الصلابة النفسية ودورها في مواجهة الضغوط النفسية

إنَّ تعرُّض الإنسان للضغوطات النفسية أمر حتمي لا مفرَّ منه، فهو معرَّض دائماً لمواجهة العقبات ومختلف أنواع الصعوبات والوقوع في النكسات وأشكال الفشل، ومن ثم لا يستطيع الإنسان تجنُّب الإحساس بالفشل أو الوقوع في حالة من الإحباط أو الشعور بالاغتراب.



على الرغم من مرور الأفراد بتلك الحالات الضاغطة، إلا أنَّ الكثير منهم يستطيعون المحافظة على صحتهم الجسمية والنفسية من خلال ما يمتلكون من صلابة نفسية أو كما تسمى بأساليب مواجهة الضغوطات، فالإنسان من خلال تفاعله مع البيئة هو بحاجة بشكل مستمر إلى مواءمة مستمرة بين مكوناته الذاتية وظروفه الخاصة؛ وذلك من أجل تحقيق التوازن بين ذاته وبين ظروفه الخارجية، وهذا ما تحققه له الصلابة النفسية، فهي إحدى سمات الشخصية التي تدفع الفرد باتجاه التعامل الجيد مع الضغوطات والاحتفاظ بسلامته من الناحيتين النفسية والجسدية.

مفهوم الصلابة النفسية:

يختلف الأفراد في كيفية مواجهة الضغوطات التي يتعرضون لها وفي الطريقة التي يعتمدون عليها لتحقيق التكيف مع تلك الضغوطات، وهناك مجموعة من المكونات النفسية التي تعمل من أجل تحقيق التوافق النفسي منها الاتزان الانفعالي والكفاءة الذاتية، وهناك أيضاً الصلابة النفسية.

الصلابة النفسية هي صفة عامة تظهر من خلال الخبرات التي يحصدها الفرد بدءاً من مرحلة الطفولة مروراً بكافة المراحل العمرية الأخرى؛ إذ يكتسب الفرد الخبرات ويحصد المعرفة ويسجل الدروس المستفادة من تجاربه المختلفة؛ ونتيجة لذلك تتكون الصلابة النفسية التي يستخدمها في مواجهة الضغوطات النفسية التي يتعرض لها خلال حياته.

يحاول الأفراد الذين يتمتعون بالصلابة النفسية التأثير في مجريات الأحداث التي يمرون بها؛ إذ يحاولون اختلاق أشياء إيجابية فيها، وتتجلى الصلابة النفسية في ثلاثة مكونات هي (الالتزام، التحكم، التحدي)، وهذه المكونات أو الأبعاد تحاول تحويل أحداث الحياة وضغوطاتها إلى فرص نمو شخصي، ونقص أي مكون منها يسمى بالاحتراق النفسي، فهذه المكونات هي التي تمد الإنسان بالشجاعة.

تعريف الصلابة النفسية:

1. عماد مخيمر في منشوره (الصلابة النفسية والمساندة الاجتماعية متغيرات وسيطة في العلاقة بين الضغوطات وأعراض الاكتئاب لدى الشباب الجامعي):

"الصلابة النفسية نمط من التعاقد النفسي يلتزم به الفرد تجاه نفسه وأهدافه وقيمه والآخرين من حوله، واعتقاد الفرد أنَّه يستطيع أن يكون له تحكم فيما يواجهه من أحداث ويتحمل المسؤولية عنها، وأنَّ ما يطرأ على جوانب حياته من تغير هو أمر مثير وضروري للنمو أكثر من كونه تهديداً وإعاقة له".

2. لؤلؤ حمادة وحسن عبد اللطيف:

"المقاومة والصلابة ذات الطبيعة النفسية هي خصال فرعية تضم (الالتزام، التحكم، التحدي)، ويراها الفرد خصالاً هامة له في التصدي للمواقف الصعبة أو المثيرة للمشقة النفسية وفي التعايش معها بنجاح".

3. محمود فهمي مجدي في منشوره (بناء مقياس الصلابة النفسية لمعلم التربية الرياضية):

"الصلابة النفسية هي القدرة العالية على المواجهة الإيجابية للضغوطات وحلها ومنع الصعوبات المستقبلية، التي تعكس مدى اعتقاده في فاعليته وقدرته على الاستخدام الأمثل لكل المصادر الشخصية والبيئة النفسية والاجتماعية المتاحة، كي يدرك ويفسر ويواجه بفاعلية أحداث الحياة الضاغطة ويحقق الإنجاز والتفوق".

4. كوبازا:

"مجموعة من السمات الشخصية تعمل بوصفها مصدراً أو واقياً لأحداث الحياة الشاقة، وهي تمثِّل اعتقاداً أو اتجاهاً عاماً لدى الفرد في قدرته على استغلال كافة مصادره وإمكاناته النفسية والبيئة المتاحة كي يدرك أحداث الحياة الشاقة إدراكاً غير مشوه، ويفسرها بمنطقية وموضوعية، ويتعايش معها على نحو إيجابي، وتتضمن ثلاثة أبعاد رئيسة هي الالتزام والتحكم والتحدي".

شاهد بالفيديو: 6 نصائح علميّة للتخلص من الضغط النفسي

أبعاد الصلابة النفسية:

تتكون الصلابة النفسية من ثلاثة أبعاد متكاملة فيما بينها تمد الإنسان بالقوة والدافعية، من أجل تحويل ما يشعر به من قلق وضغط وتوتر إلى أمور جيدة وأكثر إيجابية، وهذه الأبعاد هي:

1. الالتزام:

الالتزام هو نوع من التعاقد النفسي يقوم الفرد بموجبه بالالتزام تجاه نفسه وأهدافه وقيمه، فهو ينطوي على معرفة الفرد ذاته التي من خلالها يستطيع تحديد ما يريد من أهداف، كما يعني الالتزام تعامُل الفرد بشكل إيجابي مع الأحداث الضاغطة التي تعترض طريقه ورؤية كل موقف ضاغط على أنَّه موقف له أهداف وذو معنى ويحقق فائدة ما، فالفرد الملتزم يحقق الاندماج مع الأحداث والناس والمجتمع عامة، والعزلة بالنسبة إليه إضاعة للوقت، فهو يحاول أن يبتعد عن كل شيء سلبي مهما كان.

يضم الالتزام:

1. الالتزام تجاه الذات:

يعني اتجاه الفرد نحو معرفة ذاته وتحديد أهدافه وقيمه واتجاهاته الإيجابية التي تجعل منه شخصاً مميزاً عن غيره من الناس.

2. الالتزام تجاه العمل:

يعني اهتمام الفرد بالعمل وقيمه واعتقاده بأهمية العمل وضرورة ممارسته والقيام به على أفضل شكل.

3. الالتزام القانوني:

يتمثل في تقبُّل الفرد للقوانين السائدة في مجتمعه وعدم قيامه بأي عمل يخالف القانون.

4. الالتزام الديني:

يعني التزام الفرد بالمعتقدات الدينية السائدة في مجتمعه.

5. الالتزام الأخلاقي:

بحسب ما وجد علماء النفس فإنَّ الالتزام الأخلاقي هو اعتقاد الفرد بضرورة الاستمرار في علاقته الشخصية والاجتماعية.

إقرأ أيضاً: مكارم الأخلاق في القرآن الكريم

2. التحكيم:

يعني التحكيم اعتقاد الفرد بقدرته على التحكم وضبط وإدارة ما يجري من أحداث وتحمله مسؤوليته الشخصية عن كل ما يقوم به، فالتحكم يعني إحساس الفرد بدوره وفاعليته وتأثيره في مجريات الأمور بدلاً من أن يكون إنساناً سلبياً وعاجزاً ومستسلماً لما يدور حوله.

التحكم في مضمونه يجعل من الفرد قادراً على توقع ما سوف يأتي إليه من أحداث ضاغطة، ورؤيتها على أنَّها أحداث يمكن التحكم بها، وأنَّه إنسان قادر على تحمُّل المسؤولية تجاه ما يجري في حياته من أحداث.

يتضمن التحكم أربع صور أساسية هي:

1. القدرة على اتخاذ القرارات والاختيار من بين بدائل عدة:

تتوقف القدرة على اتخاذ القرار على طبيعة الموقف وظروفه، فإما أن يقوم بإنهائه أو تجنبه في المرات القادمة أو محاولة التعايش والتكيف معه، وتلك الأشياء تمثل بدائل يختار منها الفرد ما يناسبه.

2. استخدام المعارف والمعلومات الفكرية من أجل التحكم في الأحداث الضاغطة:

يقلل استخدام المعرفة من الآثار السلبية للأحداث الضاغطة مثل استخدام التفكير في الموقف، وإدراك جوانبه الإيجابية، والعمل على التفسير وفقاً للمنطق، والتركيز على تفاصيل الحديث مثل أسباب حدوثه والوقت الذي حدث فيه والوقت المتوقع لحدوثه وما ينتج عنه من عواقب، فكل ذلك يساعد الفرد على الاستعداد لتناوله والتقليل من القلق الذي صاحب حدوثه.

3. التحكم السلوكي:

الذي يقتضي القدرة على التعامل مع الموقف بشكل علني.

4. التحكم الاسترجاعي:

الذي يرتبط بخبرات الفرد السابقة عن الموقف وطبيعته، فقيام الفرد باسترجاع ما مر به من خبرات تتعلق بالموقف يساعده على بناء موقف جديد واضح ودقيق، وكلما استطاع استرجاع خبرات أكثر أصبح الموقف أسهل ويمكن تناوله والتحكم به وضبطه.

3. التحدي:

التحدي يمثل اعتقاد الفرد بأنَّ التغيير أمر ضروري من أجل تطوره وارتقائه ونموه، ولا يمثل تهديداً لنفسه وأمنها، فالتغيير يساعده على استكشاف البيئة الموجود فيها ومواجهة كافة الأحداث الضاغطة والتكيف مع المواقف الجديدة بكل ما تحتويه من أشياء سارة أو أشياء محزنة، فالتحدي يمنح الفرد الإحساس بالتفاؤل عند استقبال مواقف جديدة، وذلك يمنحه الفرصة للتعلم باستمرار من تجاربه.

إقرأ أيضاً: كيف تتجاوز تحدّيات الحياة بنجاح وتعيش حياتك بسعادة وسلام

دور الصلابة النفسية في مواجهة الضغوطات النفسية:

الصلابة النفسية مركب رئيس من مركبات الشخصية الإنسانية التي تؤدي دوراً هاماً في حياته، فهي:

  1. تجعل من الإنسان شخصاً أكثر مرونة وأكثر تفاؤلاً واستعداداً لمواجهة مشكلاته.
  2. تمثِّل الصلابة النفسية عامل حماية من الأمراض الجسدية والاضطرابات النفسية المختلفة.
  3. تعدِّل الصلابة النفسية من إدراك الأحداث وتجعلها تبدو أخف وأقل وطأة على الإنسان.
  4. تنقل الإنسان من حال إلى حال آخر أفضل.
  5. تؤثِّر الصلابة النفسية تأثيراً إيجابياً في أسلوب مواجهة الأحداث الضاغطة.
  6. تؤثِّر الصلابة النفسية في روتين الإنسان الذي يتبعه وتجعله أكثر انحيازاً لممارسة العادات الصحية، مثل ممارسة التمرينات الرياضية واتباع نظام غذائي صحي ومتوازن وغير ذلك.
  7. الصلابة النفسية تدفع الفرد للنظر إلى الأحداث الماضية في حياته بطريقة إيجابية.
  8. الأشخاص الذين يتمتعون بالصلابة النفسية هم أكثر مقاومة للأمراض الناجمة عن الضغط.
  9. الأشخاص الذين يتمتعون بالصلابة النفسية يمتلكون كفاءة ذاتية وقدرات إدراكية بحيث يصدرون استجابات أكثر تكيفاً للأحداث الضاغطة.

شاهد بالفيديو: 7 مؤشرات تدلّ على أنّك تحت ضغط نفسي شديد

في الختام:

نتج عن تفاعل الإنسان مع البيئة التي يعيش فيها ضغوطات كثيرة؛ إذ يعتمد الفرد في مواجهة تلك الضغوطات على المصادر التي يملكها والمتمثلة في المهارات والقدرات المستخدمة في إدارة الحياة، فإذا نجح الإنسان في مواجهتها تم تصنيفها على أنَّها تحدٍّ وليس تهديداً، وخلاف ذلك صحيح، والصلابة النفسية تعني النظرة الموضوعية والمنطقية في مواجهة التحديات ومشكلات الحياة الضاغطة، كما تعني تحمل المسؤولية الاجتماعية والمسؤولية الشخصية والتحكم في ظروف البيئة التي يعيش فيها الإنسان مع السعي باستمرار نحو التجديد والتغيير، فالصلابة النفسية تولِّد مشاعر القوة والشجاعة، وتوفر فرص النمو السليم، وبهذه الطريقة تكون الاستمرارية.




مقالات مرتبطة