اللقطة السينمائية: نشأتها وتعريفها وخصائصها

السينما عين الحياة ومجهرها؛ إذ إنَّ السينما أداة نبصر من خلالها الواقع بطريقة مختلفة، وهي تقنيَّة من تقنيات هذا العصر ومحاولة لتجميل الواقع المليء بالمآسي والخيبات والحسرات، واللقطة السينمائية جزء لا يتجزأ من الفيلم السينمائي ووحدته الأساسية وداخلة في صلب مكوناته.



يعمل صُنَّاع الأفلام والسينما على تقديم وجبة دسمة تحترم عقل المشاهد وتناقش مشكلاته وهمومه وهموم مجتمعه، وتُسلِّط الضوء على نقاط الضعف عند الإنسان والأمور التي نخجل أن نبوح بها أمام المرآة؛ مما يجعل السينما عيننا ومرآتنا وترجمة أفكارنا على شكل مشهد سينمائي بصري عالي الجودة ورفيع المستوى.

تعريف اللقطة:

هي مشهد أو منظر يظهر نتيجة القيام بالتصوير الضوئي، وهي ذات تعريف مُوحَّد في كل المجالات الأدبية، ويبدأ تحديد المدة الزمنية أو لحظة انطلاق اللقطة بدءاً من اللحظة التي تُدوَّر فيها عدسة الكاميرا إلى وضع معيَّن أو حالة معيَّنة إلى أن تتوقف.

تتباين اللقطات المصوَّرة من حيث الطول ومن حيث الحجم، وتُشكِّل هذه اللقطات المتنوعة بمجموعها مشهداً واحداً أو موقفاً واحداً يتَّحد مع مجموعة من المشاهد ليشكلوا سياق شريط القصة السينمائية.

تعريف اللقطة السينمائية:

تشكِّل وحدة اللغة السينمائية، ويُقصد بها جزء من الفيلم السينمائي يُصوَّر مرة واحدة؛ وذلك انطلاقاً من اللحظة التي يدور فيها محرِّك الكاميرا حتى تتوقف عن الدوران في كل مرة، ويتحدَّد زمن وعدد مرات وقوفها ودورانها تبعاً لتعليمات مخرج الفيلم الذي يكون بمنزلة رب العمل.

من تراكم عدد معيَّن من اللقطات السينمائية يتكوَّن لدينا ما يُسمى بالمشهد السينمائي، ومن تراكم عدد معيَّن من المشاهد السينمائية يتكون لدينا ما يُسمى بالفيلم السينمائي.

خصائص اللقطة السينمائية:

  1. إنَّ الفيلم المتوسط في طوله المُقتبس عن رواية ويعتمد السينما الناطقة، يبلغ عدد اللقطات فيه من 500 إلى 1000 لقطة.
  2. تستغرق اللقطة الواحدة على المدى المتوسط بحدود 10 ثوانٍ.
  3. بناءً على تلك الحسابات، إذا استمرَّ الفيلم وسطياً لمدة 100 دقيقة أي ساعة وثلث، فإنَّه يضم عدداً من اللقطات بحدود 600 لقطة.
  4. في الأفلام التي يسودها إيقاع بطيء وغير متسارع وحوارات مكثفة وسيناريو طويل، يمكن أن ينخفض عدد اللقطات عن المعدل الطبيعي.
  5. كما يمكن أن يزيد عدد اللقطات عن معدلها الطبيعي في الأفلام التي يسودها الإيقاع السريع كأفلام المطاردات والأكشن والحركة والسرقة وغيرها.

نشأة اللقطة السينمائية:

لو أردنا أن نتحدَّث عن أول لقطة صُوِّرَت في تاريخ السينما، فذلك يعني أنَّنا سنعود عقوداً؛ لا بل قروناً إلى الوراء فنجد أنفسنا نقلب أشرطة السينما الصامتة، ففي السينما الصامتة تكون اللقطة السينمائية تعبيرية وبصرية في آن معاً، قبل أن يجتاح السينما عنصر الصوت، ومن ذلك التعبير بالحوار والكلمات؛ أي قبل أن تصبح سينما ناطقةً؛ وذلك نظراً لأنَّ العامل المسيطر سابقاً هو الصورة والإيحاءات الحركية فقط.

إنَّ عصر السينما الصامتة يُعَدُّ من أكثر العصور التي تميَّزت بالإبداع السينمائي الباذخ الجمال، الذي يجمع ما بين البساطة والحرفية في الأداء دون وجود تعقيدات، والتكنولوجيا وحداثة العصر.

ما هي أحجام اللقطة السينمائية؟

1. اللقطة الثنائية:

تُعَدُّ هذه اللقطة من أكثر أنواع اللقطات السينمائية المتوسطة إثارةً للجدل والاهتمام، وتعتمد على وقوف ممثلَين اثنين فقط أمام الكاميرا قبالة بعضهما بعضاً مع سيناريو وحوار ثنائي يدور بين الشخصيتين، وقد ذاع صيت اللقطة الثنائية وانتشرت بكثرة في المسلسلات الأجنبية؛ إذ نشرها ممثلون أوروبيون؛ لذا تُسمى اللقطة الثنائية باللقطة الأمريكية.

2. اللقطة المتوسطة:

تُعَدُّ من أكثر اللقطات شيوعاً واستخداماً في الأفلام السينمائية، وتعتمد على إظهار جسد الممثل ابتداءً من أسفل الخصر وصولاً إلى أعلى الرأس، بالإضافة إلى بضعة سنتيمترات من الفراغ، وتصنَّف اللقطة المتوسطة على أنَّها لقطة للموضوع، وتضم ثلاثة ممثلين بكل سهولة وتجمعهم في صورة واحدة أو ضمن إطار واحد، وهذه السهولة أو الإمكانية تعتمد على براعة وذكاء المخرج، وحسن إدارة عدسة الكاميرا، وتوجيهها بالاتجاه السليم بخفة وذكاء.

من ميزات اللقطة المتوسطة أنَّها تُمكِّننا من الحصول على ما يسمى اصطدام أو صراع درامي؛ وذلك لأنَّها تُظهِر وبشكل واضح وجلي تعابير وعضلات الوجه، وحركات وإيماءات الجسد، والحالات الانفعالية والدرامية للممثل.

3. اللقطة القريبة:

تشكِّل اللقطة القريبة إحدى الأشياء التي ابتكرتها وتفردت بها السينما عن غيرها كوسيلة للتعبير وترجمة الأفكار والمشاعر، وتُختار وجوه الممثلين مع أشياء صغيرة وحركات دقيقة، بالإضافة إلى إبراز تعابير وجههم وتقريب صورتهم إلى المتفرج؛ إذ يتفاعل مع أداء الممثل وينسجم مع الشخصية.

تشكِّل اللقطة القريبة وسيلة لدمج المتفرج مع تفاصيل المشهد والتركيز في وجوه الشخصيات، وتكبير صورتهم، والتركيز في الأحداث والحوارات، وإهمال الأشياء الصغيرة التي قد لا تبدو هامة في اللقطة؛ وذلك عن طريق تصغيرها بعدسة الكاميرا أو إظهار جزء صغير منها فقط.

4. اللقطة البعيدة:

تسمى اللقطة العامة، وفيها تُصوَّر مجموعة من الأشخاص منهم ممثلين ومنهم كومبارس مع عدة أشياء من الكائنات الموجودة حولهم، وتظهر تفاصيل الحركة في المكان، حتى الأشخاص البعيدين في الصورة يبدون بكامل أجسادهم وحركتهم طبيعية.

في الحقيقة إنَّ دخول الممثلين إلى المشهد أو المنظر وخروجهم منه يتم فقط من خلال اللقطات البعيدة دون غيرها من اللقطات، كما تفيد اللقطات البعيدة في تحديد أحجام المناظر أو المشاهد وإعطاء كل شخصية سواء كان ممثلاً أو كومبارس بُعده وحجمه وموقعه المناسب.

5. اللقطة الواسعة:

هي اللقطة التي يُصوَّر فيها ويُظهَر الشخص بكامل هيئته وجسده؛ أي تحديداً من أخمص قدمه حتى أعلى رأسه مع إظهار جزء كبير وواضح من المنظر الطبيعي المحيط به، وحركة المارة أو الناس والموجودات من حوله.

6. اللقطة المصاحبة:

تُصوَّر هذه اللقطة بوضع آلة التصوير بينما المصور فوق عربة متحركة تبقى مواكبة لحركة الممثل وأدائه، وتبقى الكاميرا أي آلة التصوير طوال فترة حركة العربة ثابتة؛ أي لا تتوقف عن التقاط الصورة.

7. اللقطة الاعتراضية:

هي عبارة عن لقطة كبيرة أو متوسطة الحجم، يمتد حجمها على كامل مساحة سطح شاشة العرض وتعترض السياق السينمائي، ينحصر مكانها بين لقطتين، والغرض من تصويرها إيضاح ماهية شيء ما قد ظهر بعيداً في اللقطة السابقة، مثل باقة أزهار أو فقرة هامة أو إعلان أو ما شابه ذلك.

وتفيد في التوضيح والتبيين، وإخفاء أو تغطية عيوب الترابط والتشابك بين ما يسمى اللقطة وما يسمى المشهد.

