الانهيار العصبي: أعراضه، أسبابه، كيفية الوقاية منه

نحن نمرُّ في حياتنا بالعديد من المواقف الصعبة على اختلافها؛ إذ تختلف ردود أفعال الناس عند التعرُّض لتلك المواقف؛ فمنهم مَن يُغمى عليه ومنهم من يبكي بكاءً شديداً ومنهم يمكن أن يتَّخذوا العزلة عن الناس بوصفها طريقة لتفاعلهم مع تلك الأحداث السيِّئة، وقد يصل الأمر ببعض الناس إلى حد الانتحار.



إنَّ كل ما سبق ذكره من ردود الأفعال يمكن اختصارها بمصطلح الانهيار العصبي، وسنتعرَّف معاً في مقالنا هذا إلى مفهوم الانهيار العصبي بشكل أوسع من خلال التعرُّف إلى أعراضه وأسباب حدوثه وطرائق الوقاية منه وعلاجه؛ لذا تابعوا معنا.

1. ما هو الانهيار العصبي؟

يُعَدُّ مصطلح الانهيار العصبي مصطلحاً شعبياً معروفاً بين الناس، وليست لهذا المصطلح أيَّة مرجعية علمية طبية؛ إذ يُستخدم لوصف حالة الهبوط النفسي الحادة والمفاجئة التي قد تصيب الشخص عند سماعه خبراً سيئاً، أو عند تعرُّضه لحادث معيَّن دون أن تكون له قدرة على تحمُّل وقع ما حدث، ويترافق الانهيار العصبي مع خلل يصيب عمل الجهاز العصبي الطبيعي نتيجة الإجهاد النفسي الشديد.

يُستخدم هذا المصطلح أيضاً للإشارة إلى مجموعة متنوعة من الحالات النفسية والعقلية؛ ومن ذلك:

  1. الاكتئاب.
  2. القلق.
  3. اضطراب الإجهاد النفسي الحاد.

تجدر الإشارة إلى أنَّ الانهيار العصبي ليس مصطلحاً طبياً أو تشخيصاً رسمياً لحالةٍ معيَّنة، ولا يملك تعريفاً موحداً مُتَّفقاً عليه، لكن يستخدمه العديد من الأشخاص لوصف أعراض التوتر الشديدة وعدم القدرة على التعامل مع ضغوطات وتحديات ونكسات الحياة.

كذلك ما يراه الناس على أنَّه انهيار عصبي، قد يكون عبارة عن حالة عقلية مرضيَّة أو نفسية لم تُشخَّص بعد أو لم تُشخَّص تشخيصاً صحيحاً.

2. أعراض وعلامات الانهيار العصبي:

تتباين المؤشرات التي تدل على الانهيار العصبي من شخص إلى آخر، وتختلف أعراضه تبعاً للعوامل المسببة له؛ إذ توجد ثلاثة أعراض له، ويمكن أن تكون الأعراض بدنيَّة، وفي حالات أخرى قد تكون الأعراض نفسيَّة، إضافة إلى أنَّها قد تكون أعراضاً سلوكية؛ ولأنَّ مصطلح الانهيار العصبي ليست له مرجعيَّة طبية؛ فقد وُصِّفت مجموعة الأعراض التي سنتعرَّف إليها بمصطلح الانهيار العصبي، وهذه الأعراض هي:

  1. أعراض الاكتئاب: كالشعور بالحزن أو اليأس المستمر، والشعور بالذنب وانعدام القيمة، وانخفاض الطاقة والتعب وفقدان الاهتمام والشغف بالهوايات أو النشاطات المعتادة، بالإضافة إلى تدنِّي تقدير الذات والبكاء غير المضبوط، وتجلِّي الأفكار السوداوية والتفكير في إيذاء النفس أو حتى في الانتحار.
  2. أعراض القلق: التي تشمل التوتر العضلي والشعور بالضيق والتهيُّج ورعشة الأيدي والدوار واضطراب المعدة أو الأمعاء.
  3. أعراض الأرق: التي تشمل صعوبات في النوم أو النوم طوال النهار والسهر طوال الليل.
  4. نوبات الهلع: كالخوف الشديد أو الشعور باقتراب الموت ويترافق بصعوبات في التنفس؛ إذ يصبح التنفس سريعاً وسطحياً، وتبدأ الرعشة والارتجاف وتسارع معدل ضربات القلب أو الخفقان والتعرُّق وغيرها.
  5. أعراض اضطراب ما بعد الصدمة PTSD: والتي تحدث بعد تعرُّض الشخص لحدث صادم وتشمل: أفكاراً تطفلية، وانبثاق ذكريات من الماضي، وكوابيس تتعلق بالحدث، وتجنُّب الأماكن أو المواقف التي تثير ذكريات ذات صلة بالحدث، بالإضافة إلى شعور الذنب أو الخجل حيال الحدث وغيرها.
  6. السلوكات المتهورة أو المدمرة للذات مثل: تعاطي المخدرات أو الكحول أو التدخين.
  7. تقلبات مزاجية شديدة مثل: العصبية المفاجئة أو الحزن والبكاء المفاجئين وغيرهم.
  8. نوبات اهتياج غير مبرَّرة مثل: البدء بتحطيم ما يراه أمامه أو ضرب أحدهم وغيرها.
  9. هلوسات؛ وتعني سماع أصوات أو رؤية أشياء أو اشتمام روائح ليس لها وجود مادي حقيقي.
  10. جنون الارتياب؛ كالاعتقاد بأنَّ شخصاً ما يراقبه أو يطارده.
  11. قد ينسحب الأشخاص الذين يعانون من الانهيار العصبي من المجتمع المحيط بهم وينعزلون، وتشمل أعراض الانسحاب من المجتمع ما يأتي:
    1. تجنُّب العمل والواجبات اليومية.
    2. تجنُّب الارتباطات الاجتماعية والمواعيد.
    3. الأكل والنوم غير المنتظمَين.
    4. إهمال النظافة الشخصية.
    5. عزل النفس وعدم الخروج من الغرفة وملازمة السرير.

وغيرها الكثير.

إقرأ أيضاً: النجاح في إدارة الغضب: 8 نصائح ذهبية للتخلّص من العصبية الزائدة

3. أسباب ومحفزات وعوامل خطر الإصابة بالانهيار العصبي:

ترتبط مسببات الانهيار العصبي بمؤثرات خارجية وتشمل:

  1. إصابةً جسديةً أو مرضاً معيَّناً يغير نمط الحياة ويمنع عن القيام بالأعمال الروتينية اليومية والشخصية.
  2. حدثاً صادماً؛ كوفاة أحد أفراد الأسرة أو أحد الأصدقاء.
  3. الإجهاد المستمر في العمل أو الدراسة.
  4. تغييرات في العلاقات الاجتماعية؛ كالطلاق أو الخيانة أو غدر الأصدقاء.
  5. فقدان الوظيفة أو العمل أو المشروع الشخصي.
  6. التعرُّض للتعنيف أو التمييز أو التنمُّر أو التحرُّش وغيرها.
  7. الإفلاس أو المشكلات المالية الكبيرة مثل: الديون الضخمة والمطالبات بالإيجار أو التهديد أو دخول المنزل في حالة الرهن نتيجة عدم دفع الأقساط وغيرها.
  8. تغيير البيئة؛ مثل الانتقال من المكان الذي ترعرع فيه الشخص إلى مكان جديد كلياً وغريب.
  9. الحالات الصحية المزمنة التي تترافق بالآلام المزمنة والأرق وتغيير نمط الحياة.
  10. يزيد التاريخ الشخصي أو العائلي بوجود حالات اضطرابات عقلية أو نفسية من خطر التعرُّض للانهيار العصبي.
  11. قلة الدعم الاجتماعي والعائلي.

وغيرها الكثير من المسببات وعوامل خطر الإصابة بالانهيار العصبي التي تختلف أيضاً بين شخص وآخر.

4. متى يجب الاتصال بالطبيب؟

من المألوف جداً الشعور بعدم القدرة على التعامل مع ضغوطات الحياة وتحدياتها من وقت إلى آخر، وهذا أمر عادي لكن من الممكن أن يصبح التوتر مصدر قلق وحالة صحية خطرة إذا بدأ يتعارض مع قدرتنا على بدء أو إكمال مهامنا اليومية.

قد يكون الانهيار العصبي علامة على وجود حالة صحية نفسية أو عقلية؛ لذا من الهام جداً استشارة الطبيب بمجرد ملاحظة أيَّة علامة على الانهيار؛ إذ يمكنه المساعد على علاج الأعراض الجسدية، وقد يعمل على إحالة المصاب إلى الطبيب النفسي لمعالجة وتدبير الأعراض العاطفية والنفسية والسلوكية والعقلية.

يجب على مقدمي الرعاية الأولية الاتصال بالطبيب في أقرب وقت ممكن إذا كانوا قلقين بشأن سلوك أحد أفراد أسرتهم أو حالتهم العقلية أو النفسية.

5. علاج الانهيار العصبي:

تُعَدُّ زيارة الطبيب من أهم الخطوات الأولى التي يجب على من يعاني من مشكلات الانهيار العصبي القيام بها؛ وذلك من أجل تقييم حالة المريض سريرياً والتعرُّف إلى تاريخ الفرد الصحي وتاريخ العائلة الصحي في حال وجود مشكلة وراثية معيَّنة؛ إذ يطَّلع الطبيب بعد الفحص السريري الشامل على قائمة الأدوية التي يتناولها المريض فيما إذا كانت أدوية مزمنة أم غير مزمنة؛ وذلك للتأكُّد من أنَّ الأدوية التي يمكن أن تُعطى له لن تتعارض مع أدوية أخرى موصوفة له سابقاً.

بعد التشخيص السريري يحوِّل الطبيب المعاين الشخص الذي يعاني من الانهيار العصبي إلى طبيب نفسي متخصص أو معالج نفسي لإجراء تقييم نفسي أوسع وتشخيص الحالة بدقة لتقديم العلاج المناسب للحالة تماماً؛ إذ يمكن أن تتعدد أساليب معالجة الانهيار النفسي تبعاً لحالة المريض وهي كالآتي:

شاهد بالفديو: 5 طرق للوصول إلى أفضل طبيب نفسي مناسب لشخصيتك

المعالجة الكلامية:

يشمل العلاج بالكلام المعالجة السلوكية المعرفية CBT، وقد أثبتت هذه المعالجة فاعليتها في علاج القلق والاكتئاب والحالات الصحية العقلية والنفسية الأخرى؛ إذ تنطوي هذه المعالجة على تحديد أنماط التفكير الإشكالية وتعلُّم مهارات التأقلم للتنقُّل وتخطِّي المواقف الصعبة بشكل أفضل.

الأدوية:

قد يُوصي الطبيب بالإضافة إلى المعالجة الكلامية بتناول بعض الأدوية الموصوفة لعلاج الأعراض أو الحالة العقلية أو النفسية التي شُخِّصَت، وتشمل هذه الأدوية مضادات الاكتئاب أو القلق والمهدئات وغيرها.

تغيير نمط الحياة:

إن كنتَ تشعر بالإرهاق وعلى وشك الانهيار، ففكِّر في الاستراتيجيات الآتية لإدارة وتدبير الأعراض:

  1. تجنُّب الكافيين والكحول؛ وذلك لأنَّهما قد يفاقمان من أعراض الحالات النفسية والعقلية ويتداخلان مع الأدوية ويؤثران في جودة النوم.
  2. ممارسة الرياضة بانتظام؛ إذ تساعد على مكافحة التوتر وتحسين جودة النوم، وثبتَ أيضاً أنَّ النشاط البدني يخفف ويحسِّن أعراض العديد من الحالات النفسية والعقلية.
  3. اتِّباع نمط غذاء صحي ومتوازن؛ ويشمل تناول الكثير من الفواكه والخضار الطازجة والحبوب والبقول والمكسرات والبذور والبروتينات الخالية من الدهون وغيرها.
  4. وضع جدول روتيني للنوم؛ إذ يساعد على تحسين النوم وجودته، وأخذ حمام دافئ، وإيقاف تشغيل الأجهزة الإلكترونية، وقراءة كتاب ما وغيرها.
  5. ممارسة أساليب الاسترخاء وتخفيف التوتر؛ مثل التأمُّل أو اليوجا أو تمرينات التنفس العميق أو التدليك وغيرها.

6. طرائق الوقاية والتخفيف من الانهيار العصبي:

يمكن أن تساعد التعديلات على نمط الحياة على منع الانهيار العصبي أو تقليل شدته وتكراره وتشمل هذه التعديلات ما يأتي:

  1. ممارسة التمرينات الرياضية بانتظام 3 مرات في الأسبوع على الأقل؛ كرياضة المشي أو الركض أو ركوب الدراجة.
  2. حضور جلسات العلاج النفسي الكلامي وحضور جلسات الإرشاد وإدارة القلق الفردية أو الجماعية.
  3. تجنُّب الكحول والمخدرات والتدخين والكافيين والمواد الأخرى التي تسبب الضغط العصبي وتسبب الإدمان وتؤثر في صحة الجسم.
  4. النوم لمدة 7 ساعات على الأقل يومياً.
  5. ممارسة تمرينات الاسترخاء والتنفُّس العميق والتأمُّل يومياً لمدة 5 دقائق إلى 15 دقيقة.
  6. تخفيف مستوى التوتر اليومي من خلال تنظيم النشاطات اليومية والمواعيد وإنشاء قائمة مهام يومية والالتزام بها.
  7. قضاء بعض الوقت في الطبيعة.
  8. الذهاب في رحلات استجمام مع العائلة أو الأصدقاء أو حتى مع النفس فقط.

يمكن إجراء هذه التغييرات بنفسك، لكن من الأفضل العمل مع اختصاصي الصحة النفسية لوضع خطة علاج مناسبة تلبي احتياجاتك الخاصة على أفضل وجه؛ وذلك لأنَّ الطبيب يعلم ما يجب فعله وما عليك تجنُّبه، ويعمل على مراقبة التقدُّم أو حدوث أيَّة انتكاسة، ويقيِّم فاعلية الخطة من عدمها.

إقرأ أيضاً: الثبات الانفعالي: أنواع الانفعالات والتحكم بها

في الختام:

لقد تحدَّثنا في هذا المقال عن ماهيَّة الانهيار العصبي وعلاماته وأعراضه، وتحدَّثنا عن أسبابه ومحفزاته وعوامل خطر الإصابة به وطرائق علاجه، بالإضافة إلى أهمية استشارة الطبيب عند ظهور أعراض الإصابة بالانهيار العصبي وبعض طرائق الوقاية منه.

المصدر




مقالات مرتبطة