السادية: مفهومها وتأثيرها وكيف يكون الإنسان السادي

شاهدنا في بعض الأفلام مشاهد لأشخاصٍ يستمتعون بتعذيب الآخرين، وغيرهم يضحكون عند إذلالهم لغيرهم، ولامسنا هكذا شخصيات أيضاً في واقعنا، فمَن منا ليس لديه مرؤوس فظ ومصاب بجنون العظمة ويعاقب على أتفه الأخطاء؟ ومن منا لم يشاهد متنمراً في الشارع يطيح بمن هو أضعف منه ويدميه ضاحكاً؟ كل تلك الأمثلة تندرج تحت شخصية سنتعرف إليها في هذا المقال؛ ألا وهي الشخصية السادية؛ لذا تابعوا معنا.



مفهوم السادية:

السادية هي اضطراب نفسي جنسي يتظاهر بالمتعة وإشباع الرغبة الجنسية عند الفرد من خلال إلحاق الألم بشخص آخر، وقد صاغ هذا المصطلح عالم النفس الألماني ريتشارد فون كرافت إيبينغ في أواخر القرن التاسع عشر في إشارةٍ منه إلى ماركيز دي ساد، وهو أحد نبلاء فرنسا من القرن الثامن عشر والذي قام بتأريخ تجربته لهذا النوع من الممارسات التي كان يمارسها.

غالباً ما ترتبط السادية بالمازوخية، والتي تحصل فيها الاستثارة الجنسية من تلقي الألم؛ إذ أحياناً ما تطبَّق هذه الممارسة بين شخص سادي وآخر مازوخي؛ أحدهم يستمتع بالتألم والآخر يستمتع بمنح هذا الألم، ومع ذلك غالباً ما يبحث الشخص السادي عن ضحية ليست مازوخية؛ وذلك لأنَّ معظم استثارته الجنسية تنبع عن إجبار المتلقي على الممارسة وعدم رغبته فيها.

قد يختلف مستوى ومدى العنف السادي بشكل كبير؛ وذلك من إلحاق ألم خفيف باستخدام أداة أو لعبة جنسية غير مؤذية، إلى الوحشية الشديدة واستعمال أدوات خطرة قد تسبب إصابات شديدة أو حتى الموت.

قد لا يصل الشخص السادي إلى الرضى والمتعة من خلال إلحاق الألم الجسدي فقط؛ بل يتعداه إلى التسبب بالألم العقلي والنفسي حين يشعر الضحية بالخوف والقلق والرهبة والألم والمفاجئة في نفس الوقت، وغالباً ما يكون الشخص السادي شخصاً ميالاً إلى العنف وقد تكون هذه الشخصية عاملاً مؤثراً في ارتكاب الجرائم، ولا سيما الاغتصاب والقتل.

بالإضافة إلى أنَّ مصطلح السادية يُستخدَم شيوعاً خارج السياق الجنسي؛ وذلك عند وصف الأفراد الذين يتعمدون القسوة أو من يستمتعون بإذلال الآخرين والسيطرة عليهم في المواقف الاجتماعية، أو من يتعاملون بعنفٍ مع أبسط المشكلات ويسخرون من الضعيف ويستمتعون بضربه.

أنواع الشخصية السادية:

تختلف أنواع الشخصيات السادية حسب طبيعة كل إنسان كما يأتي:

1. الشخصية السادية المستبدة:

تُعَدُّ هذه الشخصية من أشيع الشخصيات السادية؛ إذ تميل إلى تطبيق العنف والضرب تحت التهديد والإخضاع، ويتصرف السادي هنا بقسوة وازدراء، وتغلب عليه مشاعر الوحشية وعدم الشفقة، وتلك التصرفات تُشعره بالمتعة والنشوة.

2. الشخصية السادية المتفجرة:

صاحب هذه الشخصية شخص غير متوقع، وردود فعله غير متوقعة ومُفاجِئة أيضاً؛ إذ قد يصبح عنيفاً بشكلٍ غير مضبوط وغير مُتحكَّم به نتيجة تعرُّضه لموقف سيئ أو حالة خيبة أو خيانة، ويبدأ تطبيق الانتقام ويسعى إليه، وهذا الانفجار هو أسلوبه الدفاعي في إطلاق مشاعره المكبوتة.

3. الشخصية السادية المتسلطة:

تشاهد هذه الشخصية عند الأشخاص المستلمين مناصب إدارية أو مراتب عسكرية أو حتى قسماً في مؤسسة حكومية، وتظهر عندما يشعر صاحبها بأنَّه ذو سلطة مطلقة ويبدأ بتحقيق رغباته ويستمتع حين يعاقب موظفاً يعمل تحت إمرته أو عند تعذيب ومعاقبة وسجن مطلوب أو عسكري خالف أوامر مرؤوسه وغيرها، فهذه الشخصية لديها جنون العظمة مترافق مع غرور وسادية وحصولهم على منصب معيَّن يفاقم ويعظم من حالتهم؛ ظناً من الناس أنَّهم يطبقون القانون، لكن على العكس هم فقط يؤذون ليستمتعوا.

4. الشخصية السادية الجنسية:

وهي الشخصية التي تطبق التعذيب وإلحاق الألم بالآخرين في سبيل وصولهم إلى النشوة الجنسية، وتختلف الأساليب المُتَّبعة للحصول على المتعة المراد كسبها، فقد يميل الشخص السادي إلى جلد الضحية بالسياط أو خنقها أو جرحها وغيرها الكثير في سبيل وصوله إلى اللذة الجنسية.

5. الشخصية السادية الضعيفة:

صاحب هذه الشخصية يُظهر أنَّه شخص عدواني ولكنَّه عند الجد ضعيف وجبان، يميل إلى محاولة إلحاق الألم أو الأذى بخصمه ولكنَّه سرعان ما يخاف ويبدأ بالتبرير، وكذلك يحاول التهديد لكن دون جدوى؛ فهو ضعيف الشخصية ولا يمتلك القدرة على التحكم بمشاعره، ودائماً ما يحاول البحث عن شخص أضعف منه لإلقاء اللوم عليه، فهو كالمتنمر لديه عقدة نقص ويخاف من إظهارها.

شاهد: صفات الشخصية القاسية وكيفية التعامل معها

أسباب السادية:

السادية مثلها مثل أي اضطراب أو شذوذ يرتبط حدوثها بعدة عوامل أو أحداث، فقد يكون سبب حدوثها خللٌ في أجزاء محددة من الدماغ، أو نتيجة اعتداء سابق في الطفولة؛ إذ أثبتت الدراسات أنَّ الاعتداء والتجارب السلبية كالاغتصاب والتي تلحق بالأطفال خلال فترة النمو الجنسي تُعَدُّ إحدى أشد العوامل المُؤهِّبة لحدوث اضطراب ونمو الشخصيات السادية أو المازوخية أو المثلية وغيرها من الشذوذات الأخرى.

بالإضافة إلى المشكلات العائلية والبيئة البيتية المليئة بالمشاحنات والنزاعات وكبت المشاعر، ويعتقد العلماء أنَّ اضطراباً كهذا ينمو نتيجة خليط من العوامل والأسباب الوراثية والبيئية الاجتماعية والتربوية.

1. العوامل الوراثية:

عند وجود أحدٍ من أفراد الأسرة مصاب باضطراب أو مرض نفسي؛ وتحديداً أحد الاضطرابات الشخصية، عندها سيكون أنسباؤه وإخوته وأولاده عرضة أكثر من الأشخاص العاديين إلى الإصابة باضطراب الشخصية السادية.

2. العوامل البيئية:

تؤدي البيئة المحيطة بالفرد دوراً أساسياً في تنشئته، وإن كانت البيئة غير صحية ومستقرة نفسياً، ستؤثِّر سلباً فيه وفي شخصيته، وخاصةً إذا تعرَّض للتحرش أو الاغتصاب أو الاعتداء والتعنيف أو العيش في بيت يعج بالمشكلات.

3. العوامل التربوية:

الطفل يُسيَّر ويُصقل نفسياً تبعاً لطريقة التربية والتنشئة، فعند تربيته على أخذ الحق باليد والتعنيف وضرب الآخرين وتحقيرهم والانتقام منهم، فسوف يكبر على إيذاء الناس والاستمتاع بألمهم، وكذلك عدم تحمُّل المسؤولية في تربيتهم ومراقبة ما يشاهدونه على التلفاز أو الحواسيب من مسلسلات أو أفلام مليئة بالعنف والأذى، كل هذه الأسباب وغيرها كفيلة بتنمية شخصية مضطربة وسادية.

صفات الشخصية السادية:

فيما يأتي أبرز صفات الشخص السادي:

1. يتعامل بقسوة وعنف:

تُعَدُّ القسوة الصفة الواسمة للشخص السادي؛ إذ تظهر في كافة تصرفاته وتعاملاته؛ فيستخدمها مع أصدقائه وعائلته ومحيطه الاجتماعي لنيل ما يريده أو لتحقيق متعته سواء بإلحاق الأذى الجسدي أم الأذى النفسي، ودائماً ما يُبدي إعجابه بالأدوات الحادة والأسلحة والفنون القتالية والأفلام العنيفة وغيرها.

2. التوتر والقلق وسرعة الغضب:

يميل الشخص السادي إلى الغضب بسرعة مع عدم القدرة على ضبط النفس والسيطرة على ردود أفعاله، ويتَّصف بالتوتر والقلق في تصرفاته وتعامله مع الآخرين.

شاهد أيضاَ: صفات الشخصية العدوانية وكيفية التعامل معها

3. الوساوس القهرية:

يُلاحَظ عند العديد من الأشخاص الساديين نمطٌ واحدٌ أو أكثر من الوسوسة وتظهر في تصرفاته ونمط حياته، فقد يكون شخصاً سادياً وفي نفس الوقت موسوس نظافةٍ من الدرجة الأولى، ويميل إلى تطبيق العنف في حال عدم التزام محيطه بمعايير نظافته، وقد يكون موسوس تفكيرٍ؛ أي مُفرط التفكير وخاصة في الأفكار العدوانية؛ كأن يظن أنَّ أحداً ما يريد إيذاءه من مجرد أنَّه ضرب كتفه بكتفه في أثناء المشي في الشارع، فيبدأ بالتفكير والقلق ووضع تحليلات ومسائل وتحويرات ليس لها أي معنى أو فائدة، وقد يحاول إيذاء الآخرين بناءً على أفكار مُبالغ فيها، والكثير من الوساوس الأخرى.

4. عدم الثقة بالآخرين:

يتجنَّب الشخص السادي الناس بشكل عام؛ كي لا يكشف نفسه أو يتعرَّض للحكم، وكذلك يفقد الثقة بالآخرين ويعبِّر عن ذلك بالعنف والتجاوب الفظ مع المحيطين به، وغالباً ما يكون مبرر قسوته هو رد فعلٍ على عدم ثقته بأحد.

5. جنون العظمة وحب السيطرة:

يُعرَف الشخص السادي بحب التملك والإخضاع؛ إذ يهوى السيطرة على الآخرين ظناً منه أنَّه الحاكم، ويزداد غروراً وعظمةً كلما زاد خوف محيطه منه؛ كأن يعامل رب العائلة أفراد عائلته وكأنَّهم حاشيته، ويتحكم بهم ويفرض عليهم قوانين لا تنطبق عليه، ويقيِّد حريتهم ويتعامل معهم بقسوة ويعاقب الأطفال ويمنع الزوجة عن الخروج من المنزل إلَّا بشروطه، ويستمتع بإيذائهم نفسياً وجسدياً.

تنطبق هذه الصفة على بعضٍ من الساديين الذين يمتلكون مناصب في العمل، كالمدير المتسلط أو الضابط المغرور أو رئيس القسم في المؤسسات الحكومية، الذين يحاولون معاقبة عناصرهم وجعل عملهم جحيماً لمجرد أن يخطئوا خطأً بسيطاً، فقط ليستمتعوا برؤيتهم يتألمون.

6. العزلة الاجتماعية:

يتَّسم الشخص السادي بالعزلة والابتعاد عن الحياة الاجتماعية، وخاصةً صاحب الشخصية السادية الضعيفة؛ إذ يشعر بعدم الانتماء إلى مَن حوله ويستصعب القدرة على إنشاء العلاقات والتحاور وتكوين الصداقات؛ إذ يظن أنَّ الجميع سيحكمون عليه، وتنبع هذه العزلة عن فقدانه للثقة بالآخرين وفرط التفكير والوسوسة أيضاً.

وغيرها من الصفات المُبالغ فيها والتي تظهر على الشخص السادي.

إقرأ أيضاً: ما هي النرجسية؟ وكيفية التعامل مع الشريك النرجسي؟

علاج السادية:

السادية عبارة عن اضطراب نفسي شأنه شأن أي اضطراب نفسي آخر كالهوس والوسواس القهري والفوبيات وغيرها، وفي أغلب الأحيان لا يحاول السادي التطرُّق إلى أي نوع من العلاج النفسي أو أخذ المشورة أو الانضمام إلى برامج للتأهيل؛ ظناً منه أنَّه غير مضطرب وليس بمريض وأنَّ ما يفعله هو شيء يحقق له المتعة والنشوة.

لكن على الرغم من ذلك يُنصَح جميع الأفراد الساديين أو من تظهر عليهم بعض الصفات السادية بحضور جلسات استشارة نفسية.

تبدأ مرحلة العلاج النفسي السلوكي بالتعرُّف إلى المريض وتاريخه وتجاربه السابقة ومحاولة فهم الأسباب التي جعلته ينتهي هكذا، من ثم وضع خطة وأسلوب لمحاولة تغيير هذا السلوك وتحسين نمط الحياة الاجتماعية وإدارة الغضب وردود الفعل واستمالة رغباته في الحصول على المتعة والنشوة بطريقة أخرى غير مؤذية أو مضطربة.

بعد ذلك من الممكن أن يلجأ الطبيب إلى وصف بعض الأدوية المهدِّئة والمضادة للاكتئاب والقلق؛ إذ إنَّ أغلب الشخصيات السادية مصابة بالاكتئاب نتيجة العزلة وفقدان الثقة بالنفس وبالناس والوسوسة والقلق وغيرها.

تشمل خطة العلاج جلسات إعادة التأهيل الفردية أو الجماعية وتعليمه كيفية بناء الروابط والصداقات وتبيين مدى سوء تصرفاته وما تسببه للآخرين من أذى.

إقرأ أيضاً: السادية: تعريفها، أنواعها، وأهم صفات الشخصيات السادية

في الختام:

لقد تحدثنا في هذا المقال عن السادية ومفهومها وأسبابها، وتعرَّفنا إلى أنواع الشخصية السادية وصفاتها، بالإضافة إلى سبل علاجها وضبطها.

المصادر: 1،2،3،4




مقالات مرتبطة