الصداقة بين الوظيفة النفسية والاجتماعية

الصداقة هي أجمل علاقةٍ في هذا الكون، وتُعَدُّ أهم قيمةٍ اجتماعيةٍ ونفسيةٍ؛ وذلك لأنَّها تتيح بناء الروابط الاجتماعية السليمة مع الآخرين، وتجعل الشخص قادراً على إثبات مكانته داخل المجتمع المنتمي إليه؛ فهذا يحقق له النجاح والسعادة والاستقرار الاجتماعي في حياته العامة والخاصة.



مفهوم الصداقة لغة واصطلاحاً:

تُعرَّف الصداقة لغةً: مصدرٌ للفعل صَدَقَ، وتعني خلاف الكذب، فالصديق من يكون صادقاً مع صديقه ومصدقاً له بقلبه ولسانه، بلا مصلحةٍ أو غايةٍ، ويكون دائم الامتلاء بالحب وحسن النية تجاهه.

وتُعرَّف الصداقة اصطلاحاً: رابطٌ يتكوَّن بين شخصين أو مجموعةٍ من الأشخاص تملؤهم المودة والحب. يتبادل الأصدقاء بينهم النصيحة والمساعدة ويتشاركون همومهم وأعباءهم ومشكلاتهم. وهي علاقةٌ اجتماعية مجردةٌ من التكلف والمصلحة والرسميات، تمتاز بالاستمرارية والمشاركة.

أهمية الصداقة:

  • ارتفاع مستوى السعادة عند الشخص: أثبتت التجارب العلمية أنَّ وجود صديقٍ على الأقل في حياة الشخص يعزز شعور السعادة عنده؛ وذلك ناتجٌ عن الدعم الذي يقدمه الصديق لصديقه نفسياً واجتماعياً والوقوف بجانبه في الأوقات الصعبة.
  • تعزيز مهارات التواصل والقيم الأخلاقية: أثبتت الصداقة قدرتها على تقوية العلاقات الاجتماعية وجعل الشخص منفتحاً وقادراً على التواصل بثقةٍ ضمن مجتمعه، كذلك تعزز الأخلاق الحميدة وتجعله يرى الخير في كل الناس ويمد يد العون إلى الجميع.
  • زيادة العمر المتوقع نتيجةً للحالة النفسية المستقرة والسعيدة والطبيعة البشرية الميالة للمشاركة الاجتماعية.
  • تعزيز الصحة النفسية والجسدية: أثبتت الدراسات أنَّ وجود صديقٍ واحدٍ على الأقل وفيٍ ومخلصٍ يقوي الصحة النفسية، ويخفف القلق ونسبة الإصابة بالاكتئاب الذي ينجم عن شعور الوحدة والكبت، ويحمي من أمراض القلب والشرايين.
  • تنمية التعاون في المجتمع: إنَّ المجتمع السليم المتآخي والمتعاون فيما بينه على حل المشكلات وتجاوز الصعاب معاً، هو مجتمعٌ سليمٌ يسوده الترابط والسعادة.

أشكال الصداقة:

للصداقة في هذا الزمن أوجهٌ وأنواعٌ عدة، وتقسم إلى:

  • الصداقة القائمة على الحب: هي الصداقة المبنية على الإخلاص والمحبة بين الصديقين؛ إذ يكرِّس كل واحدٍ منهما ما لديه تجاه الآخر بلا غايةٍ أو مصلحةٍ.
  • الصداقة القائمة على العمل: المعروفة بزمالة العمل، وهي علاقةٌ تنشأ بين الزملاء داخل مؤسسة العمل فقط ولا تستمر خارجها.
  • الصداقة القائمة على تحقيق هدفٍ معينٍ: تنشأ من أجل هدفٍ معينٍ، مثل مشروع التخرج مثلاً، وتنتهي بتحقيقه.
  • الصداقة القائمة على المصلحة: تُعَدُّ من أسوأ أنواع الصداقة؛ وذلك لأنَّ بعض الأشخاص يستغلون أصدقاءهم ويخدعونهم لدوافع معينة، وعند انتهاء مصلحتهم يتخلون عنهم.
  • الصداقة القائمة على توافق الرأي: هي الصداقة التي تنشأ نتيجة توافقٍ في الآراء تجاه فكرةٍ أو قضيةٍ معينةٍ تُناقَش.

خصائص الصداقة:

علاقة الصداقة تقوم على مشاعرٍ وأفعالٍ تُتبادَل بين شخصين أو مجموعة من الأشخاص، وتتميز بمجموعةٍ من الخصائص تجعلها تحقق التكامل بين بعضهم بعضاً، ومن هذه الخصائص:

  • الحوار والمناقشة: تختلف الصداقة كثيراً عن العلاقات الاجتماعية الأخرى؛ وذلك لأنَّ الأصدقاء يتحدثون ويناقشون موضوعات حياتهم الخاصة والعامة كلها مع بعضهم بلا قيودٍ، وهذا يحقق لهم الإفادة ومساعدة بعضهم بعضاً. على خلاف العلاقات الاجتماعية السطحية التي تختص موضوعاتها في شيءٍ محددٍ أو نشاطٍ معينٍ، وتنتهي بانتهائه.
  • الاعتماد على بعضهم بعضاً: يؤثر كل شخصٍ في صديقه، سواء في معتقداته أم مشاعره أم تصرفاته، ويعتمد كل طرفٍ على الآخر ويساعد ويدعم بعضهم بعضاً في جميع المواقف الحياتية؛ وهذا يؤثر إيجابياً في صحتهم النفسية.
  • تبادل المنفعة: يتبادل الأصدقاء بين بعضهم المساعدات والدعم سواء المادي أم المعنوي، كأن يساعد الصديق صديقه في تنفيذ عملٍ أو تقديم العون المادي له، أو الوقوف بجانبه ودعمه نفسياً عند المشكلات والظروف القاهرة التي تطرأ عليه. مع الوضع في الحسبان أنَّ تقديم هذه المساعدات لا يكون على حساب مساعدةٍ أخرى أو ثمنٍ معينٍ؛ بل عن رضى ووفاءٍ وإخلاصٍ؛ وذلك لأنَّ الصداقة المبنية على المصالح هشةٌ ومُعرَّضةٌ للانهيار عند تعارض مصالحهم والاختلاف عليها.
  • الاستقرار والاستمرارية: تنتج هذه الخاصية عن اجتماع الخواص السابقة؛ وذلك لأنَّها تعبِّر عن مقدار قوة الصداقة بين الأشخاص، وقدرتهم على مساعدة بعضهم وتحقيق أهدافهم وهم متكاتفون دون انتظار مقابلٍ من بعضهم، ودون مطامعٍ شخصيةٍ تخلخل هذه الرابطة. معظمنا يمتلك صديقاً على الأقل منذ الطفولة ومستمرون معاً إلى الآن، وهذا يعزو إلى صدق التعامل والمحبة غير المشروطة والاستقرار المبني على أسسٍ قويةٍ وسليمةٍ. وفي المقابل هناك العديد من الصداقات التي انتهت بسبب مواقف معينةٍ كانتهاء المصلحة، والاستغلال والخيانة وانعدام الصدق في العلاقة وكثير من الأسباب الأخرى.
  • التفهم: يتفهم ويستوعب الأصدقاء مشاعر وتصرفات بعضهم دون الحاجة إلى الشرح والتبرير.
إقرأ أيضاً: 4 أمور تجعلك تعرف ماهي الصّداقة

ميزات الصداقة:

تتميز الصداقة بما يأتي:

  • الصداقة علاقةٌ تجمع بين شخصين أو أكثر؛ أي إنَّها سلسلةٌ من الفعاليات التشاركية التي تحدث بين شخصين أو أكثر يعرفون بعضهم بعضاً معرفةً قويةً.
  • الصداقة علاقةٌ اختياريةٌ لا إجباريةً، طوعيةٌ يختار فردان أو أكثر بناءها مع بعضهم.
  • تتميز الصداقة بالمساواة؛ إذ إنَّ لكل طرفٍ من هذه العلاقة نسبةٌ متساويةٌ من السلطة والقوة.
  • تمتاز علاقة الصداقة بالتشاركية والقيام بالنشاطات والأهداف معاً.

وظائف الصداقة النفسية والاجتماعية:

1. الوظيفة النفسية للصداقة:

أثبتت الدراسات النفسية معظمها التي درست الصداقة أنَّ للأصدقاء دوراً كبيراً جداً في تخفيف التوتر والقلق لدى بعضهم؛ وذلك بسبب الدعم الذي يتلقونه من بعضهم والمشاعر الإيجابية التي يبرزونها لبعضهم، وكذلك الاحترام المتبادل بين الأصدقاء وتشابههم بالأفكار والسلوك؛ كل هذه الخصائص توفر نوعاً من الاستقرار والارتياح النفسي عندهم.

كذلك يُعَدُّ الإخراج المكنونات الداخلية والإفصاح عن الذات من أهم وظائف الصداقة النفسية لما لها من فوائد إيجابيةٍ على الصحة تتمثل في عدم كبت المشاعر والتخلص منها أمام الصديق؛ هذا لأنَّ الناس ميالون إلى التعبير عما يجول في خلدهم والإفصاح عما يزعجهم أمام الأشخاص الذين يثقون بهم ثقةً لا تشوبها شائبةٌ، هؤلاء الأشخاص المعروفين بدعمهم لأصدقائهم وبعدم إطلاقهم للأحكام والوقوف بجانبهم دون أي مقابلٍ.

2. الوظيفة الاجتماعية للصداقة:

تقوم الصداقة بصقل المهارات الاجتماعية والشخصية التي تسهم مساهمة كبرى في رقي الأدوار الأخلاقية المجتمعية.

