المدير المتسلط: صفاته وكيفية التعامل معه
من مِنَّا لا يحلم بالعمل في ظروف مريحة ومع مدير لطيف ومحب، ولكن هل هذه الأمنيات تتحقق دائماً؟ وهل قد تحظى فعلاً بهذا المدير؟ ماذا لو كان نصيبك مديراً متسلطاً؟ وهل يعني هذا أن تترك العمل وتبحث عن وظيفة جديدة، أم أنَّ هناك حلولاً أخرى يُمكنك القيام بها؟ وقبل كل ذلك، ما صفات المدير المتسلط، وكيف أجزم أنَّ مديري في العمل من هذا النوع؟ وفي حال كان كذلك، ما الطرائق الصحيحة للتعامل معه والحفاظ على عملي؟
صفات المدير المتسلط:
شخصية المدير المتسلط هي في الحقيقة حصيلة عدد من السلوكات التربوية والاجتماعية الخاطئة، وهي أيضاً ناتجةٌ عن مجموعةٍ كبيرةٍ من التراكمات النفسية والعاطفية؛ إذ إنَّ الشخص المتسلط غالباً ما يعاني من تضخم الذات أو النرجسية، أو قد يكون شخصاً ضعيفاً غير مسيطر، وكل ما يُظهره قناع لإخفاء هذا الضعف والفشل الذي يعانيه في حياته.
الشخصية في نهاية الأمر هي نمط مكتسب، أي أنَّها خلل بالنشأة في أثناء التربية أو العلاقات مع المجتمع والأسرة، والذي يؤدي بطبيعة الحال إلى خلل سلوكي ونفسي، ومع تطور هذا الخلل تتشكُّل الشخصيات الصعبة ومنها المتسلطة. فما صفات المدير المتسلط إذاً؟
- مُحبٌّ للسيطرة: ذكر عالم النفس الدكتور "ويليام مولتون مارستون" بأنَّ حبَّ السيطرة هي إحدى الصفات الموجودة عند المدير المتسلط، فهو لن يكون صبوراً مع الموظفين الذين لا يُجارونه، بل سيكون متطلباً دائماً وميَّالاً ومحباً للسلطة. والجدير بالذكر أنَّ هؤلاء الأشخاص تُوكل إليهم المناصب الكبيرة بسبب قدرتهم على إنجاز الأعمال، فهم لا يستسلمون أبداً.
- سلوكه عام وليس شخصياً: عليك أن تُدرك وتعلم جيداً أنَّك إذا كنت الشخص الذي يتعرض للتوبيخ من قبل المدير المتسلط، فأنت لست المقصود أو المعنيَّ شخصياً، وإنَّما سلوك هذا المدير وتصرُّفه نابع من طبعه المتسلط، وهو موَّجه إلى الجميع على حدٍّ سواء.
- غير مُتعاطِف: يتعامل مع الموظفين بكثير من الحيادية، وكأنَّهم مجرد آلات، فلا يكترث للقدرة البشرية المحكومة بكثير من العوامل، ولا بالظروف التي قد يمر بها الموظف فتؤثِّر في إنتاجيته، هو يبحث عن الإنجاز وحسب؛ لذا لا مجال عنده للراحة أو الخطأ أو السهو أو التقاعس، ويضع كل الاعتبارات السابقة جانباً.
- يعتقد أنَّ أي إنجاز يحدث بفضله فحسب: ينسب المدير المتسلط كل إنجاز يحدث في المؤسسة إلى نفسه، ويعتقد أنَّ حُسن إدارته وقيادته الحكيمة هي السبب في ذلك، فلا يعطي الفضل إلى أي موظف بأي إنجاز، ثم إنَّه يرى أنَّ على الموظف أن يكون ممتناً لإدارته الناجحة التي لن يكون قادراً على فعل أي شيء من دونها.
- يعاقب موظفيه بشدة لأبسط الأسباب: يتعامل مع الموظفين في أغلب الأحيان على أنَّهم مجرمون إذا ارتكبوا أي خطأ، فهم يستحقون بنظره عقاباً شديداً ليكونوا عبرةً لغيرهم.
- لا يشعر بالرضا: يحتفظ بتصور مثالي في خياله، وأي اختلاف هو خطأ بالنسبة إليه. وحتى لو كانت نتائج التصرفات المختلفة أفضل ممَّا يدور في رأسه، سيراها خاطئة دائماً ولن يرضى عنها. والمدير المتسلط لا يشكر موظفيه؛ ذلك لأنَّه يريد إشعارهم بأنَّهم ناقصون دائماً، ليعملوا بجهدٍ أكبر على حسب اعتقاده.
