الخلاف المالي بين الزوجين: كيف ينشأ؟ وكيف نديره بشكل صحيح؟

عندما يُنسَف الحب والود والرحمة أمام أدنى مشكلة مالية تعترض سبيل الزوجين، وعندما تطغى المشادات الكلامية والإهانات ووابل الاتهامات بينهما، وعندما يتحول المال من وسيلة لجعل الحياة كريمة وآمنة، إلى محور أساسي مسيطر على حديث الزوج والزوجة، وإلى معيار جوهري يحكم علاقتهما، وعندما يتحول حوار الأزواج من مستوى النقاش الواعي حول مصير الأولاد والخطط المستقبلية الخاصة بهم كعائلة ومؤسسة، إلى مجرد حوار بائس عن النفقات والمصروفات والطعام والملبس؛ كل هذا يعني أنَّنا أمام معضلة كبيرة، وأنَّنا فقدنا الغاية الأساسية من الزواج.



تحوَّل المال اليوم إلى ورقة ضغط يستخدمها الرجال والنساء في سبيل إهانة بعضهم بعضاً، والتشفي ببعضهم بعضاً؛ إذ لطالما انتهي حديث الزوجة بجملة: "أنا مَن أعطتك المال لكي تشتري ذلك العقار، أنا التي صنعت مستقبلك، هل نسيت هذا"، أو قال الرجل: "ألا تتذكرين شكل حياتك البائس عندما كنتِ في منزل والديك؟ كيف لك أن تطلبي مني هذه الطلبات؟!".

من جهة أخرى، تحوَّل معظم البشر إلى أناس قساة بعيدين عن الإنسانية والإحساس، حيث تقف بعض النساء موقفاً سلبياً أمام خسارة زوجها المالية، وتبدأ اتهامه بعدم المسؤولية والاستهتار، كأن تقول له: "لقد قضيت على حياتنا، أنت غير مؤهل لإدارة منزل"؛ فبدلاً من احتوائه وتقدير الموقف المتعب الذي يعيشه والأزمة النفسية التي يخوضها، تميل بعض النساء إلى تحطيم قلب زوجها ومشاعره.

لقد اختفت المعاملة الروحية والعاطفية بين الزوجين، وبات المال هو المتحكم والمسيطر على سير الأمور؛ الأمر الذي حول الرجل إلى مجرد مصرف مالي تأخذ منه المرأة المال أينما تشاء، وتسخط وتبكي وتتنمَّر في حال انقطاع التغذية المالية عنها.

لقد فهم الذكور مبدأ المساواة بين المرأة والرجل بطريقة خاطئة، فبات الرجل يطالب زوجته بضرورة المشاركة في تغطية نفقات المنزل من أجرها الشهري، معتبراً أنَّ من حقة ذلك، متناسياً مسؤوليته التامة عن النفقة والرعاية والاهتمام بالأسرة. ومن جهة أخرى، ربط معظم المجتمع قيمة الرجل بقيمة أمواله، فتغيرت نظرة المرأة إلى رجلها البسيط الساعي إلى استقرار العائلة وحياتها الكريمة، وتبنَّت نظرة جديدة قائمة على التقليل من أهميته وشأنه، لعدم امتلاكه المال الكافي لتلبية احتياجاتها المتزايدة.

كيف يُدار الخلاف المالي بين الزوجين؟ وكيف تُعاد للود والرحمة المرتبة العليا، وللمال المرتبة الأقل، في العلاقة الزوجية؟ ذاك مدار حديثنا خلال هذا المقال.

الهدف من الزواج:

يجب على الأشخاص المقبلين على الزواج توحيد نظرتهم إلى الهدف من الزواج، فبينما يَعدُّ البعض الهدف من الزواج بناء ثروة ومال وجاه بمساعدة الطرف الآخر، ينظر البعض الآخر إليه على أنَّه وسيلة لكبح جماح الأقاويل وثرثرة المجتمع، التي تتدخل في خصوصيات الناس، وتُسِيء إلى مَن يتأخر في الزواج، أو مَن يختار عدم الإقدام على هذه الخطوة. في حين أنَّ الهدف الأساسي للزواج والغاية الأساسية له هي السكينة والمودة، حيث يُطفِئ الزواج الاستقرار والأمان النفسي على كل من الزوجين، ويبني علاقة متينة بينهما بحيث تكون قوية أمام تحديات الحياة وصعوباتها.

تبدأ المشكلات الزوجية بالظهور عندما يضيع الهدف الأساسي للزواج، ويسيطر المال على كل التعاملات بين الزوجين، فيغدو الرابط الأساسي الذي يجمعهما تحت سقف واحد.

إقرأ أيضاً: ما هو الهدف من الزواج؟ وما هي شروطه؟

كيف ينشأ الخلاف المالي بين الزوجين؟

1. عدم وضوح النفقة:

لا يبحث معظم الرجال في الحقوق المترتبة عليهم، فيطالبون زوجاتهن بالمشاركة في المصاريف المنزلية، مُتناسين فكرة الذمة المالية المنفصلة بين الزوج والزوجة، ومتجاهلين قضية قوامة الرجال على النساء فيما يخص الأمور المالية، أي أنَّهم المسؤولون مسؤولية تامة عن النفقة، فيما يخص العلاج والتعليم والملبس والمأكل ونفقات الأولاد والمسكن. أمَّا إذا كانت المرأة عاملة، فهنا تعود لها الحرية التامة في المشاركة في نفقات المنزل أو عدم المشاركة.

2. البُخل:

يُعدُّ الرجل البخيل من أقسى أنواع البلاءات على الإطلاق، فهو لا يعترف بضرورة إنفاقه على منزله، ويرفض إعطاء زوجته وأولاده المال لشراء ما يحتاجون إليه من أساسيات؛ الأمر الذي يؤدي إلى كثير من الخلافات بين الزوجين.

شاهد بالفيديو: 6 وسائل تسهّل التعامل مع الشخص البخيل

3. الخسارة:

لا تتقبل معظم النساء الخسارة المالية لأزواجهن؛ إذ بدلاً من احتواء الموقف ومساندتهم في هذه المحنة، تنزع أغلب النساء إلى التشفي من أزواجهن، واتهامهم بـاللامبالاة والاستهتار وعدم المسؤولية.

4. عدم الاتفاق:

لا يتفق أغلب الأزواج على الأمور المالية قبل الزواج؛ الأمر الذي يعرِّضهم لكثير من العراقيل والخلافات بعد الزواج؛ إذ على سبيل المثال، إن كانت الأنثى ترغب في مساعدة أهلها مادياً، فيجب عليها وضع الرجل في صورة الأمر قبل الزواج، لكيلا تتعرض لأي موقف أو كلمة قاسية منه بعد الزواج.

5. عدم الحوار:

يسود معظم أنواع الزواج جو من الملفات المفتوحة، حيث يتحدث الزوجان عن مواضيع معيَّنة ولكن من دون الوصول إلى نتيجة نهائية فيها؛ الأمر الذي يجعلهما في حالة من التوتر والانفعال الدائم. على سبيل المثال: بدلاً من العصبية والتوتر على أمور مالية صغيرة، مثل تأمين أقساط المدارس والجامعات، ومن ثم إغلاق الحديث من دون الوصول إلى نتيجة معيَّنة؛ يجب على الزوجين النقاش الراقي، ومشاركة الأفكار، للوصول إلى الهدف المحدد، مع عدم التشعب في المواضيع الأخرى؛ حيث يؤدي طرح مواضيع أخرى بعيدة عن الموضوع الأساسي إلى البعد عن الهدف الأساسي للحوار، ويؤدي إلى غياب النتيجة المنشودة.

6. عدم وضع خطة لإدارة المنزل:

يعيش معظم الأزواج حياتهم بطريقة عشوائية من دون إدارة الجانب المالي في حياتهم؛ الأمر الذي يعرِّضهم لكثير من الخلافات المالية فيما بينهم. وهنا على الزوجين العمل على كتابة تفاصيل الموارد المتاحة لديهما (المرتَّبات)، ومن ثم حساب النفقات الضرورية التي لا يمكن تجاهلها (أجار منزل، قسط مدارس، طعام، ملبس، علاج... إلخ)، والنفقات الكمالية (رياضة، نزهات، تجميل الشعر والوجه)، والنفقات الطارئة، مع مراعاة ادخار قسم من الموارد.

إقرأ أيضاً: طرق اقتصادية لإدارة مصروف المنزل

7. عدم التسجيل:

قد يتشارك الزوج والزوجة في استثمار ما، إلا أنَّهما قد لا يدوِّنان ما يُثبِت حقوق كل منهما؛ الأمر الذي يسبب حدوث كثير من الخلافات المالية فيما بينهما لاحقاً؛ لذلك كان لزاماً عليهما تدوين الديون فيما بينهما، منعاً لحدوث مشكلات في المستقبل.

8. المتطلبات غير الواقعية:

قد تطلب النساء من أزواجهن طلبات غير واقعية، ولا تتناسب مع استطاعة الرجل المادية، مدفوعات بما يُشاهدن من مشاهد مبالغ فيها على مواقع التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال: تنبهر معظم النساء بالرحلات السياحية التي تقوم بها الممثلات ونجمات مواقع التواصل الاجتماعي، وبالمظاهر التجميلية التي تقوم بها المغنيات المشهورات؛ الأمر الذي ينعكس سلباً على علاقتهن بأزواجهن، حيث يرتفع سقف توقعاتهن وسقف طلباتهن من أزواجهن، ممَّا يضغط الأزواج مادياً ونفسياً.

8. النظرة إلى المال:

 ينظر كثير من البشر إلى المال بطريقة مشوهة؛ إذ لا يبالون بالقيم الأساسية التي تجمع بين الزوجين، مثل: قيم الود والرحمة والاحترام والإحساس المتبادل، ويركزون على قيمة المال فحسب، فيربط الزوجان سعادتهما بالمال؛ الأمر الذي يحولهما إلى قنبلة موقوتة في حال ظهور أي ضائقة مادية في حياتهما.

إدارة الخلاف المالي بين الزوجين:

1. الهدوء وعدم التسرع:

على الزوجين التصرف بهدوء لحظة المشكلات المادية، كأن تُفعِّل الأنثى خاصية السلام التي لديها، فتحتوي ضائقات زوجها المادية، ولا تتهمه بالتقصير والعجز عن إدارة المنزل، بل تعطيه الفُرص، وتُثنِي على أدائه مهما كان بسيطاً، من أجل دفعه إلى العمل بصورة أكبر، وبالتالي انخفاض المشكلات المادية في حياتهما.

2. الرحمة والمودة:

على كل من الزوجين تحديد الهدف الأساسي من الزواج، وهو المودة والرحمة، بحيث يكون لدى كل منهما حُسن ظنٍّ وعطف على الآخر، فلا تستطيع ضائقة مادية تعكير صفو علاقتهما.

3. الرجولة الحقيقية:

لا تكن رجلاً اتكالياً، بل اسعَ إلى أن تكون رجلاً حقيقياً يعرف واجباته تماماً، ويسعى لتأديتها بالشكل التام والكامل.

4. الإيمان بالقضاء والقدر:

على الزوجين تعلُّم مهارة تسليم الأمور العالقة إلى رب العالمين، والتكيُّف مع الواقع أيَّاً كان، والسعي للأفضل دوماً. حيث يضع التذمر والشكوى الدائمة والتفكير في السيناريو الأسوأ، الإنسان في حالة من الطاقة السلبية الخطيرة والمضرة.

5. الإدارة:

على الزوجين تعلُّم فن إدارة الأمور المالية في المنزل؛ فإن كان هناك شخص ما يعاني من عادة الإسراف، تستطيع الأم إدارة إسرافه من خلال تخصيص طريقة نقدية معيَّنة يدفع من خلالها، ومنعه من استخدام البطاقة الائتمانية. ثم إنَّ على الشركاء تسجيل كل النفقات، وعدم ترك الأمور تجري بطريقة عشوائية، مع إجراء تقييم ومقارنة بين النفقات والإيرادات، للوصول إلى ميزانية مناسبة للأسرة.

الخلاصة:

المال وسيلة لجعل الحياة أفضل وأيسر، ولكنَّ الأصل في الحياة الزوجية هو العلاقة الروحية والإنسانية بين الزوجين، وليس مقدار الحسابات البنكية في رصيد كل منهما.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة