التبعية العاطفية بين الزوجين: أسبابها حلولها

تمر العلاقات الزوجية بالكثير من المشكلات وتتأثر في العديد من العوامل تأثراً سلبياً، وقد تكون التبعية العاطفية بين الزوجين واحدة من هذه المشكلات المؤثرة والمنغِّصة لسير العلاقة بشكل سليم؛ لذا في هذا المقال سنتعرَّف أكثر إلى التبعية العاطفية بين الزوجين وأسبابها وحلولها.



أولاً: ما هي التبعية العاطفية وما هي أسبابها؟

التبعية العاطفية تجعل منك شخصاً يبني سعادته من خلال سعادة شخص آخر، ويتخذ قرارته أيضاً بناءً على ما يريده أحد آخر؛ أي أنت تنجح بنجاح غيرك وحسب، وتحدث هذه الحالة عندما يعاني الشخص من سوء في تقدير ذاته  فيبحث عن الأمان في غيره.

التبعية ليست أمراً سهلاً؛ بل هي نوع من العلاقات السامة التي يصعب عليك التخلُّص منها على الرغم من تأثيرها السلبي الكبير في كامل حياتك، وفي كثير من الأحيان يأخذ هذا الاعتماد العاطفي أشكالاً مختلفة ويبدأ من الطفولة فالإنسان بطبيعته يحتاج إلى الارتباط بشخص آخر، وهذا ما يحدث عند ارتباط الطفل بوالديه، وعندما يكبر هذا الطفل فهو سيبحث بالضرورة عن تلك الرابطة في أثناء علاقته مع شريكه، لكن في حال زادت هذه الرابطة أو التبعية إلى الحد الذي تصبح حياة الشخص مرتبطة بحياة شريكه فقط متناسياً حياته ومعتمداً بشكل كلي عليه؛ سنصبح أمام مشكلة.

إقرأ أيضاً: 8 وسائل للتعامل مع القلق الناجم عن العلاقات العاطفية

أشكال التبعية العاطفية بين الزوجين:

كما ذكرنا توجد العديد من أشكال التبعية العاطفية، وسنتعرَّف فيما يأتي إلى أبرز أشكالها:

1. التبعية العاطفية الاجتماعية:

تشمل هذه التبعية الأصدقاء أو زملاء العمل وحتى مواقع التواصل الاجتماعي، ويشعر الشخص التابع عاطفياً في هذه الحالة بأنَّ كل ما يعتقده عن نفسه هو ناتج عن أفكار الآخرين عنه، ويسعى إلى إرضاء الجميع وكسب محبتهم، ويعاني كثيراً في حال رفضه أو استبعاده؛ وبسبب هذه التبعية لا يشعر الشخص بالرضى إلَّا من خلال محيطه الاجتماعي.

2. التبعية العائلية:

هي الشكل الأشيع ويبدأ في مرحلة الطفولة، ويشعر فيه الشخص بالكثير من الأمان بسبب وجوده في منزله مع والديه، وفي حال تطورت هذه التبعية بشكل كبير قد تؤثِّر في حياة الشخص بشكل سلبي وقد تعوق تقدمه في حياته وتكون سبباً لبقائه في مكانه دون أي تطوُّر يُذكَر.

3. التبعية العاطفية الرومانسية:

وهي التبعية التي تحدث بين الشريكين أو الزوجين؛ إذ يشعر أحد الطرفين بأنَّ سعادته مرتبطة فقط بنجاح العلاقة وبسعادة الشريك ورضاه، وهذا ما يجعل الشخص التابع عاطفياً إلى شريكه يعيش في جو من الخوف والتوتر كل الوقت من فشل العلاقة، وفي كثير من الأحيان يفقد الشخص السيطرة على نفسه ويبدأ الاعتماد بشكل كلي على شريكه ليصبح فيما بعد شخصاً مزعجاً وغيوراً ومثيراً للمشكلات.

شاهد بالفيديو: 6 خطوات لتحقيق الاستقلال العاطفي

أسباب التبعية العاطفية بين الزوجين:

ترتبط الأسباب بالكثير من الظروف والعوامل، ولا يمكن إرجاع السبب وإلقاء اللوم أبداً على طرف واحد، ففي الكثير من الأحيان ترتبط الأسباب بالشريكين معاً.

فيما يأتي سنتعرَّف إلى أبرز الأسباب التي تنتج عنها التبعية العاطفية بين الزوجين:

1. عدم الثقة بالنفس:

عندما يكون أحد الشريكين قليل الثقة بنفسه، فهذا سيدفعه إلى التبعية والعجز عن الشعور بالقدرة على العيش وحده دون اللجوء إلى شريكه في أقل الأمور، المشكلة إذاً تكمن في عدم القدرة على التمتع بالاستقلالية مع شعور بالحاجة الدائمة إلى الشريك، وهذا بالطبع سينتج عنه الكثير من الضغط للشريكين، وأحدهم يعمل المستحيل ليُسعد الآخر ويُفرحه؛ وذلك لأنَّه يخاف من عدم وجوده معه دائماً، في حين أنَّ الآخر سيشعر بأنَّه مُراقَب في كل لحظة وبأنَّ جميع تصرفاته وحركاته خاضعة إلى التقييم، إضافةً إلى شعوره بالمسؤولية تجاه شريكه الذي لا يقوى على اتخاذ أي قرار مهما كان بسيطاً أو التقدُّم خطوة مهما كانت سهلة دون الرجوع إليه، وهذا ما يشعره بالعبء والتوتر طوال الوقت.

2. عدم الشعور بالأمان:

لن يتردد الشخص التابع إلى شريكه عاطفياً في طلب المديح والإطراء منه؛ وذلك لأنَّه دائم الشعور بالخوف من فقدان دعم الشريك له ومثل هذه العبارات تجعله يشعر بالكثير من الأمان الذي يحتاج إليه ويبحث عنه.

3. عدم منح الشريك الحرية:

أن تحتاج إلى أحد يعني أن تخاف في كل لحظة من رحيله، وهذا بالضبط ما يدفع الشخص التابع عاطفياً إلى محاولة إرضاء الشريك مهما كان الأمر صعباً؛ إذ يعتقد أنَّه هو المسؤول عن أي شعور يمر به شريكه، ويسعى دائماً إلى إرضائه ويُلقي اللوم على نفسه عند حدوث أي خطأ.

ما يشعر به الشريك بالغ الأهمية بالنسبة إلى الشخص الذي يتبع شريكه عاطفياً، وقد يكون هذا الاهتمام الزائد سبباً في العديد والعديد من المشكلات فكثيراً ما يرغب الشريك في أن يأخذ وقته حتى يتحسَّن وحده، وكثيراً ما تكون مشاعره ليست لها أيَّة علاقة بالشريك بخلاف ما يعتقد الأخير بأنَّه السبب في تبدُّل مشاعر شريكه.

4. عدم الثقة بالشريك:

يركِّز الشخص المتزوج التابع عاطفياً لشريكه في أدق تفاصيل الشريك، ويهتم بكل ما يتعلق به بشكل مرضي، فهو يلاحظ أي تغيير يظهر على وجهه مهما كان طفيفاً، وينتبه إلى أي اختلاف في نبرة صوته وحركاته ولغة جسده، حتى أنَّه قد يذهب إلى أبعد من ذلك ويراقب هاتف شريكه ومكالماته ويراقبه ويلاحقه على مواقع التواصل الاجتماعي.

إقرأ أيضاً: 7 معتقدات يمكن أن تضر بالعلاقات العاطفية

ثانياً: حلول التبعية بين الزوجين

الحلول مرتبطة دائماً بالأسباب؛ لذلك وقبل البدء بأي حل يجب إدراك الأسباب جيداً والبحث في جذورها، فالتبعية العاطفية المفرطة ليست علاقة صحية بأي شكل من الأشكال، وعلى الزوجين العمل معاً لإيجاد الحل، ويمكن في سبيل ذلك اتباع الخطوات الآتية:

  1. من الهام جداً على الشريك التابع إلى الآخر العمل على العيش مستقلاً والتدريب على اتِّخاذ القرارات الشخصية أو القرارات البسيطة وحده دون الرجوع إلى الشريك إلَّا لاستشارته؛ إذ عليه أن يتحكَّم بأفعاله ويضبط سلوكاته ويعرف ويحدد الأمور التي يحتاج بها إلى الاتصال بشريكه لأخذ رأيه.
  2. الخضوع التام إلى الشريك ليس صحياً وليس سليماً، وليس من الخطأ أن يبحث الشخص عمَّا يرضيه هو بعيداً عن رغبة شريكه؛ لذا قبل أن تهتم بأي أحد يجب الاهتمام بنفسك أولاً.
  3. تحديد النقاط التي تؤذيك في هذه العلاقة، ابحث جيداً عن النقاط التي تشعر بأنَّك تؤذي نفسك وتؤذي علاقتك من خلالها، تعرَّف إليها وافهمها، فهذا يساعد كثيراً على تغييرها والتغلُّب عليها، وتذكَّر دائماً اعتمادك على الشريك لن يقتصر تأثيره في حياتك الزوجية؛ بل يتعداها لتطال حياتك ككل.
  4. حب النفس وإعطاؤها قيمتها الحقيقية وتقديرها كما يجب، وبهذه الطريقة تكون قادراً على مواجهة حالة التبعية التي من الممكن أن تشعر بها لبعض الوقت وتُبقيها ضمن الحدود الطبيعية غير المؤثرة في حياتك.
  5. بدلاً من قضاء الوقت في مراقبة شريكك ومتابعة تحركاته وربط أي حدث يجري معه بك، خصِّص وقتاً لنفسك، ومارس الرياضة، ومارس هواياتك وافعل الأشياء التي تحبها وحدك حتى تتعلم أن تبقى وحيداً دون الحاجة إلى وجود أحد إلى جانبك.
  6. رسم حدود العلاقة بين الشريكين خطوة هامة جداً ليعرف كل طرف مسؤولياته وما عليه فعله دون التدخل والعيش علقة في حياة الآخر.

شاهد بالفيديو: 7 علامات عن العلاقة العاطفية التعيسة تجعلك تشعر أنك محاصر

ثالثاً: كيف تعرف أنَّ تبعيتك العاطفية لشريكك سلبية؟

ليس كل اعتماد على الشريك هو اعتماد سلبي بالضرورة؛ بل قد يكون أحياناً ضمن السياق الطبيعي للحياة، وبهذا تكون التبعية العاطفية بين الزوجين ليست سلبية فهي ليست من ذاك النوع الحساس، وفيها لا يقع الشريك في فخ الخوف الدائم من الانفصال ومن رفض الشريك، هي علاقة تجعل الشريك سنداً حقيقياً وملجأً آمناً عند المرور بالتجارب الصعبة، دون العيش بخوف وقلق دائمين من زوال هذا السند، كما أنَّ الشريكين يشعران من خلالها بالسعادة والرضى.

الشريك لا يبحث هنا فقط عن سعادة شريكه؛ بل يفكر في سعادته هو أيضاً ويعبِّر عن احتياجاته دون أي خجل، وأكثر ما يميز هذه العلاقة ويجعلها صحية أنَّه على الرغم من معرفة الشريك بوجود شخص داعم ومساند له إلَّا أنَّه يعمل جاهداً لتطوير نفسه وتحسينها، وفي نهاية المطاف وبعد كل خلاف لا يتصرف إلَّا وفقاً لقناعاته وما يمليه عليه عقله.

من جهة أخرى، توجد عدة سمات وخصائص تستطيع أن تعرف من خلالها أنَّ تبعيتك إلى شريكك لم تَعُد ضمن الحدود الطبيعية والمقبولة، وفيما يأتي نعدد أهم هذه السمات:

  • الشعور بالقلق والخوف الدائم من انفصال شريكك عنك أو تركك وحدك أو رفضك، والتفكير بشكل مستمر في احتمال أنَّ شريكك يخونك؛ مما يدفعك إلى قضاء الكثير من الوقت بالتفكير فيه وماذا يفعل، ومع من يتكلم، وما إلى ذلك من أفكار وهواجس.
  • الابتعاد عن الجميع عند حضوره، فعندما يحضر شريكك معك لا أهمية لرفيق أو قريب، فقط الشريك هو الشخص الذي تريده بجانبك وتشعر بأنَّك قادر على الاعتماد عليه دون غيره.
  • سعادتك مرتبطة بسعادته، ونجاحك مرتبط بنجاحه.
  • لا وجود لحدود داخل العلاقة، وغالباً ما تزج نفسك في مساحته الخاصة، وبالنسبة إليك فأنت لا تمتلك أيَّة مساحة خاصة بك وحتى أنَّ أمر بنائها لا يعنيك.
  • الانزعاج من أي نشاط قد يقوم به دون أن تكون معه، فحتى زيارته لأهله أو أصدقائه قد تزعجك.
  • حالتك العاطفية معتمدة بشكل كامل على أسلوبه في التعامل معك، تفرح عندما يكون لطيفاً، وقد تحزن وتتألم لمجرَّد كلمة قالها.
  • خططك وأهدافك تصب فقط في كيفية بقائك قريباً منه ولا تتعلق بك شخصياً.
إقرأ أيضاً: 12 سبباً وجيهاً لإنهاء العلاقة العاطفية

في الختام:

التبعية العاطفية بين الشريكين كما رأينا مشكلة تجعل الحياة الزوجية محكومة دائماً بالقلق والتوتر والخوف، وهذه الصفات حقيقة تضعف العلاقة وتجعلها هشة، وبخلاف ما يعتقده الشريك التابع عاطفياً فهو لا يحافظ بهذه السلوكات على الأمان الذي يبحث عنه بل يفقده.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة