السويداء

إذا أردت أن تعرف الجمال الأصيل والتراث الغني، فتوجه إلى مدينة السويداء، لؤلؤة الجنوب السوري، في كل حجر من حجارة السويداء سوف تجد  تاريخ طويل وحضارة قديمة، يُصوِّر الشاعر حافظ إبراهيم سكانها فيقول "عافوا المذلة في الدنيا فعندهم عز الحياة وعز الموت سيان".



إذا كنت  تتساءل عن هذه المدينة التي تحمل جمالاً لا يُضاهى وفي تراثها عمقاً لا ينتهي وترغب في معرفة ما الذي يميز هذه المدينة الساحرة التي اعتبرها البعض "جنة الجنوب السوري"؟ إنضم إلينا في هذا المقال لتعرف الكثير من المعلومات عن مدينة السويداء السورية.

معلومات عن مدينة السويداء:

1. الموقع:

الموقع

تقع محافظة السويداء في جنوب الجمهورية العربية السورية، حيث تحظى بموقع استراتيجي متميز على بعد حوالي 128 كيلو متر جنوب العاصمة دمشق، يحدها من الشمال محافظة ريف دمشق  ومن الجنوب الأردن، ومن الشرق بادية الشام، ومن الغرب سهول حوران، محافظة السويداء تتربع على سلسلة جبال بركانية خامدة تسمى جبل العرب، ويصل ارتفاع أعلى القمم الجبلية فيها إلى أكثر من 1800 متر عن سطح البحر.

2. المساحة:

تُقدَّر مساحة محافظة السويداء بحوالي 5550 كيلومتر مربع، حيث تتميز بتنوعٍ جغرافي يمتد عبر مجموعة من المدن الرئيسية والعديد من البلدات والقرى والمزارع، تُعدُّ مدينة السويداء الرئيسية واحدة من أبرز المدن في المنطقة، وإلى جانبها تبرز مدينتا صلخد وشهبا كمراكز مهمة في هذه المحافظة الجبلية.

3. معنى "السويداء":

الاسم "السويداء" يحمل في طياته تاريخاً متشعباً يرتبط بمراحل مختلفة من تطور المنطقة، في العصور الآرامية واليونانية، عُرِفَت المنطقة باسم "سودآء"، وأخذت تسميات مختلفة في الفترات اللاحقة، حيث عُرِفَت في العصر الروماني باسم "ديونيسياس"، وكذلك باسم "مكسيميان".

خلال فترة الانتداب الفرنسي على سوريا، شهدت المنطقة تقسيماً طائفياً وسُمِّيت السويداء "دولة جبل الدروز"، وهو اسم لم يقبله سكان المنطقة الذين أصروا على تسميتها بـ "جبل العرب".

السويداء كما أوردها "معجم البلدان" للمؤرخ ياقوت الحموي، يُشير إلى أصل التسمية بأنها مرتبطة بالموقع الجغرافي للمنطقة، حيث تعتبر السويداء القلب الذي يتوسط الجبل ويمثل نقطة مركزية ونواة له.

4. المناخ:

تتميز محافظة السويداء بمناخ متوسطي داخلي جبلي "نصف الجاف"، ولكن ما يميز جبل العرب هو قدرته على تكثيف بخار الماء القادم من هواء فتحة الجولان بسبب ارتفاعه، مما ينتج عنه هطول كميات ملحوظة من الأمطار، تتفوق على ما يتساقط في المناطق الداخلية لشرق المتوسط والتي لها نفس البعد عن البحر الأبيض المتوسط.

ويتجلى التباين الموسمي في المحافظة بوضوح، حيث يكون الصيف معتدلاً ومشمساً، بينما يحمل الشتاء البرودة والهطول المطري الغزير، أما الربيع والخريف، غير واضحي المعالم في المحافظة.

معدلات الحرارة في الصيف تتراوح بين 30 و32 درجة مئوية، بينما تنخفض درجات الحرارة في الشتاء إلى حدود -7 درجات مئوية تحت الصفر، مما يجسِّد مدى التباين الواضح بين فصول السنة في هذه السويداء.

5. تاريخ السويداء:

تاريخ مدينة السويداء يرتبط بعمق بالحضارات القديمة، حيث شهدت زخماً حضارياً يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، استوطنتها العرب القدماء، بما في ذلك الكنعانيين والآراميين، وكانت جزءاً من مملكة دمشق الآرامية "أوبه" ومملكة "باشان" أيضاً خلال حكم الملك الكنعاني "عوج"، فيما بعد، احتلتها القبائل العربية كالأنباط، وتمكنوا من هزيمة اليونانيين السلوقيين في معركة "موتو" وهزموا ملكهم "أنطيوخوس الثالث عشر" عام 88 قبل الميلاد.

منذ القرن الأول قبل الميلاد، دخلت السويداء ضمن سلطة الإمبراطورية الرومانية في "ولاية سورية"، وفي القرن الثاني أصبحت جزءاً من الولاية العربية التي اعتبرت بصرى عاصمتها.

في العصر الحديث، تاريخ مدينة السويداء حافل بالبطولات حيث ساهمت في دحر القوات الفرنسية، فقد أُعلنت منها بداية الثورة السورية الكبرى، هناك، قاوم أبناء الجبل الاحتلال الفرنسي وحافظوا على وحدة سوريا، بقيادة سلطان باشا الأطرش، وشهدت المحافظة معارك هامة مثل معركة المزرعة ومعركة الكفر، التي شهدت خسارة فرنسا لجيوشها وساهمت في حماية دمشق ونجاح الثورة السورية.

6. عشائر السويداء:

أولاً: عدد سكان محافظة السويداء

عدد سكان محافظة السويداء

حسب أحدث الإحصائيات الصادرة عن الأمم المتحدة لعام 2023، يُقدّر عدد سكان محافظة السويداء وريفها بحوالي 946.779 نسمة، تعكس هذه الأرقام تركيبة سكانية متنوعة ونمواً مستمراً في المحافظة.

ثانياً: الدين في مدينة السويداء

السويداء تسكنها أغلبية درزية (طائفة الموحدين الدروز)، وهناك أيضاً أقلية من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، ومجتمع صغير من المسلمين القادمين من محافظة درعا بشكل رئيسي، فضلاً عن أجزاء أخرى من سوريا.

وفقاً لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في عام 2010، يشكل الموحدون الدروز حوالي 90% من سُكان محافظة السويداء، ويشكل المسيحيون حوالي 7% من السكان، وحوالي 3% من السنّة وهي المحافظة الوحيدة في سوريا ذات أغلبيَّة درزيَّة.

وبالنسبة للجمهورية العربية السورية يمثل الدروز المتواجدين في محافظة السويداء 3% من مواطني الجمهورية، حيث يوجد فيها أكثر من 50% من مجمل الموحدين الدروز المنتشرين في العالم والبالغ عددهم مليون ونصف.

ثالثاً: التوزع الجغرافي للسكان

يعيش نحو 34% من السكان في مدينة السويداء نفسها، في حين يتوزع 57% من السكان في المناطق الريفية المحيطة بها، تجتمع نحو 6% من السكان في مدينة شهبا، التي تمثل مركزاً ثانوياً للسكن، بينما يشكل سكان مدينة صلخد نحو 3% من السكان الإجماليين للمحافظة، هذا التوزيع الجغرافي يبرز التباين في توزيع السكان بين المدن والمناطق الريفية في السويداء.

رابعاً: العادات الاجتماعية في محافظة السويداء

محافظة السويداء في سوريا تتمتع بثقافة غنية وعادات اجتماعية تميزها عن مناطق أخرى في البلاد، العائلة تشكل القلب النابض للمجتمع في السويداء، حيث تحتل مكانة مهمة جداً في حياة الأفراد، الاحترام لكبار السن والتقاليد العريقة هو أمر أساسي أيضاً.

الضيافة تعد جزءاً أساسياً من الثقافة في المحافظة، حيث يُعتبر استقبال الضيوف وتقديم الضيافة جزءاً لا يتجزأ من القيم الاجتماعية، وجبات الطعام المشتركة والتواصل الاجتماعي في المناسبات الاجتماعية هي جزء من التقاليد.

المحافظة تحتفظ بتراث ثقافي قوي يظهر في الزي الشعبي التقليدي والفنون الشعبية مثل الرقصات والموسيقى الشعبية التي تعكس تاريخ وهوية السويداء. القيم الدينية تلعب دوراً مهماً أيضاً في الحياة اليومية، حيث يمتلك الدين مكانة مرموقة في تشكيل القيم والسلوكيات الاجتماعية، يحتفل أهل السويداء بعيد الأضحى وعيد الفطر وعيد رأس السنة الميلادية.

بماذا تشتهر مدينة السويداء:

محافظة السويداء تشتهر بتنوع طبيعتها وإنتاجها الزراعي الوفير، تبرز التضاريس البركانية والتربة الحمراء الخصبة في المنطقة، مما يسهم في نجاح زراعات عديدة أهمها، زراعة الكرمة "العنب" بكميات كبيرة، حيث تعتبر منتجاتها ذات جودة عالية تُصدَّر إلى العديد من دول العالم، كما تشمل الزراعة أيضاً أشجار الفاكهة مثل التفاح والإجاص والدراق واللوزيات، بالإضافة إلى الزيتون الذي يشهد ازدياداً مستمراً في إنتاج زيته، تشتهر المحافظة بصناعاتها التقليدية والحديثة، مثل صناعة السجاد والبلاستيك والمنظفات والعصائر الطبيعية وزيت الزيتون وتعليب الفواكه، ما يُظهر تنوع القطاع الصناعي والحرفي في المنطقة.

