الحياة عملية تعلُّمٍ مستمرٍ متسلسل

لا شك أنَّنا نتعلم وفق جدولٍ زمني؛ لكنَّ عملية التعلم تشهد تقلبات تُحجَب معها دروس الحياة تارةً، فما تتعلمه اليوم قد لا تستخدمه لسنواتٍ قادمة، وقد تتعلم دروساً بعد سنوات تتذكر أنَّها كانت لتفيدك في مواقف اليوم.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّن ورائد الأعمال "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، ويُحدِّثنا فيه عن تجربته في بدء عمله التجاري والدروس والعِبر المستفادة.

يقول المثل: "يظهر المعلم عندما يكون التلميذ مستعداً للتعلم"، وقد يتأخر تعلُّم الدروس المستخلصة من الحياة قليلاً، لكنَّنا لن نتعلم إلا حينما نكون مستعدين للتعلم؛ إذ تنتظر الحياة الفرصة المناسبة لتُعلِّمنا، لكنَّ قرار التعلم والاستفادة بأيدينا من خلال السعي النشط لاستنباط الدروس من التجارب المرجعية.

التجارب المرجعية منهاج الحياة التعليمي:

يهدف التعلم إلى تحقيق النمو، وإن لم تنمُ من خلال تجارب حياتك، فأنت لم تتعلم بعد، والأهم من ذلك، أنَّك لن تضاعف الفائدة ما لم تمتلك الأساس المعرفي المسبق، ولن تتعلم أمراً يعتمد على معرفةٍ سابقة ما تكن لم تمتلكها.

وحتى في حال قدَّمت إليك الحياة دروساً من نوعٍ ما، فلن تعالجها وتفهمها كحقيقةٍ حياتيةٍ مثبتة ما لم تؤهِّلك خبراتك السابقة لذلك؛ لهذا، نحن نصِف التعلم بالعملية المتسلسلة المترابطة، التي تتبع جدولاً زمنياً معتمدة على بعضها بعضاً.

قد لا تتخذ دروس الحياة مساراً خطياً، لكنَّ عملية التعليم يجب أن تتخذ مساراً خطياً:

التعلم عمليةٌ متسلسلة، إلا أنَّ الدروس الحياتية ليست متسلسلةً على الإطلاق؛ فقد تتعلم شيئاً كنت تحتاج إلى تطبيقه قبل عامين، أو ربما سيفيدك بعد عامين، وقد تتعرض لتجربة حياتية، ثم ينبثق الدرس المستفاد من تلقاء نفسه بعد عدة أسابيع، ويرجع ذلك إلى عدم توفر الشرط الأساسي للتعلم والفهم، وهو الأساس المعرفي المسبق، وهذا أحد أسباب تسلسل عملية التعلم، وعدم تسلسل الدروس.

قد يطرأ حدثٌ مفاجئ اليوم، لكنَّ عدم استعداد الفرد لفهم العبرة من هذه التجربة يحول بينه وبين الاتِّعاظ بالدروس الحياتية، فتتكرر التجربة، لكنَّه يفهمها لاحقاً؛ وذلك بعد أن فهم أموراً أخرى فتحت أمامه آفاقاً أخرى للوصول إلى الدرس المقصود، نعيد ونكرر، ستتعلم دروس الحياة بتسلسلٍ منطقي مترابط، لكنَّ الدروس والعِبر ليست مترابطة أو متسلسلة بشكلٍ منطقي.

شاهد: 5 طرق مذهلة لنمط حياتك يمكن أن تحدد نجاحك

الحياة سلسلة من عمليات التعلم:

يبني التعلم بعضه بعضاً، ومن الجميل أن ندرك هذا؛ لأنَّه يوجه أفعالنا باتجاهٍ منطقي، ويربط بين معلومات متفرقة متناثرة، وعملياً، نتعلم كثيراً من المعلومات لنطبقها في مواقف حياتية لا تربطها بها أيُّ صلة؛ فمن غير المستغرب أن نتعلم درساً في الإدارة من خلال تجاربنا العاطفية، ولن يكون مفاجئاً إن غيَّر العمل التجاري سلوكنا لنكون أفراداً أفضل في المنزل.

لا بدَّ أن نتعلم شيئاً من كل مكان، وكلما تعلمنا أكثر وبنينا بالمعارف حقائق حياتية ثابتة، اتَّزنت حياتنا على نحو أسرع؛ على سبيل المثال، يُعَدُّ البدء بعملٍ تجاري أكبر مثالاً على عمليات التعلم المتسلسلة، وبما أنَّ المرء يجهل ما لا يعرفه، فليس من المعقول أن تحصل على إجاباتٍ عن أسئلةٍ غير معروفة.

عندما تبدأ عملاً تجارياً أو تباشر عملاً جديداً، فإنَّ أهم خطوة هي معرفة الأسئلة التي ستُطرَح، ومع ذلك، فإنَّ الطريقة الوحيدة للقيام بذلك بنجاح هي تجربة كل خطوة في وقتها المناسب.

عندما أطلقتُ شركتي أول مرة، لم أكن أعرف أساسيات ريادة الأعمال، وحتى مع علمي بالتمويل، فلم أكن أتقن فن إجراء مكالمات المبيعات، ولم أعلم كيفية طرح الأسئلة المناسبة، أو البحث عن مصدر التعلم الصحيح، ولم أعلم كيفية كسب الإيرادات، ولحسن الحظ، كان شريكي تاجراً يمكن الاعتماد عليه، وقد خضنا معاً نفس المشوار، ومع ذلك، فقد أدرك كلانا أهمية التجارب المرجعية والمثابرة، وفهِمنا أهمية العمل.

إقرأ أيضاً: 4 دروس حياتية يمكنك تعلمها من الأطفال

تنفيذ ما يلائم العملاء:

لذا، فقد أجرينا اتصالاتنا بالشركات التي تلائم عملاءنا، وبدأنا الشركة بفكرة من دون وجود منتجٍ حقيقي، واكتشفنا أنَّ أفضل طريقة للتحقق من صحة هذه الفكرة هي تجربتها، ودفع الثمن، ويا لها من فرحة! فقد اهتمت شركات الخدمات بالفكرة، لكنَّهم لم يتجرؤوا على المجازفة، فكان علينا جَسر الهوَّة المتشكلة بين الاهتمام بالمنتج والسعر الذي يجب على العملاء بذله للحصول عليه.

هذا يعني أنَّه كان علينا تعديل قائمة أسعارنا، وتطوير فهم حقيقي بالتكاليف، ومن ثم تقديم قيمة دقيقة لخدمتنا؛ الأمر الذي يعني أنَّ علينا أيضاً التواصل مع مزيدٍ من الناس، ومحاولة فهم شكاوى العملاء وأهداف الشركة حتى نتمكن من إدارة المبيعات، وقد فعلنا ذلك، وتحسَّن وضع الشركة المادي.

بعد نحو ستة أسابيع من المراسلة البريدية والاتصالات غير المتوقَّعة، حصلنا على أول عملية بيعٍ ضخمة حققنا منها أرباحاً هائلة كأول عملٍ حقيقي لنا، وعلى الرغم من الصعوبات والعوائق الخفية في عملية البيع، إلا أنَّنا تعلَّمنا تقديم القيمة التي وعدنا العميل أنَّها ستُقدَّم له، وسارت الأمور على ما يُرام، وكان العملاء سعيدين؛ إذ ظهرت سعادة العميل بالعمل معنا من خلال تجديد عقده، لكن لم تكن تجربته سعيدةً لدرجة تجديد عقده بسرعة.

يُعَدُّ الانتظار أسوأ جزء من دورة المبيعات؛ فلم يكن لدينا أيُّ عملاء آخرين، وكنَّا مرغَمين على تجديد خدماتنا مع عميلٍ واحد؛ الأمر الذي جعلنا نبالغ في تقدير عميلنا الثمين لندفعه باستمرار إلى الشراء مرة أخرى، وهذا جعله يتراجع عن التعامل معنا، ثم فكرنا أنَّه ماذا لو كان لدينا خط مبيعات؟

نحتاج إلى خط مبيعات؛ لذا عدنا إلى خط البداية، ورسمنا طريقاً جديداً من لحظة وصول البضائع إلى البيع، وكثفنا مكالماتنا لنتمكن من الحفاظ على خط البيع نشِطاً.

وقَّعنا مع عملاء جدد، ولحسن الحظ، فقد عاد عميلنا الأول، بعد أن توقفنا عن الضغط عليه لمعاودة الشراء، وهذا جعلني أفكر بفكرة: أظهر عملك القيِّم للناس وقِف بعيداً وراقب، وإن قدَّمت خدماتٍ مميزة، فما عليك إلا الاسترخاء؛ لأنَّ العملاء سيعاودون الشراء من تلقاء أنفسهم بنهاية المطاف.

إقرأ أيضاً: 5 دروس مميّزة تقدمها لنا الحياة لتحقيق السعادة والرضا

في الختام:

الآن، بعد أن ازدهر خط البيع، أنا أعلم أنَّ الدرس القادم الذي عليَّ تعلُّمه هو كيفية التوسع، لكنَّني ما كنت لأتعلم التوسع بالأعمال التجارية ما لم أتعلم كيفية بناء خط البيع الذي يحتاج إلى التوسع؛ إذاً، التعلم عملية متسلسلة.

فإن كانت التجارب المرجعية طريقنا للتعلم، وكانت عملية التعلم عملية متسلسلة، فقد حان موعد البدء بالتعلم لنحقق أهدافاً سهلة المنال.

المصدر




مقالات مرتبطة