العوامل المؤدية بالمعلم للاحتراق النفسي

تتصف الحياة التي نعيشها اليوم بالتعقيد؛ إذ أفرز التطور الحاصل في شتى مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية مصاعب ومشكلات حياتية للإنسان عموماً وللعاملين خاصةً، والمعلمون بوصفهم جزءاً من الأفراد العاملين كان لهم الحصة الأكبر من هذه المتاعب.



بالإضافة إلى هذه المشكلات التي يعاني منها المجتمع عامة، يعاني المعلمون من مشكلات خاصة ترتبط بمهنتهم، فهناك مطالب ومسؤوليات تتزايد ومعارف تتوسع ويتم تحديثها بشكل مستمر، بالإضافة إلى تغيرات في المجتمع بسبب الظروف المختلفة التي يمر بها، والتي تنعكس على المتعلمين على اختلاف فئاتهم العمرية، وتتطلب بدورها من المعلم ابتكار أساليب جديدة للتعامل معهم.

كل تلك الأسباب وغيرها تدفع بالمعلم للشعور بالتعب والإنهاك وبعدم القدرة على العطاء والقيام بما يتوقع المجتمع منه أن يقوم به، وهذا بالضبط ما يسمى بالاحتراق النفسي.

يُعَدُّ الاحتراق النفسي نوعاً من أنواع الإجهاد الذهني والنفسي والجسدي الذي يعوق الأفراد عامة عن مهمة القيام بعملهم ومهامهم كما يجب، والاحتراق النفسي لا يحدث فجأة؛ بل هو نتيجة تراكم الضغوطات المهنية والصعوبات الحياتية لفترة طويلة نسبياً من الزمن، وسوف نتحدث في هذا المقال عن الاحتراق النفسي لدى المعلمين وأسبابه وما هي الحلول المتاحة له.

أولاً: ما هو المقصود بالاحتراق النفسي؟

يواجه العاملون في أغلب المهن لا سيما الإنسانية والاجتماعية منها كالطب والتمريض والتربية والتعليم العديد من الصعوبات والمشكلات التي تحول دون قيام العامل بدوره كاملاً كما يتوقع الآخرون منه، ومتى بدأ هذا الشعور بالظهور بدأت الآثار السلبية تأخذ طريقها إلى العملية المهنية ككل وإلى صاحب المهنة بصفة شخصية، فالشعور بالعجز والإنهاك والاستنزاف هو بالضبط ما نسميه الاحتراق النفسي.

مفهوم الاحتراق النفسي هو من المفاهيم الحديثة نسبياً، لكنَّها كثيرة التداول بين الدراسات والأبحاث، وقد ظهر هذا المصطلح في مطلع السبعينيات من القرن الماضي على يد "هربارت فرویدینبرجر" (H.freudenberger)؛ إذ قصد به استجابة الفرد لضغوطات العمل، ومن بعده قام العديد من الباحثين بدراسته.

ثمة مجموعة كبيرة من التعريفات التي توضح معناه منها:

  1. تايلر (Taylor): الاحتراق النفسي عبارة عن الإرهاق واستنفاد القوة والنشاط.
  2. كابل (Capel): الاحتراق النفسي هو إعياء يصيب الجسم والعواطف والاتجاهات لدى المعلم، فيبدأ بالشعور بعدم الارتياح وفقدان بهجة التعليم التي تبدأ بالتلاشي تدريجياً من حياته.
  3. سدمان وزاجر (Sidman & Zger): الاحتراق النفسي هو نمط سلبي الاستجابة للأحداث التدريسية ذات الضغوطات وللتلاميذ وللتدريس بوصفه مهنةً، بالإضافة إلى إدراك أنَّ ثمة نقصاً في المساندة والتأييد اللذان يُقدَّمان من جانب إدارة المدرسة.
  4. غالسون (Galson): الاحتراق النفسي هو إرهاق انفعالي وجسمي وسخط على الذات والآخرين والعمل وفقدان الحماسة له، وركود وبلادة وانخفاض في مستوى الإنتاجية.
  5. الخدر العاطفي: يُعرف بين عامة الناس بتبلد المشاعر، ويعني حالة من عدم التفاعل الانفعالي تجاه ما يجري من أحداث حوله، فهو لا يسمح بالتعبير عن المشاعر أو حتى أحياناً الإحساس بها، فهو أشبه بالانفصال عن العالم الخارجي وما به من أفراد، وعدم الرغبة في المشاركة في مجريات الحياة.

     

يمكن من خلال ما سبق تحديد أبعاد الاحتراق النفسي لدى المعلمين بالآتي:

1. الإجهاد الانفعالي:

يعني وصول المعلم إلى درجة العجز عن تقديم العطاء في مهنته بسبب استنزاف طاقته النفسية والعاطفية.

2. تشكل عقدة النقص:

يعني شعور المعلم بأنَّه أقل شأناً من غيره أو أنَّ أداءه بصفته معلماً لا يمكن مقارنته بغيره من المعلمين الذين يجدهم أفضل منه بكثير، فهو يمتلك نظرة سلبية عن تقييم عمله، ويشعر بعدم الرضى عن إنجازه.

إقرأ أيضاً: حقوق وواجبات المعلم والطالب في المدرسة

ثانياً: أسباب الاحتراق النفسي لدى المعلمين؟

تنقسم الأسباب التي تؤدي بالمعلم إلى الاحتراق النفسي إلى ثلاثة أسباب، فمنها ما يرتبط بمهنة التدريس وصعوباتها، ومنها ما ينتج عن المحيط الاجتماعي الخاص بالمعلم، ومنها ما يتعلق بالجانب الذاتي والخاص بالمعلم وشخصيته.

1. الجانب الذاتي:

المعلم المتفاني في عمله والمحب للالتزام وتقديم أفضل ما لديه بشكل دائم، يكون أكثر عرضة للاحتراق النفسي من غيره من المعلمين؛ إذ يواجه الضغوطات النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تقف حائلاً في وجه تقديمه للعطاء وللأداء الجيد، وكذلك تعرض المعلم المخلص والمحب للإنجاز للضغوطات الصفية، مثل كثرة عدد الطلاب، والفروق الفردية في مستويات الذكاء، وقلة المشرفين التربويين المساعدين للمعلم على تفهُّم نفسية الطلاب وحل مشكلاتهم، والضغوطات الواقعة عليه من قِبل إدارة المدرسة.

من الأسباب الذاتية أيضاً خوف المعلم من المستقبل والقلق المستمر مما هو آتٍ والتشاؤم الذي يصيب المعلم، وعدم رؤية أي جانب جيد لما يقوم به، وأيضاً السعي نحو الكمال وتقديم كل شيء كما يجب أن يكون فقط؛ أي بشكله المثالي، فعدم تمكُّن المعلم من الظهور بمظهر الكمال في نظر طلابه، قد يكون من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الاحتراق النفسي، وبالإضافة إلى ذلك نمط الحياة الخاص الذي يتبعه المعلم، فعدم النوم بشكل كافٍ وعدم الراحة وعدم تنظيم الوقت والعمل بشكل فوضوي وغير ذلك يسبب المشكلات والضغوطات.

2. الجانب الاجتماعي:

يعتمد المجتمع عموماً على مؤسساته المختلفة في تحقيق الأهداف التي يرنو إلى تحقيقها، وتُعَدُّ المدرسة أهم تلك المؤسسات التي يضع المجتمع جميع آماله عليها في تنشئة أفراده بالشكل الصحيح، وعليه تتزايد المهام المطلوبة من المعلم، ويكبر العبء الوظيفي الذي يؤثر في أدائه وربما يكون أدنى من المطلوب؛ وهذا يجعله عرضة للانتقاد من أطراف متعددة كإدارة المدرسة وأسر التلاميذ، فتزداد الضغوطات النفسية لديه ويقوده ذلك إلى الإحباط ومن ثم الاحتراق.

بالإضافة إلى أسباب كثيرة أخرى تؤثر فيه مثل حجم التعاون الموجود معه من قِبل المجتمع، وفرق العمل التي يعمل ضمنها لإنجاز المهام، ومدى الاستقلالية والحرية المتاحة أمامه لاتخاذ بعض القرارات سواء الخاصة بهم أم التي تخص العملية التعليمية، بالإضافة إلى طبيعة العلاقات والصداقات التي يقيمها المعلم اجتماعياً من جهة الدعم الذي تقدمه أو النقيض من ذلك، وحجم المسؤوليات الكبير الموكلة إليه دون تقديم المساعدة له وغير ذلك.

3. الجانب المهني:

إنَّ غاية كل إنسان من العمل هي تلبية احتياجاته كافة المادية والاجتماعية والنفسية وغيرها، فعجز المعلم عن التحكم ببيئة العمل وحل المشكلات التي تواجهه وعدم قدرته على التعامل مع ضغوطات العمل والضغوطات التي يسببها الطلاب في الفصل الدراسي والرتابة في العمل وضعف العلاقات المهنية وضعف الرواتب والأجور والتعويضات والحوافز؛ كلها تؤدي به إلى الاحتراق النفسي.

شاهد بالفديو: 8 طرق تساعد المعلم على أداء مهنته بنجاح

ثالثاً: أعراض الاحتراق النفسي عند المعلمين

  1. التغيب عن المدرسة وظهور المشاعر السلبية تجاهها وتجاه التلاميذ.
  2. الانسحاب من بين الجماعات التي يعمل معها الطلاب، المعلمون، إدارة المدرسة.
  3. عدم الرغبة في تحمل المسؤولية أو حتى المنافسة مع الزملاء.
  4. القلق والتوتر والإرهاق.
  5. الآلام الجسدية مثل ارتفاع ضغط الدم والصداع والإحساس بالتعب.
  6. الانفعالات الحادة مثل الغضب غير المبرر وعدم الثقة بالنفس والتوتر والقلق وانخفاض الدافعية والحماسة والاكتئاب والملل وغير ذلك.
  7. شرود الذهن وتدنِّي الأداء والإنجاز؛ إذ نجده يؤجل المهام التي يجب عليه إنجازها باستمرار لوقت آخر.
  8. الروتين في أداء العمل وبطرائق تقليدية بعيدة عن التجديد وتبعث على الملل.
  9. الانعزال والميل للانطوائية وتشكل اتجاهات معينة سلبية تجاه الناس والزملاء.
  10. سلوكات وظيفية سيئة مثل التغيب عن المدرسة بشكل كبير وعدم التفاعل مع زملاء العمل أو أولياء أمور الطلاب أو الرغبة في ترك العمل بشكل نهائي أو حتى التقاعد المبكر.

رابعاً: مراحل الاحتراق النفسي عند المعلمين:

  1. مرحلة الحماسة: أو كما تسمى مرحلة العسل، فعندما تُسنَد وظيفة جديدة إلى أي إنسان يكون في أعلى درجة من الحيوية والنشاط والدافعية للعطاء والإنجاز والنجاح في العمل؛ وهذا يجعله يعمل بأكثر من طاقته في معظم الأحيان ويعطي وينتج أكثر مما هو مطلوب منه.
  2. مرحلة الجمود: إذ يشعر المعلم بأنَّه يؤدي أكثر من المطلوب منه وبأنَّه يجب أن يهتم بأموره الخاصة ومستقبله وتحسين حياته أكثر من تفكيره بعطائه المهني.
  3. مرحلة الإحباط: وهنا تتزايد الضغوطات المهنية والاجتماعية والشخصية ويبدأ إحساس عدم الثقة يدخل إليه، ومن ثم عدم كفاءته لهذا الدور الاجتماعي.
  4. مرحلة الاحتراق النفسي: وهي الإجهاد الانفعالي والاجتماعي الكامل وسيطرة الشك واللوم وجلد الذات على مشاعر المعلم، ويصل بالنهاية إلى عدم الاكتراث للعمل وللحياة عامة.
  5. التوقعات الوظيفية: من الضروري التفكير بشكل جيد فيما يتوقعه المعلم من وظيفته في التدريس؛ إذ يجب عدم المبالغة في التوقعات من الناحية المالية أو من حيث المسار المهني أو انعدام المشكلات وغير ذلك.
  6. يجب على المعلم أن يتوقف عن إنكار المشكلة؛ فيجب عليه الاعتراف بوجودها حتى يتسنى له البحث عن الحل وتلقي المساعدة المناسبة من الآخرين.
  7. يجب على المعلم أن يرفض القيام بالواجبات والمهام الإضافية التي توكَل إليه وتستنزف وقته وجهده.
  8. ممارسة النشاطات الرياضية والتأمل واتباع نظام غذائي جيد بهدف الحصول على الراحة وزيادة نشاط الجسم والذهن.
  9. البرمجة العقلية؛ إذ يجب إعادة تقييم الموقف لوقف الأفكار السلبية والتخلص من كل ما يسبب الضغط في الموقف.
  10. تعديل أسلوب حياة المعلم من حيث إدارة وقته بشكل منظم والتدريب على حل المشكلات ومحاولة السيطرة على الانفعالات لا سيما الحادة منها والتحلي بالضبط الانفعالي.
  11. قيام المؤسسات باتباع الأساليب التنظيمية الصحيحة والسليمة مثل إعادة تصميم المهام المطلوبة من المعلم، والإشراف الفعال على المعلمين، وتحسين الأمور المادية للمعلمين، وتحسين مناخ بيئة العمل وسوى ذلك.
  12. الحصول على الدعم والمساندة الاجتماعية في مواجهة مشكلات بيئة العمل المتعلقة بالتلاميذ والتواصل الجيد مع الأفراد وتحديد المهام بدقة.
  13. بناء الشخصية الإيجابية وتعديل السلوكات المتصلة بها وتدريب المعلم على مواجهة المواقف الضاغطة ودفعه للحفاظ على روح الدعابة.

خامساً: كيف يمكن علاج الاحتراق النفسي؟

  1. التوقعات الوظيفية: من الضروري التفكير بشكل جيد فيما يتوقعه المعلم من وظيفته في التدريس؛ إذ يجب عدم المبالغة في التوقعات من الناحية المالية أو من حيث المسار المهني أو انعدام المشكلات وغير ذلك.
  2. يجب على المعلم أن يتوقف عن إنكار المشكلة؛ فيجب عليه الاعتراف بوجودها حتى يتسنى له البحث عن الحل وتلقي المساعدة المناسبة من الآخرين.
  3. يجب على المعلم أن يرفض القيام بالواجبات والمهام الإضافية التي توكَل إليه وتستنزف وقته وجهده.
  4. ممارسة النشاطات الرياضية والتأمل واتباع نظام غذائي جيد بهدف الحصول على الراحة وزيادة نشاط الجسم والذهن.
  5. البرمجة العقلية؛ إذ يجب إعادة تقييم الموقف لوقف الأفكار السلبية والتخلص من كل ما يسبب الضغط في الموقف.
  6. تعديل أسلوب حياة المعلم من حيث إدارة وقته بشكل منظم والتدريب على حل المشكلات ومحاولة السيطرة على الانفعالات لا سيما الحادة منها والتحلي بالضبط الانفعالي.
  7. قيام المؤسسات باتباع الأساليب التنظيمية الصحيحة والسليمة مثل إعادة تصميم المهام المطلوبة من المعلم، والإشراف الفعال على المعلمين، وتحسين الأمور المادية للمعلمين، وتحسين مناخ بيئة العمل وسوى ذلك.
  8. الحصول على الدعم والمساندة الاجتماعية في مواجهة مشكلات بيئة العمل المتعلقة بالتلاميذ والتواصل الجيد مع الأفراد وتحديد المهام بدقة.
  9. بناء الشخصية الإيجابية وتعديل السلوكات المتصلة بها وتدريب المعلم على مواجهة المواقف الضاغطة ودفعه للحفاظ على روح الدعابة.
  10. استغلال أوقات الفراغ للقيام بالهوايات التي يحبها.
إقرأ أيضاً: أهم مهارات المعلّم الناجح وصفاته الأساسيّة

في الختام:

لقد أصبح الاحتراق النفسي اليوم ظاهرة نفسية واسعة الانتشار في أوساط المعلمين؛ إذ تَحُول هذه الظاهرة دون تحقيق المعلمين للمهام المطلوبة منهم ليس فقط بالطريقة التي يتوقعها الآخرون منهم؛ بل حتى ما يتوقعون هم من أنفسهم كذلك، وبِعَدِّ المعلم محور العملية التعليمية وتمثل صحته النفسية عاملاً هاماً في نجاح هذه العملية، ينبغي الاهتمام به وتخفيف الضغوطات النفسية التي يمر بها وتزيد من أعباء العمل ومتطلباته، كما يجب تحفيزه بشكل دائم سواء من الناحية المعنوية أم المادية؛ وذلك بهدف حصوله على حياة لائقة به وكذلك من أجل بناء نظام تربوي فعال.

شاهد بالفيديو: العوامل المؤدية بالمعلم للاحتراق النفسي

المصادر:

  • سليمان بن علي بن محمد بن راشد الحاتمي، الاحتراق النفسي وعلاقته بأساليب مواجهة المشكلات لدى المعلمين العمانيين في محافظة الظاهرة بسلطنة عمان، كلية العلوم والآداب، جامعة نزوى، 2014
  • سنابل أمين صالح جرار، الجدية في العمل وعلاقتها بالاحتراق النفسي لدى مديري المدارس الحكومية الثانوية في محافظات شمال الضفة الغربية، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، فلسطين،2011
  • سلوى محمد الحسن سيد أحمد، الاحتراق النفسي لدى المعلمات التلاميذ ذوي الإعاقة العقلية العاملات بمراكز التربية الخاصة، كلية التربية، جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا 2015



مقالات مرتبطة