التغذية الراجعة: مفهومها وأنواعها وطريقة تقديمها

أي عمل بلا تقييم أو رقابة سيكون منخفض الجودة، فالطالب إن لم يكن هناك معلم يُقيِّمه ويُعرِّفه بأخطائه سيتراجع أداءه، والموظَّف إن لم يشعر أنَّ هناك مديراً يراقبه ويُقيِّم أداءه لن يعمل بنفس الوتيرة دائماً، والأطفال في الأسرة إن لم يشعروا بمتابعة الأبوين أو مراقبتهما لهم فسيرتكبون الأخطاء، إذن نحن بحاجة إلى التقييم وتقديم المعلومات والملاحظات حول أدائنا؛ لذا يجب على المدرس والمدير والأبوين وأي شخص مسؤول عن أداء الآخرين أن يهتم بتقييهم وإيصال هذا التقييم لهم بشكل صحيح ومفيد، وهذا ما يُعرَف بـ "التغذية الراجعة".



أولاً: مفهوم التغذية الراجعة (Feedback)

  1. هي مجموعة من المعلومات أو الإشارات أو المراجعة أو التقييم حول أداء أو نشاط فرد أو شركة، وتساعد على تنظيم هذا الأداء وتصحيحه.
  2. هي نوع من أنواع تقييم الأداء.
  3. يتم تقديم التغذية الراجعة إلى المتلقي الذي هو من يتم تقييمه أو انتقاده.
  4. يُعرِّفها "نجاح مهدي شلش" على أنَّها: "عامل هام في تعديل العملية التعليمية بهدف المحافظة على وجود المدخلات وتصحيحها أولاً بأول".
  5. ويُعرِّفها "بسطويسي أحمد" على أنَّها: "معرفة النتائج وتقييمها ثم الاستفادة منها عن طريق المعلومات التي ترِد إلى المتعلم والناتجة عن سلوكه الحركي".

وتختلف التغذية الراجعة حسب موضع استخدامها؛ فهناك تغذية راجعة في التعليم تكون موجَّهة للطالب أو في الشركات والمنظمات سواء للموظفين أم لفريق العمل أم للإدارة أم للمنتَج:

  1. التغذية الراجعة للموظفين: وهي عبارة عن تقييم الشركة لموظفيها وتقديم الملاحظات أو الثناء على أدائهم.
  2. التغذية الراجعة للمنتجات أو للشركة: وهي عبارة عن آراء العملاء عن الشركة أو خدماتها أو منتجاتها.
  3. التغذية الراجعة للإدارة: وهي تقييم الموظفين للشركة أو لإدارتها وملاحظاتهم عنها ومدى رضاهم الوظيفي.

نشأة التغذية الراجعة:

ظهر مفهوم التغذية الراجعة عام 1984 على يد "روبرت واينر" من خلال التركيز على معرفة نتائج عملية ما والتحقق من إنجاز الأهداف السلوكية والتربوية خلال عملية التلقي أو التعلم، ثم تم تطوير المفهوم على يد العالم الأمريكي "ويتز" و"شينسون" و"آنوخين" و"بيرتا لانفي" وقاموا بتطبيقه على مختلف أنواع السلوك الإنساني.

نظريات التغذية الراجعة:

تقوم التغذية الراجعة على نظريات عدة وهي:

  1. نظرية فرويد: يرى "فرويد" أنَّ هناك ثلاثة جوانب لشخصية الإنسان، وهي بحاجة إلى الحصول على معلومات وملاحظات من الآخرين لمساعدته على التنمية الشخصية.
  2. نظرية التغذية الراجعة 360 درجة: أساس هذه النظرية هي منح المتعلم أو المتلقي صورة واسعة وشاملة حول أدائه، وتنطوي على طلب التعليقات والملاحظات من كل شخص يمكن أن يكون له وجهة نظر مفيدة.
  3. نظرية الكرسي الفارغ: وهي النظرية الأشهر في التغذية الراجعة، وتنطوي على أن يتخيل المتلقي أو المتعلم أنَّ هناك شخصاً ما جالساً على الكرسي الفارغ ثم تخيُّل ما يمكن أن يقوله عنه وعن أدائه في حال كان أمامه.
إقرأ أيضاً: فن السؤال: كيف تطلب التغذية الراجعة؟

ثانياً: أنواع التغذية الراجعة

يمكن تقسيم أنواع التغذية الراجعة حسب الآتي:

1. حسب نوعها:

  • التغذية الراجعة الإيجابية: وهي التقييم الإيجابي للمتعلم أو الموظف والتركيز على إيجابياته وتقدير جهوده وتحفيزه على العمل.
  • التغذية الراجعة السلبية: وهي التقييم السلبي للموظف أو الطالب وانتقاده وإحباطه والتقليل من قيمته.
  • التغذية الراجعة البنَّاءة: وهي التقييم والملاحظات البنَّاءة التي تشجع الطالب أو الموظف على المضي قدماً وتطوير ذاته وتسليط الضوء على أخطائه بطريقة بنَّاءة ومُحفِّزة للتغيير.
  • التغذية الراجعة غير الرسمية: وهي التقييم أو الملاحظات التي يتم تقديمها إلى الطالب أو الموظف في أي وقت ودون انتظار وقت التقييم الرسمي، ويحدث هذا النوع من التغذية الراجعة عند وجود علاقة قوية بين المُقيِّم ومن يقع عليه التقييم.

2. حسب المصدر:

  • التغذية الراجعة الخارجية: وهي الحصول على المعلومات من مصدر خارجي، مثل المعلم أو القائد أو المدرب، ويتم تقديمها إلى المتلقي أو المتعلم لإعلامه بمستوى أدائه ومدى نجاحه في إنجاز المهمة، وقد تكون مكتوبة أو شفوية أو على شكل انفعال أو إيماء، وتتمثل مصادر التغذية الراجعة الخارجية في الاختبار والامتحان وكل أشكال التقييم، وعادةً ما يتم استخدام هذا النوع من التغذية في بداية عملية التعلم أو اكتساب مهارة ما.
  • التغذية الراجعة الداخلية (الحسية): مصدرها ذات المتعلم أو المتلقي؛ أي يكون التعلم فيها ذاتياً من خلال حواسه المختلفة كالأجهزة الحسية الحركية والجهاز العصبي الشوكي، كما يتم استخلاص المعلومة بالاعتماد على خبراته وممارساته، ويقوم هو نفسه بتقييم أدائه وسلوكه.

3. حسب وقت تقديمها:

  • التغذية الفورية: يتم تقديم الملاحظات والإرشادات فيها بشكل مباشر وفي أثناء سير العمل.
  • التغذية المؤجلة: يتم فيها تقديم المعلومات إلى المتلقي أو المتعلم حول أدائه بعد الانتهاء من أداء العمل ومرور فترة زمنية من إنجاز المهمة.

4. حسب المتعلم أو المتلقي:

  • التغذية الراجعة الفردية: يتم فيها إعطاء المعلومة أو الملاحظات لكل متلقي أو متعلم بشكل فردي لمساعدته على معرفة أخطائه.
  • التغذية الراجعة الجماعية: يتم فيها إعطاء المعلومات إلى مجموعة من المتلقين في نفس الوقت.

5. حسب تزامن الاستجابة:

  • التغذية الراجعة المتزامنة: وهي تقديم المعلومات بشكل متزامن مع الاستجابة لها، كأن يقوم المُدرِّب بتغيير خطة اللعب وتقييم الأداء في أثناء المباراة وإخبار اللاعبين بذلك.
  • التغذية الراجعة النهائية: وهي تقديم المعلومات بعد انتهاء المتعلم من أداء العمل أو اكتساب المهارة.

6. حسب شكل المعلومات:

  • تغذية راجعة لفظية (شفوية): يتم فيها تقديم المعلومات عن طريق الكلام سواء في أثناء الأداء أم بعد انتهائه، ومن عيوبها أنَّها عرضة للنسيان؛ وذلك بسبب عدم قدرة المتعلم على الرجوع إليها.
  • تغذية راجعة مكتوبة: يتم فيها تقديم المعلومات إلى المتلقي عن طريق الكتابة، وهي أفضل من التغذية الراجعة اللفظية بسبب إمكانية المتلقي من الرجوع إليها عند الحاجة.
  • تغذية راجعة مرئية: وهي تقديم المعلومات إلى المتعلم أو المتلقي بشكل مرئي؛ أي السماح له برؤية أدائه، مثل رؤية لاعب كرة القدم لأدائه على التلفاز.

ثالثاً: أهمية التغذية الراجعة

تتمثل أهمية التغذية الراجعة في الوظائف التي تحققها، وهي:

  1. تفيد التغذية الراجعة في اكتشاف نقاط الضعف لدى المتلقي سواء كان طالباً أم موظفاً أم ابناً ونقاط الضعف في العمل عموماً.
  2. تخلق التغذية الراجعة حافزاً لدى المتلقي في تحسين أدائه؛ لأنَّه اكتشف نقاط ضعفه أو تم تقدير جهوده والثناء عليها.
  3. تحفز التغذية الراجعة الشخص المتلقي على تطوير ذاته، واكتساب المزيد من المهارات حتى يحصل على تقييم أفضل.
  4. تفيد التغذية الراجعة الشركات في معرفة آراء العملاء حول خدمتها أو منتجها، ومن ثمَّ استدراك الأخطاء وتحسين مستوى الخدمة أو المنتج.

شاهد بالفديو: كيف تقدم تغذية راجعة بناءة في مكان العمل؟

رابعاً: مصادر التغذية الراجعة

تتعدد مصادر التغذية الراجعة، وهي:

1. الاستبيانات:

تُعَدُّ الاستبيانات من أهم مصادر التغذية الراجعة، وهي عبارة عن مجموعة أسئلة تُقدَّم إما ورقياً أو إلكترونياً، ويتم من خلالها جمع المعلومات، كالاستبيان الذي تضعه الشركة على صفحتها الإلكترونية وتطلب من عملائها أن يملؤوه لجمع آرائهم حول الشركة ومنتجاتها وخدماتها.

2. الاتصالات الهاتفية:

الاتصال الهاتفي من وسائل الحصول على التغذية الراجعة بشكل مباشر وأكثر صدقاً، كون الإجابة تكون مباشرة ويمكن الحكم عليها من نبرة المتكلم، ولكنَّها تستغرق وقتاً طويلاً.

3. البريد الإلكتروني:

يمكن الحصول على معلومات التغذية الراجعة من خلال البريد الإلكتروني، مثل أن تتواصل الشركة مع عملائها إلكترونياً وتتعرف إلى آرائهم عنها.

4. الاختبارات:

هي إحدى وسائل التغذية الراجعة التي تُستخدم في تقييم الطلاب أو الموظفين من خلال اختبارهم من قِبل المسؤولين عنهم وتقييم مستواهم.

5. المقابلات الشخصية:

يمكن الحصول على المعلومات من خلال المقابلات الشخصية، كمقابلة الشركة للعملاء بشكل شخصي وجمع آرائهم.

خامساً: أساليب لتقديم تغذية راجعة فعالة

هناك مجموعة من الأساليب التي يجب مراعاتها لتقديم تغذية راجعة فعالة وبنَّاءة، وهي:

  1. أن تكون الملاحظات التي يتم تقديمها واضحة وبعيدة عن الغموض وأن تكون محددة ودقيقة وقابلة للتنفيذ في الواقع.
  2. أن تتضمن التغذية الراجعة تقديم الحلول والنصائح التي تساعد المتلقي على تلافي الأخطاء ومعالجتها.
  3. اختيار التوقيت المناسب لإعطاء التغذية الراجعة، ويُفضَّل استخدام التغذية الراجعة الفورية بإعطاء التقييم والملاحظات للمتلقي بأسرع وقت ممكن حتى يتم تلافي الخطأ قبل أن يتضخم.
  4. أن تكون التغذية الراجعة حافزاً إلى الأمام وتطوير الذات والتحسين وليس مصدر إحباط وانتقاد وتجريح بألا تُركِّز فقط على سلبيات المتلقي؛ بل تشير إلى بعض الإيجابيات ولو كانت محدودة حتى لا يصاب بالإحباط وفقدان حماسته وثقته بنفسه.
  5. التأكد من وصول التغذية الراجعة إلى المتلقي وفهمها بشكل صحيح والبدء بالعمل على الملاحظات والنصائح التي قُدِّمت له.
  6. التركيز على التصرف وليس على الشخص أو الموظف وانتقاد الموقف وليس شخص مرتكبه بحيث لا يشعر أنَّ الأمر شخصي وهجوم مباشر عليه.

سادساً: مهارات الحصول على التغذية الراجعة

تحدَّثنا عن كيفية إعطاء التغذية الراجعة للمتلقي، والآن سنتحدث عن كيفية استقبالها من قِبل المتلقي؛ وذلك من خلال:

  1. أن تكون مبادراً في الحصول على التغذية الراجعة بأن تحاول دائماً معرفة آراء وتقييمات وملاحظات الأشخاص المعنيين بعملك سواء كانوا مديرين أم عملاء.
  2. الإنصات إلى التغذية الراجعة بحيث لا تقاطع مُحدِّثك وركِّز فيما يقدمه لك من تقييم أو ملاحظات ولا تُسارع في اتخاذ موقف دفاعي ولا تنشغل بالاعتراض وتقديم التبريرات.
  3. الانتباه إلى لغة الجسد، فعندما تتلقى التغذية الراجعة لا تُبدِ أي امتعاض أو تململ أو حركات تعوق عملية التواصل بينك وبين من يقوم بتقييمك أو إعطائك ملاحظات عن عملك.
  4. الانفتاح؛ فأهم مهارات الحصول على التغذية الراجعة هي أن تكون شخصاً منفتحاً تتقبل الأفكار والآراء الجديدة وتتذكر أنَّ وجهات نظر الآخرين تُغني خبراتنا ولو كنا لا نتفق معها.
  5. فهم المغزى من التغذية الراجعة المقدَّمة لك بحيث تحقق أقصى استفادة منها، ولا تنظر إليها على أنَّها حدث شكلي لا فائدة منه.
  6. الاستمرار في متابعة التغذية الراجعة ومعرفة مدى التطور الحاصل في أدائك وهل ما تزال الملاحظات تتكرر.
إقرأ أيضاً: 3 استراتيجيات لإعطاء أفضل تغذية راجعة

في الختام: التغذية الراجعة وسيلة للتطوير

في ختام مقالنا نقول إنَّ التغذية الراجعة وسيلة لتطوير الانسان وتحسين أدائه وزيادة إنتاجيته وحافز له للتغيير شرط أن تتم بشكل صحيح وهادف وبعيدة عن النقد الهدَّام أو الإحباط والتركيز على تنبيه المتلقي إلى نقاط ضعفه بشكل موضوعي وليس شخصياً ومساعدته على إيجاد الحلول وتطوير نفسه مع تسليط الضوء على إيجابياته ونقاط قوَّته لتحفيزه وتشجيعه على التغيير؛ لذا لا بد من الاهتمام بها وتطبيقها في كل أماكن العمل والشركات وعمليات التعلم والتربية والتعامل معها بوصفها عنصراً هاماً في نجاح العمل وتطويره.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة