السؤال الجوهري: كيف تحدد هدفك الأوحد؟

وقف أندرو كارنيغي (Andrew Carnegie)، الصناعي الأعظم في القرن العشرين، أمام غرفة ممتلئة بالطلاب المشدوهين في جامعة كوري التجارية (Curry Commercial College). وتوجَّه إلى الطلاب ناصحاً بقوله: "إنَّ المقولة التي تفيد بألا تجازف بكل ما تملك في سبيل تحقيق هدف واحد هي نصيحة خاطئة"، وتابعَ قائلاً: "أنصحكم بتحديد هدف واحد محكم، وتركيز كل جهودكم في سبيل تحقيقه؛ فانظروا حولكم ولاحِظوا أنَّ الأشخاص الذين يركزون على خطة واحدة نادراً ما يفشلون."



فالسؤال الحقيقي إذاً: "ما هو الهدف الذي ستُركز جهودك لتحقيقه؟" وبالأخص، كيف تعرف أنَّ هذا الهدف هو الصحيح قبل أن تبدأ؟ الجواب هو: أن تسأل نفسك سؤالاً واحداً يزيل كل هذا الغموض. يجب أن تطرح السؤال الجوهري.

قوة السؤال المناسب:

لدى كل منا أهداف يبتغي تحقيقها وتحديات يسعى إلى التغلب عليها؛ إذ نريد جميعاً تحقيق الإنجازات وكسب الأموال والتخلص من الوزن الزائد والتمرن بشكل منتظم وأمور أخرى كثيرة، ولكن لتقترب من تحقيق هدفك عليك إيجاد الأجوبة، والتي توفر أسرع وأرخص طريقة لتحقيقه.

نبحث عن أفضل طريقة لاستثمار أموالنا، وعن أسهل طريقة للتخلص من الوزن الزائد، وعن أرخص وسيلة للسفر إلى أوروبا؛ ولكن في بحثنا هذا نتجاهل حقيقة أنَّ الإجابة ليست ما يهمنا؛ بل السؤال الجوهري.

فلنتخيل معاً أنَّك تمتلك شركةً لخدمة العملاء، وتدير شركةً مرتبطة بالبرمجيات كخدمية (SaaS) مثلاً، ولكنَّ معدل التغيير مرتفع ويؤثر في التدفق النقدي، فتسأل نفسك ما يلي: كيف يمكِنني تقليل معدل التغير؟ وتبحث على محرك البحث غوغل (Google) قليلاً، فتجد صدفةً طريقةً سريعة وفاعلة لزيادة مستوى ولاء العملاء؛ ولكن عند قيامك بهذا تتجاهل حقيقة هامة، وهي أنَّ منتجك ليس جيداً.

نحن نفشل غالباً في إدراك أنَّنا نمتلك أفضل إجابة على الإطلاق، ولكن تفقد أهميتها إن نسبناها إلى السؤال الخاطئ؛ وبالتالي ليس الهدف أن نبحث دوماً عن أجوبة أفضل؛ بل أحياناً يكون الهدف طرح أسئلة أفضل، ولكن ليس من السهل دوماً إيجاد الإجابة الصحيحة؟ ففي النهاية أنت تجهل ما لا تعلمه.

بالعودة إلى المثال السابق، إن كنتَ لا تدرك التحدي الحقيقي، فستَصعُب عليك رؤية مشكلتك الحقيقية، ألا وأنَّها عرَض من أعراض مشكلة أكبر وأكثر خطورة.

لا تأتي أهدافنا مرفقة مع مخطط تفصيلي؛ ولكن حتى في حال أُرفقت بذلك، فقد يكون المخطط غير المناسب؛ فالحقيقة أنَّ ما يناسب غيرك قد لا يناسبك، ولكن إن أردنا تحقيق النجاح والعمل، فعلينا أن نصنع مخططنا المناسب والقابل للتكرار بأنفسنا.

وكما قال "غاري كيلر" (Garry Keller) مؤلف كتاب "الشيء الوحيد: الحقيقة المدهشة البسيطة وراء النتائج الرائعة" (The One Thing: The Surprisingly Simple Truth Behind Extraordinary Results): "للحصول على الأجوبة التي نسعى خلفها، علينا أن نبتكر الأسئلة الصحيحة، وعلينا أن نحدد ما يتناسب وأهدافنا".

وبالتالي، كيف تبتكر أسئلةً عادية ذات أجوبة غير عادية؟ عليك أن تطرح سؤالاً واحداً: السؤال الجوهري.

إقرأ أيضاً: كيف تحدد أهدافك في الحياة؟

السؤال الجوهري:

يدفعك هذا السؤال نحو اتخاذ أفضل القرارات بخصوص النقاط التي يتوجب التركيز عليها والأفعال التي يتوجب القيام بها.

ويقول كيلر (Keller): "لا تخبرك الأسئلة الجوهرية بالهدف الذي يجب أن تركز عليه فقط؛ بل تُوجهك نحو الخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف".

إن كنتَ تعمل على مشروع متعدد الاتجاهات، يدفعك السؤال الجوهري نحو ترتيب الأولويات وفق أهميتها؛ ومع كل سؤال تطرحه تصل إلى النتيجة القادمة؛ أي تضع جدول أعمال يتألف من خطوة تلو الأخرى.

ويشرح كيلر (Keller) مقصده بقوله: "مسلَّحاً بالسؤال الجوهري، تتحول خطواتك إلى تقدُّم طبيعي لتحقيق هدف مناسب تلو الآخر، وعندما تحقق ذلك يمكِنك أن تختبر قوة تأثير الدومينو".

وهنا تندمج الأسئلة الممكنة جميعها ضمن سؤال واحد بفعل السؤال الجوهري:

1. "ما هو الشيء الوحيد الذي يمكِنني إنجازه؟":

يمكِنك القيام بأمور عدَّة لتحقيق هدفك أو التغلب على تحد ما، ولكن كما ذكرنا آنفاً، الطريقة الصحيحة قد لا تكون صحيحة في هذه الحالة. ولتسهيل الأمور، يدفعك هذا السؤال نحو تحديد فعل واحد والتركيز عليه، وليس الشيء الذي يمكِنك فعله أو يجب أن تفعله؛ بل الشيء الذي تستطيع وستقوم بإنجازه.

2. "ما هو الهدف من إنجازه؟":

جميعنا يخلط بين الانشغال وبين إتمام الأمور المناسبة؛ إذ إنَّنا نجد متعةً عند شطب عناصر من قائمة الأمور التي يجب القيام بها؛ ولكن ما السبب الكامن وراء ذلك؟ عندما نقوم بالواجبات السهلة على قائمة المهام التي يجب القيام بها، نشعر بأنَّنا حققنا تقدماً، ولكن هل تكون هذه الإنجازات هامة إن لم تكن العناصر الأخرى على القائمة تساعدك في التقدم نحو تحقيق الهدف؟

إنَّ هذا السؤال هو الجسر الواصل بين القيام بأمر ما لمجرد إتمامه، وبين القيام به لأنَّه يحقق التقدم نحو المبتغى.

3. "هل سيصبح كل شيء آخر أفعله أسهل أو غير ضروري؟":

بدأ رائد الأعمال "تيم فيريس" (Tim Ferris) بطرح السؤال الآتي: "ماذا لو أمكنني حل المسائل فقط بعملية الطرح؟" وذلك في أثناء إسداء النصائح للمبتدئين بين عامي 2008 و2009، وعوضاً عن طرح سؤال: "ماذا يجب أن نفعل؟" حاوِل أولاً التركيز على الإجابة عن سؤال: "ما الذي يجب تبسيطه؟" ويعني التبسيط هنا القيام بعملية الطرح؛ أي أن تقوم بمهام أقل وتُحقِّق الهدف المطلوب.

يساعدنا هذا السؤال على التخلص من المهمات والأنشطة السخيفة، والتركيز على الأنشطة الجوهرية والهامة فعلاً، كما يقول المؤلف "غريغ مكيون" (Greg McKeon).

ويكرر كيلر (Keller) فكرة مكيون (McKeon) بقوله: "يعاني معظم الأشخاص لاستيعاب كم الأمور التي لا يجب عليهم القيام بها لو بدؤوا في المكان الصحيح".

إقرأ أيضاً: أسطورة تعدد المهام: لماذا تؤدي أولويات أقل إلى عمل أفضل؟

تطبيق السؤال الجوهري:

لا يقودنا السؤال الجوهري إلى الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالصورة الشاملة للأمور، مثل: "ما الذي أفعله؟ وما الهدف الذي يجب أن أركز عليه؟" فحسب؛ بل ويجيب أيضاً عن الأسئلة التي توضِّح تفاصيل، مثل: "ما الذي يجب أن أفعله الآن لأبدأ رحلتي في تحقيق الهدف النهائي؟ وما هو الهدف النهائي؟" إذ يشكل السؤال الجوهري خريطةً للصورة الشاملة وبوصلة للتفاصيل.

السؤال الجوهري

كما يمكِنك إضافة فئة خاصة بعملك أو بتوقيت تحقيق الهدف لإضافة طابع فوري إلى إجابتك، مثل: "الآن" أو "في هذا العام"، أو إن كنتَ تفضل، فيمكِنك إضافة "خلال خمس سنوات" أو "يوماً ما" بهدف تحديد الصورة الشاملة التي تساعدك على التقدم نحو هدفك.

يمكِنك تطبيق السؤال الجوهري كما يلي: "ما هو الشيء الوحيد الذي يمكِنني فعله [الهدف]، [الفترة الزمنية] ومن خلال إتمامه يصبح كل شيء أسهل أو غير ضروري؟".

وهنا بعض الأمثلة الخاصة بالفئات:

  • فيما يخص وظيفتي، ما هو الشيء الذي يمكِنني فعله لأضمن تحقيق أهدافي اليوم، وبإتمامه سيصبح كل شيء آخر أسهل أو غير ضروري؟
  • فيما يخص صحتي، ما هو الشيء الوحيد الذي يمكِنني فعله لأحقق أهداف الحمية هذا الأسبوع وبإتمامه يصبح كل شيء آخر أسهل أو غير ضروري؟
  • فيما يخص علاقاتي المُهمة، ما هو الشيء الوحيد الذي يمكِنني إنجازه لتحسين علاقتي مع زوجي/شريكي هذا الشهر وبإتمامه يصبح كل شيء آخر أسهل أو غير ضروري؟
  • فيما يخص عملي، ما هو الشيء الوحيد الذي يمكِنني إنجازه للدخول في سباق المنافسة هذا الربع من العام، وبإتمامه يصبح كل شيء آخر أسهل أو غير ضروري؟
  • فيما يخص الناحية المالية، ما هو الشيء الوحيد الذي يمكِنني إنجازه لزيادة قيمتي المالية هذا العام، وبإتمامه يصبح كل شيء آخر أسهل أو غير ضروري؟

فالسؤال الجوهري ليس سؤالاً تطرحه مرةً واحدة؛ بل هو سؤال تردده دوماً وتعود إليه لتوضيح الصورة أمامك وتتأكَّد من سَيرِك على الطريق الصحيح. فلتجعل طرح هذا السؤال عادة أساسية لديك وقدِّم إليه الاهتمام اللازم بشكل يومي.

في الختام:

ستجد أنَّ السؤال الجوهري مخادعٌ ببساطته، كما الحال مع العادات والنجاحات الصغيرة؛ فلا تدع بساطته تخدعك لأنَّه وسيلة فاعلة للغاية لتحديد الأهداف وحلِّ المشكلات.

 

المصدر




مقالات مرتبطة