الحاسة السادسة حقيقة أم خيال؟

كثيراً ما ينتابنا شعور بالأشياء قبل حدوثها، أو نشعر بالقلق تجاه بعض الناس أو المواقف ويَصدق إحساسنا. قد يرن جرس الهاتف ويخطر على بالنا أنَّ المتحدث صديق قديم؛ وما أن نرفع السماعة حتى نسمع صوته، أو نرى حلماً ويحصل في اليوم الآخر، أو نلتقي بأشخاص لطفاء لكن لا نشعر بارتياح لهم، ونشعر بهاجس لا ندرك مصدره يجعلنا ننفر منهم، ويطالبنا صوتنا الداخلي بأن نتجنبهم ونتَّقي شرَّهم المرتَقَب، ويصدق هذا الصوت فعلاً عندما تتوطد علاقتنا بهم!



ومن أشهر الأمثلة على الحاسة السادسة، قصة الشخص الذي ألغى رحلته الجوية بعد أن انتابه "شعور سيء" حيال الرحلة، وفي وقتٍ لاحقٍ، علِم أنَّ الطائرة التي كان سيستقلُّها تحطمت!

ما هي الحاسة السادسة؟

منحنا الله عز وجل الحواس الخمس: الشم، واللمس، والتذوق، والسمع، والبصر؛ لنستعين بها في حياتنا، وندرك الأشياء من حولنا، ثمَّ بدأ ينتشر بين الناس مع الزمن مصطلح "الحاسة السادسة"؛ ووصفها فلاسفة الهنود "العين الثالثة"، فما هي هذه الحاسة؟

الحاسة السادسة: إحساس فطري لا إرادي، بعيد عن المنطق، يُمَكِّننا من معرفة المجهول والتنبؤ بالمستقبل، لكن لا يعدُّ هذا التنبؤ صادقاً أو مضموناً مئة في المئة وأغلبنا يمتلك هذا الإحساس لكن بدرجات متفاوتة.

ومن وجهة نظر علماء النفس؛ هي قدرة الشخص على تَوقُّع الحدث القادم بناءً على ربط أحداث منطقية في التوقيت الحاضر، وهذا التنبؤ مبني على الواقع وبعيد عمَّا يُعرف بالوساطة الروحية أو الاطلاع على الغيبيات، وإنَّما على معلومات مختَزَنة في العقل الباطن؛ فالإنسان يعيش منذ ولادته آلاف التجارب، ويختبر الكثير من المشاعر والأحاسيس، التي يختزنها العقل الباطن، ليتركها تطفو على السطح لاحقاً، خاصة عند اتخاذ القرارات، والحكم على الآخرين.

ويرى بعض العلماء أنَّ الشعور بما سيحدث أو توقُّع أمر خارج إطار الحواس الطبيعية؛ لا يُعدُّ أمراً خارقاً للعادة، لكنَّه من الممكن أن يَحدُث نتيجة تخزين الدماغ لشتى المعلومات في ما يتعلق بموضوع ما، وبالتالي من الممكن الاستعاضة عن مفهوم الحاسة السادسة بمفهوم الفراسة.

الحاسة السادسة حقيقة أم خيال؟

من أشهر قصص الحاسة السادسة، قصة (مورغان روبرتسون) الذي تنبأ بحادثة سفينة "التايتانك"، عندما كتب رواية عام 1898، وتَحقق حدسه عندما تحقَّقَت روايته بتفاصيلها بعد أربعة عشر عاماً!

وقصة (جين ديكسون) التي تنبأَت عام 1952 أنَّ (جون كينيدي) الذي لم يكن معروفاً سياسياً بعد، سيصبح رئيساً للولايات المتحدة، وسوف يُقتَل في أثناء فترة رئاسته، وقد تَحقَّق حدسها بحذافيره بعد أحد عشر عاماً!

كان يُعتقد قديماً أنَّ الحاسة السادسة خرافة وليس لها تفسير علمي، وكان أول مَن تناول ظاهرة الحاسة السادسة؛ العالِم الألماني (رودولف تستشنر)؛ وذلك في أوائل العشرينات من القرن الماضي، وأَطلق على هذه الظاهرة مصطلح E.S.P المنسوب بشكل مجازي إلى الحاسة السادسة، وقام بتصنيفها إلى فروع، وهي: الاستبصار، والتنبؤ، ونفاذ البصيرة إلى الأشياء، والأشخاص، والأحداث، وقراءة الأفكار.

وأثبتت الدراسات العلمية الحديثة أنَّها موجودة لدى كل إنسان في جزء من الدماغ يتعامل مع حل الصراعات، وتظهر بشكل واضح عند الشعور بالخطر الذي يزيد عند المرأة أكثر من الرجل.

احتار العلماء في موضوع الحاسة السادسة، أهي حقيقة أم ضرب من الخيال؟ وجاءت آراءهم مختلفة، فمثلاً:

  • اعتَبرت بعض الدراسات أنَّ مركزها أنف الإنسان؛ لأنَّه مختص بالغريزة والانجذاب العاطفي، وسُمِّي بعضو (جاكوبسون) نسبةً للعالِم الدنماركي الذي اكتشفه.
  • حاول العلماء - ومنذ مدة طويلة - أن يحدِّدوا العضو المسؤول عن الأحاسيس الخارقة، ويعود ذلك لأيام (أرسطو) و(أفلاطون)، مروراً (بابن سينا) و(ابن رشد) الذين رجَّحوا وجود الحاسة السادسة فيما ُيطلَق عليه "الجسم الصنوبري" في دماغ الإنسان، والجسم الصنوبري هو غدَّة تتسم بالغموض، واختلف العلماء في تحديد وظيفتها ومهامها رغم أنَّها مسؤولة عن إفراز هرمون (الميلاتونين)، ولكنَّهم يَعتقدون أنَّ هذه الغدة ذات الشكل الصنوبري هي المسؤولة عن الظواهر السيكولوجية الخارقة، ولها دور هام في توارد الخواطر واستشراف المستقبل، والشعور عن بعد والإحساس المسبَق بالكوارث.
  • أوضح فريق من الباحثين في جامعة واشنطن أنَّ منطقة المخ المعروفة بالقشرة الداخلية الطوقية تقع قرب قمة الفصوص الأمامية، وإلى جانب الفواصل التي تفصل بين قسمي المخ الأيسر والأيمن، تُطلق إنذاراً بشأن الأخطار التي لا تستطيع الوصول للمخ الواعي، وأنَّ تلك القشرة مرتبطة ببعض الاضطرابات العقلية، مثل: الشيزوفرينيا، والاضطراب العدواني القهري.

قال الفيلسوف الفرنسي (ديكارت) عن الحاسة السادسة: "إنَّها الجهاز المنسِّق بين الروح والجسد".

وهذه بعضٌ من آراء الأطباء والأساتذة الجامعيين عن الحاسة:

  • يقول الدكتور (محمد السقا)، مدرِّس علم اجتماع في جامعات مصر: "إنَّ الحاسة السادسة ليست سوى منحة ربانية يهبها الله عزَّ وجل لمن يشاء من عباده، فبعض الناس يمتلكون شفافية غريبة يعرفون من خلالها أموراً مخفيةً، وهذا ما تحدَّث عنه "علم التلباثي"؛ وهو شعور الفرد بما يَحدث لشخصٍ عزيزٍ أو قريبٍ يبادله نفس المشاعر والأحاسيس بغضِّ النظر عن بعد المسافة بينهما، وهذه مَكرُمة من الله لعباده؛ فتَلاقي الأرواح أمراً قدَّره الله تعالى للناس بعيداً كل البعد عن أمور الغيب والتكهن".
  • أمَّا الدكتور (وائل أبو الحسن) - أستاذ العلوم الصحية - فيرى أنَّ الحاسة السادسة تكون بتفاعل الإنسان مع الآخرين عن طريق حواسه الخمس الطبيعية، بحيث يكتسب ويتعلم ويحصل على مخزون كبير من المعلومات والخبرات التي تمكِّنه من تفعيل وتقوية حدسه، وينكر بأنَّ هناك فرق بين حدس الرجال والنساء، ولكنَّ الفرق في المواقف والمعلومات التي يختزنها الفرد.
  • وتقول الدكتورة (لميس الراعي)، رئيسة قسم طب الأمراض النفسية بكليَّة طب قصر العيني: "إنَّ الحاسة السادسة تتبع الباراسيكولوجي؛ وهو علم النفس الذي يرصد ظواهر لم يتم تحقيقها من خلال النظريات العلمية؛ إنَّما لوحظت في الحياة، ومنها الاستشعار عن بعد، كذلك الفكرة التي تذهب من شخص إلى آخر أو ما يسمَّى: توارد الخواطر أو التلباثي، وهي عملية انتقال الأفكار من عقل شخص إلى عقل شخص آخر تفصلهما مسافة طويلة".
  • وتقول الدكتورة (كاملة إبراهيم) استشاري أمراض نفسية وعصبية: "إنَّ الحاسة السادسة لها أنواع متعددة، فمنها ما هو قائم على الاستبصار؛ وهو شعور الفرد بأنَّه قد رأى هذا المكان أو الشخص أو عايَش الموقف ذاته، الذي يحدث أمامه في تلك اللحظة، ومنها ما هو قائم على التنبؤ بما سيحدث، كالشعور نحو إنسان بعدم الارتياح لمجرد رؤيته دون حتى التعامل معه، وتشمل الحاسة السادسة قراءة أفكار ومشاعر الغير".
  • يشير الدكتور (عاطف سمير)، المختص في الأمراض النفسية والعصبية إلى الفهم الخاطئ لدى الناس للحاسة السادسة، وأنَّ مقدرة الفرد على الاستنتاج تكون من خلال خبرته ومعلوماته المكتسبة من تجارب الحياة المختلفة.
  • وهناك من ينكر وجود الحاسة السادسة كالدكتور (عبدالله مختار)، ويستعيض عنها بالحدس الذي عرَّفه على أنَّه الجزء الذي يوجد فيه جلاء السمع والبصر؛ أي سماع ورؤية ما لا يسمعه أو يراه غيرنا!
إقرأ أيضاً: مهارة التخاطر

الحاسة السادسة عند المرأة:

تشعر الأم مثلاً أنَّ ابنها مريض أو ليس على ما يرام لو كان في بلاد أخرى بعيد عنها، أو قد تصحو فجأة من نومها العميق، معتَقِدة أنَّ طفلها الصغير سوف يقع من سريره، ويكون الطفل في هذه الحالة فعلاً، وتراودها الكثير من المشاعر الغامضة تجاه أشخاص أو مواقف، ويَصدق إحساسها فيما بعد.

أُجريت تجارب في هذا الصدد على الأرانب الأمهات، أخذ العلماء أرنباً في غواصة تحت البحر، وركَّبوا جهاز قياس ذبذبات المخ على مُخِّها، وأمسكوا  بصغارها وذبحوهم؛ فوجدوا أنَّ الأم تصاب بذبذبة في كل مرة يتم فيها ذبح أحد صغارها، وتوصلوا إلى أنَّ هناك ارتباطاً بين الأم والصغار رغم البعد المكاني، وفسروا ذلك بأنَّ الكونَ مليءٌ بالموجات الكهرومغناطيسية التي تتردد ونحن لا نسمعها.

تعتمد المرأة في الحياة عموماً على مشاعرها بشكل أكبر من الرجل الذي يميل بطبعه للعقلانية والمنطق؛ فالمرأة بطبيعتها كائن عاطفي؛ لذلك نراها تعيش دائماً مشاعر قلق وخوف من المستقبل، وهي دائمة التفكير عمَّا سيحدث، فهي تحب أن تحضِّر نفسها للمواجهة، لأنَّها لا تحب الصدمات مثل الرجل الذي لا يقلق من مواجهة الأمور مهما بلغَت خطورتها، لذا فإنَّ الكثيرين يرون هذه الحاسة أكثر حدة وشفافية لدى المرأة من من الرجل!

هل الحاسة السادسة موجودة لدى الجميع؟

تقول (جيرترود شميدلر) - أستاذة علم النفس بجامعة نيويورك -: أنَّها استخلصَت من دراسات أجرَتها أنَّ أغلب الناس لديها الحاسة السادسة، يستطيعون من خلالها تحقيق تخميناتهم أو استبصاراتهم بشكل أو بآخر خلال حياتهم اليومية.

ويؤكِّد العلماء أنَّه لا يوجد علاقة بين الحاسة السادسة والذكاء؛ إذ ليس بالضرورة أن يتمتع الشخص الذي يمتلكها بأي نوع من أنواع الذكاء، ودليلهم على ذلك بأنَّ هناك كثير من الأشخاص البُلهاء الذين لا يوجد لديهم أي ذكاء، استطاعوا التنبؤ بكثيرٍ من الأشياء قبل حدوثها.

هل الحاسة السادسة تقوى وتضعف؟

يقول المفكر المسرحي الراحل (سعد الله ونُّوس) في إحدى ندواته: أنَّ "الناس الأقل تأملاً وإطلاقاً للأسئلة، والأقل انشغالاً بالأمور الكونية، والأدنى عاطفة وإحساساً، تكون الحاسة السادسة لديهم بدرجة أقل؛ لأنَّها تحتاج توفُّر حد أدنى من صفاء الذهن والروح".

فالحاسة السادسة ليست ثابتة كباقي الحواس الخمس الأخرى؛ لأنَّها حاسة لا إرادية تحضر لحظةً وتغيب أياماً، وتؤكِّد الدراسات أنَّ الحاسة السادسة تقوى وتضعف عند الشخص ذاته، ويرتبط ذلك بصفاء الذهن، وهدوء الأعصاب، واعتدال المزاج، وعناصر شخصية ونفسية أخرى متشابهة، حتى هؤلاء الذين يتمتعون بحاسة سادسة قوية لابُدَّ لهم من شرطٍ أساسيٍّ يتيح لحاستهم استقبال الإشارات دون تشويش، وهذا الشرط هو توفُّر حد أدنى من صفاء الذهن واعتدال المزاج.

كيف نُقوِّي الحاسة السادسة؟

يقول العلماء إنَّه بإمكاننا تقوية الحاسة السادسة لدينا، باتباع الخطوات التالية:

1. سماع صوتنا الداخلي:

نحن نعيش في عالم صاخب وأحداث يومية متسارعة؛ نبتعد عن أنفسنا كثيراً ولا نسمع صوتنا الداخلي؛ لذلك من الضروري ضمان الصمت الداخلي، لنزيد احتمال سماع صوتنا الداخلي وهو يخاطبنا.

2. الإصغاء للحدس:

أن نصغي لحدسنا، ولا نحاول تجاهله، خاصةً عندما ينتابُنا تجاه خطرٍ يداهمنا أو عاقبة أمر ما.

إقرأ أيضاً: هل يجب أن نثق بشعورنا الغريزي عند اتخاذ القرارات؟

3. عدم تجاهُل الإشارات:

أن ننتبه للإشارات التي يبعثها إلينا الكون، ولا نتجاهلها؛ لأنَّها ترشدنا للطريق الصحيح غالباً.

4. التخمين:

أن نحاول من حين لآخر اللعب مع قوَّتنا الداخلية، مثل: التنبؤ بمن يتصل بنا، أو تخمين من يدق الباب، ومَن مُرسِل الرسالة التي وصلَت إلينا؟ بذلك نقوِّي الحدس لدينا ونزيد إيماننا به.

5. التوقف عن قول "لا":

يجب أن نتوقف عن قول "لا" لأحاسيسنا الداخلية، وألَّا نحاول تكذيبها.

لنستمِع إلى صوتنا الداخلي!

نستطيع القول: بأنَّ الحاسة السادسة هبةٌ من الله عز وجل؛ لأنَّها تحذِّرنا غالباً من خطر قادم، أو تجعلنا نأخذ قراراً مصيرياً؛ لأنَّ شعوراً داخلياً دفعنا لاتخاذه، ثمَّ نكتشف أنَّه خيرٌ لنا. إذن، لننتبه لهذه الهبة الربانية، ولنستمع لصوتنا الداخلي الذي يُصيب غالباً!

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة