العلاقات السامة: تعريفها، وعلاماتها، وطرق التعامل مع الشخصية السامة

لطالما كانت العلاقات الإنسانية هي السبب الأساسي للسعادة، فعندما تؤسس علاقات ناجحة مع الآخرين؛ تغدو حياتك أكثر جمالاً ورونقاً وأماناً، وعلى العكس من ذلك؛ إن كانت علاقاتك مع الآخرين مضطربة ومُزعزعة فهذا يعني أنَّك غير مستقر نفسياً.



لطالما خضنا في علاقات مؤذية، متجاهلين مقدار الألم النفسي الذي تسببه لنا، ومتخذين القرار بالاستمرار فيها مع وجود كل الألم، مدمنين البحث عن التبريرات التي تصب في مصلحة الطرف الآخر، دون أن ندري أنَّنا نُشوَّه من الداخل ونخسر أنفسنا.

يتغذى الشخص السام على الأشخاص الذين يمتلكون تقديراً منخفضاً لذاتهم، ويشعرون بعدم الاستحقاق الذاتي، ويجد الأشخاص السامين ضالتهم مع أولئك الذين لا يحبون ذواتهم.

فهل أنتَ في علاقة سامة دون أن تدري ذلك؟ وهل تشعر أنَّك تبتعد عن روحك وحقيقتك الصافية في سبيل كسب رضا الطرف الآخر؟ هل تشعر بعدم الراحة والأمان إلا أنَّك لا تستطيع الابتعاد عن ذلك الشخص الذي يسبب لك ذلك الألم؟ وهل تشعر أنَّ معاييرك القديمة للسعادة والأمان قد تغيرت وأنَّك شخصٌ مختلف تماماً عما سبق؟

إن كانت إجابتك "نعم"، فدعنا نخوض في هذا المقال لكي نبحث عن السبب وراء انطفاء روحك.

ما هي العلاقة السامة؟

عندما تشعر بانطفاء روحك وبأنَّك في علاقة لا تحقق لك الإشباع العاطفي والنفسي، وأنَّك الطرف الذي يُعطِي دون أن يأخذ شيئاً، وأنَّك لا تُقدَّر مع وجود عطاءٍ كبيرٍ لك، وأنَّك في موقع اتهام على مدار الساعة.

عندما تشعر أنَّ الخوف هو من يحركك وليس الأمان، وأنَّك أصبحت بعيداً عن ذاتك الحقيقية، وفقدت تلقائيتك وعفويتك وبراءتك، وأدمنت تسويغ كل ما تقوم به، وسلمت دفة قيادة حياتك ومشاعرك إلى غيرك بحيث أصبح هو المتحكم والمسيطر على كل تفاصيل حياتك؛ فهذا يعني أنَّك في علاقة سامة.

كيف أعلم أنَّني في علاقة سامة؟

توجد علامات تُظهر ذلك، وهي:

1. الخوف المَرَضي:

وهو الخوف الذي يحركك في علاقتك مع شخص ما -سواء أكان هذا الشخص والد، والدة، حبيب، زوج- كأن تخاف من أن يُقلِّل من قيمتك أمام الناس، أو بينك وبينه، أو تخاف من التعبير عما تشعر به من مشاعر سلبية لأنَّك تعلم أنَّه سيقوم بالاستخفاف بهذه المشاعر وعدم الاكتراث بها، أو تخاف من المطالبة بحقوقك ورغباتك، فلا تستطيع الدفاع عما هو حق لك، أو تخاف من الإيذاء الجسدي واللفظي في حال اقتراح فكرة مغايرة لما يتبناه الطرف الآخر.

2. فقدان الأمان والثقة:

عندما تشعر بالأمان مع هذا الشخص، ويضعك دوماً في موضع شك، وتُدمِن سيناريو التسويغ الدائم لكل فعل تقوم به؛ فهذا يعني أنَّك في علاقة مُرهِقة للغاية.

3. الإيذاء الجسدي أو اللفظي:

أي الخضوع إلى العنف الجسدي أو اللفظي، كأن تتعرض للإهانة والضرب أو للشتيمة والذم لمجرد فعلك أمراً ما مخالف لما يريده الطرف الآخر.

