الشخصية الانطوائية: تعريفها، وصفاتها، وطرائق علاجها، والتعامل معها

يُوصَف بعض الأشخاص في المجتمع عادة بالانطوائية أو الانعزال عن الأشخاص الآخرين؛ ولكن، ما المقصود بالشخصية الانطوائية؟ وما صفاتها؟ وهل هناك علاج لها؟ وكيف يمكننا التعامل معها؟ سنقدم لكم كلَّ ذلك أعزاءنا القراء في السطور القليلة القادمة.



ما المقصود بالشخصية الانطوائية؟

الشخصية الانطوائية: شخصيةٌ تميل إلى التفكير العميق والاستنتاج والهدوء أكثر ممَّا تميل إلى الإفصاح عمَّا تشعر به داخلها، وتحاول قدر الإمكان ألَّا تكون مَحَطَّ اهتمام، وتبتعد دائماً عن الأضواء، ويكون لها درجات متفاوتة، وأنواع نذكر منها مثلاً:

  • الانطوائية في التفكير.
  • الانطوائية الاجتماعية.

يختلف مقدار الانطوائية من شخصيةٍ إلى أخرى، ويختلف مقدار الانطوائية أيضاً تبعاً للوقت والظروف التي يمرُّ بها الشخص، وتتفاوت الصفات التي تتصف بها كلُّ شخصية؛ إذ يمكن أن تقلَّ صفةٌ ما من صفات الانطوائية لدى إحداها، أو أن تزداد. 

صفات الشخصية الانطوائية:

1. تفضل العمل على انفراد:

تفضل الشخصية الانطوائية التأنّي وأخذ الوقت الكافي للتفكير جيداً قبل تنفيذ المهام، ويمكن أن يسبب لها هذا بعض المتاعب عند قيامها بعملٍ جماعيٍّ مع أشخاص آخرين؛ إذ عادة ما تكون إنتاجيتها ومعدل إنجازها أفضل ما يمكن عند قيامها بالأعمال بشكلٍ منفرد، سواء كان ذلك في العمل أم المنزل.

2. تفضل قضاء الوقت على انفراد:

يُعدُّ الوقت الذي تقضيه الشخصية الانطوائية لوحدها وقتاً هاماً جداً بالنسبة إليها على صعيد صحتها وسعادتها النفسية؛ فهي تبحث عن النشاطات المفيدة والمسلية لها، والتي تُشعِرها بالمتعة بشكلٍ أكبر بكثير من الوقت الذي تقضيه في المناسبات الاجتماعية أو مع الآخرين؛ إذ تستغل هذا الوقت بالقراءة، أو لعب الألعاب الالكترونية، أو الكتابة، أو مشاهدة الأفلام، أو الحرف اليدوية، وغيرها من النشاطات؛ كما ويمكن أن تقضي وقتها هذا بالاسترخاء فقط دون أن تقوم بأيِّ عملٍ أو نشاط.

3. تتميز بقدرتها على التفكير الإبداعي:

تميل الشخصية الانطوائية إلى استعمال أقصى خبرتها وقدرتها عند التفكير في حلّ المشكلات، ويمكن لها أن تقدم أفكاراً جريئة وإبداعية نتيجة طريقتها الفريدة في التفكير؛ فهي تعطي التفاصيل الدقيقة والصغيرة أهمية واعتباراً، الأمر الذي يمكِّنها من الحصول على نتائج وحلول ممتازة، خاصة عندما تكون وحيدة.

لا تفضل الشخصية الانطوائية عادةً المشاركة في إيجاد الحلول للمشكلات التي تحدث في الحياة الخاصة أو العمل؛ ولكن عندما تأخذ هذه الشخصية وقتها في التفكير بهدوء وروية، فإنَّها تقدم حلولاً إبداعية عظيمة.

إقرأ أيضاً: مفهوم الإبداع ومعوقات التفكير الإبداعي

4. تتميز بحسن الإصغاء:

تتصف الشخصية الانطوائية بأنَّها مصغية جيدة، ولذلك دورٌ كبيرٌ في معرفة وفهم طبيعة الأشخاص الآخرين المحيطين بها؛ حيث تستطيع من خلال ذلك اتخاذ أفضل طريقة للتعامل معهم؛ إذ يمنح الإصغاء الجيد هذه الشخصية القدرة على ترتيب أفكارها، والتحضير للحديث مع الآخرين بكلِّ ثقة.

5. تتميز بحاجتها إلى العزلة بعد التواصل مع الأشخاص الآخرين:

إنَّه لمن أهم مميزات الشخصية الانطوائية حاجتها إلى العزلة وقضاء بعض الوقت بمفردها، خاصةً بعد اضطرارها إلى قضاء الوقت مع الأشخاص الآخرين والتواصل معهم؛ فهي تشعر باستنزاف الطاقة والإنهاك عندما تكون مجبرةً على حضور مناسبات اجتماعية أو الالتقاء بالآخرين لفترات طويلة، وتحتاج بعد ذلك إلى قضاء بعض الوقت بمفردها؛ وذلك بهدف استعادتها الهدوء والتوازن الداخلي، ومراجعة الذات والتفكير.

يمكن تفسير ذلك بأنَّ الشخصية المنفتحة تستمد طاقتها وحيويتها من التفاعل مع الآخرين، في حين أنَّ الشخصية الانطوائية تستهلك كلَّ طاقتها وتستنفذها عند حضور المناسبات الاجتماعية والتفاعل مع الآخرين.

ليس بالضرورة أن تكون كلُّ الشخصيات الانطوائية ضعيفة اجتماعياً؛ فهناك بعض الشخصيات الانطوائية التي تستمتع كثيراً بقضاء الوقت مع الأصدقاء والأقارب ضمن دائرتها الصغيرة والمغلقة.

6. تتميز بالوعي الذاتي العالي:

تركز الشخصية الانطوائية على مشاعرها وأفكارها، وتقضي الكثير من وقتها في فهم وتحليل ردود أفعالها، وتراجع نفسها باستمرار، وتقيِّم تجاربها للاستفادة منها؛ ويعود ذلك إلى شعورها بالمتعة والفضول.

أيضاً، تعدُّ معرفة الذات أمراً ضرورياً للشخصية الانطوائية، وينطوي وعيها الذاتي على:

  • البحث.
  • إيجاد المواضيع التي تثير فضولها وتلفت انتباهها.
  • اكتشاف المهارات التي يمكن أن تتقنها.
  • معرفة هواياتها التي تفضلها.

حيث يجعلها كلُّ ذلك من أكثر الشخصيات التي تعرف نفسها جيداً.

إقرأ أيضاً: الوعي الذاتي: تعريفه، وأهميته، وطرق تعزيزه وتطويره

7. تتميز بالبساطة:

من الأمور التي تميز الشخصية الانطوائية أنَّها تقدر أبسط التفاصيل الدقيقة وتهتمّ بها.

هناك الكثير من الشخصيات الأخرى التي لا يمكن أن تُسعِدها وتُشعِرها بالرضا دون المفاجآت المستمرة وتقديم الهدايا الثمينة؛ ولكن، من السهل جعل الشخصية الانطوائية تشعر بالسعادة والرضا؛ ذلك لأنَّ الكثير من الأشياء البسيطة تجلب لها السعادة، مثل: قراءة كتاب أو رواية جميلة، أو البقاء في المنزل، أو الإصغاء إلى شخصٍ تحبه، أو قيامها بأيِّ نشاطٍ هادئٍ تفضله. 

8. تتميز بالاستقلالية:

تحاول الشخصية الانطوائية تحسين قدرتها في الاعتماد على نفسها دون الحاجة إلى الأشخاص الآخرين، وتعدُّ ذلك تحدياً لقدراتها ومهاراتها، وتعزيزاً لإحساسها بالاستقلالية والقدرة على تخطي عقبات الحياة ومصاعبها؛ فهي تميل إلى البحث عن حلول لمشكلاتها دون محاولة طلب المساعدة من أيِّ شخصٍ آخر، ويساعدها هذا الأمر على التفكير بطريقةٍ سليمةٍ لاتخاذ القرارات الصحيحة، ويزيد من خبراتها الحياتية وقدرتها على التخطيط لإنجاز الأعمال.

9. تحاول دائماً تجنُّب الازدحامات:

كثيراً ما تحاول الشخصية الانطوائية تجنُّب الأماكن المزدحمة قدر الإمكان، وتشعر بعدم الارتياح في الحديث مع الغرباء، أو من نظرات الآخرين إليها، أو من الحصول على الاهتمام من أحدهم؛ وعندما تضطر إلى ركوب المواصلات العامة، تلجأ إلى اللعب بالهاتف، أو وضع سماعات الأذن، أو قراءة الكتب. 

10. تفضل الكتابة على الحديث:

تميل الشخصية الانطوائية إلى الكتابة من أجل التعبير عن نفسها بدلاً من الحديث بشكلٍ مباشر مع الأشخاص الآخرين، حيث أنَّها تفضل كتابة رأيها على ورقة، أو إرسال اقتراحها بواسطة البريد الإلكتروني عند اتخاذ القرارات في العمل؛ حيث يتيح لها ذلك التفكير بعمق من خلال الحصول على الوقت الكافي لذلك، ويتيح لها فرصة الاختيار بحكمة وثقة، وأخذ الظروف المحيطة في عين الاعتبار.

