الأدوية النفسية: ما أهميتها؟ وكيف تستخدم؟

تنتابنا مشاعر الخوف والارتياب عندما نسمع كلمة الأدوية النفسيّة، حيث تُتهَم بأنَّها تؤثر سلباً في الدماغ والقدرات العقلية والتوازن النفسي للشخص، وتسبب الإدمان، بحيث لا يستطيع الفرد التوقف عن تناولها؛ وفي حال توقف عن تعاطيها، تزداد حالته الجسدية والنفسية سوءاً.



تبقى هذه الشكوك التي تلف قضية الأدوية النفسية مثار جدل في وسط مجتمعنا العربي، إلَّا أنَّ وجود طبيب نفسي مؤهل تأهيلاً جيداً، وقادر على تشخيص حالة المريض تشخيصاً صحيحاً، وإعطائه الدواء المناسب لحالته، مع التزام المريض بالخطة العلاجية وعدم إهمالها والاستهتار بها يساعد في الوصول إلى بر الأمان.

تستدعي الكثير من الحالات استخدام الأدوية النفسية كحالات الأمراض النفسية المزمنة، أو حالات الأشخاص الذين يعانون من اختلال في نسبة النواقل العصبية في الدماغ، حيث تؤدي الأدوية النفسية هنا إلى إعادة توازن بيئة الدماغ لديهم.

تعدُّ الأدوية النفسية سلاحاً ذو حدين، وكل ما على الفرد القيام به هو اللجوء إلى طبيب نفسي موثوق يحدد له الدواء والجرعات المناسبة بعد تشخيص الحالة تشخيصاً صحيحاً.

شاهد بالفيديو: 5 طرق للوصول إلى أفضل طبيب نفسي مناسب لشخصيتك

أنواع الأدوية النفسية:

1. أدوية اضطرابات القلق:

يعدُّ اضطراب القلق من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً، والذي ينتج عن عوامل وراثية أو بيئية أو بسبب الإدمان على المواد المخدرة أو التعرض إلى صدمات نفسية شديدة؛ حيث يشعر المريض خلاله بأعراض جسدية كضيق في التنفس، وألم في الصدر، ونوبات هلع.

ينتج اضطراب القلق عن نقص في النواقل العصبية، وهي: جابا، والنورأدرينالين، والسيروتونين، والدوبامين.

الأدوية التي تعالج اضطراب القلق:

  1. الأدوية المانعة لإعادة امتصاص السيروتونين (SSRIs): من أمثلتها: فلوكسيتين، وباروكسيتين، والسيتالوبرام؛ وهي أفضل الأدوية للعلاج.
  2. الأدوية المانعة لإعادة امتصاص السيروتونين والنورأدرينالين (SNRIs): هي خيار ثانٍ للعلاج، ومن أمثلتها: فنلافاكسين، وديولوكسيتين.
  3. مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات: هي خيار ثانٍ للعلاج، ومن أمثلتها: أميتريبتيلين، وإيميبرامين.
  4. الأدوية المهدئة: تُستخدَم في الحالات الطارئة ولفترة محدودة، ومن أمثلتها: البرازولام، لورازيبام.

آلية عمل مضادات القلق:

يوجد في دماغ الإنسان المليارات من الخلايا العصبية، ومن الضروري التشابك فيما بينها من أجل نقل الإشارات المسؤولة عن الوظائف الحيوية في الجسم؛ ولكي تستطيع الإشارة الانتقال من خلية عصبية مرسِلة إلى أخرى مُستقبلة، يجب عليها تجاوز الفراغ العصبي الواقع بين الخليتين، والذي يُسمَّى "المشبك العصبي"؛ وتساعد هنا النواقل العصبية -كالسيروتونين- على القيام بهذه المهمة ونقل الإشارة إلى الخلية المستقبلة، والتي تعيد بعد ذلك امتصاص الناقل العصبي لكي ينقل الإشارة الجديدة.

لدى الشخص الطبيعي مستويات جيدة من النواقل العصبية، بحيث تكون قادرة على إرسال الإشارة إلى الخلية المستقبلة، ومن ثم العودة إلى الخلية المرسلة لنقل الإشارة التالية؛ ولكن يُلاحَظ انخفاض في معدلات هذه النواقل العصبية لدى الشخص القلِق؛ أو يمكن أن يُعاد امتصاص جزء منها من قِبل الخلايا العصبية المرسِلة قبل أن تقوم بمَهمَّتها في نقل الإشارة إلى الخلية المستقبلة؛ الأمر الذي يُضعِف التواصل بين الخلايا العصبية، ويؤدي إلى تغير الحالة المزاجية للمريض.

تزيد مضادات القلق كمية النواقل العصبية في المشبك العصبي عن طريق منع امتصاصها من قبل الخلايا المرسلة، ويؤدي ارتفاع مستويات النواقل العصبية في المشبك العصبي إلى تجديد الاتصال بين الخلايا العصبية؛ الأمر الذي يؤدي إلى تحسن حالة المريض بنسبة كبيرة.

الآثار الجانبية للأدوية المانعة لإعادة امتصاص السيروتونين والنورأدرينالين:

زيادة الوزن، والأرق، وجفاف الفم، والضعف الجنسي، والعصبية، والتهيج، والشعور بالدوخة؛ ويجب هنا على الطبيب وصف الجرعات المناسبة لحالة المريض، وعدم قطع الدواء فجأة، بل التدرج إلى حين قطعه نهائياً.

الآثار الجانبية لمضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات:

الضعف الجنسي، والنعاس، وزيادة الوزن، وجفاف الفم، والإمساك، وعدم وضوح الرؤية، وانخفاض ضغط الدم، واحتباس البول.

يُنصَح بالدمج ما بين العلاج الدوائي والعلاج المعرفي السلوكي الذي يعمل على تعديل أفكار ومعتقدات المريض الخاطئة، وتدريبه على سلوكات إيجابية للاسترخاء وضبط الأعصاب.

إقرأ أيضاً: القلق وتأثيراته السلبيّة على جسم الإنسان

2. الأدوية المضادة للاكتئاب:

يعدُّ الاكتئاب من الأمراض النفسية الشائعة جداً، وهو يعيق المريض عن القيام بنشاطاته اليومية، ويُفقِده الرغبة في القيام بأي شيء، ويُقلِّل من إنتاجيته، ويُصيبه بالخمول والأفكار السلبية وتقلُّب المزاج، ويُضعِف علاقاته الاجتماعية، ويشوه ثقته بذاته؛ إضافة إلى تسببه بأعراض جسدية مثل: الصداع، والتعب، وضعف التركيز، واضطرابات الوزن.

يعدُّ نقص مستويات بعض النواقل العصبية في الفراغات العصبية الدماغية المسؤولة عن السعادة سبباً أساسياً لحدوث الاكتئاب، مثل: السيروتونين، والدوبامين، والنورأدرينالين، وعامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF).

تعمل مضادات الاكتئاب على زيادة نسبة النواقل العصبية عن طريق منع إعادة امتصاصها من النهايات العصبية، ومنع تخربها عن طريق تثبيط الإنزيم الذي يتسبب بذلك.

من الأدوية المضادة للاكتئاب:

  1. الأدوية المانعة لإعادة امتصاص السيروتونين: من أمثلتها: فلوكسيتين، وباروكسيتين، والسيتالوبرام؛ وهي أفضل خيار لعلاج الاكتئاب، حيث تُعطَى جرعة واحدة يومياً، وليس لها آثار جانبية خطيرة كباقي الأدوية.
  2. الأدوية المانعة لإعادة امتصاص السيروتونين والنورأدرينالين: من أمثلتها: فنلافاكسين، وديولوكسيتين؛ وهي الحل الأمثل إذا عانى المريض من متلازمة الألم والتعب.
  3. مضادات الاكتئاب غير النوعية: من أمثلتها: بيوبروبيون، ميرتازابين؛ ومن محاسنها أنَّها لا تسبِّب ضعفاً جنسياً أو زيادة في الوزن أو اضطرابات في النوم.
  4. مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات: من أمثلتها: الأميتريبتيلين، والإيميبرامين، والنورتريبتيلين؛ وتعدُّ خياراً أخيراً لكونها تحصر مستقبلات عديدة، كمستقبلات الهيستامين، والأسيتيل كولين، والنورأدرينالين؛ الأمر الذي يؤدي إلى حدوث آثار جانبية كثيرة وخطيرة؛ أمَّا عن آثارها الجانبية، فهي تسبب الضعف الجنسي، وزيادة الوزن، وجفاف الفم، والإمساك، وعدم وضوح الرؤية، وهبوط ضغط الدم، واحتباس البول.
  5. الأدوية المانعة لإنزيم MAO: من أمثلتها: فينيلزين، وموكلوبيميد، وسيليجيلين؛ والتي تعمل على زيادة مستويات السيروتونين والدوبامين والنورأدرينالين عن طريق تثبيط إنزيم MAO الذي يُحطِّم هذه النواقل في الفراغ العصبي. تسبب هذه المركبات آثاراً جانبية كثيرة تتمثل بالأرق، والعجز الجنسي، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة الوزن، وزيادة نبض القلب؛ كما تتفاعل مع أنواع مختلفة من الطعام الذي يحتوي على نسبة عالية من التيرامين، حيث يسبب تثبيط إنزيم MAO عدم قدرة الجسم على تفكيك التيرامين، ممَّا يؤدي إلى ارتفاع شديد في ضغط الدم؛ لذلك يُلجَأ إليها كخيار أخير.

على المريض أن يتحلّى بالصبر؛ ذلك لأنَّ علاج الاكتئاب طويل نوعاً ما، فجميع الأدوية المضادة للاكتئاب بطيئة المفعول.

3. الأدوية المضادة للذهان:

تعدُّ أمراض الذهان (مثل الفصام) من أخطر الأمراض التي تصيب العقل، وتؤثر في قدرة الشخص على التفكير والإدراك.

يعاني مريض الفصام من هلاوس سمعية وبصرية، ومن ضلالات وشكوك ومعتقدات خاطئة تسيطر على تفكيره، وتراجع في القدرات المعرفية؛ كما تظهر عليه تقلبات مزاجية شديدة.

يعدُّ وجود اضطرابات في أنظمة النواقل العصبية سبباً أساسياً للفصام؛ ذلك لأنَّ:

  1. اضطرابات الدوبامين: يؤدي زيادة نشاط الدوبامين في الدماغ إلى ظهور أعراض الفصام الإيجابية من الهلاوس، والأوهام، والسلوك غير المنظم؛ ولوقف الأعراض، تُحصَر مستقبلات الدوبامين.
  2. اضطرابات السيروتونين: يؤدي زيادة نشاط السيروتونين في الدماغ إلى ظهور أعراض الفصام السلبية المتمثلة بانعدام العواطف، وقلة الكلام، واللامبالاة الشديدة؛ ولوقف الأعراض، تُحصَر مستقبلات السيروتونين.

تعدُّ الأدوية المضادة للذهان علاجاً للفصام، وتُقسَّم إلى مجموعتين: أدوية نوعية، وأدوية غير نوعية؛ حيث:

  • تحصر الأدوية النوعية -ككلوربرومازين، وثيورايدزين، وبايبيرازين، ولوكسابين، وفلوفينازين، وبيرفينازين، وبيموزايد، وترايفلوبيرازين- مستقبل الدوبامين D2 فقط، وتساعد على التخفيف من الأعراض الإيجابية للمرض كالأوهام والهلاوس؛ إلَّا أنَّها لا تخفف من الأعراض السلبية كانعدام القدرات المجتمعية.
  • تعمل الأدوية غير النوعية -ككلوزابين، وأولانزابين، وزيبراسيدون، وكويتيابين، وريسبيريدون، وسلبرايد، واريبايبرازول- على حصر مستقبل الدوبامين D2 ومستقبل السيروتونين 5HT، وتخفف من الأعراض الإيجابية والسلبية للمرض.

الآثار الجانبية لأدوية الذهان:

1. تشمل الآثار الجانبية لأدوية الذهان النوعية:

النعاس، وزيادة الوزن عندما تُحصَر مستقبلات الهيستامين؛ والإمساك، وزيادة ضغط العين، وجفاف الفم، واحتباس البول عندما تُحصَر مستقبلات الأسيتيل كولين؛ وانخفاض ضغط الدم، والعجز الجنسي عندما تُحصَر مستقبلات النورأدرينالين؛ أي تتنوع هذه الآثار تبعاً للمستقبل الذي تحصره هذه الأدوية، فتكون الآثار الجانبية للأدوية الناتجة عن إغلاقها لمستقبل الدوبامين على هيئة اضطرابات في الحركة تشبه أعراض مرض باركنسون، وزيادة إفراز هرمون الحليب؛ ممَّا يؤدي إلى حدوث اضطرابات جنسية، واضطرابات في الدورة الشهرية، وعدم القدرة على الإنجاب.

2. الآثار الجانبية لأدوية الذهان غير النوعية:

تشمل الآثار الجانبية لأدوية الذهان غير النوعية:

زيادة الوزن، وارتفاع الدهون والكوليسترول في الدم، ومرض السكري من النمط الثاني، ونقص الخلايا المناعية؛ وهي تعدُّ الخيار الأفضل للعلاج، وتُعطَى بناءً على وصفة الطبيب النفسي المختص.

إقرأ أيضاً: أعراض واضطرابات الشخصيّة الحديّة

4. مثبتات المزاج:

تُوصَف هذه الأدوية عادة لعلاج الاضطراب ثنائي القطب، حيث تساعد المريض على السيطرة على النوبات الشديدة من تقلب المزاج، وتُقسَم إلى مجموعتين:

مثبتات المزاج من الجيل الأول:

اكتُشِفت في ستينيات القرن الماضي، وهي: الليثيوم، والكاربامازيبين، والفالبروات.

مثبتات المزاج من الجيل الثاني:

تطورت في تسعينات القرن الماضي، وهي: اولانزابين، والكويتيابين، وأريبيبرازول، وريسبيريدون.

  • يُحذَّر من استخدام مضادات التشنج كمثبتات للمزاج؛ ذلك لأنَّها قد تؤدي إلى مزيدٍ من الأفكار السلبية الانتحارية لدى المريض.
  • قد يسبب الليثيوم آثاراً جانبية مثل: الأرق، وجفاف الفم، وسوء الهضم، وألم المفاصل، وتقصُّف الشعر، والانزعاج؛ لذلك يُوصَف بناء على تعليمات الطبيب المختص.
  • الآثار الجانبية لمثبتات المزاج الأخرى: الشعور بالنعاس، والدوخة، والصداع، والإسهال، والإمساك، وألم في المعدة، وتقلبات في المزاج، وسيلان أنف.
  • يجب حكماً الدمج بين العلاج الدوائي والعلاج المعرفي السلوكي للوصول بالمريض إلى بر الأمان.

الخلاصة:

الوصول إلى حالة السواء النفسي هدف كل فرد على وجه الأرض، وتختلف طرائق وصول كل شخص إليها بناء على قوته الداخلية وبيئته وخلفيته النفسية وتجاربه الحياتية وأفكاره ومعتقداته، حيث تتنوع خيارات الأفراد ما بين العلاج الدوائي والعلاج النفسي.

إذا كانت حالتك النفسية تستدعي تناولك للأدوية النفسية؛ فاحرص على أن تكون بناءً على تعليمات الطبيب المختص، وانتبه إلى ضرورة الدمج بينها وبين الجلسات النفسية العلاجية.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة