اضطراب التوحُّد: التشخيص والعلاج

ما هو العلاج المناسب لطفلي المصاب باضطراب التوحُّد؟ وهل طفلي يعاني من مشكلة ما؟ وهل الأعراض التي تبدو عليه تعني إصابته باضطراب التوحُّد؟ وما هو المستقبل الذي ينتظر ابني؟ وهل الأمل بتحسنه معدوم؟ وغيرها الكثير من الأسئلة التي تشغل بال كل أسرة لديها طفل مصاب باضطراب التوحُّد أو حتى شكوك بهذا الأمر، ففي حال كنت تبحث عن إجابات للأسئلة السابقة يمكنك متابعة قراءة المقال الآتي.



لمحة تاريخية عن التوحُّد:

بدايةً وقبل الحديث عن هذا الاضطراب دعونا نبحث في تاريخه وسبب تسميته، لقد اشتق مصطلح التوحُّد من اللغة الإغريقية، ويعني هذا المصطلح الحالة غير السوية، ويُعَدُّ الطبيب "إيجن بلولر" أول من استخدم هذا المصطلح، لكن لم يُستخدم لتوصيف حالات التوحُّد بدقة؛ بل تم استخدامه لوصف بعض الاضطرابات التي يعاني منها الأشخاص الفصاميون كالانسحاب الاجتماعي.

يمكن عَدُّ عام 1943 العام الذي بدأ فيه تاريخ التوحُّد وكان ذلك على يد الطبيب الأمريكي "ليو كانر" الذي لاحظ وجود سمات سلوكية محددة عند مجموعة من الأطفال المصنفين على أساس إصابتهم باضطراب عقلي، وقد أطلق على هذه الفئة مصطلح التوحُّد الطفولي، فقد لاحظ "كانر" عندهم مشكلات متشابهة بدأت منذ الطفولة المبكرة أهم أعراضها قصور التواصل اللفظي مع مقاومة للتغيير والحركات النمطية.

قدَّم الطبيب "هانس أسبرجر" عام 1944 دراسة علمية شملت أربعة أطفال يتشابهون بالعديد من السلوكات المتمثلة بالانعزالية وضعف التواصل الاجتماعي وضعف العواطف، وفي عام 1951 عَدَّت الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA) التوحُّد أحد أشكال فصام الطفولة، واستمرت بعدها الأبحاث التي عملت على إيجاد خصائص تميز اضطراب التوحُّد عن غيره من الاضطرابات، وفي عام 1967 أشار "كريك" إلى ضرورة وجود مجموعة من الخصائص في الطفل حتى يُصنف أنَّ لديه اضطراب توحد، وهذه الخصائص هي:

  1. اضطراب في العلاقات الانفعالية.
  2. اضطراب في هوية الطفل الذاتية.
  3. رفض التغيير.
  4. الانشغال المستمر بأشياء غير طبيعية.
  5. القلق والتوتر.
  6. صعوبة في النطق وعدم اكتساب اللغة بشكل طبيعي.
  7. أنماط حركية غير سوية.
  8. ردود فعل غير طبيعية تجاه المثيرات البيئية الحسية.
  9. اختلاف كبير في نمو القدرات الذهنية فقد تتأخر تأخراً كبيراً أو تظهر على شكل قدرات غير متوقعة.

في عام 1977 أصدرت منظمة الصحة العالمية الدليل التاسع لتصنيف الأمراض (ICD-9)؛ إذ فرَّقت بين فصام الأطفال والتوحُّد، وقامت بتقسيم التوحُّد إلى أربع فئات هي:

  1. توحد الطفولة.
  2. الاضطراب الذهني التفككي.
  3. اضطراب عقلي طفولي نمطي.
  4. اضطراب غير محدد.

في عام 1994 تم عَدُّ اضطراب التوحُّد أحد أشكال الاضطرابات النمائية الشاملة، وتُضم مع التوحُّد متلازمة "ريت" واضطراب الطفولة التفككي ومتلازمة "أسبرجر"، كما تم في عام 1994 تأسيس اتحاد دولي بهدف البحث في اضطراب التوحُّد.

في عام 2000 تم توسيع مفهوم الاضطرابات النمائية الشاملة ليشمل خمس فئات؛ اضطراب التوحُّد ومتلازمة "أسبرجر" ومتلازمة "ريت" والاضطرابات النمائية الشاملة غير المحددة واضطراب الطفولة التفككي، وفي عام 2013 تم عَدُّ اضطراب التوحُّد أحد أشكال اضطراب طيف التوحُّد، وذلك في الدليل الإحصائي الخامس للاضطرابات العقلية (DSM-v)، وتم أخيراً عَدُّه اضطراباً في النمو العصبي.

تعريف اضطراب التوحُّد:

وردت تعريفات عدة لاضطراب طيف التوحُّد، وفيما يأتي سنذكر بعضاً من أهم هذه التعريفات:

1. تعريف مجلس البحث الوطني الأمريكي (NRC):

"طيف من الاضطرابات المتنوعة في الشدة والأعراض والعمر عند الإصابة وعلاقاته بالاضطرابات الأخرى (التخلف العقلي وتأخر اللغة المحدد والصرع)، وتتنوع أعراض التوحُّد بين الأطفال ولدى الطفل نفسه مع مرور الزمن فلا يوجد سلوك منفرد بشكل دائم للتوحد ولا يوجد سلوك يستثني تلقائياً الطفل من تشخيص التوحُّد حتى مع وجود تشابهات قوية خصوصاً في العيوب الاجتماعية".

2. تعريف منظمة الصحة العالمية (WHO):

"اضطراب نمائي يظهر في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، ويؤدي إلى عجز في التحصيل اللغوي وعجز في اللعب وفي التواصل الاجتماعي".

3. تعريف الدليل التشخيصي والإحصائي:

"اضطراب في النمو العصبي يظهر خلال مرحلة الطفولة المبكرة ويؤثر في التواصل الاجتماعي وسلوك الطفل، ويؤثر في طرائق تعلمه ونموه المعرفي".

ينتشر اضطراب التوحُّد بين جميع سكان الأرض وتُقدَّر نسبة انتشاره بنحو 5 إلى 15 من كل 10000 طفل مولود، وتُقدَّر نسبة الإصابة بين الذكور والإناث بأنثى واحدة مقابل 4 ذكور، ومن الجدير بالذكر أنَّ نسبة انتشار التوحُّد في ازدياد مستمر اعتماداً على الدراسات والإحصاءات في دول العالم، و7% فقط من أطفال التوحُّد لديهم قدرات مميزة وغالباً ما تتركز في الموسيقى والرسم والرياضة والحفظ بخلاف الاعتقاد الشائع بأنَّ أغلبهم يمتلكون قدرات خارقة.

شاهد بالفديو: أساليب التعامل الناجح مع الطفل المتوحد

تشخيص اضطراب التوحُّد:

تم الاتفاق في مجال تشخيص التوحُّد على عدم وجود علامات ودلائل حيوية مخبرية أو فحوصات طبية يمكن الاستناد إليها في عملية التشخيص، وبذلك يتم تشخيص اضطراب التوحُّد بناءً على الصعوبات والمشكلات التي تظهر على الطفل وعلى سلوكه ومهاراته المختلفة في مجالات التواصل والمشاركة الاجتماعية والقدرات المعرفية والإدراكية.

توجد العديد من التحديات التي تواجه تشخيص التوحُّد ومنها:

  1. صعوبة التشخيص في عمر مبكر؛ إذ يحتاج إلى جهود دقيقة ومتواصلة من قِبل فريق تشخيص كامل متكامل للتيقن بحقيقة الإصابة.
  2. مدى توفر الخبرات العلمية والعملية للمشاركين بعملية التشخيص.
  3. مدى قدرة الوالدين على المشاركة الفاعلة والفعلية في عملية التشخيص.
  4. مدى ملاءمة الأدوات التشخيصية للأهداف.
  5. قلة الاختبارات والمقاييس المستخدمة للتشخيص.
  6. اختلاف وتباين الأعراض وشدتها بين طفل وآخر.
  7. تشابه أعراض التوحُّد مع أعراض العديد من الاضطرابات الأخرى.

غالباً ما يتم التشخيص في المرحلة العمرية بين 3 و5 سنوات، وتمر عملية تشخيص اضطراب التوحُّد بثلاث خطوات رئيسة هي:

  1. الكشف المبكر.
  2. التشخيص المتكامل.
  3. التشخيص المميز للتوحد بين الاضطرابات المشابهة.

1. الكشف المبكر لاضطراب التوحُّد:

هي أول خطوة من خطوات تشخيص اضطراب التوحُّد، والهدف منها هو العثور على عدد من المؤشرات لإحالة الطفل إلى عملية التشخيص المتكامل، بمعنى أنَّ هذه الخطوة تشكل إنذاراً، لكن لا تعطي إجابة قطعية بشأن حقيقة الإصابة، فقد حدد العلماء 4 سلوكات في حال ملاحظتها عند طفل يبلغ من العمر سنة ونصف لا بد أن يُحال إلى عملية التشخيص المتكامل، وهذه السلوكات الأربعة هي:

  1. عدم استجابة الطفل عند مناداته باسمه.
  2. عدم قدرة الطفل وعجزه عن الإشارة إلى الأشياء ومتابعة نظرات الآخرين.
  3. عدم امتلاكه القدرة على التقليد.
  4. عجزه عن اللعب التمثيلي.

تُعَدُّ هذه الخطوة من خطوات تشخيص اضطراب التوحُّد هامةً جداً لما لها من دور في الكشف المبكر عن الإصابة، ومن ثمَّ التدخل المبكر.

إقرأ أيضاً: في اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحّد: أعراض التوحّد، وأسبابه وعلاجاته

2. التشخيص المتكامل لاضطراب التوحُّد:

تشكل عملية التشخيص هذه الخطوة الثانية في عملية تشخيص اضطراب التوحُّد، وفيها يتم إجراء تقييم شامل متعدد الاختصاصات لكل طفل محال من عملية المسح المبكر، والهدف من هذه الخطوة هو تأكيد الإصابة أو نفيها، وتُنفذ هذه الخطوة من قِبل فريق متكامل لتشمل التقييم الطبي والنمائي والسلوكي والسيكولوجي، وبناء على هذه التقييمات الأربعة يتم الحكم.

3. التشخيص المميز للتوحد بين الاضطرابات:

كما ذكرنا يتقاطع اضطراب التوحُّد مع العديد من الاضطرابات الأخرى، ومن خلال هذه الخطوة في التشخيص يتم استبعاد هذه الاضطرابات، ومنها:

الإعاقة الذهنية:

يتم الاعتماد على اختبارات الذكاء والسلوك التكيفي والمظاهر الجسدية والتفاعل والقدرات التواصلية للتفريق بينها وبين التوحُّد.

فصام الطفولة:

يتم اللجوء إلى فترة ظهور الأعراض حتى يتم التمييز بينه وبين التوحُّد.

اضطرابات اللغة:

في اضطراب التوحُّد يكون الاضطراب اللغوي في جوهره اضطراباً في قدرة الطفل على توظيف اللغة في التفاعل الاجتماعي وفي القدرة على التواصل.

الإعاقة السمعية:

في هذه الحالة يتم اللجوء إلى الفحوصات الطبية.

اضطراب فرط النشاط وقلة الانتباه:

يتم الرجوع للتفريق بينه وبين التوحُّد إلى فترة ظهور الأعراض وإلى القدرات التفاعلية والتواصلية.

إقرأ أيضاً: اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، والفرق بينهما

علاج اضطراب التوحُّد:

مرض التوحد

ظهر عدد كبير من البرامج العلاجية التي تهدف إلى علاج اضطراب التوحُّد، ويرجع هذا العدد الكبير إلى تعدد الفرضيات المفسرة لاضطراب التوحُّد، لكن للأسف لا يوجد إلى الآن علاج شافٍ، وأي برنامج علاجي مطبق إنَّما يهدف إلى تطوير قدرات الطفل للوصول به إلى أفضل مكان ممكن، وبناء على هذا الكلام لا يوجد علاج أو برنامج واحد يمكن أن ينجح مع جميع الأطفال المصابين بالتوحُّد، وتُعَدُّ البرامج التربوية هي الأفضل اليوم.

1. العلاج الطبي لاضطراب التوحُّد:

الهدف من العلاج الطبي هو محاولة التخفيف من بعض السلوكات والأعراض الفوضوية، إضافة إلى تحسين الصحة النفسية والنمائية للطفل فيتم العمل على تقليل الأعراض، والجدير بالذكر أنَّ النتائج متباينة بين طفل وآخر، وعلى الرغم من ذلك فمن الهام مرافقة العلاج الطبي للعلاجات الأخرى، ومن العلاجات الطبية المستخدمة مع أطفال التوحُّد العلاج بالأدوية والعلاج بالحمية الغذائية والعلاج بهرمون السكريتين والعلاج بالفيتامينات والعلاج بالميلاتونين.

2. العلاج التربوي السلوكي لاضطراب التوحُّد:

يهدف هذا العلاج إلى تعويد الطفل وتدريبه على المهارات الذاتية والأكاديمية حتى يصبح قادراً على الاعتماد على نفسه وعيش حياة أقرب إلى الطبيعية، ويتم في سبيل تحقيق ذلك استخدام إجراءات وخطوات سلوكية محددة ومخطط لها، وتُعَدُّ نتائج هذا النوع من العلاج الأفضل من بين كل علاجات التوحُّد.

في الختام:

مما لا شك فيه أنَّ وجود طفل مصاب بالتوحُّد داخل أسرة ما يُعَدُّ أمراً صعباً للغاية، وهذا ما يجعل الوالدين يتحملان الكثير من الضغوطات، وأهمها كيفية تلبية حاجات هذا الطفل والقلق الشديد تجاه مستقبله، لذلك نوصي جميع هذه الأسر التي تعاني من كثرة الضغوطات عليها بمحاولة إيجاد منفس لها خارج الظرف الذي يمرون به، فمن الهام جداً القيام بنشاطات مع أطفالهم خارج البرامج التدريبية والتأهيلية والتعليمية لما لذلك من دور كبير في تعميق العلاقة بين الطفل ووالديه والتخفيف من التوتر والضغط والقلق.




مقالات مرتبطة