الحس الكوميدي الساخر: كيف نشأ وتطور عبر الزمن؟

في ظاهر الأمر، يعتقد بعض الناس أنَّ الفكاهة أو النكتة عبارة عن ظاهرة معقدة لأنَّها ترتبط بإحداث تغييرات وتأثيرات اجتماعية، وعاطفية، وفيزيولوجية، ومعرفية، وفكرية، وثقافية، ونفسية، وتثقيفية.



تعريف حس الفكاهة:

الفكاهة بمعناها البسيط تعني الخيط الرفيع الشفاف الذي يربط الناس ببعضهم بعضاً، ويمنحهم الشعور بالضحك والسرور والفرح والبهجة، ويُقصَد بالفكاهة استدعاء واستحضار المشاعر، والمواقف، والحركات، والانفعالات، والأشخاص، والكلمات التي تحمل في مضمونها الدهشة، والتسلية، والدعابة، والنكتة، والضحك، وعنصر الفنتازيا.

إنَّ حس الفكاهة لا يعني بشكل مباشر أن تحفظ النكات عن ظهر قلب وتسردها على مسامع الآخرين؛ بل الأمر على عكس ذلك تماماً، فإنَّ حس الفكاهة يعني أن تمتلك القدرة على التحدث وفتح أحاديث ودردشات بطرائق إبداعية وكوميدية ومضحكة وساخرة بعض الشيء، وذلك دون أن تقصد التجريح بالآخرين أو توجيه إهانات لهم أو لشخصهم أو لأشخاص يتعلقون بهم.

بلا شك، ثمة فارق كبير بين أن تكون مضحكاً؛ أي مهرج وصاحب نكتة، وبين أن تتمتع بروح تحمل الدعابة والنكتة والضحكة والبهجة إلى قلوب الآخرين وأرواحهم، فأما أن تكون مرحاً؛ فهو أن تكون قادراً على التعبير عن فكرة ما أو طرح موضوع ما بروح تحمل الدعابة وتتحلى بها.

وأما أن تكون مضحكاً؛ فيعني أن تمتلك حس الفكاهة أو ما يسمى بالحس الكوميدي الساخر، وأن تكون بارعاً في التهريج وتستطيع بذكائك أن تقلد شخصيات معروفة؛ وهذا ما يسمى بملَكة التقليد؛ وهي موهبة ربانية ومَكْرُمة من الله سبحانه وتعالى، فيوجد أشخاص يملكون موهبة التقليد، فيتقمصون شخصيات حُفِرت في الذاكرة والتاريخ والوجدان، ويقلدونها بحركاتها وطريقة كلامها وملامحها وطريقة مشيتها.

ما هي الأساليب التي تدعو إلى الفكاهة؟

1. الحس الفكاهي الذي يعزز الذات والنفس البشرية:

يمنح هذا النوع من الحس الفكاهي الإنسان شعوراً عميقاً بالرضى عن النفس والذات؛ كأن يقوم الإنسان على سبيل المثال لا الحصر بالضحك على نفسه نتيجة تصرُّف يتسم بالحماقة والغباء وقلة الذكاء، فيلجأ الإنسان إلى الأسلوب المضحك المبكي، ويتذكر نكات مضحكة ليخفف عن نفسه الضجر والاستياء والحزن الناجم عن عدم رضاه وسعادته إزاء التصرف غير الصحيح الذي فعله أو إزاء الذنب الذي اقترفه.

2. الحس الفكاهي الذي يعمل على تعزيز الشعور والإحساس بالانتماء:

يتضمن هذا النوع من الحس الفكاهي أن يقوم الشخص بإخبار ونقل وسرد النكات التي تثير الضحك عند الناس والقهقهة بصوت عالٍ ومسموع، والهدف هنا من الحس الفكاهي الذي يعزز الإحساس بالانتماء هو القدرة على إضحاك جماعة من الناس، وزرع الابتسامة على محياهم، وإنشاء جو من الدعابة والضحكة التي تدخل في تفاصيل يومياتنا، فيحلو مر الحياة ويصفو كدرها.

3. الحس الفكاهي الذي يحمل الميول العدوانية وصفة الاعتداء على الآخرين ومواجهتهم بسلوك عدواني لا يمت للود والحب بصلة:

يتضمن هذا النوع من الحس الفكاهي توجيه إهانات وكلام لاذع للآخرين يكون محشواً في ثنايا نكتة غير محببة تزعج المتلقي وتبث في نفسه شعوراً سلبياً بأنَّه يتعرض لإهانة شخصية؛ لذا هذا النوع من النكات غير مقبول نهائياً؛ لأنَّه يثير الجدل، والغيبة، والنميمة، والاستهزاء بالناس، كما ينم عن قلة الاحترام وسوء خلق الشخص الذي يتفوه بنكتة ساخرة تحمل في طياتها كلاماً ملغوماً بذيئاً يحمل والنقد الهدَّام الجارح، فالأشخاص الذين يستخدمون هذا الأسلوب الدنيء من النكات، هم حتماً أناس غرضهم التنمر على الآخرين وتهديديهم نفسياً أو بشكل حقيقي وجريء.

4. الحس الفكاهي الذي يحمل صفة الانهزامية والاستسلام للآخرين:

إنَّ مَن يتبع هذا النوع من النكات يكون بالحقيقة شخصاً ضعيفاً فارغاً من الداخل، ويعاني من هشاشة نفسية، وضعف بالشخصية، وعموماً، فإنَّ علماء النفس والمستشارين النفسيين يشيرون إلى أنَّ هذا النوع من النكات غير صحي، ويؤذي صاحبه، ويخفف من قدره ومكانته الاجتماعية واحترامه لنفسه ونظرة الآخرين له وشعورهم تجاهه.

شاهد بالفديو: 7 فوائد صحيّة يقدمها الضحك للجسم

ما هو تأثير حس الفكاهة في النفس؟

1. على صعيد الحياة الصحية:

  • يقوي حس الفكاهة مناعة الجسم، ويعمل على تعزيز عمل جهاز المناعة والجملة المناعية.
  • يعمل حس الفكاهة على تنظيم عمل ونشاط الدورة الدموية في الجسم.
  • يساعد حس الفكاهة على زيادة تدفق الدم في الشرايين والأوردة والأوعية الدموية، ويسهل وصوله إلى المخ والأعصاب وباقي أعضاء الجسم.
  • يخفض حس الفكاهة معدل ضربات القلب بحيث يجعلها منتظمة ومتوازنة.
  • يعمل حس الفكاهة على تحسين صحة القلب ورفع كفاءة العضلة القلبية.
  • يخفض حس الفكاهة من معدل ارتفاع ضغط الدم.
  • يخفض حس الفكاهة من التوتر العضلي.
  • يفيد حس الفاكهة في تعزيز الصحة النفسية، وتقوية المعنويات ويُعَدُّ علاجاً فعالاً ضد الاكتئاب، والهلوسة، وحالات الإحباط، ونوبات الهيستيريا، والهوس، والوسواس، والقلق العصبي والنفسي، وفقدان القدرة على النوم.
إقرأ أيضاً: 9 فوائد صحية للضحك ستجعلك دائم الابتسامة

2. على صعيد الحياة الاجتماعية:

  • إنَّ امتلاك حس الفكاهة يساعد على اكتساب عدد أكبر من الأصدقاء.
  • إنَّ الشخص الذي يتمتع بحس فكاهي عالٍ يصبح كالمغناطيس ينجذب إليه الناس بقوة وباللاشعور ويتقربون منه.
  • إنَّ الشخص الذي يتحلى بحس فكاهي عالٍ يحظى بمحبة الناس، وقربهم منه، وتواصلهم الدائم معه، وحبهم الدائم له وللاستماع له، والاهتمام به، والبحث عنه في وقت غيابه.
  • حس الفكاهة وطرح النكات التي تحمل الدعابة والمرح ينشئ جواً من الإيجابية بين الناس في الجلسات والاجتماعات والرحلات والنزهات والجمعات، وينشر الضحك، ويبهج الروح، ويقرب الناس من بعضهم، وينشر الحب فيما بينهم.

شاهد بالفديو: 8 فوائد صحية للضحك

ما هي مزايا حس الفكاهة؟

  1. الشخص الفكاهي الذي يعمل في وظيفة سواء أكانت حكومية أم غير حكومية، من المؤكد أنَّه سيحظى برضىً وإعجابٍ وحبٍّ من قِبل زملائه ومديره في العمل وشركائه في صفقة ما أو مكتب عمل.
  2. إنَّ الشخص الفكاهي بإمكانه أن يقود فريقاً من الموظفين أو اللاعبين أو العملاء، وينجح في إدارة عمله؛ لأنَّه شخص مرح بالتأكيد.
  3. الحس الفكاهي وسيلة ذكية وأداة فعالة لتخليص الجسم من حدة التوتر وآلامه وصعوباته، ويشكل حلاً كافياً للقضاء على نوبات الغضب والهيستيريا والقلق العصبي والنفسي.
  4. الحس الفكاهي يساعدنا على التخلص من ضغوطات الحياة المعاصرة؛ فهو بمنزلة رياضة للعقل والفكر والروح.
  5. الحس الفكاهي عبارة عن مبادرة ونشاط إنساني خلاق وفعال، ويترك أثراً في المجتمع وبصمة لا تزول.
  6. وجود بيئة توفر لك عنصر الفكاهة والدهشة والفنتازيا هو أمر ضروري للغاية؛ لأنَّه يساعدك على اكتشاف مفاتيحك الإبداعية، ويجعلك ترى الأشياء بطريقة أخرى أكثر تطوراً وابتكاراً وانفتاحاً، كما أنَّه ينقلك من التفكير المحدود إلى التفكير الأوسع أو اللامحدود ذي الآفاق الممتدة الواسعة.
  7. الحس الفكاهي يهدئ الأعصاب ويمنحك القدرة على الاسترخاء.
  8. الحس الفكاهي يقوي ويمتن روابط وجذور الثقة بين الأفراد.
  9. إنَّ الحس الفكاهي يزيد من حجم إنتاجية العمل، وينمي فينا الحماسة، والشغف، والاندفاع نحو العمل، والتميز، والإنجاز، وقطف ثمار العمل، والنجاح، والمنافسة الشريفة.
  10. الحس الفكاهي يجعلنا أصحاب رسالة قوية، وهادفة، عنوانها الضحكة البريئة والابتسامة اللطيفة، وهدفها إسعاد الإنسان والعمل في سبيل تأمين خدماته، والتضامن مع قضاياه ومناصرته، وتخفيف آلامه وأوجاعه ومآسيه ومسح دمعته.
إقرأ أيضاً: أبرز 10 فوائد علمية للضحك يجب عليك أن تعرفها

هل بإمكاننا نحن البشر أن نتعلم أسس ومهارات حس الفكاهة وأن نتقنه شأنه في ذلك شأن أي علم آخر؟

لقد عمل اختصاصيو علم النفس البشرية والذات الإنسانية ومنهم أطباء نفسيون ومحللون في علم النفس على إجراء دراسات وأبحاث وتجارب كثيرة، وبعد هذه الدراسة والمكثفة والطويلة والتي استغرقت سنوات كثيرة، انقسم علماء النفس إلى طائفتين: طائفة تَعُدُّ أنَّ حس الفكاهة ليس سوى نوع من أنواع السموم الفطرية؛ أي إنَّه صفة سلبية تصل إلى حدِّ السُّميَّة، وتولَد مع الإنسان بالفطرة وتنمو معه وتكبر خلال مراحله العمرية وتقدمه في السن.

وطائفة تَعُدُّ أنَّ حس الفكاهة هو ضرب من ضروب الدعابة، وينم عن روح مرحة جميلة لا تعرف الحقد، ولا تضمر في داخلها تجاه الآخرين سوى الخير، وتسعى خلال سنين حياتها إلى نشر قيم المحبة والخير والسلام والعدالة الإنسانية في هذه الدنيا، وتحلم بوجود ما يسمى بالمدينة الفاضلة أو يوتوبيا كما سماها الشعر أو الجنة الحقيقية التي ذكرها الله عز وجل في كتابه الحكيم.

في الختام:

إنَّ الجزء الأصعب من حادثة الفكاهة بكل جزئياتها هو القدرة على إضحاك الآخرين، وزرع البسمة على وجوههم، وبث الطاقة الإيجابية، وإنارة زوايا روحهم العاتمة؛ وهذا يدفعهم لطرد الأفكار السلبية، والتخلص من التشاؤم والاكتئاب، والتوجه نحو الإنجاز، والانخراط في الحياة الاجتماعية، وحب الناس، وخوض ميادين الحياة والعمل وكافة مجالاتها.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة