشركات التجارية بشكل كبير، أصبحَت تُقدِّم المزيد من الخيارات في الأسواق العالمية، الأمر الذي جعل متطلبات الموظفين أكثر وضوحاً في المنظمات التي يعملون بها، وفي الوقت نفسه، ازداد العمل عن بُعْد بشكل كبير بفعل جائحة كوفيد-19، وهو ما زاد من حاجة الموظفين للشعور بالانتماء لأنَّه حاجة نفسية طبيعية لدى الناس، فهم يحتاجون محيطاً اجتماعياً ومرجعاً في العمل ليرشدهم عند الحاجة، وبينما أصبح من السهل التقدم للوظائف والعمل عن بُعْد من أي مكان ومع أي شخص، فلم يَعُد هناك ولاء شديد لأرباب عمل مُحدَّدين كما كان من قبل؛ إذ يبحث الناس عن الإحساس بالانتماء على صعيد علاقاتهم المهنية ككل، وليس على صعيد منحىً واحد فقط.
مصادر الانتماء:
يأتي الشعور بالانتماء عادةً من أربعة مصادر رئيسة:
- وجود هدف مشترك.
- المشاركة بطريقة مُميَّزة في تحقيق هذا الهدف.
- الفخر بنتائج ما يفعله الفريق بصفته إرث أعمالهم.
- الامتنان لما قدَّمه الآخرون في الفريق.
1. وجود هدف مشترك:
يوجد دوماً "هدف" سواء في القضايا الكبرى، مثل: القضاء على الأمراض أو محاربة الفقر أو تنظيف المحيطات، أم في أمور أبسط، وهو ما يدفعنا لنقوم بعملنا كل يوم، وقد يتمثل الهدف في الشركات التي تُقدِّم خدماتها لشركات أخرى في تحقيق أهداف العملاء، أو قد يكون حل مشكلة معيَّنة في مجال العمل، ومهما كان الهدف، فهو يجعل الفريق أكثر تركيزاً وتطلُّعاً نحو المستقبل، وفي روتيننا اليومي وبيئة العمل عن بُعْد، يأتي الهدف من أبسط الأعمال؛ لذا، مهما كان الهدف الذي قد ينشده فريقك، اغتنِم كل فرصة لتعريفهم بهذا الهدف وتعزيزه، والأفضل من ذلك أن تسمح لهم بالمشاركة في إنشائه وتحقيقه، حيث يتغير النقاش والحوار تماماً عندما يُحدِّد الفريق هدفه الخاص، ويسعى إلى تحقيقه، فيصبح "الهدف" محور نقاشاتهم وعلى رأس اهتماماتهم؛ إذ يبدو تأثير ذلك واضحاً عند عقد جلسات لدراسة مستقبل العمل، أو عند إجراء جلسة للتأكد من توافُق إمكانيات العميل مع متطلبات العمل، وفي كلتا الحالتين، عندما يصيغ الناس أفكارهم الخاصة حول الهدف بأنفسهم، يرتفع مستوى مشاركة والتزام أعضاء الفريق إلى أعلى مستوىً بغضِّ النظر عن اختلاف آرائهم وخبراتهم، الأمر الذي يبني ويُعزِّز شعور الانتماء لدى الموظفين، ولا يجب أن يكون الهدف دوماً ثابتاً؛ إذ من الأفضل تجديده باستمرار.
شاهد بالفيديو: 12 طريقة فعالة لتعزيز العمل الجماعي
2. المشاركة بطريقة مُميَّزة في تحقيق هذا الهدف:
يجب أن يشعر أعضاء الفريق أنَّ الطريقة التي يسعون بها إلى تحقيق هذا الهدف هي فريدة من نوعها، بكونها بصمة الفريق التي تُميِّزهم عن الفِرَق الأخرى؛ إذ يُلبِّي الإبداع في المشاركة رغبة الناس في الشعور بالتميز، ويرتبط هذا الإحساس بالإبداع ارتباطاً مباشراً بما تُقدِّمه للسوق، وليس ذلك فقط، فيأتي "التميز" من الطريقة التي تعمل بها الشركة على الصعيد الداخلي؛ أي طريقة ارتباط القادة بالموظفين ومبادئ الإدارة، والطريقة التي يتواصل بها الفريق واستقلالية الفِرَق، وكيفية تعامُل الشركة مع التنوع والإنصاف والشمول ودورها ومساهمتها في المجتمع، وبغضِّ النظر عن مجموعة العوامل المساهمة التي قد تكون لديك، فكلما أشاد الآخرون بمدى "تفرُّد" أو "حصرية" مساهمة الشركة بطريقة إيجابية، كلما زاد اندماج الفريق وتعمُّق شعور الانتماء لديهم.
