الألعاب الأولمبية والقيم الإنسانية

مضى أكثر من 120 عاماً على تأسيس الحركة الأولمبية على يد "بيير دي كوبرتان" الذي كان شغوفاً بالرياضة، ويرى أنَّ العالم سيصبح مكاناً أفضل بوجودها؛ لأنَّها ستساعد على وقف الحروب حسب زعمه، فالرياضة تقوم على العمل الجماعي والصداقة والمنافسة الصحية البعيدة عن الغش.



ومن ثمَّ تصنع إنساناً جيداً لديه توازن بين العقل والجسد والروح، ويتمكن من إقامة علاقات صحية مع الآخرين، وهي خطوة أساسية لتعزيز العلاقات بين الأمم والمجتمعات المختلفة.

تم التعبير عن الرياضة في الميثاق الأولمبي بأنَّها فلسفة الحياة، ومن خلال مزج الثقافة والتعليم بالرياضة يمكن إنشاء أسلوب حياة جديداً، فأصبحت الرياضة جزءاً لا يتجزأ من مجتمعاتنا اليوم، فقد بدأت الألعاب الأولمبية بعدد قليل من الرياضات لم يتجاوز عددها 9 رياضات، ومن ثم ازداد العدد ووصل إلى 28 نوعاً من الرياضات في 2004 تشمل رياضات الأولمبياد الصيفي والشتوي.

ما تزال الرياضات الأولمبية في ازدياد، وما يجمع بينها أنَّها لا تتعلق بالصحة الجسدية والنفسية فحسب؛ بل تشمل قيماً إنسانية واجتماعية هامة ستتعرف إليها الآن في مقالنا الحالي.

مفهوم الألعاب الأولمبية:

مفهوم الألعاب الأولمبية

الألعاب الأولمبية حدث رياضي يشبه المهرجان يقام بشكل دوري، لكن ليس سنوياً؛ إنَّما مرة كل 4 أعوام، وتشمل مجموعتي الألعاب الأولمبية الشتوية والصيفية منفصلة عن بعضها بعضاً، ويتخللها إقامة مجموعة من المسابقات الموسيقية أو الفنية أو الأدبية إلى جانب مختلف الرياضات الأولمبية.

الهدف الأساسي من المنافسة في الألعاب الأولمبية هو تتويج بطل رياضي ومنحه لقب "أفضل رياضي" لكل نوع من أنواع الرياضات الأولمبية، ويستمر بحمل اللقب لمدة 4 سنوات.

في البداية، لم تشمل الألعاب الأولمبية النساء، فقد اقتصرت المنافسة على الرجال؛ بل واقتصر الحضور والمشاهدة على النساء غير المتزوجات، كما تم فرض عقوبات على المتزوجات ممن يحضرن لمشاهدة الأولمبياد، لكن لم تستسلم المرأة وأصرت على المشاركة، فبدأت بسباق الجري في أولمبياد اليونان؛ حيث عُقِدت 3 مسابقات للنساء ضمن مضمار مخصص لهن.

أما بدء مشاركة النساء في الألعاب الأولمبية بشكل رسمي فكان في عام 1990 في أولمبياد باريس في التنس والجولف فقط، ومن ثم تم السماح لهن برياضات عدة ووصولاً لعام 2012 عندما أُدخِلت الملاكمة لقائمة الألعاب المسموحة للنساء، فلغت بذلك كل القيود التي وُضعت على مشاركة المرأة في الألعاب الأولمبية، وفي عام 2020 وصلت نسبة النساء المشاركة إلى 49% يقارب عدد الرجال المشاركة في الأولمبياد.

الألعاب الأولمبية تتضمن ما يأتي:

  1. ألعاب القوى وتشمل الرمي والركض والقفز وسباق المسافات الطويلة والقصيرة.
  2. المبارزة.
  3. المصارعة.
  4. الجمباز.
  5. الرماية.
  6. السباحة.
  7. التنس.
  8. رفع الأثقال.
  9. ركوب الدراجات.
  10. البيسبول.
  11. التجديف.
  12. كرة الريشة.
  13. الفروسية.
  14. الملاكمة.
  15. كرة القدم.
  16. كرة اليد.
  17. سباق الزوارق المتعرج.
  18. كرة السلة.
  19. الجودو.
  20. التايكواندو.
  21. الهوكي.
  22. الكرة اللينة.
  23. الكرة الطائرة.
  24. تنس الطاولة.
  25. الترايثلون (السباق الثلاثي).
  26. الإبحار.
  27. الخماسي الحديث (يضم 5 رياضات معاً).
  28. النبالة.
إقرأ أيضاً: الرياضات الـ 10 الأكثر شعبية حول العالم

الألعاب الأولمبية والقيم الإنسانية:

الألعاب الأولمبية والقيم الإنسانية

هدف الألعاب الأولمبية ليس صحة الجسد فحسب؛ بل صحة المجتمعات هي الأساس؛ لذلك يقوم الأولمبياد على مجموعة قيم إنسانية أساسية، وهي:

1. التميز الرياضي:

الهدف الرئيس الذي يسعى إلى تحقيقه المشاركون في الألعاب الأولمبية هو التميز والتفوق وليس الفوز فقط، كما يعتقد بعضهم، ويتم ذلك بتقديم أفضل ما لديهم ومحاولة رفع المستوى وتحسين الأداء ليظهر ذلك في كل دورة جديدة يتم المشاركة فيها.

2. نبذ التمييز العنصري:

التطرف بمختلف أشكاله ممنوع، في الرياضة والمشاركة في الألعاب الأولمبية حق كل إنسان بصرف النظر عن دينه أو عرقه أو لونه أو جنسه أو القومية وانتماءاته السياسية.

3. الاحترام:

يُعَدُّ الاحترام من أهم القيم الإنسانية في كل زمان ومكان، والرياضة لا تحترم من لا يحترم خصمه، لذلك يدعم الأولمبياد احترام المنافسة والسعي لتبقى الأخلاقية مبنية على الاحترام المتبادل، ويشمل ذلك احترام اللعب والثقافات المختلفة، ويُعَدُّ الاحترام أولى خطوات الفوز حتى عند غياب المحبة بين الفريقين المتنافسين، فالتقليل من احترام الخصم بدلاً من التركيز على بذل الجهد وإظهار المواهب يؤدي إلى الخسارة حتماً.

4. الشجاعة والعزيمة:

تدعم الألعاب الأولمبية التصميم والعزيمة، فتحقيق الطموح والوصول إلى التميز الرياضي والفوز يحتاج إلى وجود رغبة مستمرة بذلك وتصميم على الوصول إلى الهدف وشجاعة، فالإنسان الشجاع هو من يستطيع تحقيق أحلامه ويمتلك الثقة الكافية بنفسه، لذلك ولأنَّ الألعاب الأولمبية تقوم على المنافسة؛ فلا يمكن الفوز في غياب الثقة بالنفس والشجاعة التي تدفع اللاعب إلى النمو المستمر، والخروج من منطقة الراحة، وتجربة ما يخاف منه، ومواجهة التحديات، والتعامل مع العقبات بطرائق صحيحة تخلصه منها.

5. بناء الروابط:

ذكرنا آنفاً أنَّ الألعاب الأولمبية تهدف إلى صلاح الأمم والمجتمعات وإنهاء الحروب والأزمات بمختلف أشكالها، لذلك تدعم بناء الروابط بين الناس وتعمل على تكوين صداقات مبينة على التواصل والانسجام والتعاون والاتفاق على المبادئ الأساسية والقيم الإنسانية، ويتم ذلك من خلال العمل على إنشاء الروح الرياضية لدى المتنافسين وتعزيز التعاون بين اللاعبين وزرع ثقافة تقبُّل الخسارة بين اللاعبين الرياضيين وبين المشاهدين أيضاً لتفادي مظاهر العنف أو الفوضى التي تحدث أحياناً بين مشجعي الفرق المتنافسة أو حتى بين اللاعبين في بعض الأحيان.

مثال حي عن ذلك فقد حدث في إحدى دورات الألعاب الأولمبية أنَّ اللاعب "جيسي أوينز" الذي سبق وحصل على ميداليات ذهبية أربع مرات أنَّه تراجع أداؤه بعض الشيء في "برلين" عام 1936، فيقوم اللاعب المنافس له الألماني "لوز لونج" بتقديم نصيحة له خلال اللعب، فيعمل بنصيحته "أوينز" ويحصل في النهاية على الميدالية الذهبية، بينما منافسه "لونج" قد حصل على الميدالية الفضية، وعلى الرغم من ذلك، فقد كان أول المهنئين له؛ لأنَّ اهتمامه كان بمستوى صديقه بشكل أساسي دون النظر إلى الميداليات وترتيبها في الأولمبياد.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح تساعدك على تكوين صداقات جديدة

6. العالمية:

الرياضة حق كل إنسان وأصبحت في وقتنا الحالي جزءاً أساسياً من حياة الناس والمجتمعات مهما اختلفت سواء العربية منها أمالعالمية، لذلك كانت وما زالت العالمية من أهم المبادئ التي تقوم عليها الحركة الأولمبية، ولأنَّ الأولمبياد يعود بالفائدة على الدولة والمجتمع كله، ساعد ذلك على انتشار الحركة الأولمبية وزاد تأثيرها الإيجابي في المجتمعات، لذلك تمت مشاركة 206 دولة في أولمبياد 2020 ولم يتم فرض أي قيود على أيَّة دولة من الدول المشاركة في الأولمبياد.

7. الاستدامة:

تعمل الألعاب الأولمبية من خلال القيم الإنسانية والمبادئ التي تدعمها على تعزيز ودعم التنمية البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا يعود بفوائد عظيمة على المجتمعات المختلفة.

8. الوحدة والتضامن:

ترعى الألعاب الأولمبية كثيراً من القضايا المتعلقة بمختلف الشعوب وتحاول معالجة كثير من القضايا الاجتماعية والتعليمية والثقافية والرياضية وحل المشكلات التي تتعارض مع أمن واستقرار المجتمعات، فمثلاً تتعاون اللجنة الأولمبية الدولية والأمم المتحدة لدعم اللاجئين الموجودين في مختلف أنحاء العالم، وفي عام 2004 قامت اللجنة الأولمبية الدولية ومفوضية الأمم المتحدة بإطلاق برنامج "العطاء هو الفوز" الذي يشارك اللاعبين والمسؤولين والجهات الراعية للأولمبياد وغير ذلك في تقديم الدعم للاجئين.

9. الأمل:

المثال السابق الذي ذكرناه عن دعم الألعاب الأولمبية للقضايا الاجتماعية والإنسانية حول العالم دليل واضح عن سعي الأولمبياد إلى زرع الأمل في نفوس الشعوب، فقد سمح دعمها للاجئين بمشاركة 29 لاعباً رياضياً لاجئاً في المنافسة؛ إذ تم تأسيس فريق اللاجئين ليسمح لهم بتحقيق أحلامهم بغض النظر عن ظروفهم الصعبة، ولهذا الأمر نواحٍ إيجابية أخرى؛ إذ يلفت الانتباه لقضية اللاجئين حول العالم.

أهم قوانين المشاركة في الأولمبياد:

أهم قوانين المشاركة في الأولمبياد

توجد بعض القوانين التي يجب تطبيقها من قِبل المشاركين للمحافظة على القيم الإنسانية:

  1. واجب الرياضيين المشاركين والفرق احترام القيم الإنسانية المفروضة من قِبل لجنة الأولمبياد والالتزام بالقوانين والقواعد.
  2. إن كان المشارك قاصراً (تحت السن القانوني)، فيجب الحصول على موافقة الوصي القانوني عليه.
  3. يجب أن يقر الرياضي المشارك على حماية نفسه وحماية الممتلكات.
  4. يمكن للمشارك استخدام صوره أو اسمه لغاية الدعاية.
  5. لا يجب على المشارك في الأولمبياد دفع مقابل مادي.
  6. عدم تعاطي الرياضيين لأي نوع من المنشطات، لذلك يتم إجراء الاختبارات اللازمة لنفي تعاطي الرياضيين للمنشطات.

في الختام:

تسعى الحركة الأولمبية إلى جعل العالم أكثر استقراراً وأماناً من خلال مزج الرياضة بالتعليم والثقافة، فقد عملت على تعزيز القيم الإنسانية والمبادئ والأخلاق التي تعزز العلاقات بين المجتمعات والشعوب المختلفة، وأهم القيم الإنسانية احترام الخصم، فالاحترام طريق الفوز، والتميز الرياضي، فلا يجب السعي إلى الفوز بقدر السعي إلى التفوق وتحسين الأداء والتميز.

يحتاج ذلك إلى الشجاعة، والعزيمة، والتصميم على النجاح، والتميز بمواجهة الصعوبات، وتخطي العقبات، ونبذ التمييز العنصري بمختلف أشكاله، ومنع مظاهر وحركات التطرف في الأولمبياد، وأكثر ما تسعى إليه الأولمبياد العالمية هو تأثيرها الإيجابي في المجتمعات، والاستدامة والتضامن مع قضايا الشعوب المختلفة.

من أكثر القضايا التي تدعمها الألعاب الأولمبية قضية اللاجئين، فقد أسست فريقاً لهم للسماح لهم بالمشاركة والمنافسة مثل غيرهم من الشعوب، وهذا الدعم يبعث الأمل في نفوس المجتمعات مهما كثرت الظروف السيئة.




مقالات مرتبطة