التنعم بفوائد الامتنان نفسياً وجسدياً وروحياً

لا بُدَّ أنَّنا جميعاً قابلنا في حياتنا أشخاصاً يتقنون العثور على بصيص أملٍ في الحياة، فالأشخاص الذين يرون النصف الممتلئ من الكأس مهما قست الظروف، ما هو سرهم؟ ليس الأمر أنَّ هذا جزء فطري من شخصيتهم، مع أنَّه قد يبدو كذلك؛ إنَّما الاحتمال الأكبر هو شعورهم بالامتنان.

تُعَدُّ نعمة الامتنان ترياقاً للمشاعر التي إذا ما كُبِحَت، ستسبب بعضاً من أكبر مشكلاتنا في الحياة، فالامتنان ليس مجرد هبةٍ تقدمها لنفسك؛ بل إنَّ فوائده تمتد لتشمل علاقاتك مع شريكك وعائلتك وأصدقائك؛ إنَّه مفتاح عافيتك الروحية.

يدرك الكاتب الأمريكي "توني روبنز" (Tony Robbins) فوائد الامتنان جيداً، فقد كان من المؤيدين له منذ بداية مسيرته؛ وذلك لأنَّه على حدِّ قوله: "لا يمكنك أن تكون غاضباً وممتناً بنفس الوقت، ولا يمكنك أن تكون مذعوراً وممتناً بنفس الوقت"، لكن كيف يكون الامتنان؟ وكيف يساعدنا؟

كيف يكون الامتنان مفيداً؟

يُعَدُّ الدماغ أقوى عضو لدينا؛ إذ إنَّ أفكارنا تؤثِّر في سلوكاتنا وحالتنا وحتى في صحتنا الجسدية، فما نركِّز تفكيرنا عليه في الحياة، هو ما سيحصل لنا تماماً، وكما يقول الكاتب "توني روبنز": "الاختيار الخاطئ متاح دائماً، والاختيار الصحيح كذلك"؛ فعندما تختار التركيز على الصحيح، فإنَّ قانون الجذب يضمن أنَّك ستستقطب مزيداً منه، وعندما تركِّز على الخطأ، ستحصل على مزيدٍ من ذلك أيضاً.

ينشِّط فعل الامتنان أيضاً مناطق مختلفة في دماغك، ومن ذلك منطقة تحت المهاد، المسؤولة عن تنظيم الهرمونات، ولهذه التفاعلات الكيميائية تأثيرٌ حقيقي في صحتك العقلية والجسدية؛ ولهذا السبب، قُدِّمَت إثباتات تدعم الفوائد الصحية للامتنان مراراً وتكراراً.

الفوائد النفسية للامتنان:

من خلال تحفيز المواد الكيميائية التي تجعلنا سعداء في الدماغ، يمكن أن يساعد الامتنان على تخفيف الآثار النفسية والفيزيولوجية للتوتر، ومن ذلك:

1. تراجُع المشاعر السلبية:

بسبب كل ما يحدث في العالم، من السهل أن تنجرَّ وراء التركيز على الأمور السلبية، لكن عندما تركِّز على الجانب الإيجابي، يبدو أنَّ العالم يمنحك الإيجابية بالمقابل؛ إذ يعطي الامتنان حلقة تغذيةٍ راجعة تقلِّل من المشاعر السامة كالحسد والغضب والندم، ويمكن أن يقلِّل الامتنان من التوتر؛ الأمر الذي سينتج عنه عديداً من الفوائد الصحية الأخرى المصاحبة للامتنان.

2. زيادة التعاطف مع الآخرين:

تتعدى فوائد الامتنان عواطفك تجاه نفسك؛ إذ تجعلك في الواقع أكثر انفتاحاً على مشاعر الآخرين، وقد أظهرت الدراسات أنَّ الامتنان يزيد من الشعور بالتعاطف، ومن ثمَّ يغير في السلوكات، ومن ذلك الحد من العدوانية والرغبة في الانتقام، ويجعل الامتنان العالم مكاناً أفضل.

3. تحسين النظرة المستقبلية:

قد تظن أنَّك يجب أن تكون شخصاً متفائلاً بطبيعتك لتختبر فوائد الامتنان، لكنَّ الصحيح هو خلاف ذلك؛ فالامتنان بحد ذاته قد يحسِّن من نظرتك تجاه الأمور، وقد ثبتَ أنَّه يخفف من أعراض الاكتئاب ويحدُّ حتى من الفكر الانتحاري، ولا عجب إذاً أنَّه غالباً ما يُستخدم بوصفه جزءاً من الخطة العلاجية لحالات الاكتئاب والقلق.

4. تنامي الشعور بتقدير الذات:

يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي وأخبار المشاهير والإعلانات المستمرة أن تجعلنا نقارن أنفسنا بالآخرين، بدلاً من تقدير النِّعم في حياتنا؛ وهذا سيولِّد حتماً شعوراً بالحسد والاستياء واحتقار الذات؛ إذ يعكس الامتنان مفعول هذه الآثار، ويحدُّ من المقارنات الاجتماعية، ويزيد من الشعور بالرضى بما نملكه.

5. تعاظم القوة الداخلية:

فكِّر في شخص يواجه المِحن برجاحة عقلٍ ويخرج منها أقوى، بخلاف المتوقع، فمن أين يستمد تلك القوة الداخلية؟ لقد تبيَّن أنَّ تحسين القدرة على التأقلم مع الظروف هو أحد الفوائد النفسية للامتنان، وقد أظهرت إحدى الدراسات الشهيرة أنَّ الامتنان ساهم في زيادة القدرة على التعافي في أعقاب الأحداث المؤلمة، وحتى في أسوأ الظروف، يمكن لأولئك الذين يُظهِرون الامتنان تجاه ما يملكونه من نِعم، إيجاد طرائق للتعمق في البحث عن القوة الكامنة داخلهم والاستفادة منها.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح لتحقيق الامتنان في حياتك

الفوائد الصحية والجسدية للامتنان:

إضافةً إلى الآثار النفسية كالحد من التوتر وزيادة الشعور بالتفاؤل، للشعور بالامتنان عديدٌ من الفوائد الصحية المذهلة أيضاً، وهي:

1. نوم أفضل:

وفقاً لمؤسسة مكافحة الأمراض والوقاية منها في أمريكا (Centers for Disease Control and Prevention)، فإنَّ واحداً من أصل ثلاثة أمريكيين بالغين لا يحصل على قسط كافٍ من النوم؛ هذا يعني أنَّهم لا يتمتعون بالفوائد الصحية المُثبتة لذلك، كالحدِّ من فرص الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب والسكتة الدماغية، وللامتنان دورٌ مساعدٌ في مثل هذه الحالات؛ إذ يفيد أولئك الذين يصنِّفون أنفسهم على أنَّهم أكثر امتناناً بحصولهم على نوعية نومٍ أفضل؛ إذ إنَّهم ينامون نوماً أعمق وأطول، ويغطُّون في النوم بسهولة.

2. قلب أكثر صحة:

ربما تكون فوائد النوم هي ما يؤدي إلى هذه الفائدة الصحية المؤكَّدة للامتنان، فقد أظهرت الدراسات وجود عدة طرائق لتحسين صحة القلب، وتتضمن الفوائد الحدَّ من حدوث الالتهاب، وانخفاض نسبة الهيموغلوبين السكري، وانتظام معدل التغير في ضربات القلب؛ وكلها مؤشرات على أنَّ القلب بصحة جيدة، وإضافةً إلى اتباع نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة، قد يكون الامتنان هو ما يحتاج إليه قلبك ليبقى قوياً.

3. ازدياد الرغبة في ممارسة الرياضة:

توصَّل الباحثون في أثناء دراسة فوائد الامتنان إلى نتيجة مذهلة؛ فإضافةً إلى تقليل الصداع وتخفيف الشعور بالغثيان والإيجابيات الأخرى، أبلغ المشاركون عن زيادة الدافع لديهم إلى ممارسة الرياضة، وجميعنا يعلم الفوائد الصحية المرافقة لممارستها، فاستفد من هذا الإلهام الجديد بالعثور على الرياضة التي تستمتع بممارستها، واجعلها جزءاً من روتينك اليومي.

4. تخفيض ضغط الدم:

أظهرت دراسة أُجرِيَت في عام 2007 على المرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم - التي سرعان ما أصبحت دراسة موثوقة - أنَّ أولئك الذين يقدِّرون النِّعم في حياتهم، كان لديهم ضغط دم أقل من أولئك الذين ينكرونها.

وفي دراسة أخرى ذكرت فيها النساء المشاركات النِّعم التي تجعلهنَّ يشعرن بالامتنان في يومياتهن، ولمدة أسبوعين، لاحظت النساء انخفاضاً بضغط الدم لديهنَّ مقارنةً بأولئك اللواتي يكتبن عن نشاطاتهن اليومية وحسب؛ وبذلك يكون أحد أعظم مزايا الامتنان المتاحة لأيِّ شخص يواظب على تدوين يومياته.

5. علاقات أكثر صحة:

إنَّنا نعلم بديهياً أنَّ الصداقات والعلاقات الرومانسية هي أفضل جوانب الحياة، وقد يساعدك الامتنان في الحفاظ على هذه العلاقات قوية، فالتعبير عن مقدار امتنانك لشريكك يحسِّن من نوعية العلاقة، كما أنَّ إظهار التقدير لأصدقائك يمكن أن يساعدك على تكوين صداقاتٍ جديدة، وتساعد هذه الروابط العميقة على تقليل الشعور بالوحدة وتطيل العمر؛ لذا إنَّ بعضاً من أفضل الفوائد الصحية للامتنان تكون في متناول يديك تماماً.

شاهد بالفيديو: 5 فوائد مثبتة للشعور بالامتنان

الفوائد الروحية للامتنان:

تتوضع القيم الروحية في قمة هرم الإتقان، وهي من القيم التي يصعب إتقانها في الحياة، لكنَّها تُعَدُّ الأكثر إرضاءً أيضاً، ويمكن أن يساعدك الامتنان على الوصول إليها.

1. غيرةٌ أقل:

عندما تكون ممتناً، لا يبقى مكان في ذهنك للمشاعر السلبية كالخوف والغضب والغيرة، فأنت تعلم أنَّك محاطٌ بفيض من النِّعم، وتعلم أنَّ لديك كل ما تحتاج إليه، وأنَّ باستطاعتك التحكم بمصادر سعادتك؛ لذلك إنَّ ما يملكه الآخرون لا يؤثِّر في ماهية شعورك تجاه حياتك.

2. الارتباط مع الكون:

تتمثل إحدى الفوائد الروحية غير المتوقعة للامتنان بأنَّه يجعل ارتباطنا ببعضنا بعضاً وبالعالم المحيط أكثر قوة، ويمنحنا منظوراً جديداً في حياتنا؛ وهذا يساعدنا على إدراك النعمة في كل موقف، واستيعاب فكرة أنَّ كل شيء في الحياة يحدث لمصلحتنا وليس خلاف ذلك؛ إذ إنَّه يوقظ في داخلنا مستوىً أعلى من الوعي، نستطيع من خلاله إنشاء تواصلٍ مع الكون في مستوى جديد.

3. ازدياد الرغبة في رد الجميل:

تحتل القيم الروحية والعطاء معاً قمة هرم الإتقان؛ فعندما نشعر بالارتباط بالكون المحيط بنا، نعلم أنَّ حالنا جميعاً واحدة، وأنَّ علينا رد الجميل للناس المحتاجين؛ إذ تتجاوز فضائل الامتنان حدود حياتنا، وتعطي حلقةً من النور تمسُّ كل مَن حولنا.

المصدر