- عدم تقدير الموظفين: إن لم يجد سبباً سيئاً للصراخ والاستهجان، فإنَّه يصمت؛ ذلك لأنَّه لا يحب أن يشكر أحداً، ولا أن يمدح ويُثني على عمل أحدٍ غيره، بل ويعتقد أنَّه الوحيد الذي يستحق المدح والشكر، وكل من حوله مجموعة من الحمقى والكسالى الذين ينجحون ويعملون بفضله وبفضل قيادته وتعليماته ومراقبته الدائمة لهم. ونتيجةً لذلك تراه يشعر بالغيظ الشديد، إذا ما تمَّ مدح شخص ما أمامه.
- ظالم وعنيد ولا يسمح لأحد بالتعبير عن رأيه، علاوة على أنَّه عديم المرونة وغير قادر على إدراك الفروق الفردية بين موظفيه، وهو ليس ديناميكياً أيضاً، ولا يضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
كيفية التعامل مع المدير المتسلط:
هناك طرائق كثيرة نستطيع من خلالها التعامل مع المدير المتسلط من دون أن نخسر عملنا أو نُحدث المشاكل، ومن هذه الطرائق:
- الاحترام: رغم أنَّ هذا السلوك لا يظهر عند المدير المتسلط، ولكن هذا لا يعني أبداً أن تقوم بالتصرف بالمثل، بل على العكس تماماً، عليك أن تُظهر احترامك له دائماً، فهو مديرك في نهاية المطاف. ولكن في الوقت نفسه لا تكن خانعاً وعديم الرأي، واستخدم عبارات مثل: "أنتم، نحن"، بدلاً من "أنا، أنت". فبهذه الطريقة تكون حازماً وتُبعد العلاقة عن العدوانية والشخصنة. وتذكَّر دائماً، أنت محترم ليس من أجله بل لأنَّه من المفروض أن تكون كذلك.
- لا تكن عاطفياً: شخصية المدير المتسلط، كما ذكرنا عندما تحدثنا عن صفاته، هو شخص غير عاطفي؛ لذلك تعامل معه بمنطقية ولا تجعل عواطفك هي التي تتحكم بك عندما تتعامل معه، وتذكَّر أيضاً أنَّ هناك كثيراً من المديرين الذين ينفعلون إذا ما لاحظوا عواطف سلبية بدت على الموظف؛ إذ إنَّ الرؤساء المتسلطين، متمركزون حول الذات ويفتقرون إلى التعاطف.
- استمع جيداً إليه: لا تحاول مقاطعته بشكل متكرر، ولا تعبِّر عن رأيك بسبب أو من دون سبب في أثناء حديثه، بل أظهر حُسن استماعك إليه، فكل شخص سيحب أن يجد من يستمع إليه بجدية وإنصات. استخدم في تعاملك معه لغة الأعين ولغة الجسد، أعِد بعض الجمل التي يقولها للتأكيد على أنَّك تستمع وتنصت إليه بشكل جيد.
- امدحه عند الضرورة: إذا دعت الحاجة، لا مشكلة من استخدام عبارات المدح معه، ولكن استغل أي فرصة تُتاح لك لأخذ حقك منه، فالمدير المتسلط عندما يشعر بأنَّك عديم الرأي، وخاضع له، سيتمادى كثيراً في إزعاجك.
- كن شخصاً متعاوناً: لا تتمرد أو تحاول إعاقة عمل فريقك، لأنَّك في هذه الحالة ستُعدُّ من الأشخاص الذين يعوقون سير العمل؛ لذلك تعاون مع زملائك في إنجاز المهمة المطلوبة منكم، ولا تُغضب مديرك منك.
- حاول أن تفهمه وتتعاطف معه: حاول وضع نفسك مكانه، أو فكِّر في أسبابه، والظروف التي تدفعه إلى أن يكون شخصاً بهذا الشكل. وإذا تمكَّنت من فهمه ستتعاطف معه، وهذا سيقلل كثيراً من شعور الضيق في داخلك.
- لا تأخذ ما يجرى على منحى شخصي: عليك أن تفهم جيداً أنَّ المشكلة وكل ما يحدث معك وتعانيه معه ليس بسببك، بل بسبب شخصيته؛ لذلك لا تحاول الغوص في الأسئلة، والبحث عن الإجابات؛ ذلك لأنَّك لن تجد تفسيراً، وكل ما ستحصل عليه هو إرهاق نفسك، والتأثير في ثقتك بها وفي رغبتك بالعمل. تذكَّر دائماً، أنت لست سبباً في المشكلة، والموضوع ليس شخصياً أبداً، فلا تُشكك في قدراتك، ولا تجعل شخصيته المتسلطة تؤثِّر في قراراتك.
- راقبه جيداً: هذا سيساعدك على معرفة تفضيلاته وسلوكاته وطريقة تعامله وتصرفاته، وهذا سيكون مفيداً لك بالتأكيد في بناء علاقة أفضل مع مديرك، وقد يكون له دور كبير في تجنُّبك كثيراً من المواقف المحرجة معه.
- كن صبوراً: عليك أن تتعلم الصبر، أن تأخذ نفساً طويلاً وتعدَّ إلى العشرة قبل اتخاذك أي قرار، فلا تتسرع بردود أفعالك، ولا تقم بأشياء ستندم لاحقاً عليها. فكِّر جيداً وتذكَّر قبل أي قرار؛ أنت لست المعنيَّ بأي شيء يحدث.
- كن هادئاً ومجتهداً: لا يعني أن يكون مديرك متسلطاً أن تجد حجةً للاستهتار بعملك، وتفقد الرغبة والاهتمام، بل على العكس اعمل بكل محبة وجهد، فهذا العمل يخصك أنت وحدك. وأن تجيد التعامل مع مدير متسلط وصعب، سيجعلك موظفاً متميزاً ومختلفاً عن زملائك. كن هادئاً معظم الوقت رغم الضيق الذي تكتمه في داخلك، ولا تجعل أحداً يشعر بما تعانيه، ولا تقم بأي تصرف سيئ مهما بلغتَ من الغيظ.
- اعرف ما يريده منك وحاوره دائماً: بدلاً من مواجهته بعد انتقاده لك، وحوِّل هذه المواجهة إلى مجموعة من الأسئلة، وضع الكرة في ملعبه، واسأله عن كل نقطة لا تعجبه بالتفصيل الممل. أخبره أنَّك تواجه المشكلات، وأدخله في مشكلات غاية بالتعقيد. افهم جيداً ما يريد منك وحاول التقيد ضمن المعقول بكل ما يريده، فأنت تبحث عن خلق علاقة طويلة الأمد معه، وليس عن علاقة قصيرة ومؤقتة. اعرف أيضاً ما يتوقع منك أن تفعل، لأنَّه بمجرد أن نعرف توقعات أحد عن عملنا، سنكون قادرين على إنجازه بشكل أفضل.
- كن مهنياً: حاول التركيز دائماً على متطلبات العمل وضروريات تطويره ونموه، حتى تكون قادراً على الوصول إلى الهدف المحدد، ولا تجعل أي شيء يشغلك ويبعدك عن ذلك. وإذا قدَّم إليك ملاحظات بشأن عملك، أمسك ورقةً وقلماً ودوِّن ما يقوله حتى لو كان كلاماً سخيفاً بنظرك، فبهذه الطريقة ستظهر شخصاً مهتماً ومقدِّراً لكلامه.
من أهم الأشياء التي عليك أن تضعها في رأسك، في ختام طرائق التعامل مع المدير المتسلط، ألا تحاول تغييره أو تحسين سلوكه، فالمديرون لا يكترثون للحقيقة، ولا يملكون الوقت للتفكير في مشاعر الموظفين، وكل ما يريدونه منهم الإنتاجية، الفعَّالية، وتحقيق النتائج.
في الختام:
ليس بالضرورة أن يكون المدير المتسلط شخصاً سيئاً، فقد يكون التسلط طريقته في مسك زمام الأمور. وحتى في حال كان شخصاً سيئاً، فهذا غير مهم في الحقيقة، ولا يجب عليك التركيز فيه، إنَّما كل ما عليك التركيز فيه هو إتقانك لعملك، لأنَّك ما دمت شخصاً يتقن عمله ويؤديه على أكمل وجه، لن يستطيع أحدٌ إلحاق الضرر بك، ولا حتى مديرك. والأهم من كل هذا، لا تنتظر تقييمه لترضى عن نفسك، ولا تنتظر مديحه ولا تهتم بنقده. وفي النهاية، إذا كنت شخصاً لا يحب ولا يرتاح للعمل في مثل هذا الجو والضغط، لا تتردد وابحث عن وظيفة أخرى.