الغيرة الزوجية المرضية: تعريفها، أسبابها، أنواعها، وطرق علاجها

يقول سوفاج: "الغيرة في الحبِّ كالماء للوردة؛ يُنعِش قليله، ويقتل كثيره"، وهذا هو الحال في الغيرة بين الأزواج؛ ولكن ما أسباب الغيرة الزوجية؟ وما طرائق التعامل معها؟ ومتى تصبح الغيرة الزوجية غيرةً مَرَضِيَّة؟ وما علاج الغيرة المرضيَّة؟



سوف نخبركم بكلِّ ذلك أعزاءنا القُرَّاء في هذا المقال.

ما المقصود بالغيرة الزوجية؟

الغيرة كما عرَّفها الراغب الأصفهاني هي: "ثوران الغضب حمايةً على أكرم الحرم، وأكثر ما تُراعَى في النساء"، والغيرة هي: مجموعةٌ من التصرُّفات والانفعالات والأفكار والأحاسيس والمشاعر، وتظهر جميعها عندما يعتقد الفرد أنَّ علاقته الجيدة والمُميزة بشخصٍ ما مُهددةٌ من قبل طرفٍ ثالث مُنافسٍ له، ويُمكن لهذه الأحاسيس والمشاعر أن تتحرَّك تبعاً لظروفٍ أو مواقفٍ مُعينة.

تُصنَّف الغَيرة على أنَّها عاطفةٌ تنافُسية لدى الشخص، ويُمكن لهذه العاطفة أن تُشعِر الفرد بمشاعر الخوف من فقدان ما لديه، والإحساس بعدم الاكتفاء منه، وترغيبه في الحصول على شيءٍ لا يملكه؛ وتكون جميع هذه المشاعر مُتناقضةً ومُختلفة، إذ من الممكن أن يشعر صاحبها بالغضب أو الخوف أو الحزن أو عدم الثقة بالنفس أو بالشريك، ويُمكن أن تتأزم المُشكلة ويبدأ الشعور بالانعزال والانطوائية، أو أن يصبح الشعور عدوانياً تجاه الأشخاص الآخرين.

ما أنواع الغَيرة؟

1. الغيرة الجيدة المحمودة:

وهي الغيرة الفطرية التي فُطِرَ عليها الإنسان، ويُقصَد بها غيرة الرجل على أمِّه وأخواته وزوجته، ومحارمه عموماً.

تُعدُّ الغيرة من الصفات المحمودة التي تُبين معادن الرجال؛ كما تُعدُّ الغيرة الجيدة المعتدلة من الأخلاق الحسنة والمحمودة في الإسلام، فعن جابر بن عتيك: أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: (منَ الغَيرةِ ما يحبُّ اللَّهُ ومِنها ما يُبغِضُ اللَّهُ، فأمَّا الَّتي يحبُّها اللَّهُ فالغيرةُ في الرِّيبةِ، وأمَّا الغيرةُ الَّتي يُبغِضُها اللَّهُ فالغَيرةُ في غيرِ ريبةٍ)، ويقول الشوكاني في شرحٍ لهذا الحديث: "فالغيرة في الريبة: نحو أن يغار الرجل على محارمه إذا رأى منهم فعلاً مُحرَّماً، فإنَّ الغيرة في ذلك ونحوه ممَّا يحبه الله؛ والغيرة في غير الريبة: نحو أن يغار الرجل على أمِّه أن ينكحها زوجها، وكذلك سائر محارمه، فإنَّ هذا ممَّا يبغضه الله تعالى؛ لأنَّ ما أحلَّه الله تعالى واجبٌ علينا الرضى به، فإن لم نرضَ به، كان ذلك من إيثار حمية الجاهلية على ما شرَّعه الله لنا".

2. الغيرة غير المحمودة (المَرَضِيَّة):

يكون شكل هذه الغيرة في أكثر الأوقات حاداً وعنيفاً، وتكون أسبابها نفسية، وهي تُعدُّ غيرةً وهمية، ويُطلَق عليها في الطبِّ النفسي "مُتلازمة عطيل" (Othello Syndrome)، والتي تُسبِّب لصاحبها مُشكلاتٍ كثيرة، وتحدث لديه شكوكاً بمدى قوة العلاقة بينه وبين الشريك؛ فهي تُعدُّ اضطراباً نفسياً يكون فيه الشخص مشغولاً دائماً بأفكارٍ سلبيةٍ ضلالية حول خيانة الشريك، دون أن يكون لديه أيُّ دليلٍ ماديٍّ ملموس؛ فينتج عن ذلك تصرفات غير منطقية، ومزعجة له قبل أن تكون مصدر إزعاجٍ للشريك.

