الرياضات الروحية: مفهومها وفوائدها وكيفية ممارستها
تُعَدُّ الرياضة الروحية ضرورة لا بدَّ منها وحاجة ملحة؛ وذلك لأنَّها بمنزلة علاج للروح والجسد من كل الأمراض النفسية والجسدية والعصبية والعقلية، وفي صخب الحياة وضوضائها وضجيجها وكثرة جلبتها يحتاج الإنسان العاقل إلى لحظات ينعم فيها بالاسترخاء والتأمل والمناجاة والنجوى وتأدية الصلوات والترانيم ونداء ربه.
ما هي الصلاة؟
هي الصلة الوثيقة بين العبد الضعيف والخالق عز وجل القادر على كل شيء الذي يحيي الموتى وهم عظام ويعيدهم أحياء في يوم البعث ويوم الحشر والحساب، كما أنَّه يُبرئ الأكمه وينصر الضعيف ويحاسب الظالم ويخلق الجنين في رحم الأم، وينزل الغيث على الناس بعد طول غياب ويخلص الأرض من جفافها ويباسها وعطشها وقلة زرعها ومحصولها وإنتاجها.
تتصدر الصلاة قائمة الرياضات الروحية والبدنية بالنسبة إلى العقل والجسم والروح والنفس على حد سواء، ويؤكِّد الدين بأنَّ الصلاة ليست فقط شكل من أشكال طاعة الله عز وجل ووسيلة لطلب الغفران منه لمحو الذنوب وتخفيف العقاب؛ وإنَّما لها فوائد لا تُعَدُّ ولا تُحصى في مجال الصحة النفسية والسلامة الروحية والبدنية.
إذ إنَّ حركات السجود والركوع تزيد من تدفق الدم ضمن الشرايين والأوردة والأوعية الدموية، وتسهِّل من وصوله إلى الأعصاب وإلى خلايا المخ، فينهض الإنسان من جديد معافى سليماً خالياً من الأمراض والأفكار السلبية الهدامة التي تحد من تقدمه وتجعله يغرق في بحر من اليأس والحزن والخيبات.
إنَّ الصلاة فسحة للإنسان يُعبِّر فيها ومن خلالها عن مدى حبه وشكره وامتنانه لله سبحانه وتعالى، وتقديره لفائض النعم التي تفضل بها الله سبحانه وتعالى على عباده؛ إذ إنَّه لهم ما يكفيهم شر الجوع من الثمرات والأشجار والدابة ليأكلوا من لحمها.
شاهد بالفيديو: فوائد الرياضة على الصحة النفسية
ما هو رأي العلم والدين في الرياضات الروحية؟
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز الكريم: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ). [سورة النور، الآية: 37].
وفي آيات كريمة مقدسة أخرى قال فيها الله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ). [سورة البقرة، الآية: 43].
ومن هنا تتجلى قيمة الصلاة ومكانتها الثابتة بين الرياضات الروحية الحديثة؛ فهي رياضة للجسم والبدن وفيها يقوى المرء بإيمانه وقربه من الله عز وجل ويشعر بالرضى عن نفسه؛ وذلك لأنَّه يرضي الله عز وجل بصلاته وأدائه لفروضه وواجباته الدينية والدنيوية، فطاعة الله تعالى واجب من واجبات الإنسان المؤمن المتوكل على الله عز وجل والمناصر له ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ولكل مَن آمن بالله وأسلم وقاتل في سبيل إكمال الدعوة الإسلامية التي عنوانها السلام والخير والمحبة، والاعتراف بوحدانية الخالق جل جلاله وبأنَّ الله واحد لا شريك له.
ما هي فوائد الرياضات الروحية؟
- إنَّ ممارسة الرياضات الروحية وعلى رأسها الصلاة تعطي المرء استقراراً نفسياً ومساحة من الطمأنينة والهدوء وتخلِّص الإنسان من الخوف.
- الرياضة الروحية تضمن سلامة الأعصاب والجهاز العصبي المركزي فهي مهدئ ومنشِّط للأعصاب.
- الرياضات الروحية تجدد خلايا الدماغ وتسرِّع وصول الدم إلى المخ ليؤدي وظائفه.
- الرياضات الروحية تساعد الإنسان على التركيز والتأمل والهدوء والصفاء، وتبعده عن التبعثر والتشتت الذهني والاكتئاب والتقلبات المزاجية، وتحميه من الاضطرابات النفسية ومن كثير من الأمراض النفسية الخطيرة التي قد تفتك به وتسلب منه هدوءه وراحته وطمأنينته وسعادته.
- الرياضات الروحية تخفف من القلق والتوتر والوسواس وتعزز الشعور بالهدوء.
- الرياضات الروحية تزيد من حب الذات وتقديرها.
- الرياضة الروحية تعلِّم الإنسان فن الصمت والسكوت والإصغاء والاستماع مع الابتعاد عن الثرثرة والغيبة والنميمة والاستهزاء والتهكم والسخرية من الناس والكلام الفارغ.
- الرياضات الروحية ترفع الثقة بالنفس وتخلِّص الإنسان من الإحباط وشجون اليأس وتنقله عالياً نحو سماء الأمل والفرح.
- الرياضات الروحية تحرك الجسم وتقضي على البلادة الفكرية والبدنية وتبث النشاط والحيوية والهمة العالية عند الإنسان.
- الرياضات الروحية تنشط الدورة الدموية الصغرى والدورة الدموية الكبرى وتزيد تدفق الدم في جسم الإنسان.
- الرياضات الروحية تخلص الجسم من الشعور بالكسل والإرهاق والتعب.
- من خلال الرياضات الروحية ينتظم تفكير الإنسان ومزاجه ويتجه نحو عمله بهمة ونشاط وإصرار وأخلاق مهنية عالية.
- الرياضة الروحية تدل على إنسان متحضِّر راقٍ يحترم نفسه ويحترم الناس ويمتلك أخلاقاً عالية ويسعى إلى العمل وحب العلم والمعرفة والتعلُّم من الحياة كل يوم.
- الرياضة الروحية تطيل عمر الإنسان وتحسن صحته وتقوي بنيته العضلية والفكرية والذهنية.
- الرياضة الروحية تهذِّب سلوك الإنسان وتقوِّم اعوجاجه وتشحذ همته وتنمِّي مواهبه وملكاته ومهاراته العقلية والمعرفية والبدنية والفكرية.
ما هي رياضة اليوغا؟
اليوغا بتعريف مبسَّط يفهمه العقل البشري هي نوع أو شكل من أشكال الممارسات الروحية القديمة التي ارتبطت بالإنسان البدائي القديم منذ الأزل، وقد كانت تتداخل مع طقوسه الدينية، هي ممارسة روحية تتميز بأنَّها تربط العقل بالجسم؛ أي بمعنى آخر هي اتِّحاد العقل مع الجسم في نفس الوقت، ولقد نشأت اليوغا في أصولها في الحضارة الهندية القديمة والعريقة، فضلاً عن ذلك لليوغا أنواع مختلفة تربط بين حالات ووضعيات مختلفة للجسم.
تتضمن اليوغا حركات تربط الجسم بالعقل وتشمل اتخاذ الجسد وضعيات مختلفة، إلَّا أنَّها تمتد لتشمل تمارين الاسترخاء والراحة والتأمل، إضافة إلى ذلك يلجأ الإنسان إلى اتِّخاذ أنماط وأساليب مختلفة للتنفس، وبالنسبة إلى تحديد نوع اليوغا المراد ممارسته من حين إلى آخر، فإنَّه يتعلق بحالة الجسم الصحية والبدنية والنفسية وتحديد وزن الجسم بدقة ودرجة لياقته ورشاقته البدنية والعقلية.
نجد في الغرب أو في البلاد الأوروبية والثقافة الغربية الأوروبية أنَّ النوع الأكثر شيوعاً من أنواع اليوغا المختلفة هو ما يسمى عندهم هاثا يوغا، وانطلاقاً من هذه الفكرة يمكننا القول إنَّ اليوغا هي رياضة للبدن تجمع بين وضعيات مختلفة للجسم.
تهدف اليوغا إلى تعزيز وزيادة سيطرة الجسم على العقل مثلما تهدف تماماً إلى زيادة سيطرة الإنسان على عقله وتفكيره وروحه؛ وينجم عن ذلك انتعاش الصحة النفسية والروحية وزيادة التركيز والصفاء الذهني والتخلص من كل ما يشتت العقل ويبعده عن التركيز والإنجاز.
بالإضافة إلى كل ما سبق ذكره هنا فإنَّ اليوغا هي تمارين تمنح اللياقة للبدن؛ لذا حظيت بشعبية واسعة وانتشار كبير بين شعوب الولايات المتحدة الأمريكية، كما تُعَدُّ ممارسة اليوغا وسيلة للتنوير والتطوير والتنور والإشراق عند الديانة الهندوسية والحضارة الهندية القديمة، وتحتل اليوغا مكانة كبيرة عند ديانات أخرى كالديانة اليانية والبوذية والسيخية، وقد كان لها أثر كبير وبصمة واضحة في الممارسات والطقوس الروحية والروحانية في الكثير من الديانات المختلفة المنتشرة في بقاع الأرض ودولها وشعوبها.
ما هي فوائد ممارسة اليوغا بالنسبة إلى الجسم؟
- اليوغا لها دور كبير في تخفيف الآلام القوية التي تصيب منطقة أسفل الظهر عند الذكر والأنثى.
- تفيد في تحقيق حالة توازن للجسم.
- تؤمِّن للجسم استقراراً صحياً ونفسياً.
- تزيد من مرونة الجسم وقدرته على التحمُّل.
- تفيد في تخليص الإنسان من ضغط الحياة المعاصرة.
- تفيد في زيادة التركيز الذهني للجسم وتبعده عن التشتت والتبعثر وعدم التركيز وتؤمِّن له الصفاء الذهني.
- تُعَدُّ فرصة هامة لتحسين المزاج وزيادة الشهية والإقبال على ممارسة العمل بهمة ونشاط.
- تُعَدُّ وسيلة هامة لزيادة إفراز هرمون السعادة والتفاؤل واستقبال الحياة بروح لا تعرف الهزيمة.
- تنشط المخ والجملة العصبية.
- تخلِّص الجسم من الإرهاق والتعب.
كيف تتم ممارسة اليوغا؟
ما عليك سوى أن تتَّبع الخطوات الآتية البسيطة:
- محاولة الاستلقاء على ظهرك والاسترخاء بشكل كامل بشرط مراعاة التنفس بعمق وبهدوء وبأن يدخل الهواء إلى رئتيك وخلايا جسمك بشكل سليم، وأن تصفي ذهنك وتتخلص من كل الأفكار السلبية المزعجة الهدامة.
- محاولة رفع ساقك اليمنى ومدها على طولها وإبقائها معلقة في الهواء الطلق.
- محاولة فعل ذات الشيء بالنسبة إلى الساق اليسرى.
- رفع الساقين معاً في الأثير بالتوازي مع رفع الرأس قليلاً، والحفاظ على هذه الحالة لعدة ثوانٍ مع الاسترخاء الجيد والكامل والاستمرار في التنفس والتقاط الأنفاس بعمق من جهة البطن في الشهيق وفي الزفير.
- محاولة رفع ساقيك إلى الأعلى في أثناء وضعية الاستلقاء على الظهر ورفعهما مع إسناد ظهرك بيديك مع الاسترخاء التام والبقاء على هذه الوضعية مدة دقيقة تقريباً.
شاهد بالفيديو: 10 طرق بسيطة لممارسة التمارين الرياضية أثناء العمل
ما هي فوائد التأمل؟
- اكتساب رؤية جديدة وخبرة في التعامل مع المواقف الشخصية وخاصة التي تثير العصبية والاستفزاز.
- اكتساب مهارات جديدة تفيد في كيفية التعامل مع الأزمات وضغوطات الحياة والعمل.
- زيادة في مستوى الوعي الذاتي.
- المساعدة على التركيز في اللحظة الحالية الراهنة التي نعيشها وترك الماضي بكل مآسيه وأخطائه.
- تقليص المشاعر السلبية.
- تعزيز آفاق الخيال والإبداع والتفكير الإبداعي.
- زيادة القدرة على الصبر والتسامح والغفران والعفو على المقدرة.
في الختام:
لا غنى عن الرياضة الروحية؛ وذلك لأنَّها تزين حياتنا وتمنحنا فسحة ننعم من خلال بالهدوء والراحة والاستجمام والسعادة الأبدية، فلكل شخص طقوس معينة في الرياضة الروحية وطريقة أدائها وممارستها.