يبدأ الطفل من سن الثانية باتخاذ صديقٍ واحدٍ على الأقل يفضله عن الآخرين، تراهم منسجمين ومتشاركين في الأفكار والتصرفات. وتُصقَل هذه العلاقة وتتعمق مع مضي الوقت، حتى تصبح من أقوى العلاقات المبنية على الثقة المتبادلة والتشاركية والإفصاح عن المشاعر وتقاسم الأفراح والأحزان؛ وهذا يساعد على إدراك النفس مقارنةً بالأشخاص المنعزلين وذلك من خلال معرفة المعايير السلوكية الاجتماعية المتوافقة مع كل موقفٍ يتعرض له الشخص.

في بعض الأحيان تضعف ثقة الشخص بنفسه وينخفض تقديره لذاته نتيجة تعرُّضه لموقفٍ صعبٍ أو بقائه وحيداً، ويصبح راغباً في الاعتماد على شخصٍ أو أكثر لإعادة ثقته وتقديره لنفسه؛ لذا يحاول تكوين صداقات، لإثبات ذاته شخصياً واجتماعياً.

الإنسان كائنٌ اجتماعيٌ بطبعه، مهما كان منعزلاً أو حاول الانعزال سيؤثر ذلك سلباً فيه، وسينفجر ويتمنَّى تكوين علاقاتٍ اجتماعيةٍ، إلا إذا وُجدت مشكلةٌ تمنع تفاعله وتسبب عزلته.

ولذلك تعد الصداقة من أهم الدوافع الرئيسة التي تحتاج إليها النفس والذهن البشري؛ إذ تنشئ وتقوي الوظائف النفسية الاجتماعية لدى الأطفال والمراهقين والبالغين؛ وذلك لأنَّها تعمل بوصفها سبيلاً لكسب الدعم والإيجابية وإعطاء الفرصة للتعبير عن النفس ومكنوناتها.

الصداقة في الإسلام:

للصداقة في الإسلام مكانةٌ كبيرةٌ، فقد حثَّ النبي الشريف على الالتزام بها وبأخلاقها السامية، وذُكرت صور الصداقة في حديثه وفي القرآن الكريم. وفيما يأتي بعض الأمثلة المأخوذة منهم:

  • قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُصاحبْ إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامكَ إلا تَقِياً".
  • وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّما مثلُ الجليسِ الصَّالحِ والجليسِ السُّوءِ، كحاملِ المِسكِ ونافخِ الكيرِ. فحاملُ المسكِ، إمَّا أن يُحذِيَك، وإمَّا أن تَبتاعَ منه، وإمَّا أن تجِدَ منه ريحاً طيِّبةً. ونافخُ الكيرِ، إمَّا أن يحرِقَ ثيابَك، وإمَّا أن تجِدَ ريحاً خبيثةً".
  • قال تعالى على لسان الكافرين: (يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً). [سورة: الفرقان. الآية: 28].
  • قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرءُ على دينِ خليلِهِ، فلينظُر أحدُكُم مَن يخالِلُ".
  • قال تعالى: (الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ). [سورة: الزخرف. الآية: 67].

وغيرها الكثير من الشواهد المذكورة في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة التي أكدت أنَّ الصداقة الصالحة سبيلٌ لوصول الإنسان إلى الجنة؛ لذا يجب على المسلم أن يبحث عن الصديق الوفي والصالح الذي يكون له عوناً ونفعاً في الحياة والآخرة.

شاهد بالفديو: صفات الصديق الحقيقي

في الختام:

يجب علينا التنويه على الرغم من الفوائد والإيجابيات التي تعود على الفرد من علاقة الصداقة، إلا أنَّ هناك آثاراً سلبيةً في بعض أنواع الصداقات المتمثلة بأشباه الأصدقاء الذين يستغلون الآخرين لمنافعهم الشخصية، والأشخاص الاتكاليون الذين يرخون أعباءهم على غيرهم، والذين ينشرون طاقتهم السلبية ويسممون أجواء العلاقة بمشاعرهم السلبية، والأشخاص ذوي السلوكات السيئة كالمدمنين والسارقين ذوي المثل الأخلاقية المتدنية.

كل أولئك وغيرهم يشكلون سمات أصدقاء السوء ويجب الابتعاد عنهم وإنهاء العلاقة بهم؛ وذلك لأنَّهم يخلُّون بتوازن المجتمع ويشكلون ضرراً على نفسية الفرد؛ لذا يجب اختيار الأصدقاء ذوي الأخلاق العالية، المخلصين والأوفياء، والإيجابيين ذوي السمعة الحسنة، اللذين يساعدون ويرفعون من قيمة بعضهم بعضاً ويرتقون بأنفسهم ومجتمعاتهم، وكما قال الإمام الشافعي: "سلامٌ على الدنيا إذا لم يكن بها صديقٌ صدوقٌ صادق الوعد منصفاً".

 

 

 

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة