الشخصية المزيفة "المصطنعة": صفاتها وطرق التعامل معها

يتصرَّف بعض الناس بشكل مختلف تماماً عن طبيعتهم، يتصنَّعون كلامهم وسلوكاتهم وحركاتهم، ونستطيع القول إنَّ هؤلاء هم أصحاب الشخصية المزيفة المصطنعة.



ما هي صفات هذه الشخصية؟ وما هي طرائق التعامل مع أصحابها؟ هذا ما سنتعرَّف إليه في هذا المقال.

ما هي الشخصية المصطنعة؟

قد يعتقد أحدٌ ما أنَّه عندما يكون شخصاً آخر غير نفسه سيحبُّه الناس أكثر أو سينجح أكثر، وبناءً على هذا الاعتقاد تجده يبحث عن شخصية ما قد تكون ناجحة بنظره ليقلِّدها ويتقمَّص تصرفاتها؛ وذلك ظنَّاً منه أنَّه بهذه الطريقة سيحقق النجاح الذي حققته والإعجاب الذي نالته، لكن في الحقيقة وفي أغلب الأحيان تجده بخلاف ذلك تماماً قد أصبح شخصاً مكروهاً يتجنَّب الآخرون التعامل معه، ويوجد اختلاف واضح بين شخصيَّة هذا الشخص عندما يكون وحده وبين شخصيته عندما يكون مع غيره.

صاحب هذه الشخصية في الواقع خسر نظرته الصحيحة لنفسه، وأخذ يبحث عن مكانة له في المجتمع مُعتقداً أنَّ هذه المكانة لن يحصل عليها دون الكذب والزور والخداع، وتكون غايته إرضاء الآخرين قبل إرضاء نفسه، ويأخذ قيمته من آراء غيره، وإذا ما بحثنا في الجذور النفسية لهذه المشكلة، ستجدنا كما في أغلب المشكلات وصلنا إلى مرحلة الطفولة؛ إذ يُثقل الأهل كاهلَ الأطفال بقائمة طويلة من الشروط لاكتساب محبتهم، فتراهم يركضون لتحقيق هذه الشروط ولتكوين الصورة التي يراها الوالدان مثالية، فكم مرَّة استغربنا من تصرفات الأطفال والمراهقين بعيداً عن أهاليهم، وكأنَّهم شخصيَّات أخرى تماماً.

لا يمكننا القول أبداً إنَّ شخصاً يمتلك الشخصية المصطنعة هو شخص سوي نفسيَّاً؛ وذلك لأنَّ من يبحث طوال الوقت عن آخر ليقلِّده ويتبنَّى شخصيته ليحصل على قبول اجتماعي هو شخص هش نفسياً وقليل الثقة بنفسه، ولديه مشكلات حقيقية في تقدير ذاته، أو قد يكون شخصاً يبحث عن المثالية الزائدة، أو يركض وراء الأضواء وحب التميُّز والاختلاف.

من مظاهر التصنُّع المنتشرة في مجتمعاتنا بشكل كبير، تظاهر شخص ما مثلاً أنَّه ينتمي إلى أسرة غنية فتجده يستخدم لهجة مختلفة عن لهجته الحقيقية ويستخدم كلمات ومصطلحات لا يستخدمها في العادة، وبعضهم يتصنَّعون في طريقة المشي أو يظهرون ركازة غير موجودة لديهم في الحقيقة، وبعضهم يصل بهم الزيف والخداع إلى العبادات؛ فتراهم يُظهرون أمام الناس أنَّهم ملتزمون بالعبادات وهم في الواقع غير ذلك.

صفات الشخصية المزيفة:

1. الغرور:

الشخص المتصنِّع وعلى الرغم من ضعف شخصيته وقلَّة ثقته بغيره وإحساسه الداخلي بأنَّه أقل شأناً من غيره، تراه مليئاً بالغرور وكثير الكلام؛ وذلك محاولة منه لإقناع غيره بأنَّه أكثر علماً ودرايةً ومعرفةً منهم، وليجعلهم يعتقدون أنَّ ما يُظهره هو حقيقي، وأنَّ تصرفاته وسلوكاته ليست نسخة عن غيره، والمضحك في الأمر أنَّ صاحب الشخصية المزيفة أو المتصنِّعة ونظراً لكثرة تكراره لتصرفاته يصدِّق نفسه ويقتنع بأنَّ هذه تصرفاته.

2. انتقاد الآخرين:

ينتقد صاحب الشخصية المزيفة الآخرين بشكل واضح؛ وهذا يُشعرهم بالإحباط وخاصة الأشخاص الذين يكونون ناجحين، وما يدفعه إلى هذا هو أن يظهر بمظهر الشخص العارف والعالم وخاصَّة أنَّه يوجِّه انتقادات لاذعة لأشخاص لا يُنتقدون بالعادة، وهدف الشخص المتصنِّع من هذه التصرفات هو نقل الضوء إليه دون أن يحسب أي حساب لمشاعر من ينتقدهم.

شاهد بالفديو: كيف تواجه الانتقادات السلبية؟

3. قلَّة الاحترام:

صاحب الشخصية المصطنعة لا يتعامل مع الناس جميعاً بنفس الطريقة، فهو يفرِّق بين شخص وآخر حسب مستواه الفكري أو مكانته الاجتماعية أو وضعه المادي، وتراه يتقرَّب إلى أصحاب النفوذ والسلطة ليستفيد منهم، في حين أنَّه يبتعد عن الشخص الفقير والضعيف الذي يعرف أنَّ لا فائدة مرجوَّة منه.

4. محاولة تغيير الناس:

يسعى صاحب الشخصية المزيفة إلى تغيير أفكار الناس، كما يتدخَّل في معتقداتهم وطريقة تفكيرهم ليجعلهم أكثر تلاؤماً معه ومع أفكاره، فهو يريدهم مثله دون أدنى احترام لما يحبونه أو يفكرون فيه.

5. إرضاء الآخرين:

يقوم بالأعمال التي يضمن من خلالها أن يكون محطَّ إعجاب الآخرين، فهو لا يهتم بما يحب أو يريد؛ وإنَّما هو يبحث فقط عمَّا يرضي الناس من حوله، وهذا بالطبع ما سيكون له آثار سلبية كبيرة فيه وفي حياته مستقبلاً، ففي لحظة ما سيصحو ليجد أنَّ كل ما قام به غير حقيقي ومزيَّف.

6. كثرة الكلام عن الأحلام:

يتحدَّث عن طموحاته وما يتمنَّى القيام به دون بذل أي جهد ودون القيام بأي عمل لتحقيقه، هو يتكلَّم فقط ولا يسعى إلى أي تطوير أو تقدُّم، وكل ما يسعى إليه هو رصيد كبير من الكلام عن الأحلام ليتحدَّث به أمام الناس.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح مهمة لتحقيق الأحلام والطموحات

7. إخفاء المشاعر الحقيقية:

لا يُظهر صاحب الشخصية المزيفة مشاعره الحقيقية، فلا مشكلة لديه بالكذب والنفاق، فتراه يتملَّق أحدهم وعند غيابه يتكلَّم عنه بالسوء واصفاً إيَّاه بأقبح الصفات، ويعرف جيداً كيف يتعامل مع مشاعره ويتحكَّم بها، ويظهر العدوانية دائماً ليبدو قويَّ الشخصية، وما يحسه غير هام؛ الهام فقط الوصول إلى غايته ولو كان بالزيف والكذب.

طرائق التعامل مع صاحب الشخصية المزيفة:

يشير بعض الاختصاصيين النفسيين إلى أنَّ الشخص المتصنِّع قد لا يشعر بأنَّه كذلك، حتى أنَّه يتفاجأ إذا ما أخبره أحد بذلك، والجدير بالذكر أنَّ مواقع التواصل الاجتماعي قد أفسحت المجال اليوم وبشكل كبير لهذه الشخصيَّات للظهور والتأثير، فهو عالم افتراضي قائم بحد ذاته على الصور والتعليقات وغيرها.

يوصي الاختصاصيون النفسيون بمجموعة من النصائح حتى نتمكَّن من التعامل مع صاحب الشخصية المصطنعة بشكل صحيح ومنها:

1. تجاهله:

لا تقدِّم أي اهتمام لصاحب الشخصية المزيفة، ولا تناقشه، ولا تحاول إقناعه بأي شيء؛ إذ إنَّ صاحب هذه الشخصية يتغذى على الاهتمام فكلَّما وجد اهتماماً تجده يميل إلى المبالغة إمَّا لجذب الانتباه أو لإخفاء التهمة عن نفسه أو ليشعر بأهميته؛ لذلك التجاهل خير وسيلة للتعامل معه.

2. لا تجادله:

مجادلته ستجعله يشعر تجاهك بالكره وستزداد عدوانيته معك؛ لذلك لا تحاول فتح أي نقاش بخصوص أقواله وأفعاله وسلوكاته، فكما ذكرنا آنفاً هذه النقاشات تقدِّم نوعاً من التغذية له.

3. نبِّه الناس:

تستطيع تنبيه وتحذير المقربين منك من صاحب الشخصية المصطنعة، وبهذه الطريقة يقل التعامل معه؛ وهذا قد يساعده على معرفة مشكلته وسعيه إلى حلِّها.

4. لا تتملَّق:

قد يقوم بعض الناس بتملُّق هؤلاء الأشخاص تجنباً لانتقاداتهم، لكن في الحقيقة هذا يزيد المشكلة ويعمِّقها أكثر؛ لذلك ابتعد كليَّاً عن مدحهم أو مجاملتهم، ويجب أن يمتدَّ الموضوع ليصل إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فحتى في تلك المواقع لا يجب أن تساهم في انتشار هذه الظاهرة غير الصحيَّة في المجتمع.

5. انصحه:

إذا كان صاحب الشخصية المصطنعة من أحد المقربين إليك، يمكنك أن تحاول دعمه وتطلب منه مراجعة اختصاصي نفسي ليساعده على تخطي مشكلته.

نصائح لعلاج الشخصية المزيفة:

يولِّد التصنُّع كما ذكرنا آنفاً الكثير من النفور والكره من قبل الآخرين، فالكثيرون من الناس يتجنَّبون صاحب الشخصية المتصنعة ويبتعدون عن التعامل معه؛ لذلك فإنَّ البحث عن حل لهذه المشكلة وعن العلاج بات أمراً هامَّاً لمن يعاني منها.

فيما يأتي سنقدِّم بعض النصائح التي قد تفتح باباً لعلاج هذه المشكلة:

1. إدراك أن لديه مشكلة تتوجب الحل:

على صاحب الشخصية المصطنعة أو المزيفة أولاً وقبل التفكير في العلاج أن يدرك أنَّ لديه مشكلة وعليه معالجتها، ثم يتَّخذ بعدها القرار للبدء بالعلاج، كما يجب أن تكون لديه إرادة قوية للاستمرار في عملية تغيير نفسه؛ وذلك حتى يتمكن في النهاية من التخلُّص نهائياً من هذه الشخصيَّة، وحقيقةً هذا الأمر لا يتم بسهولة بل يحتاج إلى تدريب مستمر.

2. الاقتناع بتميز شخصيته:

يجب أولاً على الإنسان أن يحاول البحث عن جماله الخاص، والاقتناع بأنَّ في كل شخصيَّة ما يميِّزها عن غيرها ويجعلها فريدة ومختلفة؛ إذ إنَّ محاولة الإنسان ارتداء شخصية شخص آخر لتحسين صورته محاولة فاشلة، ولن تظهره أبداً بالجمال الذي يبحث عنه، ولن تجعل منه شخصاً محبوباً؛ بل عل العكس تماماً ستُنفِّر الآخرين وتبعدهم عنه.

شاهد بالفديو: كيف تبني تقدير الذات؟

5 تصرفات خاطئة تبعد الناس عنك

3. تعزيز ثقة الشخص بنفسه:

وهذه الخطوة يجب أن تبدأ من الطفولة؛ إذ يجب التركيز في تربية الأطفال على تقديم الحب غير المشروط لهم، وعدم جعلهم يلهثون وراء صفات وسلوكات أشخاص آخرين لينالوا حبَّ أهاليهم ورضاهم؛ إذ ليس على الطفل أن يكون شخصاً آخر ليكسب حبَّ والديه.

يجب أيضاً الامتناع عن مقارنة الأطفال بغيرهم والتركيز في صفاتهم الجميلة وإبداعاتهم بدلاً من التركيز في نقاط ضعفهم، وهكذا يكبر الطفل وهو يحاول تطوير نفسه بدلاً من محاولته تقليد غيره.

إقرأ أيضاً: 6 أسرار تمنحك الثقة بالنفس

4. القناعة:

أيضاً أمر هام جداً وعلى الشخص أن يربي نفسه على القناعة وعدم التفكير فيما يملكه غيره؛ إذ لا يجب النظر إلى من هم في مستوى اجتماعي أو مادي أعلى بعين الحسد، ولا يجب أيضاً محاولة تقليدهم والتصرُّف مثلهم؛ وذلك لأنَّ لها عواقب وخيمة وآثار سيِّئة يجب على كل شخص أن يأخذها في حسبانه.

في الختام:

إنَّ مشكلة الشخصيَّة المزيفة أو المصطنعة هي مشكلة منتشرة بشكل كبير داخل مجتمعاتنا، ويعود هذا إلى أسباب كثيرة قد تكون قلَّة الوعي وقلَّة الثقافة في مقدمتها، ولأنَّ لهذه المشكلة آثاراً سلبية كبيرة سواء في الشخص نفسه أم في المجتمع فإنَّ العمل على حلِّها والتخلُّص منها يُعَدُّ أمراً ضرورياً.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة