الرسالة والرؤيا

عندما نتكلم عن إدارة الوقت وعن ضرورة التخطيط في حياتنا يصبح من الضروري أن نتكلم عن "الرسالة والرؤيا" وما لها تأثير كبير على التخطيط في حياتنا.



إنّ قوّة الرؤيا هي قوة خارقة! لقد أثبت البحث أنّ الأطفال الذين لديهم "رؤية واضحة لمستقبلهم" هم الأكثر نجاحاً من الناحية الدراسية، كما أنّهم الأقدر ممن سواهم في مواجهة تحديات الحياة، فإنّ المُنظمات التي لديها الشعور بالرسالة والهدف تتفوق على غيرها ممن لا تملك قوة مثل هذه الرؤية.

يقول عالم الاجتماع الألماني فريد بولاك: إنَّ العامل الأول في تحقيق النجاح في كل الحضارات كانت تلك "الرؤية الجماعية" للشعوب للمستقبل الذي ينتظرها. فلماذا علينا إيجاد الرؤيا؟ لأن الرؤيا تُعطينا طاقة عميقة ودائمة، ولأنّها تصبح القوة الدافعة وراء كل قرار نتخذه، وبالتالي تصبح طابع حياتنا، وكأنّها منسوجة في كياننا.

فالرؤيا هي الطاقة التي تجعل حياتنا مغامرة، بل هي الـ "نعم" التي تشتعل داخلك بفعل الطوارئ! والتي تدفعك لقول "لا" بطمأنينة وهدوء للأشياء الطارئة والأقل أهمية في حياتك.

ويقول ستيفن كوفي: "أنّ الرؤيا هي إطار الخيال المُبدع، والحافز الأول للسلوك الإنساني. إنّها القدرة على الرؤية إلى ما بعد الواقع الآن، أي القدرة على أن نُبدع، ونخترع ما لم يُوجَد بعد، كي نصل إلى ما لم نصل إليه بعد، إنّها القدرة على أن نعيش من خلال خيالنا بدلاً من أن نعيش من خلال ذكرياتنا".

إقرأ أيضاً: الرؤيا والرسالة: 23 مثالاً عن أشهر شركات العالم تبيّن لنا الفرق بينهما

ولنبدأ أولاً بتعريف معنى الرسالة والرؤية، فقد وردت الرؤية في القرآن الكريم في قوله تعالى: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين) (سورة الفتح 27)، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب في العودة إلى مكة المُكرَّمة وكان يخطّط لذلك، فرأى رؤيا في المنام امتن الله عليه بتحقيقها، ومثلها في قصة يوسف عليه السلام، وقوله: (هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً) (يوسف/100).

الرسالة (mission):

هي الإجابة عن السؤال: من أنا؟ وماذا أريد؟ ويحلو للبعض أن يسميها المهمة أو الدور وهي ما تود أن تسير عليه في الحياة، فتقول لشخص: (ما رسالتك في الحياة... أو ما دورك في الحياة... أو ما مهمتك في هذه الحياة؟)، وهي عن شيء عام وطريق دائم.

الرؤية (vision):

وهي الصورة الذهنية للمستقبل المنشود في مدة محدَّدة، أو هي النتيجة النهاية التي تسعى شخصياً لصنعها، والرؤية كلمة عامة للأهداف، بما أنّ الأهداف تنقسم إلى بعيدة ومتوسطة وقصيرة المدى، وبالتالي فالرؤية هي خطة قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى.

سنتكلم سوية عن أثر الرؤيا على طريقة إدارتنا لوقتنا، وسنحاول سوية أن نطوّر رؤية قوية لنزرعها فينا. للبعض منّا رؤية محدودة لا تمتد لأكثر من نهاية اليوم، وبالتالي سيتصرف من منظور الحاضر والطارئ فقط دون أن يَعَي ما لديه من خيارات أخرى، سيتصرف على ضوء أولويات الآخرين، وليس بالضرورة على ضوء أولوياته. وهناك من لديه رؤية جزئية، كأن يركّز على حاجاته الاقتصادية ويتجاهل حاجاته الأخرى مما يؤدي به إلى حياة لا توازن فيها.

والبعض الآخر تكون رؤيته انعكاساً للآخرين، حيث يتصرف على ضوء ما يتوقعه الآخرون منه، ممّا يؤدي إلى فقدان اتصاله بذاته من الداخل، وبتفرده، وبقدرته على العطاء. فهل نحن مجرد انعكاس لما يقوله الآخرون لنا؟ قد يكون بعض ما يقولونه حَسَناً مثل: أنت ممتاز! أو أنت مُعلّم جيد! أو أنت مثال الوفاء أو ما شابه، ولكن قد يكون البعض الآخر سيئاً جداً (وما أكثره) مثل: أنت سيئ! أنت تنسى كل شيء بسرعة! أنت فاشل! أنت أهوج! ومهما كان ما يُقال لنا فهو يمنعنا من معرفة ذواتنا، ومعرفة رسالتنا في هذه الحياة.

إقرأ أيضاً: بيانا الرسالة والرؤيا: إطلاق العنان لقوّة الغاية

وكتب الدكتور صلاح الراشد:

الناس أربعة أنواع في الرسالة والرؤية:

1. رسالة ورؤية:

هؤلاء يعرفون مسارهم وتخصَّصهم فيه، ولديهم أهداف واضحة، فهؤلاء العظماء، المُؤثِّرون السعداء، الأقوياء، المُنتِجون، الواضحون، المقدامون، مَثَلُهم مَثَلُ الأنبياء والرسل، والقادة الذين غيّروا في أممهم ومجتمعاتهم، وأروع الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وسيرته مليئة بالمثل الصحيح والقويم وأروع القادة الإصلاحيين العُمَرَان: ابن الخطاب وابن عبد العزيز.

2. رسالة دون رؤية:

فهؤلاء يعرفون مسارهم لكن ليست لديهم خطة مكتوبة، فهؤلاء صالحون، نافعون، والقادة، والمربون. وهؤلاء جيدون غير أنهم غير واضحين في تحقيق الرسالة. ليس لديهم خطة ومتابعة، وفيهم جمع كبير ربما الأكبر من المتدينين والمشايخ. فهم زينة الدنيا غير أن الكفار والمُفسدين بتخطيطهم ورؤيتهم أقوى، قال تعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) (73 سورة الأنفال)، وهؤلاء عادة ما يحقّقون السعادة دون النجاح.

3. رؤية دون رسالة:

هؤلاء يعرفون ما يريدون دون أن يُحدِّدوا مسار حياتهم، مثلهم مثل العاملين في مؤسسات هادفة، والتجار المُركّزين على تجاراتهم فقط من أجل المال والنجاح، وهؤلاء جيدون في الخطوط الثانية في سير الحياة، لكن عادة ما يحقّقون النجاح ولا يحقّقون السعادة.

إقرأ أيضاً: كيف تبدأ رحلة النجاح؟ 8 خطوات تضمن لك بداية رائعة

4. لا رسالة ولا رؤيا:

فهؤلاء لا يعرفون مسارهم في الحياة ولا يعرفون ما يريدون، فهم أنواع منهم الحائرون فهؤلاء عليهم تحديد مساراتهم، وتخطيط حياتهم، وهناك نوع غائب في معطيات الدنيا غائص في اللذات فحسب، حياته بحثٌ عن المتعة. إنّ المتعة شيء جميل ومُحبَّب ويجب أن تكون في يوميات كل إنسان سعيد لكنّها ليست غايته وليست هي مطلبه الوحيد. إنّ هناك كثيرين هَمَّهم اليومي التمتُّع، وأكثر كلماتهم (عايزين نفرفش)، وأمثال ذلك في لهجتك الخاصة بك.

فالرسالة ترتبط ارتباطاً وثيقا بالسعادة، والرؤية ترتبط بالنجاح، ومن الأفضل الجمع مابين الاثنين لتحقيق السعادة والنجاح معاً، وإذا كانت لديك رؤيا ورسالة فقد يكون هذا المقال مؤنساً لك، ومهما كان تقصيرك من ناحية الرسالة أو الرؤية أو كليهما فإنّ فرانسيس بيكون يقول : "ها هو اختبار لمعرفة ما إذا كانت رسالتك على الأرض قد انتهت أم لا: إذا ما كنت حياً فهي لم تنته".

يقول كونفوشيوس: "إذا أردت أن يكون المستقبل صفحة مفتوحة أمامك فعليك أولاً أن تدرس الماضي"، فإذا كنت تريد الانتقال من واقعك الحالي إلى تحقيق ما تريد، سيكون ذلك بتشخيص الواقع وتحديد الطموح ومن ثم وضع خطة انتقالية، وتلك هي الإستراتيجية الصحيحة في التغيير.

 

المصادر:

  • كيف تخطط لحياتك - د. صلاح صالح الراشد - مركز الراشد
  • إدارة الأولويات - ستيفن كوفي - مكتبة جرير
  • من هنا ابدأ إدارة وقتك - فرنسيس كي - مكتبة جرير



مقالات مرتبطة