ما أسباب الغيرة المرضية؟

1. الصفات والسمات الشخصية:

يتَّسم بعض الأشخاص بالشخصية الشكاكة، وهي الشخصية التي تتخيل وتتوهم بعض الأمور والأحداث وتصدقها، وتكوِّن نتيجةً لها ردة فعلٍ عنيفةٍ تجاه الشريك، وتضعه دائماً في دائرة الاتهام، مُلقيةً اللوم عليه وعلى الآخرين.

2. فقدان الثقة بالنفس:

إنَّ أحد أهمِّ أسباب الغيرة المرضية: فقدان الثقة بالنفس، واعتقاد الشخص أنَّه يفتقد الصفات التي يُحبُّها الشريك، مثل: الذكاء، أو الجمال؛ لذلك يلجأ إلى مُهاجمة الشريك، بدلاً من أن يُعزِّز ثقته بنفسه.

3. التربية الأسرية الخاطئة:

يُشعِر فقدان الاهتمام والرعاية والحب والحنان من قبل الأهل في مراحل الطفولة والمُراهقة، الفردَ دائماً بحاجته لهذه المشاعر؛ وعندما يجد من يمحنه إياها، يتملَّكه الخوف الشديد من فقدانه.

4. التعرُّض إلى خيانةٍ مُسبقة:

يمكن أن يكون المرء قد تعرَّض إلى خيانةٍ مُسبقةٍ من الشريك في وقتٍ ما؛ لذلك لم يعُد يستطيع أن يمنحه الثقة مُجدداً، ممَّا يدفعه إلى مُراقبته في أغلب الأوقات.

5. الفروقات المادية والاجتماعية بين الشريكين:

تلعب الفروقات الاجتماعية أو الثقافية أو المادية، دوراً في خلق الشكِّ بين الشريكين عند الارتباط؛ وذلك لقلة أو انعدام الثقة بالنفس لأحد الشريكين، أو لتعالي الشريك الآخر.

6. تعاطي الكحول:

يؤثِّر الكحول سلباً في دماغ المُتعاطي، ويؤدي إلى اضطراباتٍ عاطفيةٍ وعقلية، ويفقد ثباته الانفعالي وسلوكاته المُتزنة؛ ممَّا يؤثِّر في علاقته مع الشريك.

إقرأ أيضاً: الخيانة الزوجية، تعريفها، أسبابها، وأنجح الطرق للتعامل معها

ما أعراض الغيرة المرضية؟

  1. مُلاحقة الشريك ومُتابعته للتأكُّد من مكان تواجده.
  2. العبث بالأغراض الشخصية للشريك، والاستماع إلى رسائل بريده الصوتي، وقراءة رسائل بريده الإلكتروني؛ وذلك للتأكُّد من وفائه.
  3. منع الشريك من الالتقاء بالأصدقاء أو أفراد من العائلة، والتعدي على حريته بشكلٍ عام.
  4. إظهار عدم الأمن والخوف بشكلٍ غير عادي.
  5. الاتهامات الخاطئة، وسرد قصصٍ غير واقعية.
  6. يعمد إلى الاتصال بالشريك عندما يكون بعيداً، وإرسال الرسائل النصية له بشكلٍ مُبالغٍ فيه.
  7. الشك المُبالغ فيه في تصرفات ودوافع الشريك.
  8. اتهام الشريك بالنظر أو الاهتمام بشخصٍ آخر.
  9. عدم السماح للشريك باستخدام أيِّ وسيلةٍ من وسائل التواصل الاجتماعي.
  10. عدم السماح للشريك بمُمارسة أيِّ نشاطاتٍ أو اهتماماتٍ خارج المنزل.
  11. اللوم الدائم للشريك.

ما علاج الغيرة المرضية؟

1. العلاج السلوكي:

يعتمد هذا العلاج على احتواء المريض، وتشجيعه، وإظهار مشاعر الحب والتعاطف والحنان له؛ حتَّى يتجاوز هذه المرحلة بأمان.

2. العلاج النفسي:

يُستخدَم هذا النوع لعلاج الغيرة المرضية الناتجة عن الاضطرابات الشخصية، ويهدف إلى السماح للمريض بأن يُفصِح عن مشاعره وعواطفه وما يدور في عقله وذهنه، وتحريره من التوتر والقلق النفسي.

3. العلاج المعرفي:

يعتمد على مُشاركة الشريك مشاعره، والحصول على نتائج مُرضية؛ وذلك من خلال استبدال الأفكار السيئة السلبية للمريض بأخرى جيدة وإيجابية.

4. العلاج الدوائي:

يُستخدَم في حال كانت الغيرة المرضية مجهولة المنشأ (ذات سبب غير معروف)، حيث يمكن أن يصف الطبيب حينها مُضادات الذهان أو مُضادات الاكتئاب.

أقوال بعض العلماء عن الغيرة:

  1. قال علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): "لا تُكثِر الغيرة على أهلك فتُرمَى بالسوء من أجلك".
  2. قال أبو الأسود ناصحاً ابنته: "إياكِ والغيرة، فإنَّها مفتاح الطلاق، وعليكِ بالزينة، وأزين الزينة الكحل؛ وعليكِ بالطيب، وأطيب الطيب إسباغ الوضوء".
  3. قال ابن القيم في الغيرة: "من عقوبات الذنوب: أنَّها تُطفىء من القلب نار الغيرة، والتي هي لحياته وصلاحه كالحراراة الغريزية لحياة جميع البدن، فالغيرة حرارته وناره التي تُخرِج ما فيه من الخُبث والصفات المذمومة".
  4. قال الراغب الأصفهاني: "جعل الله سبحانه هذه القوة في الإنسان سبباً لصيانة الماء وحفظاً للإنسان، ولذلك قيل: كلُّ أمةٍ وضعَت الغيرة في رجالها والعِفة في نسائها، وقد يستعمل ذلك في صيانة كلِّ ما يلزم الإنسان صيانته".
إقرأ أيضاً: كيف تتخلّص من الشعور بالغيرة وتُسيطر على مشاعرك؟

أقوال الحكماء والمشاهير عن الغيرة:

  1. المحبة قويةٌ كالموت، والغيرة قاسيةٌ كالقبر. (سليمان الحكيم).
  2. في الغيرة حبُّ ذات أكثر من حبِّ الآخر. (لاروشفوكو).
  3. تشوش الغيرة العقل، ولا تسمح له بالتفكير المُتعقِّل، مثلها مثل الخمر. (ماريو بارغاس يوسا).
  4. الغيرة عنصر كلاسيكي من عناصر الطبيعة. (باولو كويلو).
  5. الغيرة مثل ألم الأسنان الحاد، فهي لا تدع أي امرئٍ يتمكَّن من فعل أيِّ شيء، حتَّى أن يظلَّ جالساً؛ إذ عليه أن يسير فقط جيئةً وذهاباً. (ميلان كونديرا).
  6. يُولَد الفضول من الغيرة. (موليير).
  7. الشوق والغيرة أصدق صفات الحب وأجمل طقوسه. (جبران خليل جبران).
  8. لنعترف بأنَّ الغيرة عاطفة جامحة، بل لنقل أكثر من ذلك: إنَّها كارثةٌ حقيقية. (فيودور دوستويفسكي).
  9. المرأة العاقلة لا تغار، قيل له: ولماذا؟ قال: لأنَّ الغيرة اعترافٌ بأنَّ هناك امرأة أجمل منها. (وليم شكسبير).
  10. الشك بداية الإيمان، والغيرة بداية الحب. (فرانسيس بيكون).
  11. قليل من الغيرة بنَّاء، وكثيرٌ منها هدَّام. (جورج صاند).
  12. ترى الغيرة كلَّ شيء، إلَّا ما هو كائن. (كسافي فورنريت).
  13. إنِّي كريمٌ أحبِّ المال مُشتركاً لكن غيورٌ أحبُّ الحسن مُحتكَراً (الشاعر القروي).
  14. لا شيء أكثر نشاطاً من مُخيلة امرأة تشعر بالغيرة. (غادة السمان).
  15. الغيرة مؤلمة، ولكن الأشد ألماً أن تغار على ما لا تملكه. (سبنسر فولرتون بيرد).
  16. أمام الخوف من الفُقدان، أو تحت تأثير نيران الغيرة، لا عاشق يشبه نفسه. (أحلام مستغانمي).
  17. الشخص الذي لم تدمع عيناه من الغيرة، لم يعشق أبداً. (نزار قباني).
  18. لا شيء يُزعِج المرأة كزوجٍ غيور، ولا شيء يؤلمها كزوجٍ فاقدٍ للغيرة. (مدام سو سكورادي).
  19. العشق إحساسٌ حي كالإنسان؛ يُولَد ويكبر ويشيخ ويموت، وقد يهلك بحادثةٍ طارئة، وقد يُصاب بمرضٍ عُضالٍ ينخره، مثل: الغيرة، أو حبِّ التملك. (فاتحة مرشيد).
  20. الذي يشعر دائماً بالغيرة، قد لا يشعر يوماً بطعم الحب. (أوغسطينوس).

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة