العلم الكامن في تغيير الأشخاص الآخرين

اعتقد أصدقائي أنَّني مجنونة، فقد عملت بجد لأحصل على الفرصة لتقديم نشرتين إخباريتين على قناة سي بي سي (CBC). لقد كان يستمع إليَّ في كلِّ صباح أكثر من مليون شخص حتى يكونوا على اطلاع على ما يجري من أحداث؛ ولكنَّ المحتوى الذي كنت أقدِّمه كان سلبياً للغاية، وعندها أدركت أنَّه يجب أن أركِّز على عملي بعيداً عن أيِّ مصدر تشتيت، وعرفت أنَّ ما أحتاجه فعلياً هو التغيير.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدونة ومقدِّمة البرامج ميشيل غيلان (Michelle Gielan)، وتتحدَّث فيه عن تأثير موقفنا الذهني في الآخرين، وكيف يمكننا الاستفادة من العلم في تغيير الأشخاص من حولنا.

ارتدْتُ جامعة بنسلفانيا (University Of Pennsylvania) بهدف دراسة علم النفس الإيجابي، وغايتي هي أن أفهم كيف يمكن إجراء تغيير إيجابي في ظل عالم مليء بالسلبية.

على الرَّغم من أنَّ الهدف من أبحاثي هو إجراء تغيير في المادة الإعلامية التي تبثها المحطات الإعلامية، إلا أنَّني أيضاً عملت مع زوجي الذي هو في الوقت نفسه زميلي في أبحاث علم النفس الإيجابي شون آكور (Shawn Achor) من أجل تشجيع الناس على تطبيق الاستراتيجيات نفسها التي نطبقها في مهنة الإعلام على حياتهم الشخصية ليحققوا النجاح والسعادة.

أظهرت أبحاثنا أنَّ إظهار عقلية متفائلة وقوية للناس المحيطين خاصةً في المواقف الصعبة يؤدي إلى تحصيل نتائج إيجابية على صعيد المشاريع التجارية، والأكثر أهميةً أنَّنا اكتشفنا أنَّ جعل الآخرين يشعرون بالإيجابية يساعد الشخص كثيراً على الحفاظ على مشاعر السعادة.

الصعوبة التي نواجهها عادةً عند التفكير في جعل الآخرين أكثر إيجابيةً تكمن في اعتقاد راسخ في الوعي الجمعي لدى المجتمع بأنَّه من غير الممكن تغيير الآخرين.

يكفي أن يتذكَّر واحدنا كم مرةً أخبرنا الآخرون أنَّه من غير الممكن تغيير الناس على الرَّغم من أنَّ ذلك قد يبدو صحيحاً في حالات نادرة، إلا أنَّه بالنسبة إلى الأغلبية العظمى من الناس في حياتنا يبقى هذا الاعتقاد مجرد مغالطة تضر بنا بالدرجة الأولى، فالاعتقاد بأنَّك عاجز عن تغيير الآخرين لا ينم فقط عن عجز؛ بل هو اعتقاد خاطئ علمياً أيضاً.

نحن نغيُّر الآخرين طوال الوقت والدليل على ذلك دراسة أُجريت في عام 1981 ونُشرت في مجلة "نونفيربال بيهافيور" (Nonverbal Behavior) توضِّح كيف نؤثِّر في بعضنا بعضاً بسرعة وسهولة أكثر ممَّا نتخيل.

وأُجريت الدراسة كما يأتي: وضع الباحثون ثلاثة أشخاص غرباء عن بعضهم بعضاً في غرفة، وطلبوا منهم البقاء صامتين لمدة دقيقتين لاختبار حالتهم المزاجية قبل وبعد التجربة.

كانت النتائج مذهلة؛ إذ ظهر مراراً وتكراراً أنَّ الشخص الذي عبَّر عن حالته المزاجية بطريقة غير لفظية أكثر، قد أثَّر في الحالة المزاجية لدى الشخصين الآخرين.

للتوضيح: عندما كان يجلس أحد الأشخاص الثلاثة عابساً ويعقد ذراعيه، فإنَّ الشخصين الآخرين يشعران بمزيد من السلبية، وبخلاف ذلك إذا ابتسم هذا الشخص وبدا عليه الارتياح، فإنَّ الشخصين الآخرين يشعران بمزيد من الإيجابية.

إذاً حتى عندما نبقى صامتين، فإنَّنا نؤثِّر في مزاج الأشخاص المحيطين بنا وفي موقفهم الذهني، ونختبر جميعنا في مرحلة ما من حياتنا المهنية هذا الشعور بالسلبية والإجهاد الذي يخيِّم على جو أحد اجتماعات العمل، فقد يكون أحد زملائك يطرح فكرة، ويوجد شخص في الاجتماع لم ينطق بكلمة واحدة، ومع ذلك يعلم الجميع ما هو رأي هذا الشخص في الفكرة.

سواء أردنا ذلك أم لا إلا أنَّه يكفي أن يوجد شخص صامت وعبوس طوال الوقت في اجتماع العمل حتى يغيِّر من شعورنا حيال فكرة يقدِّمها أحد الزملاء، وعلى الرَّغم من أنَّه من المدهش اكتشاف التأثير المضاعف الذي يتركه الأشخاص السامون إلا أنَّ تأثير الأشخاص المتفائلين والإيجابيين والداعمين في نفسية الأشخاص الآخرين أمر جدير بالبحث أيضاً.

شاهد بالفديو: 9 طرق لتزيد الإيجابية في حياتك

العقلية الإيجابية أمر مُعدٍ:

العقلية الإيجابية مُعدية إذا جاز القول، وهي لبنة الأساس في النجاح الفردي والجماعي على حدٍّ سواء، ولم يكن مفاجئاً بالنسبة إلينا أنَّ تغيير محتوى البث التلفزيوني ليصبح أكثر إيجابيةً يمكن أن يزيد المبيعات بنسبة 37%.

لذلك قلنا في البداية إنَّ الاعتقاد بأنَّه من غير الممكن تغيير الأشخاص الآخرين ليس اعتقاداً سلبياً فقط؛ بل خاطئ علمياً، وأحد الأهداف الجوهرية لعملنا هو توضيح أفضل وسائل التواصل بطريقة عقلانية وحقيقية ومُقنعة.

إنَّه مسار من الاستكشاف بُدِء به بعد تجربة مفصلية مررت بها بينما كنت أغطي الأخبار في ذروة الركود الاقتصادي الذي حدث عام 2008.

عدم اليقين والخوف الذي شعر به الناس بسبب الانكماش الاقتصادي كان واضحاً، وربما هذا هو السبب الذي دفع منتج برنامجي إلى الاعتقاد بأنَّني مجنونة عندما اقترحت إنتاج سلسلة حلقات تمتد لأسبوع تحت عنوان "الأسبوع السعيد" بدلاً من التركيز المستمر على الخسارات التي يُمنى بها الناس من فقدان منازلهم وأعمالهم، فقد اقترحت استخدام الاستراتيجيات القائمة على العلم للتعامل مع هذا الوضع.

في كلِّ مرة سلطنا الضوء فيها على مشكلة مثل بيع عقار في المزاد العلني بسبب الديون أو ازدياد الأعباء المالية للزواج، كنا نقدِّم معها نصيحة عن كيفية التعامل مع المشكلة، وقد حصدنا أعلى نسبة مشاهدات خلال عام 2008.

تلقيت رسالة من متابع للبرنامج يقطن في أوكلاهوما (Oklahoma) وقد كان يواجه مشكلة رهن منزله، وكان أخوه يقطن بعيداً عنه نحو 30 كيلو متراً فقط، ومع ذلك لم يتحدثا مع بعضهما قط منذ 20 عاماً.

كان كلاهما على وشك أن يخسرا منزليهما وبعد مشاهدته لإحدى حلقات "الأسبوع السعيد" قرر هذا الرجل القيام بشيء جريء؛ فقد تواصل مع أخيه وحزما أمتعتهما وجمعا ما لديهما من مال وسددا الديون المترتبة على أحد المنزلَين؛ وبذلك حرراه من الرهن الحيازي وانتقلا للعيش فيه معاً؛ لذا بمجرد أن تغيِّر من موقفك الذهني ستمتلك القدرة للتأثير إيجابياً في الآخرين.

نحن نفهم الآن ما الذي فكَّر فيه هذان الرجلان وما الذي دفعهما لتحقيق هذا النجاح؛ ففي دراسة نُشرت في مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" (Harvard Business Review) وجدنا أنَّه يمكن للشخص أن يزيد من قدرته على حلِّ المشكلات بطريقة إبداعية؛ وذلك من خلال التركيز على الحلِّ بدلاً من المشكلة.

وجدنا في هذه الدراسة التي أجريناها مع مقدِّمة البرامج الأمريكية "آريانا هافينغتون" (Arianna Huffington) أنَّ التفكير في الحلول في مواجهة المشكلة يزيد زيادة كبيرة من جودة الأداء.

طلبنا من نصف المشاركين مشاهدة ثلاث دقائق من الأخبار التي تتضمن قصصاً سلبية، وطُلب من النصف الآخر مشاهدة ثلاث دقائق أيضاً من الأخبار السلبية؛ ولكنَّها تضمنت حلولاً للمشكلات المستعرضة.

كان النصف الأول أكثر عرضةً للشعور بالحزن بنسبة 27% مقارنةً مع أقرانهم الذين شاهدوا الأخبار التي تضمنت حلولاً؛ لذلك يجب إذا أردنا الخروج بحلٍّ أن نقلل تركيزنا على المشكلة ونركِّز أكثر على الحلول، وهنا يأتي دور الخطوة الحالية.

في المرة القادمة عندما تشعر بالقلق والإجهاد بسبب مشكلة، اسأل نفسك ما الذي يمكنك فعله لمعالجتها حالياً؟ الخطوة الحالية هي أبسط إجراء هادف يمكنك القيام به فوراً والذي قد لا يحلُّ المشكلة برمتها؛ ولكنَّه سيضعك على بداية الطريق لإيجاد حلٍّ.

تقدِّم لك الخطوة الحالية إطار عمل أيضاً يساعدك على جعل الشخص الذي يواجه مشكلة ينتقل من التفكير بقلق إلى اتخاذ إجراء إيجابي، وفي المرة القادمة التي تعاني فيها قلقاً بسبب مواجهتك لمشكلة، حاول أن تفكِّر في شيء واحد يمكنك فعله حالاً لمساعدتك على حلِّها.

الإجراء الحالي هو أبسط عمل هادف يمكنك اتخاذه فوراً، وفي حال لم يؤدِّ إلى حلِّ المشكلة برمتها إلا أنَّه سيضعك على بداية الطريق لإيجاد الحلِّ، كما أنَّه يوفر لك إطار عمل لمساعدة الأشخاص الآخرين على التركيز على الإجراءات الإيجابية بدلاً من القلق حيال المشكلة.

تخيَّل أنَّ صديقك يطلب الاجتماع بك في مقهى ليستفيد من نصيحتك عما يتعلق بإمكانية شراء سيارة جديدة على الرَّغم من أنَّه مفلس، سيكون من العبث إخباره أنَّه يجب عليه العودة إلى الجامعة ليحصل على درجة الماجستير ومن ثمَّ الحصول على وظيفة بأجر أعلى.

لكن يمكنك بدلاً من ذلك أن تجرِّب العصف الذهني للتوصُّل إلى بعض الإجراءات البسيطة التي يمكنه اتخاذها ليتمكن من شراء السيارة؛ ومن ثمَّ تشجيعه على اختيار أحد هذه الخطوات وتنفيذها.

قد يكون أبسط شيء يمكنك اقتراحه على هذا الصديق أن يبدأ بتوفير المال، فبدلاً من شراء كوب كبير من القهوة تنصحه بأن يشتري كوباً صغيراً ويوفر بذلك 4 دولارات.

ربما يكون لدى أحد أقاربه سيارة إضافية يمكنه استعارتها لمدة شهرين ريثما يدخر المال اللازم لشراء واحدة؛ إذ تساعد هذه الإجراءات على بساطتها في جعل الآخر إيجابياً وتحفِّزه على الاستمرار في تحقيق التقدُّم.

بصفتك رائد أعمال أو على الأقل شخصاً لديه قائمة مهام مكتظة، فإنَّني أؤكِّد أنَّ هذه الاستراتيجية تساعد على تجاوز مرحلة التوتر والشعور بالراحة، وتقتضي فعل شيء أو شيئين بسيطين في الصباح الباكر للشعور بالحافز والحماسة التي تحتاجها لبقية اليوم.

لقد وجدنا أنَّ 91% من الأشخاص يستطيعون التعامل مع التوتر بطريقة أفضل إذا طبَّقوا هذه النصيحة، والسبب الرئيس في كون معظم الناس يفشلون في التعامل مع التوتر تعاملاً إيجابياً هو أنَّهم يدخلون في حلقة من اجترار الأفكار السلبية.

أنشأنا بالتعاون مع مختبرات بلاستيسيتي (Plasticity Labs) الموجودة في أونتاريو (Ontario) معايير تحقق موثوقة علمياً لاختبار الاختلاف بين استجابة الأشخاص للتوتر.

تعكس استجابتك للتوتر مدى شعورك بالرضى عن عملك وحياتك استجابة عامة، إضافة إلى مدى قدرتك على تحقيق النجاح على الأمد الطويل في مسيرتك المهنية، ووجدنا أنَّه على الرَّغم من أنَّ الأمور التي تثير لدينا التوتر تتغير دائماً، إلا أنَّ استجابتنا للتوتر تستمر كما هي، ووجدنا أنَّ ثمة ثلاثة مؤشرات هي الأهم في تحديد طبيعة استجابتنا للتوتر:

1. المحافظة على الهدوء تحت الضغط:

لدى بعض الناس القدرة على الحفاظ على هدوئهم ورباطة جأشهم في أثناء الشدائد؛ وبذلك تزداد فرصهم ازدياداً كبيراً في التوصل إلى حلِّ الأزمات، بينما يُصاب بعضهم الآخر بالقلق سريعاً والتوتر ممَّا يسبب لهم الإجهاد.

2. الانفتاح على التواصل:

يعبِّر بعض الناس عمَّا يشعرون به للآخرين بطريقة تنشئ تواصلاً معهم، بينما يتكتم بعضنا الآخر على مشاعره ويعاني وحده.

3. العقلية الفعَّالة في حلِّ المشكلات:

يواجه بعض الناس مشكلاتهم مباشرةً ودون مواربة على الذات، وهم في سبيل ذلك يضعون خطة، بينما ينكر بعضهم وجود أيَّة مشكلة ويستمرون بصرف انتباههم عنها.

بعد تحديد هذه المؤشرات الثلاثة فقد وجدت دراستنا أنَّ الاستجابة المثالية هي الالتزام بالهدوء والثقة ببعض الأشخاص المقربين، ووضع خطة لمواجهة المشكلة تبدأ بالإجراء الحالي، وقد وجدنا أنَّ الأشخاص الذين يستجيبون للتوتر بعقلانية كانوا أوفر حظاً في الحصول على حياة سعيدة وجني أموال أكثر، وفي الوقت نفسه اختبار درجات منخفضة من التوتر مقارنةً بغيرهم.

جاء هذا البحث بوصفه متابعة للدراسة التي أجريناها مع "هافينغتون" عن تأثير نشرات الأخبار في الدماغ، فلا يقتصر التأثير السلبي للأخبار في الفترة التي تُشاهَد فيها؛ بل يمتد تأثيرها حتى ثمان ساعات؛ ما يعني أنَّ المزاج أو الموقف الذهني الذي نمتلكه في الصباح قد يمتد تأثيره حتى نهاية اليوم.

عندما تصبح أدمغتنا مليئة بالمعلومات السلبية في وقت مبكِّر من الصباح، فإنَّ منظورنا لحياتنا المهنية والشخصية يتغير تغيراً عاماً، ويمكن أن تؤدي الشائعات في العمل أو المدير السلبي إلى القضاء على حماسة الموظف وروح المشاركة لديه.

ما يحدث أنَّنا عندما نركز انتباهنا على الجزء السلبي فقط من النقد الذي نتلقاه بوصفه مراجعة لأدائنا، فإنَّنا على الأغلب لن نستفيد من الملاحظات الإيجابية التي نحصل عليها في الوقت نفسه، والسبب أنَّ السلبية بمختلف أشكالها لها تأثير أكثر ديمومة فينا.

توجد نقطتا انعطاف يمكن التحكم بهما عندما يتعلق الأمر بتأثير موقفنا الذهني في الآخرين، وهما ما نفكِّر فيه وكيف ينعكس على الخارج؛ لذلك يمكنك تهيئة يومك ليكون حافلاً بالنجاح من خلال معرفة نوع المعلومات الإيجابية التي تتلقاها.

بالطبع يوجد كثير من الأشياء التي لا يمكنك التحكم فيها، ولكن ستبدأ المشكلات بالتفاقم عندما تعتقد أنَّ هذا ينطبق على كلِّ الأشياء وأنَّك عاجز عن التحكم في أيِّ شيء، فهذه العقلية السلبية ستنعكس على عملك وعلاقاتك.

إقرأ أيضاً: كيف تسيطر على التوتر في دقائق قليلة؟

ابحث عن مصادر موثوقة توفِّر مقالات تقدم حلولاً مفيدة:

تخطى من الآن فصاعداً القصص المأساوية وغيرها من الأخبار المحزنة، وبدلاً من ذلك ابحث عن مصادر موثوقة توفِّر لك مقالات يمكن الاعتماد عليها في الحصول على حلول مفيدة، فالمقالات الأكاديمية هي الخيار الأفضل، في حين أنَّ معظم الناس يحصلون على الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي.

لا ريب أنَّ ما نتابعه على مواقع التواصل الاجتماعي يؤثِّر فيما نعتقده؛ ففي دراسة أجرتها جامعة كورنيل (Cornell University) في عام 2014 بالتعاون مع منصة فيسبوك (Facebook) وجد الباحثون أنَّهم عندما يعدِّلون قائمة آخر الأخبار الخاصة بصفحة الشخص لتصبح أكثر إيجابية، فإنَّ الشخص ينشر أشياء أكثر إيجابية على صفحته الخاصة.

لذلك من سمات القائد الحقيقي هي قدرته على أخذ زمام المبادرة في الحديث وأخذها نحو منحى إيجابي، ولا مجال للتشكيك بهذه الحقائق بعد أن شملت دراستنا 689000 شخصاً، وأظهرت التأثير الذي نمارسه في الآخرين من خلال تبني موقف عقلي إيجابي.

إذاً ينعكس موقفنا الذهني على الآخرين من خلال الكلمات التي نعبِّر بها عن موقفنا الذهني، فإنَّنا نمارس تأثيراً مضاعفاً في الآخرين؛ لذلك إذا كان لديك في صفحتك على فيسبوك أو على حسابك على أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي صديق سام فلا تتردد بإلغاء متابعته.

احرص على جعل مواقع التواصل الاجتماعي وسيلةً لإسعادك وتابع صوراً لطيفة واقرأ مقالات تحث على التفكير، وأسهل وأسرع طريقة لتصبح مُتحدثاً إيجابياً هي من خلال ما يُسمى في علم الإعلام بالعنوان الرئيسي، فاسأل نفسك ما هو العنوان الرئيسي الذي أطرحه عندما أتحدَّث مع الآخرين، تخيَّل أنَّك مذيع أخبار ويجب أن تبدأ حديثك بعنوان هادف وإيجابي.

إذا بدأت حديثك بشيء سلبي؛ فيوجد نمطان فقط للاستجابة التي يبديها الطرف المستمع، فإمَّا أن يُظهر التعاطف أو يزيد في السلبية، فمثلاً تخبره أنت عن مشكلاتك فيرد عليك بأنَّ هذه ليست مشكلات إذا ما قورنت بمشكلاته.

بعد ذلك احذر من أن تجيب عن سؤال "كيف حالك؟" بطريقة سلبية مثل: مُرهقاً أو أشعر بالانزعاج أو التعب، وبدلاً من ذلك قل شيئاً بسيطاً ومفيداً، مثل على أحسن ما يرام، فكما قلنا إنَّ أخذ المبادرة وتوجيه الحديث بمنحى إيجابي هي سمة القائد الناجح.

شاهد بالفديو: كيف تتعلم العادات الإيجابية؟

بإمكانك أن تزيد قدرة الشخص على حلِّ المشكلات بشكل إبداعي من خلال التركيز على الحلِّ:

أول مرة لمست فيها فاعلية هذه الاستراتيجية كانت عندما كنت أعمل على تطوير أحد برامج علم النفس الإيجابي التي شارك فيها 1.5 مليون مشترك، وفي إحدى الزيارات لموقعنا اقترحت إحدى المشتركات واسمها "شارون" (Sharon) أنَّه يجب علينا أن ندرسها لكونها أسعد امرأة على الإطلاق.

كانت ودودة وإيجابية بطريقة مؤثِّرة وتضحك من قلبها، وعندها ابتسمتُ وسألتها كيف بإمكاننا أن نتأكَّد من أنَّك أكثر شخصاً إيجابياً على الإطلاق؟ وعندها أخبرتني بقصة لن أنساها أبداً.

بإمكانك أن تزيد من قدرة الشخص على حلِّ المشكلات بطريقة إبداعية من خلال تحويل تركيزه على الحلِّ بدلاً من المشكلة، فلاحقاً التقت شارون بالرجل الذي لطالما حلمت به، وتزوجا وكانت في غاية السعادة، لكن بعد زواجها ببضعة أشهر توفيت أمها بصورة مفاجئة.

وقف زوجها إلى جانبها خلال ستة أشهر من الحزن وعندما بدأت تستعيد حياتها الطبيعية، مات زوجها بحادث سيارة، قالت شارون إنَّها تمتلك الحق بأن ترى نفسها بوصفها أسعد امرأة في الوجود؛ لأنَّها وعلى الرَّغم من كلِّ المآسي التي حدثت معها فقد اتخذت قراراً واعياً بألا تبقى إيجابية فحسب؛ بل أن تؤثِّر في الآخرين بطريقة إيجابية.

تقوم شارون بتحية الزبائن بعبارات إيجابية مثل: "يا له من يوم جميل"؛ ومن ثمَّ تسألهم: "كيف الحال؟"؛ أي إنَّها تبدأ الحديث بعبارة إيجابية وهذا تطبيق لقاعدة العنوان الرئيسي، فمن خلال بدء محادثتها بإيجابية تضع شارون حجر الأساس لعلاقات مفيدة مبينة على أساس إيمانها بأنَّ خياراتها وموقفها العقلي يحددان مدى إيجابية تجاربها في هذا العالم؛ ومن ثَمَّ سعادتها.

أحياناً يكون من الصعب رؤية التأثير الإيجابي لخياراتنا في الآخرين؛ ولكنَّنا كنا محظوظين لرؤية ذلك مع دليل واضح في أثناء مكالمة تلقيناها من أحد عملائنا السابقين، فقبل سنوات باع عملينا وهو رائد أعمال شركتَه مقابل 100 مليون دولار، وعندما أخبرنا بذلك اعتقدنا أنَّه يشعر بسعادة عارمة؛ ولكنَّه في الواقع كان حزيناً.

لقد شرح لنا أنَّه في الليلة التي أعقبت إبرام الصفقة أُصيب بنوبة ذعر؛ إذ شعر بأنَّه بعد أن باع شركته لم يبقَ لديه شيء وأولاده كانوا بعيدين عنه، واعتقد أنَّ زوجته ستطلقه وأصيب بسمنة مفرطة، ففي تلك الليلة انهار تماماً، فأخبرته زوجته أنَّها لا تنوي الانفصال عنه كلُّ ما هنالك أنَّها تود الذهاب معه في نزهة ووافق على مضض.

بينما كانا يمشيان سألته عمَّا يشعر بالامتنان لأجله واعترف أنَّ هذا السؤال صعب؛ ولكنَّه توصَّل أخيراً إلى شيئين يشعر بسببهما بالامتنان، وفي نهاية النزهة أحسَّ بتحسن طفيف؛ ولذلك أصبح يتنزه مع زوجته في كلِّ ليلة، وفي كلِّ ليلة أصبح يشعر بتحسن متزايد.

بعد أسبوعين خطرت في باله فكرة أن يجعل ابنتيه تفعلان الشيء نفسه على العشاء، فوافقت ابنته الصغيرة ورأت أنَّ ذلك أمر لطيف، أمَّا الكبيرة فقد أبدت عدم رغبتها في ذلك؛ لذلك قرر الوالدان فعل ذلك أمامها.

بعد عدة أسابيع تلقى عميلنا مكالمة من والد أحد صديقات ابنته التي كانت في زيارة لدى صديقتها، وأخبره بنبرة حادَّة أنَّه يريد اللقاء به حتى يتحدَّث معه عن سلوك ابنته عند زيارتها لصديقتها، فشعر عميلنا بالقلق لاعتقاده أنَّ ابنته أساءت التصرف عندما كانت في منزل صديقتها؛ ولكنَّ الرجل وضَّح له أنَّ سبب رغبته في لقائه هو أنَّ ابنته شعرت بأنَّ كثيراً من زميلاتها في المدرسة كنَّ متنمرات في الفترة الأخيرة؛ لذلك أجلست الفتيات في حلقة وجعلتهن يتجولن مع بعضهنَّ وتقول كلُّ واحدة للأخرى أشياءً إيجابية عنها.

التأثير المضاعف هنا واضح، فقد غيَّرت الزوجة بادئ الأمر الحديث، وبدلاً من جعله يركِّز على القلق جعلته يدور حول الامتنان، وطبقَّه الوالد على ابنتيه في المنزل، والفتاة المراهقة بدورها طبقته على صديقاتها.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتبنّي التفكير الإيجابي كمنهج حياة

في الختام:

يوجد ما لا يُحصى من فرص في اليوم يمكننا خلالها أن نختار الشعور بالسعادة وجعل الآخرين يشعرون بها، وهذا لا يعني تجاهل السلبيات، ولكن كلُّ ما هنالك أن نقرر ألا نقع في حلقة مفرغة من التفكير والشعور السلبي.

نتخذ الإجراء ونشعر بالامتنان للأشياء الجيدة؛ لذلك جدياً غيِّر من تأثيرك في الآخرين واجعله إيجابياً فلدى كلُّ واحد منا القدرة على التأثير في الآخرين، إذاً لماذا لا نؤثِّر فيهم تأثيراً إيجابياً؟




مقالات مرتبطة