التغيرات المزاجية عند الأطفال وكيفية التعامل معها

الأطفال كائنات كاملة المشاعر وناقصة التجارب؛ وهذا يعني أنَّهم حساسون للمواقف الشعورية كالبالغين تماماً، إلَّا أنَّهم أقل خبرة في التعبير عن الانفعال والاستجابة إليه، وبطبيعة الحال فإنَّ تعرُّضهم إلى المواقف في أثناء حياتهم اليومية يحرِّك في أنفسهم مشاعر كثيرة قد يعبرون عنها بشكل لحظي، وقد يكبتونها لتترجم فيما بعد على شكل تصرفات غير مفهومة وتغيرات مزاجية مفاجئة.



إنَّ التغيرات المزاجية عند الأطفال هي الاستجابة المتأخرة إلى مواقف صادفتهم قد لا يعون أثرها فيهم حتى، وكيفية التعامل معها تتطلب من الوالدين صبراً وتفهماً وحكمة، وبعض المهارات التي سنسلط الضوء عليها في هذا المقال.

التغيرات المزاجية عند الأطفال:

تتشابه التغيرات المزاجية عند الأطفال في شكلها مع التغيرات المزاجية للبالغين، إلَّا أنَّ الأطفال أقل مهارة في مداراة هذه المشاعر المتقلِّبة، فيظهر عليهم تبدُّل الحال بشكل واضح ينعكس على ملامحهم البريئة ونبراتهم المتفائلة وتصرفاتهم العفوية.

يمكن ملاحظة أعراض التغيرات المزاجية عند الأطفال بسهولة ووضوح، والتي يكون أبرزها انتقال الطفل من حالة شعورية ما إلى حالة أخرى مناقضة لها تماماً، كأن ينتقل من قمة المتعة والتسلية في أثناء لعبه إلى قمة الغضب أو الحزن، أو أن يتغير رد فعله تجاه أمر كان يحبه من البهجة والحماسة إلى التبرم والبرود.

إنَّ هذه التقلبات في المزاج ليست عبثية أبداً، فهي تخفي وراءها العديد من الأسباب التي حرَّضت في نفس الطفل مشاعر لم تجد طريقها إلى التفريغ، فتراكمت لتترجَم على شكل تغيرات مزاجية وبكاء وصراخ وتصرفات غير مفهومة.

أسباب التغيرات المزاجية عند الأطفال:

تتنوع أسباب التغيرات المزاجية عند الأطفال، ويندرج قسم كبير منها تحت خانة التطور الطبيعي للمشاعر وكيفية إدراكهم لها، ويمكن لهذه الاحتمالات المذكورة أدناه أن تكون سبباً وجيهاً من أسباب التغيرات المزاجية عند الأطفال:

1. عدم قدرة الطفل على التعبير عن الذات:

تُعَدُّ قلة حيلة الصغار وعدم قدرتهم على التعبير عن أنفسهم بوضوح في الأمور المعقدة سبباً من أسباب التغيرات المزاجية، وقد لا تكون الأمور معقدة من منظورنا نحن البالغين، فقد تتغير مشاعر الطفل 180 درجة في أثناء لعبه بسبب عجزه عن التعبير عن شيء ما يريده؛ إذ إنَّ صغر حجم الأطفال وقصر قاماتهم في مكان كل ما فيه مُعَدٌّ لاستخدام البالغين يجلب لهم نوعاً من التوتر والغضب، فقد لا تخدمهم مفرداتهم المحدودة في التعبير لأمهاتهم عن شيء ما يريدونه ولكنَّه بعيد عن متناولهم.

إنَّه لأمر مثير للغضب أن تحتاج إلى مساعد في كل صغيرة وكبيرة تريد تنفيذها، تنتظر تفرُّغ أحدهم من مهامه حتى يلتفت إليك، وقد يكون صارماً في الكثير من المرات فيمنع عنك شيئاً تريده بحجة أنَّه مؤذٍ لك أو قابل للعطب، أتفهَّم تذمُّر طفلتي وغضبها جيداً بعد متعة وسعادة بالغة عندما رفضت أن أعطيها إبريق العصير الزجاجي لتقيم لدميتها حفلة عيد الميلاد؛ فهي لا تستطيع الوصول إليه بمفردها ولا يتقبل الآخر مقدار حاجتها إليه فيمنعها عنه.

يُعَدُّ عوز الأطفال إلى المفردات الكافية والملائمة سبباً من أسباب افتقار القدرة على التعبير عن الذات؛ إذ إنَّ هذا الأمر كارثي على الأطفال في سن الثانية بشكل خاص؛ وذلك حين يكون فضولهم في أوجه ونشاطهم في ذروته، ولكنَّ مفرداتهم قليلة جداً، هذا إذا ما أفلحوا في نطق الكلمة بشكل يفهمه البالغ الذي يعتني بهم.

إقرأ أيضاً: نصائح مهمة لوقاية الأبناء من الأمراض النفسيّة

2. عدم امتلاك الأطفال مهارة الصبر:

اعتياد الأطفال على تلبية طلباتهم بسرعة هو واحد من أسباب التغيرات المزاجية عندهم، ففي مراحل الطفولة الأولى تُجاب طلبات الأطفال فور إعلانهم عنها أو قبل ذلك، ونقصد هنا طلبات الرضاعة والنوم وتبديل الحفاض، فيتعاد الأطفال على العجالة؛ ليكون تعليمهم الصبر والانتظار من أصعب المفاهيم التعليمية على المربي.

ومن الأمثلة الحياتية عن التبدل المزاجي الذي تسببه قلة صبر الطفل دخوله في حالة من الغضب أو الحزن، تحل محل الفرحة العارمة في أثناء الذهاب إلى مدينة الألعاب مثلاً؛ وذلك بسبب عدم توقُّع الطفل لطول مسافة الطريق بين المكانين، فبعد دقائق من الانطلاق - وخاصة في المرة الأولى - تبدأ الأسئلة عن وقت الوصول، ولماذا لم يصل إلى الملاهي بعد.

شاهد بالفيديو: أهم النصائح لحماية الطفل من المشاكل النفسية

3. عدم امتلاك الأطفال مهارة الذكاء العاطفي:

من أسباب التقلبات المزاجية عند الأطفال افتقارهم إلى القدرة على فهم مشاعرهم التي تحرِّضها المواقف، فعندما ينتهون من اللعب مع أصدقائهم في الحديقة تسودهم مشاعر الحزن والغضب بدلاً من مشاعر الفرح التي كانت تسيطر عليهم، وإنَّ تفسير هذه الحالة هو شعور الطفل بالرغبة في المزيد من اللعب، والصدمة من انتهاء الوقت المخصص له فجأة، بالإضافة إلى الخوف من عدم العودة للاجتماع بالرفاق مرة أخرى، فيغرق في نوبات البكاء الهستيري والصراخ الرافض.

إنَّ دور المربي في هذه الحالة هو شرح الأمور وتبسيطها، وتنبيهه بعد تنازلي إلى قرب انتهاء هذا الوقت، مع تقديم وعود صادقة بإعادة النزهة في مرة قادمة، ويمكن اتِّخاذ مثل هذه المواقف كفرصة ذهبية لتعليم الطفل مفاهيم الامتنان، والتي تعوِّده الشكر والامتنان للأوقات الجميلة التي قضاها، والتركيز في الجوانب الإيجابية في حياته؛ الأمر الذي يهوِّن عليه طرد المشاعر السلبية التي قد تجتاحه في المستقبل وتسبب له التغيرات المزاجية.

4. عدم دوام الأحوال على ما هي عليه:

لا يحب الأطفال التغييرات المفاجئة؛ لذا تكون في كثير من الأحيان من أسباب التغيرات المزاجية عندهم، فهم يميلون إلى الروتين والتكرار بشكل كبير كونه يُشعرهم بالأمان؛ لذا فإنَّ عمليات الانتقال دون سابق إنذار قد تسبب لهم تقلُّب المزاج.

5. عدم تلبية الاحتياجات الجسدية والنفسية:

قد تكون الحاجات النفسية والجسدية من أسباب التغيرات المزاجية عند الأطفال، ولعل الحاجة إلى الطعام أو الراحة والنوم من أهم الاحتياجات الجسدية المؤثرة في مزاج الأطفال، وخاصة الرُّضع منهم، فهم لا يمتلكون وسيلة للتعبير عن حاجاتهم إلَّا البكاء والدخول في المزاج الغاضب للفت نظر الأم.

لا تقل الحاجات النفسية أهمية عن الحاجات الجسدية في تغيير أمزجة الأطفال؛ إذ إنَّ الأطفال يعبرون عن الشوق والوحدة وعدم الأمان بالغضب أو الحزن أو البكاء؛ وهذا ما يفسر بكاء الأطفال بشكل مفاجئ في الروضة في أثناء اللعب بسبب تذكر أمهاتهم والشعور بالشوق لهنَّ، بعد أن يكونوا في قمة الانسجام والفرح.

إقرأ أيضاً: الألوان وتأثيرها على الحالة النفسية والمزاجية للأطفال

كيفية التعامل مع التغيرات المزاجية للأطفال:

تحدِّد كيفية التعامل مع التغيرات المزاجية للأطفال من قِبل الوالدين الطريقةَ التي سيتعامل بها الطفل مع مشاعره وتقلُّب مزاجه في المستقبل، فإذا ما جابهَ الوالدان تبدُّل مزاج طفلهم بالغضب والكبح، سيعتاد الطفل على هذا السلوك، وإذا ما تعاملا معه بطريقة واعية وناضجة، يكونان قد نجحا في غرس بذور الذكاء العاطفي في طفلهما.

عن كيفية التعامل الصحيحة مع التغيرات المزاجية للأطفال نذكر ما يأتي:

1. السماح للطفل بالتعبير عن نفسه:

عن طريق إعطاء الطفل هامشاً من الحرية في التعبير عن نفسه ومشاعره مهما كانت، وتقبُّل هذه المشاعر من قِبل الوالدين والعمل على تفنيدها ومعالجتها.

مثال: قد يكون الطفل مستمتعاً بالاحتفاء في عيد ميلاد صديقه وتناول الحلوى، وعندما تحين لحظة تقديم الهدايا للصديق يتبدل مزاج الطفل وتسيطر عليه مشاعر من الحزن والغضب، لقد شعر الطفل ببعض الغيرة من صديقه لا شك، وهنا يجب على الأم سؤال طفلها عما يشعر، وتسمية هذا الشعور في حال كان الطفل لم يختبره قبلاً، وتقبُّل هذا الشعور وتفهمه بترديد عبارات بنبرة هادئة من قبيل "أنا أتفهم شعورك" "معك حق"، ومن ثم تذكير الطفل بأنَّ صاحب العيد هو مَن يحصل على الهدايا فقط، وبأنَّه قد كان نجم الحفل مثله في عيد ميلاده وحصل أيضاً على الكثير من الهدايا.

إنَّ تعريف الطفل إلى الشعور وتعليمه تقبُّله واتخاذ الاستجابة المناسبة هو مثال واقعي عن تعليم الأطفال مهارات الذكاء العاطفي التي تسهل عليهم حياتهم كثيراً في المستقبل.

2. قضاء وقت خاص مع الأطفال:

يحتاج كل طفل إلى وقت خاص يقضيه مع والده أو والدته بشكل منفرد، وبمعزل عن الأجهزة الذكية وبقية أفراد الأسرة؛ إذ إنَّ هذا الوقت من شأنه أن يوطِّد العلاقة بين الطفل وذويه، ويزيد شعوره بالأمان الذي يكون فقدانه سبباً في التغيرات المزاجية عند الأطفال.

3. مدح السلوك الإيجابي:

إنَّ مدحَ المربي لسلوك طفله الإيجابي يساعده على الشعور باهتمامه؛ مما يسبب زيادة ثقته بنفسه والتقليل من التصرفات التي تُفتعل عادة من قِبل الأطفال من أجل لفت انتباه الوالدين، والتي تكون نوبات الغضب والصراخ والبكاء في مقدمتها.

4. تقديم التغذية السليمة للأطفال:

مما لا شك فيه أنَّ النقص في العناصر الغذائية عند الأطفال وخاصة الفيتامينات والأحماض الدهنية، تترتب عليه تقلبات هرمونية تؤثر في الحالة الشعورية للطفل؛ لذا فإنَّ الاعتناء بالتغذية التي يتلقاها الأطفال هي واحدة من أهم طرائق السيطرة والتعامل مع التغيرات المزاجية لديهم، وتشمل التغذية السليمة التنوع الغذائي، والانتظام في مواعيد وكميات الوجبات.

شاهد بالفيديو: 15 نصيحة للآباء في تربية الأبناء

5. الحفاظ على الهدوء:

لا يمكن التعامل مع التغيرات المزاجية عند الأطفال بالغضب والقمع، وإنَّ المنطق السليم يرفض أن يُجابَه غضب طفل أو حزنه بغضب أكبر من قِبل المربي؛ إذ إنَّ الحفاظ على الهدوء والروية في التعامل مع مزاج الطفل المتقلب يساهم في التخفيف من حدة انفعاله، وفي كثير من الأحيان يكون احتواء الطفل عاطفياً واحتضانه جسدياً أنجع الحلول في امتصاص غضب الطفل أو حزنه.

6. إبعاد الأطفال عن مصادر التوتر:

إنَّ وجود مصادر للتوتر على مقربة من الأطفال دائماً من شأنه أن يزيد من التغيرات المزاجية عندهم؛ لذا يجب إبعاد الأطفال عنها وتجنُّب حل النزاعات والمشكلات وخاصة الزوجية أمامهم، والحرص على أن تكون العائلة والمنزل مصادر أمان وسكينة بالنسبة إليهم.

في الختام:

إنَّ التغيرات المزاجية عند الأطفال هي أمر طبيعي عائد إلى ضعف قدرتهم على التعامل مع أفكارهم ومشاعرهم، وإنَّ دور الوالدين يكمن في احتواء هذه التقلبات والتعامل معها بحكمة؛ وذلك من أجل تربية طفل قادر على التحكم بنفسه ومشاعره، وبارع في تحويل انفعالاته إلى استجابات.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة