التوحد: أسبابه وأشكاله وهل يمكن أن يصاحبه ذكاء يتعدى حدود المعقول؟

كثيرة هي الأمراض التي تصادفنا في حياتنا ونراها مع مَن حولنا سواء كانت نفسية أم جسدية، ولكنَّ الأمراض النفسية تكون أكثر تعقيداً وعلينا التعامل معها بحذر تام ومُطلق؛ وذلك لأنَّ أي خطأ يؤثر في نفسية المريض سلباً؛ لذلك سنستعرض في هذا المقال مرض التوحد ذاكرين مفهومه وأسبابه وأعراضه وكيفية استثماره.



ما هو مرض التوحُّد؟

هو مرض يسبب خللاً أساسياً يُدعى خلل طيف مرض التوحُّد أو خلل النمو المعروف في وقت مضى؛ إنَّه خلل نمائي عصبي أساسي تبرز مضاعفاته في فترة الصِّغر، وتبرز المضاعفات المرتبطة به في أولى فترات النمو بالنسبة إلى الكثيرين من صغار السن، ولطالما يتضجَّر العديد من صغار السن من مستويات التدني أو الخلل في مراحل النمو الأساسي.

يبدأ الاعتقادُ بإصابة الطفل بمرض التوحُّد في الوقت الذي يتَّضِح فيه تأخُّر كلام الطفل أو عندما يكون كلامه دون معنى واضح أو غير مفهوم، عندها يجب أن تصطحب العائلة الطفل إلى طبيب نفسي مُشخِّص ومُعالج لأنَّهم لاحظوا أنَّ صغيرهم لا يتحدث على الرغم من أنَّ أقرانه يتحدثون إلى بعضهم بعضاً أمامه، أو لأنَّ الطفل كان قادراً في وقت سابق على نطق كلمات منفردة على سبيل المثال: "بابا وماما، تاتا، باب، نافذة"، أما الآن فهو غير قادر على التلفُّظ بها وكأنَّه نسيها.

تبرز العوارض الحسيَّة بين المشكلات التي تبرز في مرض التوحُّد، وتمنع هذه العوارض الطفل من التفاعُل مع وسطه المحيط به، وتقلل من تأقلم المريض مع الأحداث حوله، مثل الحساسية المفرطة بالنسبة إلى الصوت القوي، والحساسية المفرطة للمس، والحساسية أيضاً للضوء، والعوارض المرتبطة بالاتِّزان والمبادرة تظهر مع تزايد أحداث المنظومة الاجتماعية المتقلِّبة مع تقدُّم الإنسان وتطوره.

إقرأ أيضاً: في اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحّد: أعراض التوحّد، وأسبابه وعلاجاته

أسباب مرض التوحُّد:

  1. قد يكون سبب مرض التوحد وراثي فقط؛ أي إنَّه ينتج عن خلل وراثي كالتناذرات الصبغية على سبيل المثال.
  2. عندما يكون الطفل حديث الولادة لديه وزن أقل من الوزن الطبيعي المعتاد للأطفال الطبيعيين.
  3. التعرُّض بشكل دائم ومستمر إلى الالتهابات التي سببها فيروسات.
  4. قد يكون سبب مرض التوحد خللاً في عامل جيني، على سبيل المثال متلازمة X الهش ومتلازمة ريت.
  5. إصابة عضلات الطفل بالضمور والوهن مما يسبب بشكل كبير الإصابة بالتوحُّد نتيجة الوضع النفسي الضاغط.
  6. حصول الطفل على كميات قليلة من الأوكسجين سواء في رحم أمه أم بعد وقت قليل من ولادته.
  7. تعرُّض الطفل إلى ضغط نفسي كبير يجعله يفقد قواه العقلية ويجعله منعزلاً مبتعداً عن أقرانه وأهله.

أعراض مرض التوحُّد:

  1. الطفل الذي يعاني من مرض التوحُّد نجده يبتعد عن أقرانه ولا يفضِّل اللعب معهم بشكل ملحوظ.
  2. الطفل المصاب بمرض التوحُّد لديه تأخُّر في التواصل البصري مع من حوله من الناس.
  3. يتأخَّر الطفل بنطق الكلمات بالمقارنة مع أقرانه.
  4. يعطي الطفل أهمية للأمور الصغيرة وتفاصيل الأحداث.
  5. يقوم الطفل بحركات غريبة يمكن أن تسبب له الأذى كضربِ رأسه بالحائط.
  6. يتجنب الطفل المريض تناول الكثير من أنواع الأطعمة دون سبب مفهوم أو معروف.
  7. يجد الطفل المريض صعوبة في التواصل مع أقرانه وأهله؛ لذلك نجده سريع الغضب والتضجُّر.
  8. لا ينتبه الطفل عند مناداته باسمه أو يتقصَّد عدم الرد.
  9. قد يكون لدى الطفل المصاب بمرض التوحُّد عدوانية مفرطة تجاه الناس المحيطين به.
  10. يمر الطفل بحالات نفسية عتصيبة؛ فيكون الأهل غير قادرين على ضبطه وتهدئته.

شاهد بالفيديو: 15 نصيحة للآباء في تربية الأبناء

علاج مرض طيف التوحُّد:

حتى وقتنا الحالي لم يُعثَر على علاج فعَّال واحد لمرض التوحُّد، على الرغم من أنَّ محاولات الأطباء لم تهدأ في البحث عن علاج، والغاية الأساسية من المعالجة هي العمل على تكبير مقدرة الطفل المُصاب على القيام بالعديد من الأعمال بأوسع مجال مستطاع؛ وذلك عبر التقليل من عوارض خلل مرض التوحد والعمل على تقوية النمو والتعليم له.

قد يكون الكشف في وقت مبكر عن المرض في سنوات الحضانة التي تسبق مرحلة المدرسة، من العوامل المساعدة للطفل المريض على تعلُّم أدوات التواصل الفكرية والوظيفية والأخلاقية الحيوية وأدوات الاتصال بين الناس.

قد تعمل العديد من أساليب المعالجة كالمعالجة الأسريَّة وفي المدرسة أيضاً على معالجة أعراض طيف التوحُّد، ومع مضي الزمن تتبدل حاجات الطفل المريض، وقد يجوز للمسؤول عن العناية الصحية بالطفل المريض أن يقترح خطوات يجب على أهل الطفل المريض اتباعها.

ففي حال شُخِّصَت إصابة طفلك بمرض التوحُّد، تحدَّث إلى الأطباء المتخصصين لإقرار خطة فعَّالة للمعالجة وتشكيل مجموعة من الأطباء المتخصصين لإشباع جميع رغبات طفلك.

تتضمن مجالات المعالجة:

1- المعالجات الأخلاقية والتفاعلية:

يتم عبر هذه الآلية معالجة الكثير من المصاعب الفكرية والمنطقية والأخلاقية المتعلِّقة بخلل طيف التوحُّد، وتعمل العديد من الآليات على التقليل من التصرفات المسببة لبعض المشكلات، وتعليم الطفل المصاب أساليب حديثة.

تهتم برامج أخرى بتعليم الأطفال آلية العمل في المشكلات الاجتماعية أو التفاعل بصورة أحسن مع الناس القريبين، وأيضاً من الممكن أن يدعم تحليل السلوك التطبيقي (ABA) الأطفال لإتقان فعاليات حديثة وتعميم هذه الفعاليات في ظروف كثيرة؛ وذلك عبر نظام التشجيع المبني على أساس المكافآت.

2- المعالجات التربوية:

في كثير من الأحيان يستجيب الأطفال المرضى بشكل جيد إلى الآليات التربوية التي تتَّسم بمستوى عالٍ من الانتظام والمراقبة، وتحتوي الآليات الجيِّدة أيضاً على مجموعة واسعة من الأطباء المتخصصين، وطيف واسع من الفعاليات المتعددة؛ وذلك لرفع مستوى الخبرات الاجتماعية وآليات التواصل والسلوك، وفي الغالب يظهر تحسن ملحوظ لدى الأطفال قبل سن المدرسة ممن تُقدَّم لهم معالجات سلوكية كثيرة وفعالة بالمقارنة مع غيرهم.

3- المعالجة المنزلية:

من الممكن أن يعي الأهل والأقارب طريقة التعامل والتواصل مع أطفالهم المصابين بالتوحُّد بأساليب تنمي لديهم الفعاليات الاجتماعية، وتعالج المشكلات السلوكية، وتعلِّمهم أساليب الحياة اليومية والاتصال مع الناس.

4- المعالجة المدرسية:

من الضروري أن يستمر الاعتناء بالطفل المريض بعد إدخاله المدرسة؛ وذلك لأنَّه من الممكن أن تسوء حالته الصحية أو تتحسَّن تبعاً لمستوى الرعاية التي يتلقاها؛ لذلك على المدرسة أن تتابع برنامج المعالجة الذي بدأت به الأسرة؛ إذ يجب أن تجعل الطلاب على علم بالحالة النفسية لزميلهم المريض، وأن تعلِّمهم آلية المعاملة مع مرض التوحُّد.

5- تأمين العمل لمرضى التوحُّد بشكل يتناسب مع قدراتهم العقلية:

أبدى العديد من المصابين بمرض التوحُّد بعض أنواع الذكاء الخارق، بالإضافة إلى أنَّ العمل يجعل المصابين بمرض التوحُّد ينخرطون أكثر في المجتمع، ويجعلهم أكثر تفاعلاً وقدرة على التواصل مع الناس في الوسط المحيط بهم، ويجعل العمل أيضاً مريض التوحُّد يشعر بأنَّه أصبح ذا أهمية في المجتمع.

شاهد بالفيديو: أهم النصائح لحماية الطفل من المشاكل النفسية

القدرات فوق العادية لمرضى التوحُّد:

قد يترافق مرض التوحُّد مع الكثير من القدرات الجميلة والمواهب الباهرة التي يتعيَّن علينا استثمارها، والتي تساعد ممارستها مريض التوحُّد على التغلُّب على مرضه، وتجعله أكثر انخراطاً مع مجتمعه وبيئته.

من هذه القدرات والمواهب:

1- مواهب في فن الرسم غير طبيعية:

أبدت طفلة مصابة بمرض التوحُّد موهبة غير طبيعية في مجال الرسم، وتُعَدُّ هذه الطفلة من أوائل الأطفال التي اكتُشِفَت قدراتها على الرغم من أنَّها لم تكن تستطيع التحدُّث عندما اكتُشِفَت موهبتها غير الطبيعية، وقد بدأت ترسم أي شيء تنظر إليه منذ أن كان سنها حوالي ثلاثة أعوام فقط، على الرغم من أنَّ الأطفال الطبيعيين لا يرسمون في أغلب الأحيان قبل سن المراهقة، وقد اتَّصفت لوحات هذه الطفلة بالتكرار؛ معبرةً من خلال ذلك عن ملذاتها الاستحواذية، واتَّصفت أيضاً هذه اللوحات بالدقة والعبقرية.

2- المواهب الموسيقية:

يفضِّل العديد من الأطفال المصابين بمرض التوحُّد الاستماع لمختلف أنواع الموسيقى، ويستطيع العديد منهم تكرار أجزاء من بعض الأغاني حتى لو كانت الأغنية غير قصيرة وبدقة عالية.

يبدي العديد الأطفال المرضى قدرات موسيقية باهرة مثل العزف على العديد من الآلات الموسيقية التي لم يروها من قبل، وقد يستطيعون عزف اللحن الموسيقي بمجرد سماعه لمرة واحدة أو مرتين فقط، وأيضاً نفس الحالة بالنسبة إلى الرسم فإنَّ المواهب الموسيقية لا تظهر إلَّا عند قلة قليلة من الأطفال المصابين بمرض التوحُّد.

3- القدرات الحسابيّة:

لدى الأطفال المصابين بمرض التوحُّد قدرات باهرة في الحفظ والحساب بسرعة فائقة، فبمقدورهم حفظ مجموعة واسعة من الأحداث في ذاكرتهم لمدة زمنية طويلة جداً بذات التفاصيل دون أن يبدلوا أي شيء فيها، وأيضاً بمقدورهم إجراء عمليات حسابية بسرعة فائقة تفوق السرعة الطبيعية للناس الطبيعيين، ويمكننا استثمار هذه الظاهرة أيضاً في العديد من مجالات العلوم.

إقرأ أيضاً: 16 معلومة سريعة عن مرض التوحد

في الختام:

إنَّ المرض ليس عائقاً أمام الإنسان؛ بل خلاف ذلك تماماً قد يكون نعمة لا نقمة نستطيع استثمارها مساهمةً في تقدُّم البشرية ومضيفةً آفاق جديدة من الاختراعات والاكتشافات، ونرى أيضاً كيف أنَّ الله تعالى إن أخذ شيئاً من الإنسان، عوَّضه إياه بشيء آخر؛ لذلك علينا الاهتمام بمرضى التوحُّد ومراقبتهم واكتشاف مواهبهم وقدراتهم الخارقة.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة