التطوير المهني الإلكتروني

العولمة، الاقتصاد العالمي الجديد، اقتصاد المعرفة، الانفجار المعرفي، الاقتصاد الرقمي، وغير ذلك من المصطلحات التي نسمعها تتردد يومياً بشكل منتظم وغير منتظم، في مؤسسات الأعمال وفي أماكن الراحة والترفيه وفي كل وسائل الإعلام، نلاحظ ارتباطها جميعاً بالتقنية وما أحدثته وستحدثه من تغييرات جذرية في نمط حياتنا وأسلوب ممارستنا لأعمالنا، لم تعد خيارات قبول أو رفض التقنية بأيدينا، لذا فإنّ الأخذ بزمام المبادرة والعمل على الاستفادة القصوى من ذلك التقدم والإنتاج الفكري البشري الكبير هو الهدف الذي يجب أن نعمل عليه.



إنّ عدم التعامل مع التقنية بكافة صورها وأشكالها ومجالاتها سيفقدنا القدرة تدريجياً في السيطرة والتحكم واتخاذ القرار في الوقت المناسب وبالشكل المناسب في مؤسساتنا بل إنّنا سنتخلى عن الكثير من مهامنا العملية والتي بدأت تتضخم بشكل لم يسبق له مثيل ممّا يجعل التقنية والدور الذي تمارسه هي القادرة وحدها على مساعدتنا في تنفيذ تلك الأعمال بشكل أكثر دقة وموضوعية وجودة وفي أقل وقت وتكلفة أقل.

والمتأمل في مؤسسات الأعمال الناجحة سواء كانت حكومية أو خاصة يلاحظ بأنّ تلك المؤسسات هي التي تبنت خيارات الاندماج التقني وركّزت على الفاعلية التقنية وجعلت من التقنية مرتكزاً لعملية الإدارة والتنظيم وتطورت تدريجياً لتجعل من التقنية وسيلة أساسية لتطوير العاملين وعنصراً مساعداً في نموهم المهني.

التطور التاريخي لتقنية المعلومات وبالتحديد في مجالي التعليم والتدريب وبالذات في السنوات القليلة الماضية يلاحظ كيف أن التقنية تداخلت مع كافة عمليات حياتنا اليومية بل إنّها أصبحت جزء من سلوكنا الشخصي، ففي غالب الأحيان نجد أنّ الموقف يفرض علينا ضرورة التعامل التقني لإنجاز مهمة ما أو حاجة من حوائجنا، وهنالك العديد من الأمثلة الحية على ذلك ومنها الخدمات البنكية وبعض الخدمات الحكومية، أيضاً بعض المستلزمات الشخصية من أجهزة جوال إلى أجهزة منزلية وكذلك الإنترنت وغير ذلك، وهذا بدوره يكون لدينا قناعة بأن التعامل مع التقنية ليس أمراً مستحيلاً أو مربكاً ولكنّه يحتاج بعض الممارسة والتدرب والمحاولة حتى تصبح روتيناً يومياً وجزء من مهامنا اليومية‍‍‍!

وفي هذا الشأن تظهر بعض الدراسات التي قام بها بعض الباحثين أنّ هناك تغييرات تطرأ على مستخدمي الإنترنت مع الاستخدام المتكرّر لها يؤدي إلى خلق تآلف وعلاقة ترابط معها.

كما لاحظ الباحثون أيضاً أن مستخدمي الإنترنت يحدث لهم نوع من التكيف ينتج عنه طرق جديدة للتعلم يستطيعون من خلالها استيعاب المعارف بشكل أكبر وأسرع خاصة في وجود وسائط متعددة (صوت وصورة) خاصة وأنّهم يتلقون المعارف من مصادر متعددة ومختلفة ومع مرور الوقت يصبحون أكثر قدرة على العمل بسرعة وكفاءة عالية، ويهتمون بمشاركة الآخرين أفكارهم وإضافة الجديد من إنتاجهم الفكري.

إقرأ أيضاً: ماهو التسوق عبر الانترنت؟ وكيف تتعامل معه؟

لذا كان من الضروري على مسؤولي التطوير أن يراعوا هذه التغييرات في طبيعة المستخدم وأن يصاحب هذه التغييرات، تغييرات أخرى في أنظمة التطوير والتعليم والتدريب، خاصة وأنه أصبح بإمكان المتعلمين أو المتدربين أن يشاركوا في تطوير المواد التدريبية والتعليمية وأن يكونوا جزءاً مؤثراً في بناء المحتوى الإلكتروني التفاعلي وتطويره، كما أنّ التطور في مجال تصميم وتطوير المحتوى الإلكتروني وقدرة مصممي المحتوى والبرامج التي يستخدمونها على التمثيل والمحاكاة للكثير من العمليات والمهارات التي يؤديها الأشخاص وإمكانية بناءها الكترونياً، ووجود معايير عالمية تمثل منهجية علمية في هذا المجال ووجود أنظمة إدارة محتوى وأنظمة إدارة تدريب أو تعليم إلكتروني كل تلك العوامل جعلت إمكانية التطوير المهني الإلكتروني واقعاً ملموساً وممكناً في وممارساً في وقتنا الحالي.

وعليه فإن تطبيق التعليم والتدريب الإلكتروني في مؤسسات الأعمال وخاصة التربوية منها أصبح أمر تفرضه علينا الطبيعة المعقدّة لعملية التربية والتعليم، فالتحديات التي تواجهها التربية سواء كانت جغرافية أو مادية أو فنية أو بشرية وحق الجميع في الحصول على التعليم والتدريب المناسب والانفجار المعرفي جعلت من التعليم والتدريب الإلكتروني خياراً استراتيجياً لعملية التطوير المهني للمعلمين والمعلمات، فالتدريب الإلكتروني أصبح وسيلة فاعلة في مجال التطوير المهني، وهناك العديد من التجارب العالمية التي تثبت ذلك، فالكثير من المؤسسات تقوم ببناء أنظمة تطوير مهني متكاملة تقوم على حاجات فعلية تتطلبها مهام العمل الذي يمارسه الأفراد العاملون بها، وتعمل هذه الأنظمة على توفير متطلبات النمو المهني في أوقات متعددة وبشكل منتظم وفق معايير محددة تضمن توافر معارف ومهارات الحد الأدنى المطلوبة لإنجاز الأعمال، كما أنها ساهمت في توفير برامج التطوير المهني بشكل كبير حيث لا يطلب من المتدربين الحضور لمقرات التدريب في أوقات محددة ويمكنهم الحصول على تلك البرامج في أي زمان ومكان، وقد ساهمت تلك الأنظمة (أنظمة التدريب الإلكتروني) في تطور الأعمال كثيراً داخل تلك المؤسسات وجعلت من الممكن مراقبة نمو العاملين مهنياً.

إنّ تجربة التدريب الإلكتروني التربوي في وزارة التربية والتعليم السعودية، تعد من التجارب الواعدة في مجال التطوير المهني للمعلمين والمعلمات إلكترونياً، ونتوقع لها أن تتطور كثيراً بإذن الله فهي نواة لمستقبل ريادي في هذا المجال والذي سيشترك في بناءه جميع منسوبي ومنسوبات التعليم، هذا النوع من التطوير المهني هو أحد المكملات والروافد المساعدة للتدريب التقليدي وليس بديلاً عنه خاصة في الفترة الحالية ولكن المستقبل سيحمل العديد من المفاجآت في هذا المجال فما يحدث يومياً من تطور في مجال التقنية بشكل عام والتعليم والتدريب الإلكتروني بشكل خاص يجعلنا لا نستبعد بأن يكون بديلاً للتدريب التقليدي، فما كان مستحيلاً في الماضي أصبح ممكناً الآن.

إقرأ أيضاً: التعلّم عن بعد: تعريفه، أهميته، أفضل الجامعات التي تعتمده

كما أن تبنّي العديد من الجامعات العالمية والمؤسسات الرائدة لأنظمة التعليم والتدريب الإلكتروني واعتباره ضمن أنشطتها الرئيسية وإنشاء عمادات متخصصة لتقديم هذه الخدمة وظهور العديد من مراكز التطوير المهني العالمية والتي تعنى بتوفير المحتوى الإلكتروني المحتوى الإلكتروني والدورات التدريبية التفاعلية عن طريق الشبكات الإلكترونية وحصول هذا النوع من التعليم على القبول والانتشار وتطور شبكات الاتصال والإنترنت عالي السرعة وكذلك إنشاء بعض الجمعيات المهتمة بالتعليم والتدريب الإلكتروني وبقضاياه وتطوير مصادره وتنويعها، كل ذلك ينبأ بمستقبل زاهر للتعليم والتدريب الإلكتروني.

أخيراً:
إنّ وجود الرغبة لدى أفراد المجتمع بكافة فئاتهم ومستوياتهم العلمية وميلهم للتعليم والتدريب والتطوير الذاتي، يجعل مهمة المؤسسة التعليمية أكثر صعوبة في تلبية تلك الحاجات والرغبات، وهذا ما يجعلنا نفكر جدياً في توفير فرص تعليم وتدريب حقيقية يمكن من خلالها تقديم خدمة نوعية تساهم في تطور وتحقيق رغبات أولئك الأفراد، فمع تسارع عجلة التعليم والتدريب الإلكتروني وتطورها من حولنا نجد الكثيرين ممن توجد لديهم تلك الرغبة قد بحث عن البدائل وعمل على الاستفادة منها مع عدم وجود تقييم موضوعي للفائدة التي يمكن أن تتحقق من خلالها، ومدى مناسبتها لحاجات سوق العمل أو متطلبات الوظيفة التي يعمل بها، عليه فإنّنا نؤمن بأنّ المبادرة بتبني هذا النوع من التعليم والتدريب ووضع التشريع المناسب له وتوفيره لكافة أفراد المجتمع من خلال مؤسسات تعليمية وتدريبية وطنية هو تفكير استثماري للمستقبل سيكون له عائد كبير على وطننا الحبيب.

والله الموفق.

 

المراجع: مقالة عطية عبد الله آل عطية - مشرف عام التدريب والابتعاث – موقع تدريبي نت الإلكتروني 




مقالات مرتبطة