الأبوة والأمومة بعد الطلاق وكيفية التربية بشروطك الخاصة

سواء كنت مطلقاً مؤخراً أم كنت مطلقة منذ بعض الوقت، لا تقلقا من فكرة أنَّكما قد دمرتما حياة أطفالكما؛ وذلك لأنَّكما لم تفعلا ذلك، في حين أنَّ الطلاق ربما يكون جزءاً تعيساً من حياة طفلك، إلا أنَّ ما سيحدد نوعية حياته النهائية ما يزال في متناول يديك، فهل يمكن أن يتأثر الأطفال سلباً بسبب طلاق والديهم؟ وهل يؤدي الطلاق إلى مشكلات سلوكية عند الأطفال؟



بكل تأكيد، لكن من الهام أن نفهم أنَّ الأطفال غير محكوم عليهم بالضرورة بالدمار بسبب الطلاق، فلديك الكثير مما يمكنك القيام به بصفتك والداً لجعل هذا الوقت الصعب أسهل، فدعونا نلقي نظرة فاحصة على بعض المواقف اليومية التي تنشأ في العائلات المطلقة وكيف يمكن التعامل معها بشكل أفضل حتى لا يقع طفلك في مرمى النيران.

لا بأس أن يكون أحد الوالدين مختلفاً عن السابق:

قد يكون أحد أسباب الطلاق هو أنَّك واجهت صعوبة في الاتفاق مع شريكك على معظم الأشياء، فإنَّ الطلاق لن يجعل ذلك أسهل، والخبر السار هو أنَّ شريكك السابق لا يمكنه أن يملي عليك ما يجب فعله عندما يكون لديك أطفال، وخلاف ذلك صحيح، فلا يمكنك إخباره بما يجب عليه فعله أو كيف تربي أنت أو يربي هو.

ملحوظة: ما لم تكن ثمة حالة من سوء المعاملة أو الإهمال، فلا يمكنك التحكم بكيفية قيام شريكك السابق بتربية طفلك، فعادة ما تدعم المحاكم القاعدة القائلة إنَّ ما يفعله الوالد عندما يكون مع طفله هو عمل خاص به.

إليك قاعدة هامة: أنت المسؤول الوحيد عندما يكون أطفالك معك، فالمفتاح هو وضع القواعد وفرض تلك التي تدعم مبادئك، وتوقع أن يتبع طفلك قواعد منزلك، ولا تقلق بشأن ما يحدث في منزل شريكك السابق.

من المفيد العمل مع الشريك السابق عندما يتعلق الأمر بتربية طفلك إن أمكن، فيمكنك اقتراح أشياء وإخبار الشريك بمخاوفك والاستماع لمخاوفه والنظر فيها، ثم تقرر بنفسك ما ستفعله أو لا تفعله، كما يمكنك محاولة مناقشة أفكار الأبوة والأمومة الخاصة بك، لكن إن لم يكن شريكك السابق متعاوناً، فاستمر في التركيز على قيم الأبوة والأمومة في منزلك وحدك، وبعبارة أخرى ركِّز طاقاتك على الأشياء التي تستطيع التحكم بها.

افصل بينك وبين الشريك السابق عندما يشتكي من أسلوبك في التربية:

الإجابة لشريكك السابق إذا اشتكى من طريقتك في التربية هي في أن تقول: "شكراً لك على المداخلة، ولكنَّني جيد فيما أفعله"، وإذا استمر في الشكوى، كرر مرة أخرى: "أنا مرتاح للطريقة التي أتعامل بها"، ولا تشارك في أيَّة محادثات أخرى تتعلق بهذا الموضوع، ولا تدع شريكك السابق يدفعك إلى الشجار.

على نفس المنوال، لا تنفعل بشأن طريقة تربية شريكك السابق، فما يهم هو كيف تكون تربيتك عندما يكون أطفالك معك، وحتى لو كانت حضانة طفلك مقتصرةً على وقت متقطع ومجزَّأ بينك وبين شريكك السابق، فإنَّ تأثير التربية يكون تأثيراً كبيراً وهو شيء أنت تتحكم به.

شاهد بالفديو: 6 علامات تنذر بأن زواجك قد انتهى

لا تضع طفلك في المنتصف:

يمكن للأطفال أن يعلقوا في المنتصف عندما يضعهم الآباء فيه، لذلك لا تتحدث معهم عن شريكك السابق بطريقة ستجبرهم على الانحياز، فلا يرغب الأطفال في الانحياز إلى أحد الجانبين، فهم يريدون التحرر من القلق بشأن الوالد الآخر عندما يكونون معك.

لنفترض أنَّ طفلك يقول: "تقول أمي إنَّك لا تساعدني بما يكفي في الواجبات المدرسية"، وطالما كنت تعتقد أنَّك تبذل قصارى جهدك في ذلك، فبدلاً من قول: "هذا ليس صحيحاً"، أو إطلاق بعض الكلمات عن شريكتك السابقة، حاول الرد بطريقة غير دفاعية؛ إذ تستطيع أن تقول: "أعتقد أنَّنا نقوم بعمل جيد معاً، أنا آسف أنَّ والدتك تشعر أنَّ هذا ليس كافياً".

من خلال القيام بذلك، تكون قد أنهيت المعركة بنجاح وأخرجت طفلك من الوسط، كما أنَّه يرسل رسالة إلى طفلك مفادها أنَّ الوالد الآخر يمكنه فعل أو قول ما يريد، لكن لا يهم عندما يكون طفلك معك، فلن تشارك في المعركة.

من القواعد الجيدة أن تتجنب قول أي شيء سلبي عن شريكك السابق لطفلك، فقد تضطر إلى عض لسانك، لكن هذا هام، حتى إذا كان شريكك السابق يتصرف بشكل سيئ تجاهك، فاحرص على إبعاد طفلك عنه، وإذا كنت بحاجة إلى التنفيس، فافعل ذلك مع صديق وليس مع طفلك، ومن خلال القيام بذلك، ستساعد طفلك على تكوين علاقات صحية مع كلا الوالدين، وهذا أمر جيد للجميع على الأمد الطويل.

عندما يحرِّض الأطفال الآباء على بعضهم بعضاً:

أحد النواتج الثانوية للطلاق هو أنَّ الأطفال في بعض الأحيان سيحرضون الوالدين على بعضهم بعضاً، فإنَّه مصدر قوة بالنسبة إليهم، وبصراحة تامة غالباً ما يجدي هذا التصرف نفعاً، وستسمع أشياء مثل: "أمي تقول إنَّني لست مضطراً إلى الذهاب للحصول على مساعدة إضافية في المدرسة إذا لم أرغب في ذلك"، أو "يسمح لي أبي بالبقاء مستيقظاً حتى الساعة 10 مساءً"، وخلاصة القول هي أنَّ الأطفال غالباً ما يستخدمون هذه الثغرة للتلاعب بك للحصول على ما يريدون.

عندما تمسك بطفلك يتلاعب بك بهذه الطريقة، توقف وقل: "عندما تكون في منزلي، فإنَّك تتبع قواعدي، وإذا كنت في منزل والدتك، فأنت تتبع قواعد والدتك، وأنا لا أتحكم بما تفعله والدتك، وهي لا تتحكم بما أفعله".

إليك ما يمكنك فعله لمنع تلاعبهم من أن يصبح فعالاً؛ تحقق من الوالد الآخر مباشرة، وتحقق من صحة ما يقوله طفلك، فإذا لم يكن هذا صحيحاً فستعرف وسيكتشف طفلك بسرعة أنَّ هذا النوع من التلاعب لن ينجح، ولا تعتد على نقل الرسائل إلى شريكك السابق من خلال طفلك، فإذا كانت لديك رسالة أو سؤال فاتصل به مباشرة.

إذا كذب طفلك بشأن ما قاله الوالد الآخر ثم حاول إخفاء ذلك، فواجه طفلك؛ إذ تستطيع أن تقول: "لقد تحدثت إلى والدتك، وهي لم تقل ذلك، ولا أريدك أن تكذب عليَّ"، فعندما تفعل هذا فأنت تخبر طفلك أنَّك تتعامل بشكل مباشر في جميع الأوقات مع شريكك السابق وأنَّه لا يمكنه التلاعب بكما.

إقرأ أيضاً: تعبير الأطفال عن مشاعرهم: خطوة مُنجية من الوقوع في شرك الكبت

كيفية إدارة انتقال طفلك من المنزل:

يواجه العديد من الأطفال صعوبة في الانتقال ذهاباً وإياباً بين المنازل كل أسبوع، ففي اليوم الذي يصلون فيه إلى المنزل، قد يتصرفون تصرفات هائجة وغاضبة، كإغلاق باب غرفتهم أو رفض الكلام، فلماذا يفعلون ذلك؟ قد يختبرونك لمعرفة ما إذا كنت قوياً وثابتاً، وقد يعبِّرون عن غضبهم من الاضطراب في حياتهم ورغبتهم في أن تعودوا معاً بوصفكم عائلة، وفي بعض الأحيان يختلق الأطفال مشكلة عن قصد لأنَّهم يأملون في أن يجتمع آباؤهم حول هذا "الطفل الصعب".

