التعامل مع الضغط والانتباه إلى علاماته الأولى

تنطوي حياتنا اليومية على ضغوطات كثيرة، وعندما نسمع كلمة "ضغط" نربطها تلقائياً بأثر سلبي فينا وفي أدائنا؛ لذا يجب معرفة أنَّ بعض الضغوطات سلبية وبعضها إيجابية، وفي علم النفس الرياضي نطلق عليها "الضغط النافع" (eustress) و"الضغط المؤذي" (distress)؛ بمعنى آخر الضغط النافع هو التوتر الجيد بالنسبة إليك، والذي يحفِّز أفضل أداء لديك، والضغط المؤذي هو التوتر الذي يثبِّط قدرتك على تقديم أفضل أداء لديك.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكوتش "إيفان جوزيف" (Ivan Josef)، ويُحدِّثنا فيه عن كيفية التعامُل مع الضغوطات.

لقد عاملتُ الضغوطات جميعها على أنَّها سلبية عندما مارستُ ألعاب القوى في شبابي، لم أكن أدرك أنَّني بحاجة إلى قدر معين من التوتر ليحفِّز أدائي، وما لم أكن متوتراً بعض الشيء، يكون أدائي جامداً جداً، وإن تحمست أكثر من اللازم، يتحوَّل التوتر إلى خوف فيتراجع أدائي.

تجد هذه الظاهرة في عالم الشركات أيضاً، من الهام أن ندرك متى يدفعنا الضغط إلى التصرف تصرفاتٍ مبالغاً فيها، ويؤثِّر سلباً في قدرتنا في القيادة، أُحِثُ دوماً المتدربين في جلسات الكوتشينغ على الانتباه إلى الإشارات المبكرة التي تدل على أنَّ توترهم على وشك التحوُّل إلى ضغط مؤذٍ.

فيما يأتي خمس إشارات تدلُّ على أنَّ الضغط الذي أواجهه يتحول إلى ضغط مؤذٍ:

  1. أتردد في النزول من سيارتي والمضي إلى العمل.
  2. تعمُّ الفوضى مكتبي.
  3. يمتلئ صندوق بريدي الإلكتروني بالرسائل التي لم أرد عليها.
  4. أنسى أين وضعت الأشياء مثل المفاتيح أو جهاز التحكم عن بعد أو محفظتي.
  5. أنسى الاجتماعات.

أريدك أن تتوقف لحظة للتفكير فيما قد يكون علامات مبكرة لديك على أنَّ توترك يتحول إلى ضغط مؤذٍ، هذه هي الإشارات التي تحتاج الانتباه إليها، فإن لاحظت سلوكات واضحة تشير إلى ذلك، فمن المحتمل أنَّ الضغط الذي تعيشه يحد من قدرتك على القيادة وتقديم أفضل أداء لديك، ومن الهام معرفة تلك الإشارات حتى تتمكن من اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لمعالجتها.

إقرأ أيضاً: 8 طرق لتتجاوز ضغوطات الحياة ومشاكلها بسلام

إليك بعض الحيل التي استخدمتها لتجنُّب الضغط المؤذي في مسيرتي المهنية:

  • عندما أجد مكتبي فوضوياً أعلم أنَّني أشعر بالإرهاق؛ لذا ألغي التزاماتي فترة ما بعد الظهيرة، وأنظف مكتبي وأصنِّف أوراقي، وأدوِّن على السبورة الخاصة بي قائمة بالأشياء التي أحتاج إلى القيام بها، وبعد أن تصبح مساحة عملي منظمة، ولدي خطة يرتفع مستوى طاقتي، وأصبح راغباً في مقابلة فريقي ومتابعة عمله.
  • عندما يكون صندوق الوارد الخاص بي مملوءاً بالرسائل، أعلم أنَّ الوقت قد حان للعودة إلى إعادة تنظيم الرسائل في ثلاثة مجلدات كما نصحني مستشار تنظيمي منذ سنوات على الشكل الآتي: مجلد رسائل المهام التي عليَّ إنجازها، ومجلد الرسائل القابلة للتأجيل، ومجلَّد رسائل الأشخاص الذين عليَّ التواصل معهم، وأقوم بفرز بريدي الإلكتروني في الصباح الباكر عندما يكون ذهني صافياً، وأتولى أمره على دفعات بفترات زمنية أستطيع التحكم بها خلال الأيام القليلة المقبلة، وأقوم بمعالجة القضايا المُلِحَّة والحرجة على الفور، ثم أرتِّب القضايا الأخرى، ويساعدني تنظيم صندوقي الوارد على تقليل قلقي ويبعدني عن الضغط المؤذي، ويقلُّ حينها ترددي في العودة إلى العمل.
  • ألغي 20% من اجتماعات الأسبوع أو الأسبوعين المقبلين من جدول أعمالي لإتاحة الوقت الكافي لي لتولِّي الأمور، وأؤجل اللقاء مع الأصدقاء والاجتماعات غير الهامة من الناحية الاستراتيجية، وأرفض المشاريع الكبرى الجديدة، ومع أنَّها الخطوة الأصعب بالنسبة إلي، فإنَّ لها التأثير الأكبر في إفساح المجال لنفسي لاستعادة توازني، وعندما ألتزم حقاً بهذه الخطوة، ينخفض توتري انخفاضاً كبيراً وتتحسن جودة العمل؛ إذ أستطيع التركيز عليه، وأشعر بتحسن تجاه وظيفتي عموماً.

شاهد بالفديو: كيف تتعامل مع ضغوطات العمل؟

إن لم أهتم بهذه العلامات المبكرة، ينتهي الأمر بي في ضائقة كبيرة تتجلى بطرائق قد يكون لها آثار سلبية دائمة في صحتي الجسدية والعقلية وحياتي المهنية.

حصلت على أول وظيفة كوتشينغ لي عندما كنت شاباً، وتحمست وتوترت جداً، وأردت أن أكون مثالياً، فقرأت كل كتاب وقع تحت يدي، وشاهدت كل فيديو وجدته عن الكوتشينغ، وعملت بجدٍّ، وبحثت بلا هوادة عن المواهب الصاعدة لضمِّها إلى الفريق، وعندما بدأ الموسم، شعرت بأنَّني مستعد لهذه الفرصة، والمفاجأة كانت أنَّنا بدأنا الموسم بخمسة انتصارات متتالية.

كان إنجازاً لم يحدث قط في تاريخ الفريق، ولم نحقق سابقاً خمسة انتصارات في عام واحد، ناهيك عن الأسابيع الثلاثة الأولى من الموسم، ومع استمرارنا في الفوز، ظللت أشعر بمزيد ومزيد من الضغط، وبدأ توتري بالارتفاع، وبدأت تظهر عليَّ الأعراض، وتقيأت قبل المباريات، وأُصبت بالإسهال طوال الأسبوع، وفوَّت وجبات الطعام وفقدت الوزن، وبدأ الجلد على راحة يدي بالتقشر، وكان الضغط لتحقيق الفوز ساحقاً، حتى تحولت متعة الفوز إلى وبال عليَّ.

غالباً ما نتعرَّض للضغط المؤذي نتيجة عدم التوازن والتوقعات المثالية غير الصحية، وطغى هدفي في تحقيق الفوز على كل شيء، ولقد غفلتُ عن الإشارات المبكرة ووقعت فريسة الضغط المؤذي حين تقشرت بشرتي وتقيأت وفقدت الوزن.

إن لاحظت الإشارات المبكرة ووجدت نفسك تواجه ضغطاً مؤذياً، فقد حان الوقت للتراجع وطلب المساعدة، وفي مثل هذه الأوقات تحتاج إلى تحويل تركيزك إلى تلبية احتياجاتك الأساسية؛ لذا ركِّز على نومك وغذائك وتمريناتك وعلاقاتك الهامة.

إقرأ أيضاً: نصائح للحصول على الهدوء النفسي

في الختام:

إذا وجدت نفسك مهووساً بتحقيق هدفك، ولم تستطع التراجع واتخاذ هذه الخطوات بنفسك، فاطلب المساعدة المهنية من طبيبك أو مستشار متخصص، فلا أحد يفعل أي شيء وحده، مع الجهد المركز والمساعدة، تستطيع استعادة توازنك وقدرتك على الأداء جيداً.

تذكَّر أنَّ الجميع يعيش تحت الضغط، وفي الواقع نحتاج إلى قدر معين منه لتقديم أفضل ما لدينا.




مقالات مرتبطة