التعب الوبائي: تعريفه، وأسبابه، وأعراضه، وطرق التعامل معه

تعرَّضت البشرية على مرِّ العصور إلى كثيرٍ من الكوارث الطبيعية، والصراعات، والحروب، والمجاعات، وانتشار الأوبئة، التي حصدت أرواح الكثيرين ولا تزال حتى الآن. ولم يسلم عصرنا الحالي، رغم التطور الطبي والاجتماعي والتكنولوجي الذي يشهده، من انتشار وباء COVID-19 الذي أدخلنا في دوامة من التوصيات والتحذيرات والقيود والتدابير للحدِّ من انتشاره والقضاء عليه. ونتيجةً لاستمرار الوضع فترة زمنية طويلة، بدأ الناس يشعرون بالتعب والإرهاق من اتِّباع كل تلك الإجراءات؛ حيث أطلقت منظمة الصحة العالمية على هذه الظاهرة اسم التعب الوبائي.



من هنا كان لا بدُّ لنا أن نعرف أكثر عن هذا المصطلح الجديد؛ ما أسبابه، وما طرائق التعامل معه؟

تعريف التعب الوبائي:

التعب الوبائي ليس فكرةً قديمةً، بل يمكن عَدُّه فكرة نشأت حديثاً بعد استمرار الوباء فترة طويلة، فكان مزيجاً من عدم الثقة بالسلطات، والتعب من عدم قدرتنا على استعادة حياتنا السابقة؛ حيث أصبح الناس أقل حرصاً في الأشهر الأخيرة. ويؤكد الخبراء بأنَّ التعب الوبائي نتيجةٌ طبيعيةٌ للأزمة.

يُعرِّف أحد الأطباء التعب الوبائي فيقول: هو تعب طويل الأمد يُسبب إرهاقاً بدنياً وعاطفياً وانفعالياً، مع أعراض جسدية تظهر في كامل أعضاء الجسم، كآلام في الرأس والبطن وغيرها، ويصبح الشخص أيضاً قليل الانتباه، غير مكترث، ويفقد الشعور بالسعادة.

أمَّا منظمة الصحة العالمية فقد أطلقت مصطلح "التعب الوبائي" على الوضع النفسي، والإهمال الصحي الذي بدأ الناس إظهاره بعد مرور فترة طويلة على بدء جائحة كورونا؛ حيث انتشرت حالة من فقدان الرغبة في متابعة إجراءات الحماية والوقاية من الوباء بعد مرور كثيرٍ من الوقت.

حسب الدراسات التي قامت بها هذه المنظمة فإنَّ 60% من سكان أوروبا قد ظهرت عليهم أعراض التعب الوبائي، وكان ذلك نتيجةً لاستمرار الظروف الصعبة من دون إيجاد حلٍّ لها.

النتيجة الرئيسة للتعب الوبائي أنَّ الناس يقللون من أهمية خطر الإصابة بالمرض، ويعتقدون أنَّ فرصة إصابتهم بالفيروس قليلة، علاوة على أنَّهم أصبحوا يرون أنَّ الإصابة بالفيروس ليست بالأمر الخطير؛ الأمر الذي يدفعهم إلى التخلي عن الالتزام بالإجراءات التي فرضتها الدولة، ويقلل من أهميتها وفاعليتها.

أسباب التعب الوبائي:

  • الملل: تؤكد كثير من الدراسات أنَّ الملل هو الدافع الرئيس إلى إهمال التدابير الوقائية وإجراءات السلامة، وهذا ما يؤدي إلى زيادة انتشار الوباء. والملل في حد ذاته لا يُخفض قدرتنا على الانتباه، ولكن يدفعنا إلى التصرف بطريقة مغايرة لتلك التصرفات التي ولَّدت شعور الملل لدينا؛ الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى مشكلة كبيرة، حيث يزداد احتمال الإصابة بنسبة 27% لدى الأشخاص الذين يشعرون بالملل، و40% لدى الذين أصبحوا يعتقدون بأنَّ فيروس كورونا غير موجود.
  • الإحباط: إنَّ استمرار الظروف الصعبة التي أحدثت تغيرات عميقة في حياتنا اليومية والمهنية والاجتماعية، فترة زمنية طويلة من دون إيجاد الحلول المناسبة لها، سيصل بنا في النهاية إلى الإحباط الذي سيثبط بدوره الدافع إلى الاستمرار في القيام بهذه الإجراءات، لاعتبارها من دون فائدة.
  • عدم القدرة على تطبيق الإجراءات المفروضة من التزامٍ بالحجر الصحي، وارتداء الكمامات طوال الوقت، والتعلم عن بعد، والتباعد الاجتماعي؛ الأمر الذي يجعل الناس يخففون من ثقلها وأهميتها، لتكون لديهم الذريعة للتوقف والكف عن الامتثال بها.
إقرأ أيضاً: كيف تحافظ على صحتك النفسية في زمن الكورونا؟

أعراض الإصابة بالتعب الوبائي:

  • قلة التركيز: نتيجةً لحالة الإرهاق البدني والعاطفي والنفسي الحاصل لفترة زمنية طويلة.
  • اضطرابات النوم: فنلاحظ حالات من الأرق وعدم القدرة على النوم ساعات متواصلة، نتيجةً للتوتر والضغط والخوف الذي يشعرون به طوال الوقت.
  • التعب والإهمال: المشاعر الأولى التي كانت مصاحبةً لبدء الوباء كانت الخوف، ولكن مع مرور الوقت تحوَّل هذا الخوف إلى تعب وإهمال، وذلك طبيعي نتيجةً بسبب طول فترة الأزمة التي دفعت الناس إلى التعامل مع الأمر بجدية أقل، وهذ لا يعني أبداً عدم قلقهم أو تأثرهم، بل على العكس هم لا يتوقفون عن القلق، حتى أنَّ صحتهم العقلية تتأثر.
  • التوتر: يُعدُّ أهم الأعراض التي تظهر بسبب التعب الوبائي، وهو العاطفة التي كانت مرافقةً لنا منذ بدء الوباء، ولم تتغير كغيرها من العواطف الأخرى.
  • الإجهاد: وقوع أي مشكلة يجعل الشخص بحاجة إلى بذل كثيرٍ من الجهد والطاقة لمواجهتها والتخلص منها. وفي حالة الوباء، ونتيجةً لاستمراره فترة طويلة، وبسبب الجهد المبذول طوال الوقت، أصبح الناس مرهقين ومتعبين جسدياً وعقلياً.
  • العصبية: تنتج العصبية من الضغط النفسي الحاصل بسبب مقاومة الرغبة في عدم الامتثال إلى التدابير الصحية.

ويُضاف إلى هذه الأعراض فقدان الحافز، وكثرة الأفكار السلبية، والحزن والقلق.

طرائق التعامل مع التعب الوبائي:

  • تثقيف المواطنين والقيام بحملات توعية دائمة لشرح أخطار الوباء، وتذكير المواطنين دائماً بها، تجنباً لأي تهاون قد يحدث بسبب الملل والإرهاق.
  • اتخاذ الإجراءات والتدابير الوقائية الكافية من قبل الدولة، وفرضها على السكان، إضافةً إلى فرض عقوبات وغرامات على المخالفين، وهذا سيضطر الناس إلى التقيد والالتزام رغم الملل والتعب الذي أصابهم.
  • البحث عن أسباب الإرهاق والتعب الذي وصل إليه السكان، وفهمها ومحاولة إيجاد حلول مناسبة للتخفيف من وطأتها وعبئها على الناس، لتعود رغبتهم في الالتزام بالتدابير والتوصيات.
  • إشراك السكان بحملات التوعية وبرامج الوقاية، ليشعروا بأنَّهم جزء من الحل، وعلى عاتقهم تقع مسؤولية الحدِّ من انتشار الوباء. وكمثال على ذلك، لا يجب على الدولة منع الناس من إقامة تجمعات أو احتفالات، بل عليها إرشادهم والتناقش معهم للوصول معاً إلى طرائق تسمح لهم بممارسة حياتهم الطبيعية بشكل آمن، وإيجاد الطرائق المناسبة التي عليهم العمل بها للحدِّ من انتشار الوباء في أثناء تجمعهم.
  • عدم المبالغة بالتدابير والإجراءات غير المنطقية، والتي تسبب توقفاً في مختلف نواحي الحياة، وخاصةً المهنية منها، مع الانتباه والحذر للتقليل من انتشار وتفشي المرض. في الحقيقة هذا ليس أمراً سهلاً، وهو لبُّ المشكلة التي تتعرض لها الحكومات منذ بدء تفشي الوباء؛ ذلك لأنَّ على عاتقها تقع مسؤولية إيجاد الحلول حتى لا تُشَلَّ الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، إضافة إلى الحدِّ من انتشار الوباء وزيادة الوفيات، والموازنة بين حماية المواطن وحصوله على الدخل والغذاء والخدمات الأساسية.
  • على وسائل الإعلام أن تنشر المعلومات الموثوقة البعيدة عن التهويلات والمبالغات، بما يخفف التوتر والضغط عن الناس، وذلك من خلال برامج توعية هادفة وموضوعية.

أثر التعب الوبائي في الأطفال:

الأطفال هم أحد فئات المجتمع، وقد تعرضوا كغيرهم لكثير من الضغوطات بسبب الظروف الجديدة التي نتجت عن انتشار وباء كورونا في العالم، وربما قد يكون أثر هذه الظروف في الأطفال أكثر من غيرهم؛ إذ إنَّ طبيعة الإجراءات الصحية ستحتم عليهم البقاء في المنزل، فلا نشاطات خارجية بعد اليوم، ولا رحلات، ولا لعب في الهواء الطلق مع الأصدقاء، ولا تعلُّم في المدارس، وهذا كلُّه سبَّب كثيراً من المعاناة النفسية للأطفال.

ولقد أكدت دراسة ألمانية تزايد تسجيل أعراض الاكتئاب والاضطرابات النفسية عند الأطفال بعد بدء هذه الجائحة؛ حيث تقول هذه الدراسة: قبل هذه الجائحة، كان طفلان من أصل عشرة معرضين لخطر الإصابة بالاكتئاب، ولكن بعد بدء الجائحة وانتشار الوباء في العالم واتخاذ إجراءات الوقاية والحجر المنزلي، أصبح 85% من الأطفال معرضين للتوتر والضغط والخوف والقلق، علاوة على أنَّ سبعة من أصل عشرة أطفال يشعرون أنَّ حياتهم أصبحت سيئة، دون ذكر الخلل الذي أصاب نظامهم الغذائي، وقضائهم الأوقات الطوال على مواقع التواصل الاجتماعي، أو في ممارسة الألعاب الإلكترونية.

شاهد بالفيديو: 6 خطوات يجب اتخاذها لتغطية نفقاتك بسبب فيروس كورونا

نصائح للتخفيف من الشعور بالتعب الوبائي:

  • الحصول على ساعات نوم كافية تتراوح من 6 إلى 8 ساعات يومياً، للمحافظة على صحة جيدة، وتركيز دائم.
  • ممارسة الرياضة: فحتى لو كانت ظروف الحجر الصحي تضطرك إلى البقاء في المنزل، عليك القيام بالتمارين الرياضية وعدم إهمالها؛ ذلك لأنَّ الرياضة تعدل المزاج وتنشط الجسم.
  • عدم قضاء وقت طويل في الاستماع إلى أخبار الوباء، وأماكن انتشاره وأعدد المصابين والوفيات، وعدم التحدث طوال الوقت أيضاً مع العائلة والأصدقاء عن المرض، بل العكس هو الصحيح؛ لذلك تجنب أخباره وابتعد عن الشائعات، واكتفي بالأخبار المهمة والمفيدة، ومن مصادر موثوقة فحسب.
  • عليك أن تعلم أنَّ الشعور بالتوتر أمر طبيعي؛ لذلك تقبَّل هذا التوتر. ولكن في حال زاد عن حدِّه وأصبح له تأثير سلبي في حياتك، فلا تتردد بمراجعة طبيب مختص، فهذا ليس عيباً ولا يعني أنَّك إنسان ضعيف. الأثار التي تركها الوباء ليست آثاراً بسيطة، بل كانت آثاراً مدمرة على جميع الأصعدة النفسية والجسدية والاقتصادية والصحية، فكلُّ ما تمرُّ به من ضغط وتوتر هو نتيجة طبيعية ومنطقية.
  • مشاركة مشاعرك السيئة مع الآخرين، سواءً في الدائرة المحيطة بك من أهل وأصدقاء، أم مع الأصدقاء الافتراضيين على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك للتخفيف من الألم النفسي ومن المشاعر السيئة التي نعاني منها؛ حيث إنَّ معرفتك بأنَّ الكثيرين غيرك حول العالم يعانون من المشاكل وتبعات الوباء نفسها، سيخفف عنك، ويعطيك شعوراً بقليل من الراحة.

قبول الخسائر التي حدثت بسبب الجائحة، سواءً أكانت خسائر بشرية مثل فقدان أحد الأصدقاء أو الأقارب، أم خسائر مادية كخسارتك عملك أو وظيفتك، أو فشل مشروعك بسبب الظروف الجديدة التي فرضها انتشار المرض.

إقرأ أيضاً: الدروس المستفادة من وباء كورونا المستجد

الخاتمة، "الجميع يريدون البقاء بصحة جيدة، ولكنَّ الجميع يريدون الاستمرار في العمل أيضاً":

النجاح في التصدي لأي كارثة أو وباء في العالم، لا يعتمد على الإجراءات والتدابير التي تتخذها الحكومات فحسب، ولا على القرارات التي تفرضها، وإنَّما يكون بالتعويل على سلوكات السكان، فدورهم كبير ومهم جداً. وحتى يقوم السكان بهذا الدور على أكمل وجه عليهم فهم المشكلة جيداً، ومعرفة تبعاتها على كل الأصعدة لتصبح ممارساتهم نابعة من أنفسهم ومن رغبتهم، وليست مفروضة عليهم، فينتظروا أي فرصة لإهمالها والإخلال بها. وبهذه الحالة فحسب يتحقق التوازن وتستمر الحياة في ظل انتشار الوباء بشكل شبه طبيعي، ويخفُّ ثقل تنفيذ هذه التدابير على السكان، ويصبح العمل بها جزءاً من روتين حياتهم وخدمةً لمصالحهم، واستمراراً لأعمالهم.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة