الذكاء العاطفي: تعريفه، ومكوناته، وأهميته في القيادة

قد لا تضمن لك المهارات التقنية التي ساهمت في ترقيتك الأولى الحصول على ترقية أخرى، فإذا كنت تطمح لتنال منصباً قيادياً، فهناك عنصر عاطفي عليك مراعاته، ليساعدك على تقديم الكوتشينغ لأعضاء فريقك بنجاح والتعامل مع التوتر وتقديم التغذية الراجعة والتعاون مع الآخرين؛ يتمثل هذا العنصر بالذكاء العاطفي، وهو ما يميز أصحاب الأداء العالي عن أقرانهم من ذوي المهارات التقنية والمعرفة المشابهة.



ما هو الذكاء العاطفي؟

يُعرَّف الذكاء العاطفي بأنَّه القدرة على فهْم عواطفك الخاصة وإدارتها، إضافةً إلى التعرف إلى عواطف مَن حولك والتأثير فيها، لقد صاغ هذا المفهوم كلٌّ مِن الباحثَين وعالمَي النفس جون ماير (John Mayer) وبيتر سالوفي (Peter Salovey) لأول مرة في عام 1990؛ ولكن نشره لاحقاً عالِم النفس دانييل غولمان (Daniel Goleman).

فمنذ أكثر من عقد من الزمن، سلَّط غولمان (Goleman) الضوء على أهمية الذكاء العاطفي في القيادة، قائلاً في حديثه لمجلة هارفارد بيزنس ريفيو (Harvard Business Review): "يتشابه القادة الأكثر فاعلية في صورة واحدة جوهرية، وهي أنَّ لديهم جميعاً درجة عالية مما أصبح يُعرف باسْم الذكاء العاطفي، ولا يعني هذا أنَّ معدل الذكاء والمهارات التقنية ليست ذات صلة، فهي هامَّةٌ، لكنَّها تعد متطلبات بدائية للتعيين في المناصب التنفيذية".

على مر السنين، تطوَّر مفهوم الذكاء العاطفي (المعروف أيضاً باسْم الحاصل العاطفي (EQ)) ليتحول إلى مهارة لا غنى عنها؛ فقد أصبح الذكاء العاطفي أقوى مؤشر على الأداء في عالم الأعمال.

لقد لاحظ مديرو التوظيف أنَّ 71% من أرباب العمل الذين شملهم استطلاع موقع الأعمال كارير بيلدر (Career Builder) قد صرحوا أنَّهم يقدِّرون الحاصل العاطفي (EQ) أكثر من معدل الذكاء (IQ)، وذكروا أنَّ الموظفين ذوي الذكاء العاطفي العالي تزيد فرص حفاظهم على هدوئهم تحت الضغط، وحلَّ النزاعات بصورة فعالة، والاستجابة لزملائهم في العمل بتعاطف.

إقرأ أيضاً: ما هو الذكاء العاطفي؟

المكونات الأربعة للذكاء العاطفي:

عادةً ما يمكن تقسيم الذكاء العاطفي إلى أربع كفاءات أساسية هي:

  1. الوعي الذاتي.
  2. إدارة الذات.
  3. الوعي الاجتماعي.
  4. إدارة العلاقات.

لتحسين ذكائك العاطفي، من الهام أن تفهم ما يمثله كل مكوِّن؛ لذا سنلقي نظرةً متعمقة على هذه المكونات الأربعة:

إقرأ أيضاً: 55 اقتباساً ملهماً يظهر قوة الذكاء العاطفي

1. الوعي الذاتي:

يتمحور كلُّ شيء حول الوعي بالذات، فهو لا يصفُ قدرتك على إدراك مَواطن القوة والضعف لديك فحسب؛ ولكن أيضاً التعرف إلى عواطفك وتأثيرها فيك وفي أداء فريقك.

وفقاً لبحث أجرته اختصاصية علم النفس التنظيمي تاشا يوريتش (Tasha Eurich)، يعتقد 95% من الأشخاص خطأً أنَّهم يمتلكون وعياً ذاتياً عالياً؛ مقارنةً بمَن هم كذلك حقاً والذين يمثِّلون نسبةً تتراوح بين 10- 15% فقط، مما قد يسبب مشكلات لموظفيك؛ حيث يمكن أن يؤدي العمل مع الزملاء غير الواعين ذاتياً إلى تقليل فرص نجاح الفريق إلى النصف، كما يؤدي إلى زيادة التوتر وتراجع الحافز.

إن أردت إبراز أفضل ما لدى موظفيك للآخرين، فعليك أولاً إبراز أفضل ما لديك، وهنا يأتي دور الوعي الذاتي؛ حيث تتمثل إحدى الطرائق السهلة لتقييم وعيك الذاتي في التغذية الراجعة العكسية (360 درجة)؛ حيث يمكنك أن تقيِّم أداءك ذاتياً ثم تقارنه مع آراء مديرك وأقرانك ومقدِّمي تقاريرك المباشَرة، وستكتسب من خلال هذه العملية وجهات نظر حول سلوكك الخاص وتكتشف كيف يراك الآخرون في المؤسسة.

2. إدارة الذات:

وهي القدرة على إدارة عواطفك لا سيما في المواقف العصيبة، والتمسك بنظرة إيجابية للأمور مهما اعترضك مِن انتكاسات، فيتصرَّف القادة الذين يفتقرون إلى إدارة الذات وفقاً لردات الفِعل ويجدون صعوبةً أكبر في السيطرة على اندفاعاتهم.

عادةً ما يكون رد الفعل تلقائياً يحدث دونما تفكير متعمق؛ لذا كلما كنت أكثر توافقاً مع ذكائك العاطفي، أصبح من الأسهل عليك التخلص من ردات الفعل والاحتكام إلى الاستجابات المنطقية، ومن الهام أن تتذكر التوقف لبرهة والتنفس وجَمع شتات نفسك وفعل كلِّ ما يتطلبه الأمر لإدارة عواطفك - كالمشي مثلاً أو التحدث مع صديقك - كي تتمكن من الاستجابة للضغوطات والشدائد بكامل إرادتك وعلى نحو ملائم.

3. الوعي الاجتماعي:

في الوقت الذي يكون فيه مِن الهام فهم عواطفك الخاصة وإدارتها، يجب عليك أيضاً فهم الجو العام؛ حيث يعبِّر الوعي الاجتماعي عن قدرتك على التعرف إلى عواطف الآخرين والديناميكيات داخل مؤسستك.

يطبِّق القادة المتفوقون في الوعي الاجتماعي التعاطفَ، ويسعون جاهدين لفهم مشاعر زملائهم ووجهات نظرهم، مما يتيح لهم التواصل والتعاون بصورة أكثر فاعليةً مع أقرانهم.

تَعدُّ شركة تطوير القيادة العالمية (DDI) التعاطف مهارة القيادة الأكثر أهمية؛ حيث أفادت أنَّ القادة الذين يتقنون التعاطف يكون أداؤهم أعلى بنسبة 40% في الكوتشينغ وإشراك الآخرين وصُنع القرار.

في دراسة منفصلة أجراها مركز القيادة الإبداعية (the Center for Creative Leadership)، وجد الباحثون أنَّ المديرين الذين يُظهرون مزيداً من التعاطف نحو مقدِّمي تقاريرهم المباشَرة يراهم رؤساؤهم أشخاصاً أفضل أداءً.

فمن خلال إظهار التعاطِف في التواصل مع الآخرين، يمكنك تقديم أفضل دعم لفريقك، وتحسين أدائك الفردي على حد سواء.

4. إدارة العلاقات:

تشير إدارة العلاقات إلى قدرتك على التأثير في الآخرين وتقديم الكوتشينغ والمنتورينغ لهم وحل النزاعات بفاعلية.

يفضِّل بعض الأشخاص تجنُّب النزاعات؛ ولكن من الهام معالجة المشكلات معالجةً صحيحةً فور ظهورها؛ حيث تُظهر الأبحاث أنَّ كلَّ نزاع يُترَك عالقاً يمكن أن يضيع حوالي ثماني ساعات من وقت الشركة الثمين في الثرثرة والأنشطة غير المنتِجة الأخرى، مما يؤدي إلى استنزاف الموارد والروح المعنوية.

إن أردت إبقاء فريقك سعيداً، فعليك خوض تلك المحادثات الصعبة؛ ففي استطلاع حديث أجرته جمعية إدارة الموارد البشرية (the Society for Human Resource Management)، صنَّف 72% من الموظفين "المعاملة المحترَمة لجميع الموظفين على جميع المستويات" على أنَّها العامل الأول في الرضا المهني.

شاهد بالفيديو: خمس مكونات رئيسة للذكاء العاطفي

سبب أهمية الذكاء العاطفي:

يحدد القادة أسلوب مؤسَّساتهم والجو العام فيها، فإذا كانوا يفتقرون إلى الذكاء العاطفي، فقد يكون لذلك عواقب بعيدة الأمد، مما يؤدي إلى انخفاض مشاركة الموظفين وارتفاع معدل دوران العمالة.

قد تتفوق تقنياً في وظيفتك؛ لكن إذا لم تتمكن من التواصل الفعال مع أعضاء فريقك أو التعاون معهم، فستكون تلك المهارات التقنية دون جدوى؛ فمن خلال إتقان الذكاء العاطفي، يمكنك الاستمرار في تطوير حياتك المهنية ومؤسَّستك على حد سواء.

 

المصدر




مقالات مرتبطة