إقرأ أيضاً: أهم الآثار في سوريا

أشهر المعالم السياحية في مدينة السويداء:

تحتضن مدينة السويداء العديد من المواقع الأثرية الفريدة التي تجسد جمال وعمق التاريخ، من المعابد القديمة إلى القلاع الشامخة، تعكس معالمها السياحية البارزة عراقة الحضارة وجاذبيتها الساحرة، هنا نذكر لكم أشهر المعالم السياحية في مدينة السويداء:

1. المعابد:

شيدت في العهد اليوناني العديد من المعابد في المنطقة، هناك بعض الآثار التي ما تزال موجودة منها: معابد "آلهة المياه" تقع بالقرب من قوس الكنيسة الصغرى (المشنقة) ومعابد "حبران" و"مياماس" و"معبد هيليلوس" و"معبد زوس" و"معبد الإلهة أثينا اللات" ومعبدا "عتيل الجنوبي والشمالي" ومعبد "سليم" ومعبد "بريكه" ومعبد "المشنف" ومعابد "شهبا".

2. قلعة صلخد:

قلعة صلخد

قلعة صلخد هي قلعة أثرية يعود بنائها إلى فترة حكم الخليفة الفاطمي المستنصر في العام 1073 م، قام الأيوبيون بتعزيز وتدعيم هذه القلعة لمواجهة هجمات الصليبيين خلال القرن الثالث عشر الميلادي، تقع القلعة على ارتفاع يصل إلى 500 متر فوق الأرض المحيطة بها، وتحيط بها خندق بعمق يتراوح بين 20 إلى 25 متراً.

3. شهبا:

شهبا

شهبا، قديماً فيليبوبوليس، هي مدينة تاريخية سميت نسبةً للإمبراطور الروماني فيليب العربي الذي ولد فيها، من آثارها "مسرح شهبا" المكون من طابقين وما تزال الدرجات التسع الأولى منه موجودة بالإضافة للدرجة الأولى من الطابق الثاني.

4. جسر نمرة:

هو جسر أثري مهدم يقع قرب قرية نمرة الواقعة شرق مدينة شهبا، بُني الجسر على يد الرومان في القرن الثالث الميلادي.

5. المقابر:

المقابر واسعة الانتشار في مدينة السويداء، نذكر منها "مقبرة المجدل" وهي عبارة عن برج متعدد الطبقات، بقي منها في الوقت الحالي الطبقات السفلية وتحوي على تابوتين من العهد اليوناني وتقول الكتابة التي يحملاها إلى "المدفونين في هذه المقبرة بجانب والدهم هما أنطيوخوس المكفنين بالمجد والسلاح"، كما يوجد أيضاً مجموعة مقابر قنوات والتي تعود إلى العصر اليوناني كذلك ومقبرة شهبا المخصصة لعائلة الإمبراطور فيليب العربي.

6. الكنائس:

هذه الأبنية منتشرة في كافة أرجاء السويداء، لكن للأسف تهدم معظمها خلال الاحتلال العثماني ومن الآثار الباقية منها هناك: "كنيسة السويداء الكبرى" والتي يعود بنائها إلى القرن السادس الميلادي و"كنيسة السويداء الصغرى" ويعود بنائها إلى القرن الخامس الميلادي وكنائس قنوات.

7. الأديرة:

"دير شقا" ويعود تاريخ بناءه الى القرن الخامس الميلادي، و"دير ملح" يعود للعهد اليوناني وقد اكتشف فيه كتابة يونانية تقول: "المسيح ينتصر".

إقرأ أيضاً: مدن أثرية عربية وعالمية

الخاتمة:

مدينة السويداء، بموقعها الاستراتيجي وتاريخها العريق، تتحدث بصوت الزمن عبر أثارها الغنية والتي تروي قصصاً قديمة عن حضارات متعاقبة بالرغم من أن سكانها ذو أغلبية درزية إلا أن وجود طوائف أخرى إلى جانبهم يزيد من غنى تجربتهم الحضارية، السويداء هي عالم يمزج بين جمال الطبيعة وعمق التاريخ، ما يجعلها واحدة من الوجهات السياحية الفريدة التي تجمع بين الجاذبية الطبيعية والثقافية.




مقالات مرتبطة