التغييرات السلوكية المفاجئة لدى الأطفال

أعتقد أنَّ الآباء يمرون بشيء مشابه لمراحل الحزن عندما يمر أطفالهم بمرحلة المراهقة، فالأسرة التي كان لديها في يوم من الأيام طفل متحمس ومحب وبريء يحل مكانه نظام عائلي مختلف.



وهو نظام يمكن فيه لطفلك أن يرد عليك ويشكو منك كثيراً، فربما يذهب ابنك في المرحلة الإعدادية الذي كان مرحاً ذات مرة إلى غرفته عندما يعود إلى المنزل، أو أنَّ الابنة التي كانت ترغب في قضاء الوقت معك تتصرف وكأنَّها لا تحبك، ناهيك عن عدم رغبتها في أن تكون معك في نفس الغرفة، ويصبح التمرد جزءاً من الروتين.

غالباً ما يتفاعل الآباء مع هذه الأنواع من التغييرات في أطفالهم من خلال المرور ببعض مراحل الحزن، فإحدى المراحل هي المساومة، وسيحاول الآباء المساومة والتفاوض مع أطفالهم في محاولة لإعادتهم إلى الوراء وإلى ما كانوا عليه، ومن المراحل الأخرى الغضب؛ إذ يغضب الآباء بشدة مما حدث للعلاقة التي تربطهم واعتادوا عليها، وغالباً ما يتخذ هذا الغضب شكل القتال والجدال واللوم بين الوالدين والمراهق.

لحسن الحظ فإنَّ المرحلة الأخيرة من الحزن هي القبول، ففي النهاية نتقبل أنَّ طفلنا سيصبح شخصاً مستقلاً بحد ذاته بأذواقه الشخصية وبما يحب ويكره، وتصبح العلاقة بين الوالدين والطفل أكثر تعقيداً مما كانت عليه عندما كان أصغر سناً، ولسوء الحظ بالنسبة إلى العديد من العائلات عادةً ما يحدث قبول العملية هذا متأخراً.

عندما تمر عائلتك بمرحلة الحزن هذه من الصعب عليهم التعامل معها، فلقد رأينا الكثير من الآباء حزينين على هذه الأنواع من التغييرات في أطفالهم، ومن الهام أن تدرك أنَّه عندما يحزن الناس، فإنَّهم لا يتخذون دائماً أفضل القرارات، ولسوء الحظ يحارب الكثير من الآباء عن طريق الخطأ التغييرات التي يرونها تحدث، لكن للأسف كلما قاتلت زادت قوة تأثيرها ونتائجها، فإنَّ الآباء بحاجة إلى قبول التغييرات التنموية الطبيعية التي نراها في أثناء تحميل أطفالنا المسؤولية عن القواعد.

اعلم أنَّ طفلك ينفرد عنك:

أدرك أنَّ طفلك ينفرد عنك وحاول ألا ترى سلوكه هجوماً شخصياً، ففكر في الأفلام التي تشاهدها على قناة "ديسكفري" و"ناشيونال جيوغرافيك"؛ إذ يتعين على الفراشة الخروج من شرنقتها، أو خروج طائر أو زاحف من بيضة، فإذا لاحظت، عليهم أن يمزقوا ويشقوا طريقهم للخروج من القشرة، وكذلك المراهق.

أنت السُّلطة في حياتهم مع القدرة على السيطرة عليهم، لذلك فإنَّ التمرد غالباً ما يكون جزءاً من الطريقة التي ينفصلون بها عنك، وهذه هي الطريقة التي يتحررون بها من الشرنقة، ولا أقصد هذا لأقول إنَّه يجب عليك قبول ذلك إذا كانوا بغيضين لفظياً أو بدؤوا بمقاومة حظر التجوال أو الأعمال المنزلية، فأنت بحاجة إلى تحميلهم المسؤولية عن هذا السلوك، فقط أدرك أنَّ هذا ليس هجوماً شخصياً عليك؛ بل إنَّه مجرد طفل يقاتل في طريقه للخروج من الشرنقة.

سيبدأ المراهقون أيضاً بقول أشياء مثل: "لدي حياة خارج هذه العائلة، ولدي أصدقائي إنَّهم من يفهمونني وليس أنتم"، فإنَّهم يريدون أموالهم الخاصة، وقد يحصلون على وظيفة بدوام جزئي حتى يتمكنوا من شراء الملابس والحصول على بعض الاستقلالية، ومن أهم الدروس التي يمكننا تعليمها لأطفالنا هو الاستقلال، وفي الواقع يُعَدُّ الاستقلال من أكبر العوامل لتحديد النجاح لاحقاً في الحياة.

بقدر ما هو ممكن وآمن، يجب عليك السماح للمراهق ببعض السيطرة على حياته الخاصة إذا أثبت أنَّه مسؤول، فقد تأتي هذه الاستقلالية في شكل وظيفة بدوام جزئي أو ممارسة الرياضة أو النشاطات التي يختار طفلك القيام بها في المدرسة، فكلما كان ذلك ممكناً اسمح له باتخاذ هذه الأنواع من الخيارات بنفسه، وتذكر أنَّ إعطاء المراهقين خيارات حتى لا يشعروا بأنَّهم محاصرون سيقلل عادةً من فرص دخولهم في صراع على السلطة معك.

لا تعطِ طفلك القوة السلوكية:

إذا كان طفلك قد طور موقفاً سيئاً وكان غير محترم في جميع أنحاء المنزل، فإنَّ أحد أفضل الأشياء التي يمكنك القيام بها هو عدم إعطائه القوة، فاجعل القواعد في منزلك واضحة "في هذه العائلة، نتعامل مع بعضنا باحترام"، ولا تبقَ هناك مع طفلك وتجادل في هذه النقطة، ولست بحاجة إلى حضور كل قتال تتم دعوتك إليه، فبعد أن يهدأ كلاكما، يمكنك أن تطبق عواقب لسلوكه، لكن لا تعطِ موقفه السيئ أو حديثه اهتماماً في الوقت الحالي؛ لأنَّ ذلك يعلمه فقط أنَّك سهل الاستفزاز.

شاهد بالفديو: نصائح للتعامل مع المراهقين

عندما لا تحب أصدقاء ابنك:

على الرغم من أنَّك قد تعتقد أنَّ ابنك لديه أصدقاء سيئون، يجب أن تفهم أنَّهم الأشخاص الذين يبحث عنهم، وبالنسبة إلى والدي شخص آخر، فإنَّ ابنك هو الصديق الخطأ، وكنت أضحك عندما يقول والداي: "حسناً، أصدقاؤه هم من جعلوه يتغير، وإنَّهم الأشخاص الذين يتسكع معهم"، فافهم أنَّ هناك سبباً يجعله يتسكع معهم، فهو يختارهم لأنَّه مثلهم، ولأنَّه منجذب لسلوكهم، وهو واحد منهم.

بينما قد يقول أحد الوالدين: "أحمد فوضوي ومتمرد لأنَّه يتسكع مع هؤلاء الأطفال السيئين"، ووالدة أخرى تقول لطفلها: "لا تتسكع مع أطفال مثل أحمد"، فالأمر كله يتعلق بوجهة نظرك، فإذا كان ابنك دائماً في منزل أحد الأصدقاء ولا تحب هذا الصديق، فلديك شيء واحد ليقال: "لدى ابنك الكثير من وقت الفراغ".

مرة أخرى نشجع الآباء على أن يكون لديهم هيكل، ويتضمن ذلك إطاراً زمنياً مرناً وواضحاً، فعندما يكون لديك جدول زمني محدد في منزلك، يعرف طفلك حينئذٍ أنَّ هناك وقتاً يجب أن يكون فيه في المنزل بعد المدرسة، وهو يعلم أنَّه لا يجب أن يذهب ويتسكع في منزل صديقه لمدة ساعة ثم يعود إلى المنزل.

