الأمان الوظيفي: أهميته، وإيجابياته، والعوامل التي تؤثر عليه

ذهبت ذات صباح لعملك في الشَّركة الَّتي تعمل لديها -كما اعتدت أن تفعل منذ سنوات- فوصلت وجلست لتبدأ عملك المعتاد، وفجأة؛ استدعاكم مدير الشَّركة لاجتماع عاجل دون سابق إنذار، فبدأ المدير كلمته بقنبلة، وهي: "إنَّ الشَّركة تتعرَّض لخسائر فادحة، وبناءً عليه ولتقليل النَّفقات، سيُسرِّح نصف العاملين فيها".



يخيِّم الصَّمت في هذه اللَّحظة على المكان، وتدخل أنت وزملاؤك في صدمة، وتشعروا بعدها أنَّ حياتكم قد توقَّفت.

سيخرج بعدها الموظَّفون الَّذين سُرِّحوا ليُواجهوا مصيرهم المجهول، أمَّا من بقي فلن يكون أفضل حالاً؛ ذلك لأنَّه سيدخل في دوَّامة من الخوف والقلق الدَّائمَين، ويشعر أنَّ وجوده في الشَّركة مسألة وقت، فهو مُعرَّض بأيَّة لحظة لمُواجهة نفس المصير المجهول.

هذه الحالة الَّتي عاشها الموظَّفون الَّذين طُردوا دون سابق إنذار، والقلق الَّذي عاشه من بقيَ منهم، تدعى بحالة غياب "الأمان الوظيفي".

يعتقد الكثير من الخبراء أنَّ فقدان الأمان الوظيفي والخوف من فقدان الوظيفة، يُمكن أن يكون أسوأ من التَّسريح الدَّائم أو الفصل المفاجئ؛ ذلك لأنَّ الشَّعور بعدم الأمان يجعل الإنسان في حالة قلق دائم، وبالتَّالي يخفِّض قدرته على الإنجاز.

شاهد بالفيديو: كيف تعزّز وجودك في عملك الجديد؟

ما المقصود بالأمان الوظيفي؟

هو شعور الموظَّف بأنَّه لن يفقد وظيفته، وأنَّه لن يُستغنى عن خدماته دون سابق إنذار بين ليلة وضحاها، وهو واحد من أكثر العوامل تأثيراً في تحفيز الموظَّفين، ووفقاً لعدد من الإحصاءات، فإنَّ الرَّاتب والشُّعور بالأمان الوظيفيِّ يُشكلِّان أهمَّ العوامل الَّتي يبحث عنها الإنسان في وظيفته.

وحين غيابه يتحوَّل إلى هاجس يُؤرِّقه، فلا هو واثق من مستقبله في الشَّركة فيعمل في راحة بال، ولا هو تعرَّض للطَّرد ليبحث عن فرصة عمل بديلة، فيبقى يتأرجح بين الأمل والخوف.

يشمل الأمان الوظيفي أيضاً تحقيق العدالة بين الموظَّفين، ورفع معنويَّاتهم بوجود الحوافز الماديَّة والمعنويَّة، ووجود أنظمة تكفل حقوقهم.

هل يُمكن أن يكون غياب الأمان الوظيفيّ إيجابيَّاً للشَّركة؟

تلجأ بعض الشَّركات لخلق بيئة عمل غير آمنة بشكل مقصود، والإيحاء لموظَّفيها بأنَّه من الممكن أن يُستغنى عنهم في أيَّة لحظة، وذلك اعتقاداً منها أنَّ هذا الشُّعور بالخطر سيُحفِّز الموظَّف ويُبقيه في حالة من اليقظة الدَّائمة لإعطاء أفضل ما عنده خوفاً من استبداله.

مثال على ذلك؛ القاعدة الَّتي استخدمها "جاك ويلش" (الرَّئيس السَّابق لشركة جنرال إليكتريك)، والَّتي تدعو إلى فصل 10 في المئة من الموظَّفين ذوي الأداء الأضعف، وهو نظام عُرف باسم "صنِّف واطرد"، كما يوجد أيضاً نظام آخر يُعرف باسم "صعود أو خروج"، وهو استراتيجية تستخدمها بعض الشَّركات، حيث تستغني فيها عن الموظَّفين ذوي الأداء الأضعف الَّذين لا يتقدَّمون في وظائفهم، أو لا يحصلون على ترقيات.

لكنَّ الشَّركات مخطئة في اعتقادها هذا، فهم بخلقهم مشاعر غياب الأمان الوظيفيِّ، فإنَّهم غالباً ما يُؤثِّرون على موظَّفيهم سلباً، فحسب قول ويليم شيمان (رئيس مجموعة ميترس التِّجاريَّة وهي شركة أبحاث في مجال الإدارة في سومرفيل بولاية نيوجيرسي الأميركيَّة): "عندما تستخدم الشَّركات الأمان الوظيفيَّ للتَّهديد، بدلاً من استخدامه كأسلوب تحفيز، فإنَّ ذلك يُؤدِّي إلى نتائج عكسيَّة؛ ذلك لأنَّ الموظَّفين يفقدون شعورهم بالالتزام".

يمكن أن تستمرَّ تبِعات انعدام الأمان الوظيفي لسنوات بعد ترك العمل، وهذا ما أثبتته دراسة أُجريت على موظَّفين عانوا غياب الأمان الوظيفي، فتبيَّن أنَّهم شعروا بالاكتئاب بعد ذلك لمدَّة تتجاوز الثلاث سنوات.

إقرأ أيضاً: 10 خطوات تساعدك في نيل الترقية التي تريدها بسرعة

لماذا يعدّ الأمان الوظيفي مهمَّاً؟

يُساهم الأمان الوظيفيُّ في استقرار الموظَّفين في عملهم، ويُرسِّخ شعورهم بالانتماء والولاء لشركاتهم، ممَّا يُحفِّزهم على العمل بإخلاص وبكلِّ طاقتهم، ويدفعهم للإبداع والابتكار، ويرفع من قدرتهم على إيجاد حلول مبتكرة للمشكلات الَّتي تواجه العمل؛ ذلك لأنَّهم يشعرون بالطَّمأنينة والرِّضا تجاه شركتهم وكأنَّها جزء منهم، أو كأنَّها بيتهم الثَّاني ومصدر رزقهم، ونجاحها يعني نجاحهم.

قد يعتقد أصحاب الشَّركات أنَّ غياب الأمان الوظيفيِّ لا يُوثِّر على العمل، وقد يصل الأمر ببعضهم للاعتقاد أنَّ أيَّ موظَّف يمكن استبداله بغيره، وهم مُخطئون في اعتقادهم هذا، وذلك للأسباب التَّالية:

  • عندما يشعر الموظَّف أنَّ وظيفته مستقرَّة وأنَّه غير مُهدَّد بخسارتها، يتخلَّص من الخوف والقلق الدَّائمَين ويتمتَّع بالهدوء والثِّقة، ويتفرَّغ للتَّركيز في العمل، ويسعى للتَّميُّز وإتقان عمله، وتقديم أفضل أداء لديه.
  • إنَّ تفكير بعض الشَّركات بأنَّ "رحيل موظَّف سيأتي بعشرة غيره" تفكيرٌ مُكلف (إضافة لكونه تفكير غير إنساني بحقِّ الآخرين)، ذلك لأنَّ الشَّركة تستبدل موظَّفاً أصبح له خبرة ومهارة في أداء العمل، بموظَّف جديد غير مُدرَّب ولا يملك الخبرة اللَّازمة، ممَّا قد يؤثِّر على أرباح الشَّركة ويكبِّدها تكاليف تدريبه وتأهيله، إضافة إلى أنَّ تغيير الموظَّفين تغييراً مستمراً يؤثِّر على فقدان روح العمل بينهم، ويجعلهم يخسرون التَّناغم فيما بينهم والصَّداقات الَّتي يُكوِّنها تاريخهم الوظيفيَّ المشترك.
  • تتمتَّع الشَّركة الَّتي تقدِّم لموظَّفيها أماناً وظيفيَّاً بسمعة حسنة تتعلَّق بتقديرها لموظِّفيها ورغبتها بالاحتفاظ بهم، ممَّا يجعلها مكان عمل جاذب لأصحاب أفضل الكفاءات، ممن يرغبون بالإقبال للعمل لديها.
  • المثير للدَّهشة أنَّ إجراءات تقليص العمالة بما فيها من عدم إنسانيَّة، لم تحقق أرباحاً للشَّركات كما توقَّعت، ففي إحدى الدِّراسات الَّتي شملت 1000 شركة قلَّصت عدد موظَّفيها، لم تزد نسبة الأرباح المرجوَّة من التَّقليص سوى 22%، أمَّا النَّتيجة الحقيقيَّة للتَّقليص فهي التَّأثير السَّلبيُّ على نفسيَّة الموظَّفين العاملين في هذه الشَّركات، فهم يعيشون هاجساً يُؤرِّقهم ليل نهار، ويذهبون كلَّ صباح للعمل وهم خائفون من أن يُخبرهم المدير أنَّه آخر يوم عمل لهم في الشَّركة.
  • غياب الأمان الوظيفيِّ يُشكِّل خطراً على الصَّحة: حاول الباحثون في إحدى الدِّراسات الحديثة الَّتي نشرتها جمعيَّة القلب الأميركيَّة فهم تأثير تذبذب دخل الفرد على صحَّته؛ إذ تابعوا 3937 من البالغين الَّذين تتراوح أعمارهم ما بين 23 إلى 35 عاماً، بدءاً من العام 1990 ولغاية عام 2005، فدرسوا سجلَّاتهم الطِّبيَّة وشهادات الوفاة لتقييم أسبابها، وكما توقَّعوا؛ وجدوا أنَّ التَّقلب القاسي في دخل الفرد خلال فترة شبابه يُؤدِّي إلى مُضاعفة خطر الوفاة المبكِّر والإصابة بأمراض القلب في سنواته اللَّاحقة. وعند محاولة تفسير هذا الأمر، وجدوا أنَّ انخفاض الدَّخل وغياب الأمان الوظيفي، غالباً ما يؤدِّي إلى سلوكات غير صحيَّة، مثل الاكتئاب والحالة العصبيَّة الدائمة، واللُّجوء إلى الكحول أو التَّدخين، ممَّا يُسبِّب أمراض القلب والأعصاب.

تُخبرنا نظريَّة فريدريك هيرزبيرج -الَّتي وضعها قبل 60 عاماً ولا تزال نتائجها مفيدة إلى يومنا هذا- أنَّ هناك العديد من العوامل الوظيفيَّة الَّتي تؤدِّي إلى شعور العاملين بالرِّضا وتحفيزهم للإنجاز ولأداء الأفضل، بما في ذلك شعورهم بالأمان الوظيفي.

ما هي الآثار السَّلبيَّة لغياب الأمان الوظيفي؟

يقول أستاذ علم الاجتماع الدُّكتور "حسن الخولي": إنَّ الأضرار الَّتي قد تترتَّب على عدم الإحساس بالأمان الوظيفيِّ هي:

  • التَّقصير بالعمل.
  • عدم الإخلاص في اتِّباع أوامر الرُّؤساء.
  • الشُّعور بالإهانة عند تلقِّي أوامر المديرين.
  • انعدام المعايير العامَّة للعلاقات المهنيَّة.
  • الشُّعور الدَّائم بالظُّلم.
  • البحث الدائم عن عمل آخر لتفادي الخطر المادِّي النَّاتج عن الفصل.
  • اللُّجوء إلى تفريغ الطَّاقة السَّلبيَّة في المنزل، مما يزيد من نسبة الطَّلاق والعنف الأسري.
  • عدم شعور الموظَّف بالرِّضا والانتماء لشركته، وعدم اهتمامه بما يجري فيها سواء تقدَّمت أم تراجعت.
  • العلاقات المهنيَّة غير الجيِّدة بين الموظَّفين، والتي تسودها الغيرة من احتمال تقدُّم أحدهم على الآخرين، فتفضِّله حينها الإدارة عليهم عندما تقرِّر تسريح موظفيها أو تقليص العمالة.
إقرأ أيضاً: 7 نصائح مهمة لتحقيق الرضا الوظيفي

ما هي الإيجابيَّات الَّتي يُحقِّقها الأمان الوظيفي؟

  • يشعر الموظَّف بالاستقرار النَّفسي.
  • يعمل الموظَّف بجدٍّ وإخلاص، ويشعر بالولاء لشركته، وأنَّ استمرار نجاحه من استمرار نجاحها.
  • يشعر الموظَّف بتقدير واحترام الإدارة وتمسُّكها به.

ما هي صور غياب الأمان الوظيفي؟

  • عدم اهتمام المسؤولين بإنجازات الموظَّف وتقديرها.
  • التَّقليل من أهميَّة العمل المُنجز.
  • عدم وجود حوافز ومكافآت، أو منحها لمن يستحقها.
  • عدم المعاملة العادلة بين جميع الموظَّفين.

ما هي العوامل الَّتي تؤثِّر على الأمان الوظيفي؟

  • الظَّرف الاقتصاديُّ للبلاد، حيث تزداد بفترات الانتعاش الاقتصاديِّ حالة الأمان الوظيفيِّ، وتقلُّ في فترات الرُّكود.
  • مهارات وخبرات الموظَّف نفسه، كلَّما كان الموظَّف صاحب مهارات، حظيَ بأمان وظيفيٍّ أكثر، فلا تستغني عنه الشَّركة بسهولة. والعكس صحيح؛ فكلَّما قلَّت مهاراته انخفض أمانه الوظيفي.
  • قوانين العمل الَّتي تُحافظ على حقوق الموظَّف: تتمتَّع الوظائف الحكوميَّة بدرجة عالية من الأمان الوظيفيِّ، أمَّا القطاع الخاص فيُوفِّر درجة أقل منه، ممَّا يجعل الإقبال على الوظائف الحكوميَّة أكبر رغم تدنِّي الرَّاتب فيها مقارنةً بالقطاع الخاص.

في الختام: كيف تجعل أمانك الوظيفيَّ بيدك؟

نحن نعيش اليوم زماناً يختلف عن زمان آبائنا الَّذين كانوا يقضون حياتهم في نفس الوظيفة، من لحظة دخولها للحظة إحالتهم للتَّقاعد أي حوالي 30 سنة في نفس المكان، وغالباً ما كانوا يقعون ضحايا للرُّوتين وتُخيِّم الرَّتابة على حياتهم، إضافة إلى أنَّنا نعيش في عصر العولمة والتَّقدم التكنولوجي السَّريع، الَّذي يجعل الكثير من الوظائف تسقط بالتَّقادم، ومئات الوظائف الجديدة تظهر كلَّ يوم.

فلكي تؤمِّن لنفسك فرص عمل دائمة، يتطلَّب الأمر أن تبقى مسلَّحاً بالأسلحة الَّتي تحميك وتُقوِّي موقفك، وهي مؤهِّلاتك العلميَّة وخبراتك ومهاراتك، لذا لا تتوقَّف عن العمل على تطوير نفسك، وابقَ في حالة تعلُّم دائمة.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة