الإيجابية السامة: هل للإيجابية أضرار؟ (الجزء الأول)

"لا تقلق، سيكون كل شيء على ما يرام" كم مرة سمعت تلك العبارة من قبل؟ هذا ما يسمى بالإيجابية السامة وهي مشكلة حقيقية؛ إذ يمكن للإيجابية السامة أن تجعل الناس أقل نجاحاً وأكثر أنانية وأكثر سذاجة.



يجهل معظم الناس هذا النوع الضار من الإيجابية، كما أنَّ معظمهم لم يسمعوا أبداً بمصطلح "الإيجابية السامة" من قبل، لكن بمجرد شرحها لهم عرفوا ما هي على الفور، وقال 67.8% إنَّهم تعرضوا للإيجابية السامة من شخصٍ ما في الأسبوع الماضي.

ما هي الإيجابية السامة؟

الإيجابية السامة هي الشعور بأنَّك تتصرف بسعادة أو بهجة عندما لا تكون سعيداً حقاً، فهي النوع المزيف من السعادة التي يشجعك الناس عليه عندما يقولون لك: "ابتهج" أو "ستتحسن الأمور، لا تقلق" عندما يحدث لك شيء سيئ حقاً.

الإيجابية السامة هي سعادة غير حقيقية ويمكن أن تسبب ضرراً في العلاقات الشخصية والمهنية، ولها شكلان مختلفان:

  1. الإيجابية السامة التي يمكنُك أن تتلقاها من شخص ما أو تسببها لشخص ما.
  2. الإيجابية السامة التي يمكن أن تسببها لنفسك.

كلا النوعين من الإيجابية السامة ضاران.

مقارنة بنسبة 67.8% من الأشخاص الذين تعرضوا للإيجابية السامة من شخص ما في الأسبوع الماضي، قال أكثر من 75% من الناس إنَّهم في كثير من الأحيان يتجاهلون عواطفهم للشعور بالسعادة، وهي بالتأكيد ليست رائعة بالكامل، خصوصاً إذا أصبح تجاهل السلبية متكرراً عادة.

5 أضرار للإيجابية السامة:

الإفراط في الإيجابية ضار؛ فمثل أيِّ شيء آخر يمكن للإيجابية السامة أن تجعلك غير صادق وتبعدك عن الآخرين وتفقدك التواصل بالواقع.

فيما يأتي 5 طرائق يمكن أن تكون فيها الإيجابية المفرطة ضارة:

1. تراكم السلبية:

المشكلة هي أنَّك كلما تجنبت أفكارك السلبية زادت وعزَّزَت ميولك لتجاهلها؛ لكنَّنا لسنا سعداء طوال الوقت؛ بل أحياناً نغضب ونخاف ونقلق.

بحثت دراسة من عام 1997 في آثار الكبت العاطفي على التوتر:

  • عُرِضت أفلام لعمليات طبية مزعجة على مجموعتين من المشاركين، وقيسَتِ استجاباتُ توترهم.
  • طُلب من إحدى المجموعتين التعبير عن مشاعرهم في أثناء المشاهدة، في حين طُلب من المجموعة الأخرى كبتها.

كانت المجموعة الثانية أسوأ حالاً من المجموعة التي عبرت عن مشاعرها فكان أداؤهم الإدراكي أسوأ؛ لأنَّ كبت المشاعر يتطلب كثيراً من القوة الدماغية، ناهيك عن الإرهاق الجسدي؛ إذ وجد الباحثون أنَّه يزيد من التنشيط الودي لنظام القلب والأوعية الدموية.

الخلاصة: كلما كتمت مشاعرك أكثر تأذيت أكثر، والحل الوحيد هو الشعور بها والتعبير عنها.

2. الأصدقاء غير الأوفياء:

في الحياة يوجد نوعان من الأصدقاء؛ أولئك الذين يدعمونك في الظروف القاسية، والأصدقاء الذين تجدهم معك فقط في الظروف الجيدة.

يمكننا اعتماد النوع الأول من الأصدقاء خلال اللحظات الصعبة، وتقلبات المشاعر التي سنمر بها في حياتنا حتماً، وهم الأصدقاء المقربون الذين يمكنك الاعتماد عليهم وأفراد العائلة الذين تثق بهم، لكنَّ النوع الثاني من الأصدقاء يوجد خلال الأوقات الجيدة ويتركك بمجرد أن تواجه مشكلة حقيقية يخبرك بأن تبتهج، أو يختلق عذراً، أو يتجنبك لأنَّه لا يريد معاملة مشاعرك السلبية.

لكن ماذا لو كنت أنت الشخص السام؟

إذا تحدثت بإيجابية مفرطة عندما كان صديقك يحتاج إلى التعاطف والرحمة فقد تبدو غير وفيٍّ أو غير مهتم بأمره، وعلى الأمد الطويل قد تخسر علاقات حقيقية؛ لأنَّ أصدقاءك قد لا يشعرون بالراحة في مصارحتك بمشاعرهم.

شاهد بالفيديو: كيف تضع حداً للأفكار السلبية؟

3. الإيجابية السامة هي الإيجابية الزائفة:

تخيَّل أنَّك اكتشفت أنَّ أحد معارفك طُرد من وظيفته بسبب خطأ ارتكبه زميله في العمل، بالطبع ستتوقع أن يكون غاضباً؛ لكنَّك تجده يبتسم ومبتهجاً بدلاً من ذلك، ويقول عبارات مثل: "لا بأس" و"سأكون إيجابياً"، إذ ستشعر أنَّ ثمة خطباً ما.

تزعجنا السعادة المزيفة لسبب وجيه؛ إذ من الصعب للغاية التظاهر بمشاعر حقيقية، وإذا انتبهت إلى لغة جسد شخص ما فلا بد من عدم التطابق بين ما يشعر به الشخص حقاً والمشاعر التي يعبر عنها.

من المزعج عندما نرى أشخاصاً يتظاهرون بأنَّهم سعداء في حين أنَّهم ليسوا سعداء في الواقع، ومن العلائم على ذلك:

  • لا يوجد تجاعيد حول العيون عندما يبتسمون؛ مما يشير إلى أنَّ الابتسامة مزيفة.
  • قد يستخدمون أذرعهم أو أشياء أخرى حاجزاً للإشارة إلى أنَّهم منغلقون على أنفسهم.
  • توجيه أقدامهم نحو المخرج في أثناء محادثتك.

في كثير من الأحيان تؤدي الإيجابية السامة إلى القلق أكثر مما تفيد، وهي ظاهرة شائعة؛ فمن أصل 233 مشاركاً في استطلاع قال 4 أشخاص فقط إنَّهم لم يتجاهلوا أبداً مشاعرهم للتظاهر بالسعادة.

4. الحزن:

وجدت دراسة في جامعة ستانفورد (Stanford) استمرت 10 سنوات أنَّ إنكار المشاعر السلبية بوصفه آلية للتكيف مرتبطٌ بمستويات أعلى من الاكتئاب، ووجدت دراسة أخرى في عام 2011 أنَّ الناس شعروا بالحزن أكثر عندما توقع الآخرون ألا يشعروا بمشاعر سلبية مثل الحزن.

نحن جميعاً مخلوقات اجتماعية تعتمد توقعات الآخرين وآراءهم كثيراً، ولا يقتصر ذلك فقط على ما يقوله الناس؛ بل للغة الجسد دور كبير في التكيف الاجتماعي، وعندما تعيش في مجتمع مليء بالمشاعر الإيجابية فإنَّ الشعور بالرضى عن الشعور بالحزن يصبح أكثر صعوبة، وقد يسبب شعورنا بالوحدة الشديدة.

إقرأ أيضاً: نصائح مهمة للتخلّص من مشاعر الحزن

5. قلة الانتباه للتفاصيل:

في دراسة أجريت في عام 2008 طلب الباحثون من مجموعة أطفال تحديد أشكال بسيطة في صورة، فاستغرق الأطفال الأكثر سعادة وقتاً أطول للعثور على الأشكال ووجدوا أيضاً عدداً أقل منها، في حين كان الأطفال المحايدون أو الحزينون أسرع ووجدوا أشكالاً أكثر من الأطفال الأكثر سعادة.

يرى الباحثون أنَّ كوننا سعداء قد يجعلنا نركز على الصورة الشاملة بدلاً من التفاصيل الصغيرة، في حين عندما نكون حزينين أو تكون مشاعرنا محايدة فمن المرجح أن نولي اهتماماً بالتفاصيل الصغيرة؛ لأنَّنا قد نظنُّ أنَّ ثمة مشكلة ما، وهذا سبب عدم سعادتنا.

تتيح لنا هذه الحالة المحايدة أو الحزينة تحديد ما الذي يسبب مزاجنا السيئ بدقة أكبر، ومحاولة التخلص منه في أسرع وقت ممكن؛ لذلك إذا بدا أنَّ الأشخاص السعداء أكثر من اللازم غير حساسين إلى حد ما فقد يكون هذا صحيحاً في الواقع.

إقرأ أيضاً: 10 أمور يفعلها الأشخاص الذين يركزون على التفاصيل

في الختام:

لقد تحدَّثنا في هذا الجزء من المقال عن الإيجابية السامة وخمسة أضرار لها، وسنكمل حديثنا في الجزء الثاني منه عن 10 طرائق للتغلب عليها.




مقالات مرتبطة