لقد ثبت أنَّ الأطفال الذين يحصلون على درجات جيدة يميلون إلى العودة إلى المنزل بعد المدرسة وبدء واجباتهم المدرسية، وفي هذه الأيام الأطفال لديهم الكثير من الدراسة ليلاً، وخاصةً في المرحلة الثانوية عندما تصبح الواجبات المنزلية أكبر وأكثف.

في بعض الأوقات يمكن للأطفال الذهاب إلى منزل أحد الأصدقاء، مثل عطلات نهاية الأسبوع على سبيل المثال، لكن في أيام المدرسة يجب أن يكونوا في المنزل، كما نعلم أنَّ العديد من العائلات يعمل فيها كلا الوالدين، ونتفهم الصعوبات التي يواجهها الوالدان في هذه الحالة.

لا يتحكم الكثير من الآباء بأطفالهم حتى يصلوا إلى المنزل في الساعة الرابعة أو حتى بعد ذلك، لكن ما يزال بإمكانكم تنظيم جداول أطفالكم بعد المدرسة من خلال منحهم خيارات، فيمكنكم أن تقولوا: "ما تفعله حتى الساعة الرابعة هو أمر متروك لك، فإذا كنت في المنزل بحلول الساعة الثانية والنصف مساءً وبدأت واجباتك المدرسية، فسيكون لديك المزيد من وقت الفراغ لاحقاً لمشاهدة التلفزيون أو لعب ألعاب الفيديو، لكن إذا كنت تلعب في الأرجاء، فسيتعين عليك أداء واجبك المنزلي بعد العشاء وتفويت وقت الفراغ في المساء".

التحكم بمن يأتي إلى منزلك:

أعتقد أنَّه من الهام جداً أن يتحكم الآباء بمن يدخل إلى منازلهم، وما أعنيه بذلك هو التحكم بوسائل الإعلام التي يتعرض لها أطفالك، فبعد كل شيء منزلك هو المكان الوحيد الذي تملك فيه السيطرة؛ إذ إنَّه المكان الذي يمكنك أن تقول فيه: "لا توجد أفلام أو صور خادشة للحياء ولا موسيقى عنيفة أو ألعاب فيديو"، ومنزلك هو المنطقة الوحيدة التي يمكنك فيها محاولة الالتزام بهذه المعايير.

فكر في الأمر على أنَّه المكان الذي يوجد فيه بعض التعقل والتوقعات والقواعد، فقد تكون هذه التوقعات مثلاً "نتوقع منك الحصول على درجات جيدة، ونتوقع منك أداء واجبك، وإذا لم تقم بأداء واجبك، فانسَ أمر امتلاك هاتف أو استخدام الحاسوب"، واعلم أنَّك لا يمكنك التحكم بما يفعله طفلك خارج المنزل، فيمكنك تطبيق العواقب عندما تكتشف أنَّه يخالف القواعد، لكن في النهاية سيطرتك محدودة بجدران منزلك فقط.

إقرأ أيضاً: الآثار السلبية لوسائل الإعلام على المراهقين

مكافأة السلوك الإيجابي وتحميل النتائج المترتبة على مخالفة القواعد:

إذا كان طفلك يمارس الرياضة خارج المنزل ويؤدي أداءً جيداً وما يزال يحافظ على درجات جيدة، أعتقد أنَّه يمكنك مكافأته على ذلك؛ إذ يمكنك شراء زوج من الأحذية على سبيل المثال، أو اصطحابه إلى لعبة كرة القدم أو حفلة موسيقية، وعلى الجانب الآخر إذا واجه الأطفال مشكلة خارج المنزل - بما في ذلك مشكلات مع مخالفة القانون أو الوقوع تحت تأثير الكحول أو التعاطي - فأنت بحاجة إلى تطبيق عقاب في المنزل أيضاً.

أحد الخيارات الفعالة هو عدم السماح لهم بالخروج حتى يتم إصلاحهم وإثبات أنَّهم أكثر جدارة بالثقة، ويمكنهم القيام بذلك من خلال التصرف بمسؤولية أكبر من خلال تجربة التعلم التي تُطوِّرها معهم، والعواقب هي كيف نجعل الناس يتحملون مسؤولياتهم، والأمر بسيط للغاية ففي أثناء القيادة، الحصول على مخالفة السرعة هو نتيجة عدم تحمل مسؤولياتك للقيادة في حدود القانون، وكل شيء متصل وهو جزء فعال من الطريقة التي نعلِّم بها أطفالنا سلوكاً أفضل.

إعادة طفلك إلى المسار الصحيح بعد حياده عنه:

من المقبول أن تقول لطفلك: "درجاتك قد تراجعت سأصادر هاتفك الخلوي حتى تُظهر لي أنَّك ستحسن تحصيلك مرة أخرى، وحتى يرسل المعلم إشعاراً إلى المنزل يقول إنَّ أداءك يتحسن"، وخذ هاتفه أو أي شيء يتطلبه لتحفيزه على استعادته وتحسين علاماته، وبعد ذلك يمكنك أن تقول: "إذا لم يذكر هذا الإشعار أنَّك قد تحسنت تحسناً جيداً فسأحتفظ بهاتفك حتى يأتي الإشعار التالي".

يجب أن تكون حازماً جداً حيال ذلك، فأنت لا تدين لطفلك بهاتف أو سيارة في مرحلة مراهقته، فهي عبارة عن رفاهيات نقدمها لهم ليستخدموها بدافع الحب والمساواة مع أقرانهم، ولكنَّها ليست فرضاً؛ لذا لا تتردد في مصادرتها بوصفها عقاباً أو إعادتها بوصفها مكافأة.

بعد كل شيء، فإنَّ وظيفة طفلك هي التعلم والذهاب إلى المدرسة والحصول على درجات جيدة، وإذا كنت تريد منه الذهاب إلى كلية جيدة أو الحصول على منح دراسية مرموقة، يجب أن يحصل على علامات جيدة لنيلها؛ لذا إذا لم يحاول أو إذا كانت ممارسة الرياضة أو وظيفة بدوام جزئي تتداخل مع الدراسة، فعليك أن تكون واضحاً معه وتقول له: "المدرسة تأتي أولاً"، فقد يضطر إلى التخلي عن النشاطات أو وظيفته حتى يتمكن من تحسين علاماته، لكن هذا جيد.

شاهد بالفديو: 7 أخطاء تدمر الطفولة

وضع حدود للمراهقين:

يحتاج آباء المراهقين إلى فهم أنَّ المراهقين يمرون بمرحلة مختلفة من حياتهم الآن، وتوجد طرائق لدعمها وأخرى لوضع قيود عليها، فيمكنك أن تقول: "في هذا المنزل أريدك هنا لنتمكن من تناول الطعام معاً، فإذا لم تعجبك الفكرة، فقط اجلس وتناول الطعام بهدوء، ولكنَّنا جميعاً سنأكل العشاء معاً وهذا فرض".

إقرأ أيضاً: 6 نصائح مهمّة للتعامل مع الشاب المراهق بشكلٍ سليم

في الختام:

يجب على الآباء قبول فكرة أنَّ أطفالهم قد يرغبون في قضاء المزيد من الوقت في غرفهم، وسيعتقدون أنَّ أصدقاءهم يفهمونهم أكثر بكثير مما يفهمه آباؤهم، وسوف يدفعون الآباء بعيداً، في حين أنَّه قد يكون مؤلماً للغاية، لكن من الهام أن تدرك أنَّ هذا التغيير ليس شخصياً أو فريداً بالنسبة إلى طفلك، فهذه هي الطريقة التي يتعلم بها ابنك المراهق كيف يكون بالغاً.




مقالات مرتبطة