التدريب على مهارات الذكاء العاطفي في المؤسسات

في كتابه "الذكاء العاطفي 2.0" (Emotional Intelligence 2.0)، يقول الكاتب والمؤثِّر على منصة لينكد إن (LinkedIn) "ترافيس برادبيري" (Travis Bradberry): "الذكاء العاطفي (EQ) هام جداً للنجاح؛ حيث تُعزى إليه 58% من الأداءات في جميع أنواع الوظائف، كما يُعدُّ المؤشر الأكبر الوحيد للأداء في مكان العمل، وأقوى محرِّك للقيادة والتفوق الشخصي".



يجب أن تدرك الآثار المترتبة على هذه الحقيقة؛ فإذا كان 58% من الأداء يرجع إلى الذكاء العاطفي، فإنَّ توفير تدريب على الذكاء العاطفي في مكان عملك سيعزز نتائج المساهمين الفرديين والقادة والفِرَق بأكملها إلى حد بعيد.

يمكن للموظفين الذين يتحلون بذكاء عاطفي عالٍ حل المشكلات بفاعلية أكبر، والتواصل على نحو أفضل مع العملاء والزملاء، والتعامل مع النزاعات بطريقة تُفضي إلى نتائج مثمرة.

لا يمكننا إنكار أهمية العلاقات في الأعمال التجارية، وغالباً ما يكون الشخص الذي نعتقد أنَّه قائد بالفطرة بارعاً للغاية في بناء العلاقات والحفاظ عليها؛ حيث يحافظ القادة ذوو الذكاء العاطفي العالي على المواهب والمديرين والكوتشز، ويضعون المؤسسة على درب النجاح.

يختلف الذكاء العاطفي مِن شخص لآخر، كما يختلف معدل الذكاء (IQ)؛ حيث يحدد الذكاء العاطفي مقدار فَهْم الشخص لعواطفه وعواطف غيره، ويمكن أن يسبِّب تدنِّي الذكاء العاطفي صعوبات في التواصل وإعطاء تصورات خاطئة حول ما يشعر به زملاء العمل؛ في حين من المرجح أن يحظى الأشخاص ذوو الذكاء العاطفي العالي بعلاقات أفضل؛ نظراً لأنَّهم يلاحظون العواطف ويقيِّمونها، ثم يستخدمون عمليات الرصد تلك لجعل التواصل أكثر فاعليةً وغنىً بالمعلومات.

شاهد بالفيديو: كيف تعزز الذكاء العاطفي في فريقك؟

ما الأمور التي تحتاجها للشروع في تطوير الذكاء العاطفي لموظفيك؟

الآن بعد أن فهمتَ فوائد تعزيز الذكاء العاطفي لدى موظفيك، ربما تتساءل عن كيفية تحسين الذكاء العاطفي في مكان عملك، كي يصبح برنامجك التدريبي حافزاً حقيقياً للتغيير.

قبل أن تشرع في تدريب الموظفين على تحسين معدل الذكاء العاطفي لديهم، من الضروري أن تفهم ماهية الذكاء العاطفي؛ حيث يتمحور التدريب على الذكاء العاطفي حول تحسين كيفية فهم موظفيك لعواطفهم والتأثير فيها، إضافةً إلى عواطف زملائهم في العمل.

تعترف معظم الأبحاث بوجود أربعة مكونات للذكاء العاطفي، ويمكن تطوير كلٍّ من هذه المكونات على أنَّها لبِنة أساسية لتحسين الذكاء العاطفي العام لموظفيك؛ حيث يستهدف برنامج التدريب الشامل هذه المكونات الأربعة، مما يساعد على توسيع نطاق إتقان موظفيك للوعي بذواتهم وإدارتها، والوعي الاجتماعي وإدارة العلاقات:

1. الوعي الذاتي:

تتمثل الخطوة الأولى في تحسين الذكاء العاطفي لموظفيك في تنمية وعيهم بذواتهم من خلال مساعدتهم على فهم مشاعرهم وتحيزاتهم الخاصة.