4. اختراق المساحة الشخصية:

يتعامل الشخص السام مع الطرف الآخر بالكثير من التحكم والسيطرة، ويعتقد أنَّ له الحق في اختراق الحدود الشخصية للطرف الآخر، فلا يعترف بحقوقه ولا رغباته ويتدخل في أدق تفاصيل حياته، فقد يفرض عليه نمطاً معيناً في الملابس والطعام وطريقة الكلام، وقد يقرر عنه إن كانت هذه الوظيفة مناسبة له أم لا.

شاهد بالفيديو: 5 خطوات لوضع حدود شخصية لنفسك

5. التركيز على الأمور السلبية:

يعشق الشخص السام التركيز على الأمور السلبية التي لديك، ويتجاهل تماماً كل حسناتك، ويلتزم في إيصال رسائل معينة تفيد بأنَّك غير نافع، وكسول، وغير مسؤول.

6. الحيرة والاضطراب:

إن كنتَ تشعر بالحيرة الدائمة في علاقتك، ولديك أسئلة كثيرة، ولا تجد الإجابة الحقيقية عنها، وتشعر بعدم الراحة وعدم الاستقرار الدائمين؛ فأنت في الغالب في علاقة سامة.

إقرأ أيضاً: 7 أسباب تجعلك تتخلى عن العلاقات السامة

مَن هم الأشخاص السامون؟

1. الشخص المعادي للمجتمع:

لا يوجد ضمير إنساني لدى هذا الشخص، فهو مستعد لفعل أي شيء في العالم في سبيل تحقيق غاياته، فهو يتبنى مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، ولا يعبأ بكسر كل القوانين والأعراف في سبيل وصوله إلى ما يريد، ولا يتوانى عن اختلاق الأكاذيب والإشاعات في سبيل تحقيق هدف من أهدافه.

تتحول في أثناء علاقتك مع شخص كهذا إلى مجرد عبدٍ له ولأهوائه، فهو يتعامل مع الناس على أنَّهم أدوات لخدمة مصالحه، ويستخدم المشاعر كوسيلة للتلاعب بالآخرين، فهو يتقرب منك من خلال الكلام المعسول والمشاعر العاطفية والتصرفات الإيجابية، إلا أنَّه يبدأ في إظهار وجهه الحقيقي بمجرد أن يضمن أنَّك وقعت في شباكه، ولن يبالي في تدميرك النفسي في سبيل تحقيق ما يريد وإشباع رغباته واحتياجاته.

من جهة أخرى، لكي تكتشف أنَّك في علاقة مع شخص معادٍ للمجتمع؛ يجب عليكَ أن تشاهد ردة فعله عندما تتعارض مصلحتك مع مصلحته، فسوف يجن جنون هذا الشخص في تلك الحالة، ويحاول تدميرك نفسياً في سبيل تحقيق مصالحه، ولن يمانع في إيذائك الجسدي أيضاً.

2. الشخص النرجسي:

يعشق الشخص النرجسي ذاته ويتمركز حولها فقط، ولا يسمع إلا صوته وأفكاره فقط، ولا يحترم ولا يعير أي انتباه لأفكار الآخرين، فتجده من عشاق مقاطعة كلام الآخرين وإظهار أفكاره فقط.

يتلذذ النرجسي في توليد مشاعر الذنب لدى الآخرين، وفي انتقادهم ولومهم الدائم، كأن تقول الأم النرجسية لابنها: "أنتَ السبب فيما حصل لي من مشكلات صحية، فأنتَ ابن عاق وغير صالح"؛ ويميل النرجسي إلى تهديد الآخرين وتذكيرهم بمواقف قديمة كانوا قد فعلوها، فهو يعشق إظهار الآخر أنَّه على خطأ دوماً.

من جهة أخرى، يتفنن الزوج النرجسي في إظهار عظمته واستحقاقه العالي أمام زوجته ويُشعِرها أنَّه قد منحها وساماً عظيماً عندما جعلها شريكة حياته، ولا يفكر إلا في احتياجاته هو؛ في حين لا يعبأ مطلقاً باحتياجات زوجته، ولا يوفر أي فرصة لكي ينتقد زوجته ويحطَّ من قيمتها.

إقرأ أيضاً: علامات "النرجسية الخبيثة" وطرق التعامل مع الشخص النرجسي

3. الشخص الارتيابي:

تعد العلاقة مع هذا الشخص سامة جداً، فهو دائم الشك وسوء الظن بالآخر؛ إنَّه بارع في قتل العفوية والتلقائية الموجودة لدى الطرف الآخر.

يشعر الشخص الارتيابي أنَّه في مؤامرة على مدار الساعة، وأنَّ الآخرين لن يوفروا فرصة للنيل منه، لذا يؤول كل تصرف يفعله الآخر على أنَّه تصرف ذو نية سيئة وخبيثة، فيسرع إلى إخفاء كل تفاصيل حياته عن الآخرين، بمَن فيهم زوجته.

من جهة أخرى، لدى هذا الشخص شكوك حول خيانة شريكه له، ومن الصعب جداً أن يسامح مَن يُخطِئ في حقه؛ بل إنَّه يحقد عليه ويسبب له الكثير من الأذى.

4. الشخصية الحدية:

لا تعرف هذه الشخصية الاستقرار النفسي، وتجعل شريكها في حالة من الاضطراب والحيرة، فهي تارة تحبه وتعشقه، وتارة أخرى تكرهه وتمقته، ولدى هذه الشخصية هلع كبير من فكرة الهجر، فهي تفضل البقاء في علاقة مؤذية على أن تترك شريك حياتها.

ومن جهة أخرى، تتبنى هذه الشخصية الكثير من التصرفات الطائشة غير المسؤولة؛ لأنَّها دائمة الشعور بحالة كبيرة من الخواء العاطفي والملل، وتميل هذه الشخصية إلى إيذاء نفسها في حال إحساسها بالهجر والترك.

إقرأ أيضاً: اضطراب الشخصية الحدية: تعريفه، وأسبابه، وأعراضه، وطرائق علاجه

6. الشخص الضحية:

يعشق هذا الشخص دور الضحية، فهو دائم الشكوى من كل شيء، ويجد أن الظروف هي مَن تتحكم به، ولا يقوى على الاعتراف بالمسؤولية أمام ما يحدث له في الحياة، ويلقي بكل مصائبه على الآخرين والقدر، فإنَّ كانت زوجتك من هذا النوع؛ فإنَّها قد تلقي بمشكلاتها عليك، عادةً إياك بأنَّك السبب في شكل حياتكما الحالي، وأنَّها ضحية لزواج مخفق".

7. الشخصية السلبية:

تعشق هذه الشخصية التدقيق في التفاصيل السلبية، وتتجاهل تماماً الإيجابيات، فهي مبدعة في النظر إلى كوب الكأس الفارغ، ستعمل هذه الشخصية على إحباطك وكسر ثقتك بنفسك، وستَضع أمامك السلبيات أمام كل اقتراح تقترحه، وستَثنيك عن أي خطوة تريد أن تخطوها في سبيل تحسين حياتك.

على سبيل المثال: إن حققت نجاحاً في 4 امتحانات، وفشلت في امتحان واحد؛ ستُعظِّم الشخصية السلبية رسوبك في الامتحان الواحد، وستنسى نجاحاتك في امتحاناتك الأربع.

8. الشخصية الاعتمادية:

قد تسعد مع الشخصية الاعتمادية في بداية الأمر تحديداً إن كنتَ رجلاً مسؤولاً، وستجد أنَّك تولي زوجتك الاهتمام المطلوب وأنَّك رجل مثالي، ولكن مع استمرار الضغط عليك، ومع تهرب زوجتك من مهامها الموكلة إليها ورميها عليك، ومع استهتارها بك وبصحتك؛ ستشعر بالوحدة وأنَّ طاقتك قد نفدت وأنَّك تُستغَل من قبلها، وتَصل إلى مرحلة النفور من تلك الشخصية.

9. الشخصية النمامة:

لا تملك هذه الشخصية شيئاً تقدمه سوى النميمة على الآخرين، والمساس بكرامات الناس وحرياتهم الشَخصية، فهي شخصية لا تحترم الحدود الشخصية لكل شخص، وتجد سعادتها في الحديث السلبي عن الآخرين؛ لذا يجب الابتعاد ما أمكن عن شخصية سامة كهذه.

10. الشخصية شديدة الكذب:

"مَن يكذب يفعل كل شيء"، لطالما سمعنا هذه الجملة، ولطالما تأكدنا من صحتها من جراء تجاربنا الواقعية. بالفعل لا يوجد شيء في العالم أسوأ من الكذب، إذ يبتعد مَن يكذب عن فطرته السليمة؛ حيث يجر الكذب خلفه المئات من الطباع السيئة والتصرفات الخبيثة.

يعيش الكاذب في الحقيقة ألماً داخلياً عميقاً، وإن ظهر عكس ذلك؛ لأنَّه عقله قد اعتاد على أنَّ الداخل عكس الخارج، مما يجعله في حالة من الاضطراب والصراع النفسي.

علاج العلاقات السامة:

1. أحب نفسك، واصنع حدودك الشخصية:

يمتص الشخص السام طاقتك ويلتهم حياتك لأنَّك قد سمحت له بذلك، وإن أردت الشفاء من علاقة كهذه؛ يجب عليك بداية أن تحب نفسك، وتقدرها، وترفع استحقاقك الذاتي، وتربط قيمتك بالله وليس مع البشر، فلا تعود تهتم لنظرة البشر وكلامهم السلبي عنك، وذلك لأنَّك قمت بإرضاء مَن هو أهم منهم بملايين المرات وهو رب البشر.

2. اتبع استراتيجية "التحرك نحو" و"الابتعاد عن":

أي أن تقرر التحرك نحو الأشخاص الإيجابيين والابتعاد عن الأشخاص السامين، فحياتنا ملكنا، وكل ما يحدث معنا ما هو إلا انعكاس لِخياراتنا وتوجهاتنا؛ لذلك يجب عليك الابتعاد ما أمكن عن الأشخاص السامين في حياتك، كأن تتحاشى الدخول معهم في نقاش طويل، وأن تضع حدوداً لهم، وأن تحيط نفسك بأولئك الإيجابيين.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتحافظ على الإيجابية إذا كنت محاطاً بالأشخاص السلبيين

3. الاستحقاق:

اعلم أنَّك تستحق أفضل علاقة، وأكثرها نضجاً ورقياً؛ لذلك راجع معاييرك وأعد ترتيب أولوياتك، وفكر بنفسك، وكن عقلانياً؛ إذ تؤدي المبالغة في العاطفة إلى نتائج وخيمة.

كف عن اختلاق التبريرات للطرف الآخر، فمَن يحبك بصدق لا يكذب عليك، ولا يخونك، ولا يؤذيك جسدياً أو لفظياً، ولا يقلل من قيمتك، ولا يستغلك، ولا يتطاول على حدودك ومساحتك الشخصية، ولا يستهزئ بأفكارك.

سيحاول عقلك اللاواعي ثنيك عن اتخاذ قرار التخلص من العلاقة السامة، وذلك لأنَّه خائف من الوحدة ومن ألم الهجر؛ لذلك كن مدركاً لهذه المرحلة واعمل على تجاوزها بأقل الخسائر.

4. الإدراك:

يُعدُّ اعترافك بوجودك في علاقة سامة بمنزلة نصف الحل؛ لذلك لا تكبت مشاعرك السلبية التي تنتابك خلال علاقة ما، بل اعترف بها وحللها واكتشف جذورها، لكي تصل إلى حلها.

5. تقبل الاختلاف:

قد يكون تقييمك للأشخاص خاطئاً، فقد تصف شخصاً ما على أنَّه سام إلا أنَّ الحقيقة تقول أنَّك لا تقبل اختلاف الآخر عنك، فقد تميل إلى التحكم والسيطرة على الآخرين، وترغب في أن يكون الآخر نسخة طبق الأصل عنك، فلا تستطيع تقبُّل فكرة تنوع الشخصيات في الحياة.

على سبيل المثال قد تكون عاشقاً للحرية، ويميل شريكك إلى الغيرة البسيطة عليك، فتسارع نتيجة غيرته عليك إلى الحكم عليه بأنَّه شخص سام، في حين أنَّه يحبك بصدق، ويختلف عنك في طريقة التعبير عن الحب ليس أكثر؛ لذلك كن منطقياً في حكمك على الأشخاص.

الخلاصة:

لا تحزن من وجودك في علاقة سامة؛ فقد تكون أكبر درس لك، وقد تكون فرصة حقيقية لكي تُحسِّن مهاراتك وقدراتك على التعامل مع الحياة ومتغيراتها. واعلم أنَّ الألم مسألة طبيعية في حياتنا، فكلنا نتألم؛ ولكن قرار الاستمرار في المعاناة قرار اختياري بحت؛ لذلك لا ضير عليك أن تتألم، ولكن اخرج من هذه الحالة بقوة ووعي وتصالح مع الذات بمدة زمنية مقبولة.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8




مقالات مرتبطة