كن متعاطفاً مع المشاعر التي قد تقود هذه السلوكات، فبعد كل شيء، يتأثر أطفالك بشيء لا يسيطرون عليه وربما لا يريدونه، فضع في حسبانك أنَّك لست بحاجة إلى تحمل السلوك إذا تجاوز الحد وأصبح غير محترم أو غير مناسب، عندما تتحدث مع طفلك عن ذلك، قد تعترف أولاً بمشاعره المشروعة، فتستطيع أن تقول: "يبدو أنَّك غاضب، هل تريد إخباري بما يحدث؟"، أو "يبدو أنَّك حزين، أتفهم أنَّه من الصعب مغادرة منزل والدتك ومعرفة أنَّك لن تراها لبضعة أيام".

إذا استمر طفلك في نوبات الغضب، فتجاهلها بأفضل ما يمكنك، ولا تستجب إلا عندما يهدأ، فعندما ينتقل طفلك بطريقة إيجابية، اعترف بالسلوك الجيد، وقل له: "لقد لاحظت أنَّك هذا الأسبوع عندما عدت إلى المنزل أنَّك كنت هادئاً جداً ومسيطراً، وأعلم أنَّ هذا صعب عليك وأنا أقدر ثباتك واتزانك".

كيف تتصرف عندما يفرط طفلك في الأداء؟

يتفاعل الأطفال مع الطلاق بطرائق مختلفة، فقد يبدؤون بالتحصيل أو التراجع، أو قد يتصرفون أو ينسحبون، وقد يحاول بعضهم تولي دور الوالد المفقود والتصرف مثل البالغين بدلاً من الطفل الذي بداخلهم، وهو ما يشير إليه علماء النفس على أنَّه مفرط في الأداء؛ فالإفراط في الأداء هو طريقة يتعامل بها الأشخاص مع القلق من خلال الإفراط في تحمل المسؤولية تجاه الآخرين، وهي طريقة غير فعالة أو مفيدة لأي شخص.

غالباً ما يفرط الأطفال في أداء وظائف والديهم بعد الطلاق؛ وذلك نظراً لوجود فراغ متبقٍ ينتقلون إليه مباشرة لأنَّهم يشعرون أنَّه يتعين عليهم ملء دور الوالد المفقود، وإنَّها طريقة للتعامل مع ضغوطات الانفصال، فأكثر ما سيساعد طفلك هو أن تؤكد له أنَّ أفضل ما يمكن فعله الآن هو أن تكون طفلاً وأن تعيش حياتك بقدر ما تستطيع.

بصفتك أحد الوالدين يمكنك تذكير طفلك من خلال أفعالك وكلماتك أنَّك قادر على تحمل المسؤولية وأنَّك لست بحاجة لأن يتم الاعتناء بك على الرغم من أنَّك تمر بفترة عصيبة، فطمئنه أنَّك يمكنك الاعتناء بنفسك وبعائلتك.

شاهد بالفديو: أهم النصائح لحماية الطفل من المشاكل النفسية

افهم لماذا يتصرف طفلك بعصبية وتهور:

توجد عدة أسباب تجعل الأطفال يتصرفون بعصبية وتهور بعد الطلاق، وفيما يأتي أكثرها شيوعاً:

  1. يشعرون بأنَّهم خارج نطاق السيطرة.
  2. إنَّهم غاضبون أو حزينون أو خائفون من التغييرات غير المرغوب فيها في حياتهم.
  3. يأملون أن يعود الوالدان معاً.
  4. يختبرون الحدود الجديدة.
  5. يحاولون دفعك لتكون قوياً.
  6. يشعرون أنَّ الطلاق هو خطؤهم.

يتصرف بعض الأطفال بعد الطلاق بعصبية وتهور في محاولة لدفعك إلى أن تكون قوياً، فإذا كان طفلك يتصرف بشكل غير لائق، فمن المفيد أن تفهم أنَّ سلوكه قد يكون ناتجاً عن قلقه بشأن الطلاق؛ إذ يقلق الأطفال ويتوترون عندما يشعرون بأنَّ والديهم قد فقدوا قوَّتهم، فإذا كان طفلك يستفزك بكل الطرائق المختلفة، فمن المحتمل أنَّه يأمل في رؤية والد لا ينكسر.

إذا كان هذا يحدث في منزلك، فيمكنك التعاطف مرة أخرى وفهم مصدر هذه السلوكات، لكن ليس عليك تحملها، فدع طفلك يعرف أنَّه سيكون من المفيد جداً أن تكون أكثر تعاوناً وألا يمنحك وقتاً عصيباً، ثم ضع حدوداً وحمِّله عواقب تخطيها باستمرار.

إقرأ أيضاً: 14 تأثيراً للطلاق على سلوكيات الأطفال

لا تتخلَّ عن العقاب بدافع الشعور بالذنب:

يتصرف العديد من الأطفال بشكل غير لائق ويسيئون التصرف بسبب التوتر والقلق من انفصال والديهم؛ ونتيجة لذلك يتخطى العديد من الآباء فرض العواقب بعد الطلاق لأنَّهم يشعرون بالذنب حيال ما فعلوه في حياة أطفالهم؛ إذ يتخلون عن العواقب لأنَّهم يلومون أنفسهم على سلوك أطفالهم.

على الرغم من أنَّ مشاعر الذنب مفهومة ومتوقعة، فإنَّ تخطي العواقب ليس فعالاً ولا يساعد طفلك، والعواقب الفعالة تعلِّم طفلك كيفية إدارة مشاعره بشكل مناسب، وهو بحاجة إلى هذه المهارات الآن أكثر من أي وقت مضى.

تذكر أنَّ أفضل شيء يمكنك القيام به لطفلك الآن هو أن تكون متسقاً، نعم كن متعاطفاً مع أطفالك فهم يمرون بوقت عصيب أيضاً، لكن استمر في مراقبتهم وتحميلهم مسؤولية تجاوزهم لحدودهم؛ إذ توفر الحدود التي تضعها وتفرضها بنية أنت بأمس الحاجة إليها خلال هذا الوقت الصعب.

إذا استمر ابنك المراهق في التأخر عن الموعد المفروض عليه للعودة إلى المنزل، فامنحه نفس العقاب الذي كنت ستعطيه من قبل، وإذا كان طفلك البالغ من العمر 10 أعوام يناديك بألقاب سيئة ويصرخ في وجهك، فتصرَّف التصرف المناسب، وتأكد من التحدث مع طفلك بعد أن يهدأ واكتشف ما يحدث معه، وكن منفتحاً للحديث عن الطلاق ومشاعره حوله إذا تم طرح الموضوع، ودعه يتحدث واستمع لما سيقوله، ففي بعض الأحيان يحتاج طفلك فقط إلى التنفيس عن مكنوناته.

تقبل حقيقة أنَّك قد تنهار:

افهم أنَّه من الطبيعي أن تنهار بعد الطلاق مباشرة؛ إذ يشير الطلاق إلى نهاية العلاقة، فهي مرحلة حزن نمر بها عند إنهاء العلاقة مع الزوج بصرف النظر عن مدى الرغبة بالانفصال، وقد تشعر بالإرهاق والحزن والغضب وقلة الصبر عموماً.

من المحتمل أن يتأثر سلوك طفلك أيضاً، فسوف يمر بمرحلة الحزن الخاصة به، لكن يضاف إلى ذلك مخاوفه بشأن والديه وكيفية التنقل بين منزل الأم والأب، وكيفية التعامل مع قواعد كل منزل، وما سيخبئه المستقبل.

إليكم الحقيقة، يحق لكم الانهيار، وليس عليكم إخفاء كل مشاعركم الحزينة والصعبة عن طفلكم، فهذا يختلف عن الإفراط في المشاركة مع طفلكم أو إخباره كثيراً عن حياتكم الشخصية أو علاقتكم مع شريككم السابق؛ إذ تُعَدُّ المشاركة المفرطة خطأ لأنَّها تجبر طفلكم على اتخاذ موقف بالغ، وهذا يجعله صديقكم المقرب، وقد يؤدي أيضاً إلى تحيز ضد الوالد الآخر؛ لذا بدلاً من الإفراط في المشاركة، دعوا طفلكم يعرف أنَّكم تمرون بوقت عصيب وأنَّكم ستتحسنون.

في الختام:

للحفاظ على راحة عقلك ولمساعدتك على الحفاظ على هدوئك، عليك أن تدرك أنَّ مستقبل طفلك المتزن والمناسب مرتبط بالعلاقة التي يطورها ويحافظ عليها مع كل من الوالدين، فالطلاق ليس العامل الوحيد الذي سيؤثر في حياته، ومدى نضجك في التصرف مع شريكك السابق سيبقي طفلك بعيداً عن الأذى العاطفي، وسيساعدك على الحفاظ على علاقة قوية مع طفلك.




مقالات مرتبطة