تعريف الكاميرا السينمائية:

هي أداة يستخدمها صانعو الأفلام السينمائية لتسجيل الحركة وتصويرها وتوثيقها، كما أنَّها الآلة التي من خلالها يتمكَّن المصور أو المخرج من إنشاء أو بناء الصورة التي تكمن داخل شريط الفيلم السينمائي، وتعرَف العدسة بأنَّها العين التي تبصر من خلالها الكاميرا المناظر والأشياء والأشخاص.

تختلف عين الكاميرا عن العين البشرية بأنَّها لا تختار ما تحب أن تشاهده وترصده؛ وإنَّما بخلاف ذلك تماماً؛ فهي ترصد كل الأشياء وتشاهدها بنفس الأبعاد والأحجام والتركيز، وهنا يأتي دور المصور البارع في انتقاء واختيار ما يريده المتفرجون فقط من مناظر وشخصيات وأشياء داخلة في نص وحبكة الفيلم السينمائي، وعدم إقحام عناصر غير مطلوبة أو ليست هامة بالنسبة إلى المتفرج أو المشاهد.

مع تطور أدوات السينما بصيغها العديدة، استطاع المصور البارع أن يتمكن من مهنة التصوير، والتقاط الصور بحرفيَّة عالية، وانتقاء العناصر التي يرغب فيها المتفرج.

إقرأ أيضاً: السيرة الذاتية للمخرج السينمائي الإماراتي علي فيصل مصطفى

ما هي آلية عمل الكاميرا السينمائية؟

توجد ملاحظة هامة وهي أنَّ حركة الفيلم المتقطعة التي تجري داخل الكاميرا السينمائية، تشكِّل أهم النقاط التي تميز كاميرا التصوير السينمائي عن كاميرا التصوير الفوتوغرافي، فبعد أن تلتقط الكاميرا أيَّة صورة يبدأ الفيلم بالحركة أمام الشباك؛ وذلك لمسافة تكافئ ارتفاع هذه الصورة التي التُقِطت؛ وهذا ما يُسمى بالمصطلح السينمائي الكادر، ضمن هذا المضمار يتحرك ما يسمى بالغالق، وتكمن وظيفته بحجب الضوء ومنع وصوله إلى الفيلم، وعندما يستقر الكادر التالي ولا يتحرك أمام فتحة العدسة عندها ينفتح الغالق ليلتقط شعاع الضوء.

هكذا يستمر الفيلم متابعاً عجلة حركته المتقطعة في التقاط الصور وتجميعها على شكل لقطات، ويسجل كل لقطة على صورة ثابتة منفصلة وغير متصلة انطلاقاً من مفهوم صفاء الرؤية، ولأجل أن يبقى الفيلم ثابتاً في اللحظة التي يُعرَض فيها الكادر الواحد للضوء؛ عندها يتحرك الفيلم بسرعة ليذهب الكادر السابق ويأتي الكادر اللاحق لتتكرر نفس العملية عدة مرات وهكذا دواليك.

فنحن بصفتنا صانعي أفلام، نشعر بأنَّنا بحاجة دوماً إلى هذه الحركة المتقطعة في بعض أجزاء كاميرا تصوير السينما، وهذا لا ينفي أبداً أنَّنا من جهة أخرى، بحاجة ملحة إلى توفير حركة متصلة في الأجزاء الأخرى من الكاميرا ليستمر الفيلم، وتستند نظرية الحركة المتقطعة للفيلم السينمائي إلى وجود خطاف يسحب الفيلم نحو الأسفل بالإضافة إلى لوح ومعه ضاغط.

إقرأ أيضاً: أهم 9 قواعد لإتيكيت الدخول إلى قاعات السينما

في الختام:

إنَّ اللقطة السينمائية جزء لا يتجزأ من أي فيلم سينمائي، وحالة استثنائية توحِّد الفيلم والحالة السينمائية ككل، وقد أبدعت السينما في ابتكار لقطات متنوعة بالأحجام والخصائص، وتبقى رؤية المخرج هي التي تطغى على العمل ككل.

باختصار إنَّ السينما حالة رهيبة من التكثيف والمتعة في الأداء، وعلى مر السنين، حاولت عدسة السينما الاقتراب من الواقع، فصوَّرته، ونقلته وقاربته، وألقت الضوء على نقاط الخلل والقوة في المجتمع، وناقشت قضايا إنسانية بحتة، وحملت هموم الإنسان؛ فكانت هادفة تسمو إلى خدمة الإنسان والارتقاء بإنسانيته وعقله وتفكيره.

المصادر: 1،2،3،4




مقالات مرتبطة