3. الفخر بنتائج ما يفعله الفريق بصفته إرث أعمالهم:
يريد الجميع أن يشعروا بالفخر بإنجازاتهم وبالأثر الذي يتركونه في العالم، ويأتي نصف هذا الشعور من معرفتهم بأنَّهم يساهمون في شيء ذي قيمة فريدة كما ذكرنا سابقاً، لكنَّهم بحاجة إلى الشعور بأنَّ مساهمتهم الفردية هامة أيضاً؛ إذ يتكون لدى الناس عموماً شعور جوهري بالفخر بناءً على وعيهم الذاتي، وإظهار الفخر له تأثير كبير عليهم، وبالطبع ليس المقصود فيه التباهي أو الترويج للذات؛ إنَّما قد تشعر بالفخر حتى لو تحدَّث شخص آخر عن إنجازات فريقك، على سبيل المثال: عملَت إحدى التجارب على توفير مساحة لكل فريق لإخبار "تجاربهم المؤثرة" في مقاطع فيديو قصيرة منشورة في جامعة "سي آي آند تي" (CI&T)، وقد أُتِيحَت هذه التجربة لكل موظف وتضمَّنَت شهادات العملاء، وقد بدأ سرد التجارب دائماً بأهداف العمل المقصودة وانتهى بالنتائج، وكانت التفاصيل غنيةً جداً، وساعدَت مقاطع الفيديو هذه في تعزيز التعلم عبر أجزاء مختلفة من المؤسسة، وفي الوقت نفسه، غرسَت الشعور بالفخر؛ إذ يمنح إخبار تجربتك أو السماح للآخرين بالتعبير عن تجاربهم، شعوراً بالفخر في مكان العمل، فقدِّم مكافآتٍ ملائمة لإنجازات الأشخاص، لإظهار التأثير الفعلي لعملهم بشكل مباشر أو غير مباشر، فإنَّ الإشادة بضرورة التعاون بين أعضاء الفريق لتحقيق النتيجة النهائية ستضمن أن يفهم الجميع أهمية الجهد الجماعي ودورهم ككل والتعاون بدلاً من إنجاز المهام بشكل فردي.
4. الامتنان لِما قدَّمه الآخرون في الفريق:
يمكِن للناس أن يشعروا بالامتنان لأمور أبعد مما يتوقعون أو أشياء خارجة عن المألوف أو فجائية، وذلك من خلال تقديم الدعم لهم في أوقات الحاجة، فلقد أتاحت الأشهر الـ 12 الماضية، على وجه الخصوص، نظراً للجائحة، عدداً كبيراً بشكل استثنائي من الفرص لاختبار ما إذا كان بإمكاننا الاعتماد على الآخرين، والامتنان أيضاً مُتعدِّد الاتجاهات: قد تشعر بالامتنان لشيء فعلَه قائدك أو زملاؤك أو الأشخاص في فريقك.
لا يأتي الامتنان من الأعمال البطولية الكبيرة؛ إنَّما من أفعال صغيرة وغير متوقَّعة وصادقة تماماً، وغالباً ما تكون من علاقات فردية، ولا يمكِنك تزييف الامتنان، فأفضل ما يمكِنك فعله هو خلق بيئة تعاونية حقيقية حيث يهتم الناس بصدق ببعضهم بعضاً، ويشعرون بالأمان لتقديم مساعدتهم الشخصية للآخرين.
كما أنَّ العلاقات الشخصية والامتنان يُقوِّيان بعضهما بعضاً، وعندما يُعبِّر شخص ما عن امتنانه، فإنَّه يُعزِّز الشعور بالفخر لدى الشخص الآخر ويبني ذكرى جميلة لديه، حتى لو لم يلتقيا شخصياً.
إنَّ الأوقات الحقيقية التي تتذكرها والتي تشعر فيها بالفخر هي عندما يأتي شخص ما ويشكرك على شيء قلتَه أو فعلتَه وكان هاماً بالنسبة إليه بطريقة ما من غير تخطيط أبداً وبطريقة عفوية؛ إذ لهذا الأمر تأثير غير متوقَّع، كما أنَّ التعبير العفوي بطريقة مُميَّزة هو ما يجعل التفاعل لا يُنسى، ويمكِن لكل هذا أن يَحدث فقط في بيئة مفعمة بالأمان والتعاون.
أظهرَ العلم السلوكي مراراً وتكراراً أنَّ مساعدة الآخرين تعود بالفائدة على كل من المُساعِد ومتلقِّي المساعدة، وإذا كان أعضاء الفريق يُقدِّمون المساعدة لبعضهم بعضاً، فسيشعرون حقاً بأنَّهم ينتمون إلى الفريق.
نظراً لظروف البيئة الاستثنائية هذه الأيام، يبحث الناس عن شعورهم بالانتماء خارج نطاق العمل ولا يشعرون بالولاء المطلق لأي شخص، ولكن يمكِنك منحهم الإحساس بالانتماء الذي يبحثون عنه إذا ركزتَ مسبقاً على مصادر الانتماء التي ذكرناها آنفاً، فاعمل على هذه القواعد الأربع باستمرار للحفاظ على استقرار شركتك وتنافسيَّتها.
أضف تعليقاً