اطرح هذه الأسئلة على نفسك: هل يُسقط موظفوك عواطفهم على شخص آخر نتيجةً لما يعتلج من مشاعر داخلهم؟ هل يجدون صعوبةً في تلقي النقد البنَّاء نظراً لتحيزهم ضد الشخص الذي يقدِّمه؟

يساعد تعليم موظفيك الوعي بذواتهم على تحديد الوقت المناسب لتقييم أفكارهم والعواطف المرتبطة بها. ولن يؤدي تحسين وعي الموظفين بذواتهم إلى تحسين ذكائهم العاطفي فحسب؛ بل سيمكِّنهم أيضاً من مساعدة الآخرين على فعل الشيء نفسه، وهذا ما يسهم في تجاوز الحواجز التي تعيق التعاون والنمو.

يقول ترافيس برادبيري (Travis Bradberry): "الوعي الذاتي هو عملية التعرف إلى نفسك من الداخل إلى الخارج ومن الخارج إلى الداخل".

قد تتساءل عما يُضفيه الوعي الذاتي لمكان العمل، فقد يعاني الشخص الذي يفتقر إلى الوعي الذاتي في فهم كيفية تأثير سلوكاته وطرائقه المميَّزة في زملائه.

لنأخذ مثالاً عن مدير غالباً ما تراه غاضباً، فعندما يحاول تقديم الكوتشينغ لموظفيه، يظنون أنَّه يوبِّخهم؛ إنَّه لا يفهم لماذا يظهر بهذا المظهر، فيطلب منك مساعدته على تعليمه كيفية تقديم الكوتشينغ بصورة أفضل؛ لذا تبذل قُصارى جهدك لتعليمه استراتيجيات تغيِّر مِن سلوكه؛ ولكن عندما يطبِّق هذه التقنيات في الوظيفة، يضع موظفيه في موقف دفاعي بسبب نبرة صوته، وبالنتيجة لا يستطيع إيصال رسالته.

بعد ملاحظتك لذلك، تقرر أنَّ هذا المدير يحتاج إلى تدريب على الوعي الذاتي، وتُفهِمه كيف تؤثر نبرة صوته في الآخرين، وكيف يحبط أسلوبه في الكوتشينغ موظفيه لدرجة تضع حواجز تحول دون التواصل.

عندما يفهم هذا المدير كيفية تأثير وجوده في الموظفين، يستطيع التواصل استراتيجياً مع المساهمين الأفراد والقيادة بصورة أكثر فاعلية.

لا يكون التدريب على الذكاء العاطفي واضحاً دائماً، ولكن عند تجزئته إلى مكونات مثل الوعي الذاتي، يصبح فهمه وتطويره أسهل بكثير.

إقرأ أيضاً: نافذة جوهاري، بناء الوعي الذاتي والثقة في الفريق

2. إدارة الذات:

الخطوة التالية هي إدارة الذات؛ وهي تعني كيفية تعامل الموظفين مع عواطفهم وردود أفعالهم،

كما هو الحال مع غيرها من الأمور في الحياة، تكون نتائج العواطف (والسلوكات الناتجة عنها) أفضل عندما يُعبَّر عنها باعتدال، ويمكن أن تخرج العواطف السلبية سريعاً عن السيطرة، وقد يكون لها تأثير طويل الأمد في سلامتنا وعلاقاتنا مع الآخرين.

فمن غير المعقول أن نتوقع من الموظفين أن يعملوا جيداً سوياً إن لم يعرفوا كيفية إيصال أفكارهم ومشاعرهم والتعبير عنها؛ لذا تساعد مهارات إدارة الذات الموظفين على التعامل مع الظروف الصعبة أو المربِكة دون أن يتفاقم الوضع.

هنالك مثال جيد عن إدارة الذات في مقطع من المسلسل الكوميدي ساينفيلد (Seinfeld)؛ حيث يبرهِن وعي جورج (George) بذاته أنَّ اتَّباع ما يمليه عليه حدسه دائماً ما يؤدي إلى نتيجة مخيبة للآمال، فمن خلال إدارة استجابته تلك، يتصرف جورج (George) على عكس ما يخبره به حدسه، فتكون نتائج ذلك إيجابيةً مما يدعو للدهشة والضحك بآن واحد.

وكما يقول الرئيس الأمريكي الراحل توماس جيفرسون (Thomas Jefferson): "عندما تغضب، عُدَّ إلى العشرة قبل أن تتكلم، وإذا كنت غاضباً جداً، فعُدَّ إلى المئة".

يتمالك الموظفون الذين يمتلكون مهارات عالية في إدارة الذات أعصابهم في معظم محاثاتهم، وبذلك يستطيعون صياغة ردود أكثر فاعلية، وهذا هو أحد الأسباب العديدة التي تجعل إدارة الذات أمراً بالغ الأهمية في بناء العلاقات؛ حيث يتطلب تعليم الموظفين إدارة الذات تدريباً موجَّهاً واستراتيجياً على الذكاء العاطفي.

3. الوعي الاجتماعي:

تتمثل الخطوة الثالثة لتحسين الذكاء العاطفي في تطوير الوعي الاجتماعي؛ حيث يتطلب هذا مزيجاً من الملاحظة والإصغاء الفعال، والمهارة الأكثر أهمية وهي التعاطف؛ فالتعاطف هو الرابط القوي الذي يربط الوعي الذاتي مع إدارة العلاقات، وهو أكثر العوامل تأثيراً في الوعي الاجتماعي.

يعني التعاطف في هذا السياق مقدار فهم الفرد لتفسير شخص آخر لموقف ما؛ حيث يكون الموظفون الذين لديهم وعي اجتماعي عالٍ واثقين من سلوكهم في معظم المواقف؛ وذلك لأنَّهم يدركون تأثير سلوكهم في زملائهم في العمل.

يؤدي التدريب على الذكاء العاطفي فيما يخص الوعي الاجتماعي إلى تعزيز أداء الفريق ومساعدة الموظفين على العمل سوياً على نحو أكثر فاعليةً.

إقرأ أيضاً: ما هو التعاطف؟ وكيف يمكن أن يكون مفيداً للقادة؟

4. إدارة العلاقات:

تتمثل الخطوة الأخيرة في استخدام الذكاء العاطفي لتعزيز التواصل وتطوير علاقات صحية بالآخرين؛ حيث يمكن لموظفيك استخدام الخطوات الثلاث الأولى (الوعي الذاتي وإدارة الذات والوعي الاجتماعي) للتحكم بتفاعلاتهم مع الآخرين بنجاح.

يقول خبير الذكاء العاطفي دانيال غولمان (Daniel Goleman) في كتابه "الذكاء العاطفي وسبب كونه أكثر أهميةً من حاصل الذكاء" (Emotional Intelligence: Why It Can Matter More Than IQ) إنَّه يمكن للأفراد الذين يتمتعون بمهارات إدارة علاقات فعالة:

  • تطوير الآخرين.
  • إلهام الآخرين.
  • المساعدة في القيادة خلال فترات التغيير وعدم اليقين.
  • التأثير في الآخرين.
  • التعامل مع النزاعات.
  • إتقان العمل الجماعي والتعاون.

تساعد فوائد الذكاء العاطفي هذه على جعل الأفراد والشركات أكثر نجاحاً؛ حيث يقول "ترافيس برادبيري" (Travis Bradberry): "يكمن سر الفوز في هذه المباراة الثقافية في معاملة الآخرين بالطريقة التي يريدون أن يُعاملوا بها؛ وليس الطريقة التي تريد أن تُعامَل بها".

إنَّ معرفة كيف يريد الآخرون منك أن تعاملهم هو سرُّ إدارة العلاقات إدارةً أفضل؛ حيث سيساعدك التدريب على الذكاء العاطفي على تطوير تلك المهارة.

في الختام:

سيمنحك توفير تدريب على الذكاء العاطفي للقوى العاملة لديك فوائدَ جمةً، فضلاً عن تحسين نتائج عملك عامةً.

وطالما أنَّ أماكن العمل الحديثة قد اتجهت نحو تبنِّي ثقافة التعلُّم، فقد أصبح الذكاء العاطفي أحد أهم المجالات التي يتمحور حولها التدريب والتطوير، وهذا ما عليك أن تتَّبعه دون تلكؤ.

المصدر




مقالات مرتبطة