إقرأ أيضاً: أنماط الشخصية الأربعة وطرق التعامل معها

كيف تتعامل مع الشخصية الانطوائية؟

 يجب عليك عند تعاملك مع الشخصية الانطوائية:

  1. أن تحرص على عدم مقاطعتها في أثناء تحدثها، حتى لو كان حديثها مختلفاً عن الحديث التي تريد إخبارها به.
  2. أن تأخذ في عين الاعتبار القاعدة التالية: "الذي يصنع كلَّ الفارق ليس ما تطلبه، وإنَّما الطريقة التي تطلبه بها"؛ لذا عند التحدث مع الشخصية الانطوائية، تأكد أنَّ ملامحك وحركاتك الجسدية تطلب الإجابة، وحاول أن تنظر إليها مطولاً.
  3. أن تكون حكيماً وذكياً، وأن تمنحها وقتاً كافياً دون محاولة استعجالها أو الضغط عليها.
  4. أن تأخذها خارج اللحظة الحالية، أي بمعنى أن تتحدث معها عن المستقبل؛ وأن تكون حذراً في انتقاء كلماتك وعباراتك في أثناء الحديث معها.
  5. أن تطرح الأسئلة التي تتسم بالنهايات المفتوحة، مع إظهار توقع الإجابة عنها؛ وتجنُّب الأسئلة التي تكون إجابتها مختصرة ومقتصِرة فقط على "نعم" أو "لا"؛ ويُنصَح بأن تبدأ الأسئلة بـ "متى، وأين، وكيف، ولماذا، ومَن"، فهذه الأسئلة من شأنها أن تفتح الكثير من الأحاديث.
  6. أن تلطف الجوّ بالمزاح؛ ذلك لأنَّ المزاح يساعد على تخفيف الانطوائية.
  7. في حال تمسكت بصمتها ولم ترغب بالكلام مطلقاً، حاول أن تتوقع الإجابة، واذكر عدة إجابات وأخبرها بها؛ فإذا كان من بينها إجابة صحيحة، فهي ستلتقطها وتكمل الحديث.
  8. أن تخبرها مشكلاتك، وتطلب منها المساعدة في إيجاد الحلول، وتشاركها مشاعرك.
  9. أن تطلب منها معلومات محددة حول أفكارها، مثل كيف تتصرف في هذا الأمر؟ وما الذي تعتقده؟ وما الذي تتمناه؟

كيف يمكن معالجة الشخصية الانطوائية؟

يمكن للشخصية الانطوائية أن تتخلص من صفاتها من خلال اتباعها بعض النصائح، منها:

1. التحلي بالتفاؤل:

يجب على الشخصية الانطوائية أن تتحلى بالتفاؤل وتحاول التفكير بإيجابية، الأمر الذي يساعدها على التخلص من السلبية التي تتصف بها.

2. خلق مساحتها الخاصة:

يمكن للشخصية الانطوائية التغلب على مشاعرها السلبية من خلال امتلاك مساحتها الخاصة، واللجوء إليها عندما تشعر أنَّها متعبة من التواصل مع الأشخاص الآخرين. 

3. ممارسة التأمل:

يساعد التأمل بشكلٍ كبيرٍ على الاسترخاء والتخلص من الإجهاد والطاقة السلبية التي يمكن أن تكتسبها الشخصية الانطوائية عند اتصالها مع الأشخاص الآخرين.

4. التعبير عن امتنانها:

يجب على الشخصية الانطوائية التعبير عن امتنانها للأشخاص الآخرين باستمرار؛ ذلك لأنَّ الآخرين يحبون عموماً من يُشعِرهم بالتقدير، الأمر الذي يجعلهم يعبرون أيضاً عن امتنانهم وتقديرهم للشخصية الانطوائية؛ ممَّا يساعدها في التغلب على صفتها الانعزالية.

5. كتابة المذكرات:

بما أنَّ الشخصية الانطوائية لا تحب التحدث إلى الأشخاص الآخرين، وتفضل الكتابة للتعبير عما يجول بداخلها؛ لذا فإنَّ كتابة المذكرات اليومية يساعدها في تخفيف التوتر، وتدريب ذاتها على الشعور والتفكير بإيجابية.

6. التركيز على الأفكار الإيجابية:

على الشخصية الانطوائية منع نفسها من التفكير السلبي، وتعزيز التفكير بإيجابية.

7. التعاطف مع ذاتها:

يجب على الشخصية الانطوائية أن تتعاطف مع ذاتها؛ ذلك لأنَّ الأشخاص يميلون عموماً إلى التعاطف مع الشخصيات الاجتماعية والودودة والمتفاعلة معهم.

8. الانفتاح:

إنَّ من الأمور التي تساعد الشخصية الانطوائية على التخلص من عزلتها: تشجيع نفسها على بناء الصداقات، وتطوير علاقاتها الاجتماعية مع الأشخاص الآخرين المحيطين بها.

 

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة