اضطراب التخثر عند الأطفال وعلاقته بداء هينوخ شونلاين
توجد في جسم الإنسان جملتان تحافظان على سيولة الدم؛ إذ لا تلتصق مكوناته مع بعضها بعضاً وتتشكل خثرة أو جلطة وهو ما يطلق عليه اسم "الجهاز المميع للدم"، وفي الوقت نفسه تلتصق عند التعرُّض إلى جرح؛ وذلك من أجل سد النزف والمساعدة على التئام الجرح، وهو "الجهاز المحرِّض على التجلُّط".
قد يحصل خلل أو اضطراب في أحد هذين الجهازين؛ وهذا يؤدي إلى حدوث زيادة في عمل الجهاز المميع للدم، ومن ثم حدوث نزوف أو فرفريات أو كدمات، أو قد يحدث زيادة في عمل الجهاز المحرض على التجلُّط، كما يؤدي إلى تشكيل الخثرات أو الصمات أو الجلطات.
ما هي الأعراض التي ترافق حدوث اضطرابات التخثر؟
من أهم الأعراض التي ترافق اضطرابات التخثر هي: النزف "die plutung"، والذي يتظاهر بعدة أشكال ومنها النزيف الشرجي أو ما يسمى وجود دم في البراز، والإقياء الدموي، والرعاف "die nasenblutung" وخروج دم مع البول.
إنَّ أيَّة حالة نزيف تتظاهر بإحدى العلامات السابقة هي ظاهرة خطيرة تتطلب البحث والاستقصاء وزيارة الطبيب أو مراجعة المشفى؛ وذلك لأنَّها غالباً ما تدل على وجود مشكلة ما قد تكون خطيرة، وقد تكون مشكلة عابرة وعلاجها بسيط جداً.
هل يمكن أن يكون الرعاف علامة دالة على وجود اضطرابات التخثر؟
قد يكون الرعاف علامة دالة على وجود خلل جملة تخثر الدم؛ مثل نقص الصفيحات الدموية أو الناعور أو غيرها من اضطرابات التخثر، لكن في حقيقة الأمر قد تكون هذه الأسباب نوعاً ما قليلة الشيوع أو تتظاهر بأعراض أخرى، أما الأسباب الشائعة لرعاف الأنف فهي:
- عند الأطفال الصغار قد يكون أشيع سبب للرعاف هو عادة نكش الأنف؛ إذ يخرِّش الطفل مخاطية الأنف عبر إصبعه؛ وهذا يسبب النزف، والحل يكون بسيطاً جداً من خلال تدريب الطفل على ترك هذه العادة.
- إنَّ الزكام المتكرر "der schnupfen" أو الحساسية الفصلية أو ما يسمى بالتهاب الأنف التحسسي، قد يؤدي إلى احتقان مخاطية الأنف؛ لذا تكون هشة وتنزف مقابل أقل تخريش تتعرَّض له.
- التهاب الجيوب الأنفية قد يسبب بعض الرعاف؛ وذلك لنفس السبب.
- تعرُّض الطفل لرضٍّ "die Prellung" على الأنف قد يؤدي إلى رعاف.
- قد يؤدي نقص فيتامين C عند الطفل إلى ضعف في بنية الشعيرات الدموية الموجودة في الأنف؛ وهذا يسبب هشاشتها ويجعلها تنزف من أقلِّ رضٍّ.
- داء فون ويلي براند؛ وهو أحد اضطرابات التخثُّر الناجمة عن مشكلة في التصاق الصفيحات الدموية مع بعضها بعضاً؛ وهذا يؤدي إلى تأخُّر إغلاق الجرح، ويُعرَف هذا الداء أنَّ تظاهراته تكون على شكل نزوف سطحية من الأغشية المخاطية.
- قد يكون دخول جسم غريب إلى الأنف سبباً في حدوث الرعاف، وخاصةً عند الأطفال الصغار الذين يُدخِلون قطع الألعاب الصغيرة إلى داخل الأنف عن غير قصد، والحل يكون بالتخلُّص من قطع الألعاب الصغيرة لكيلا يؤذي الطفل نفسه بها.
- نستنتج أنَّ أغلب أسباب الرعاف عند الأطفال هي أسباب تخريشية لا علاقة لها باضطرابات التخثُّر.
متى يتطلَّب الرعاف إسعاف الطفل إلى المشفى؟
في حال حدث رضٌّ في الرأس - وليس على الوجه - ومن ثم تبعه رعاف أو نزول سائل مدمى من الأنف، فإنَّ ذلك يستدعي نقله إلى أقرب مركز صحي أو مشفى من أجل إجراء تصوير طبقي محوري دون حقن مادة ظليلة؛ وذلك من أجل التحقُّق من احتمال وجود نزيف في الدماغ بعد الرض.
وكذلك في حال تبع الرض سيلان الدم من الأذن أو من الفم؛ فيجب على الأهل كذلك نقل طفلهم إلى أقرب مشفى لنفس السبب.
ماذا يعني خروج الدم من الفتحة التناسلية لطفلة عمرها أيام؟
إنَّ رؤية الأهل للدم قد تصيبهم في حالة رعب وقلق، فكيف إن كان النزف من منطقة حساسة مثل المنطقة التناسلية؟ في الحقيقة لا داعي للقلق في حال كان النزيف بكميات بسيطة؛ والسبب هو أنَّ هذه الطفلة عندما كانت جنيناً في رحم أمِّها كان يصلها كل ما تحتاج إليه عبر دم الأم، وفي نفس الوقت كانت تصلها الهرمونات الجوالة في دم الأم، وبعد الولادة ونتيجة انفصال الطفلة عن أمها يحصل نقص أو انقطاع مفاجئ في تراكيز هذه الهرمونات؛ وهذا ما يسبب هذا النزف.
ما هو داء هينوخ شون لاين؟
على الرغم من كون فرفرية هينوخ شون لاين تُعَدُّ مرضاً نزفياً يتظاهر بطفح حطاطي على الإلية والجزء السفلي من الجسم، إلَّا أنَّه لا يُصنَّف من ضمن اضطرابات التخثر؛ وذلك لأنَّ الآلية ليست عيباً في عوامل تجلُّط الدم؛ بل هي آلية مناعية تهاجم فيها الأجسام المضادة التي يفرزها الجسم الأوعيةَ الدمويةَ الصغيرةَ؛ وهذا يؤدي إلى نزوف نقطية.
ما هو مقدار خطورة داء هينوخ شون لاين؟
لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال جواباً قطعياً؛ وذلك لأنَّ الحالات تتفاوت في شدتها من طفل إلى آخر، فقد تكون خفيفة عند بعض الأطفال، لكن يمكن القول إنَّ معظم الأطفال يشفون خلال شهر.
ما هي أكثر علامة مميزة لداء هينوخ شون لاين؟
إنَّ أهم علامة في تشخيص داء هينوخ شون لاين، هي الفرفريات أو الكدمات الأرجوانية الموجودة على الإلية والفخذ، وإنَّ أكثر ما يميزها هو أنَّها تبدو بالجس مرتفعة عن سطح الجلد؛ وهذه علامة هامة جداً.
ما هي مضاعفات داء هينوخ شون لاين؟
- أعراض هضمية مثل المغص المستمر، وقد تتطور الحالة إلى انغلاق الأمعاء ومن ثم انسدادها، وقد تتطور الحالة لتموت هذه الأجزاء من الأمعاء.
- في أغلب الحالات تكون الأعراض الكلوية خفيفة نوعاً ما؛ إذ تكون عبارة عن زيادة طفيفة في بروتين البول، لكن في بعض الحالات قد تترقى الإصابة الكلوية باتجاه الفشل الكلوي.
- تُعَدُّ الإصابة المفصلية إصابة شائعة نوعاً ما في داء هينوخ شون لاين؛ إذ قد يلتهب المفصل ويتورم وتتجمع فيه السوائل، وأكثر مفصل يُصاب هنا هو مفصل الركبة.
هل يمكن أن يُعديَ الطفل المصاب بداء هينوخ شون لاين إخوته؟
إنَّ داء هينوخ شون لاين هو مرض مناعي ذاتي مجهول السبب؛ وهذا النمط من الأمراض لا يُسبب العدوى.
قد يأتي بعض الأهل بشكوى أنَّ أحد أقران الطفل كانت لديه هذه الحالة تماماً، وبعد فترة أصيب ولدهم بالزكام ومن ثم ظهرت عليه أعراض هينوخ شون لاين، ويُعَدُّ هذا الأمر دليلاً كافياً بالنسبة إلى الأهل، ولكنَّه من وجهة نظر العلم كلام خاطئ، فالزكام يمكن أن ينتقل بالعدوى ثم يقوم الإنتان التنفسي العلوي بتحريض ظهور داء هينوخ شون لاين لديه في حال كان لديه استعداد للإصابة به، أمَّا في حال عدم وجود الاستعداد؛ فلن يتعدى الطفل مرحلة الإنتان التنفسي العلوي.
هل يوجد عمر محدد للإصابة بداء هينوخ شون لاين عند الأطفال؟
لا يوجد عمر محدد للإصابة بداء هينوخ شون لاين عند الأطفال؛ إذ يمكن أن يصيب الأطفال في أي عمر، وهو في أغلب الحالات يصيب الطفل من عمر السنتين حتى عمر الثلاث سنوات.
ما هو علاج داء هينوخ شون لاين؟
- أغلبية حالات داء هينوخ شون لاين هي حالات بسيطة ولا تتطلب أكثر من راحة وإعطاء السوائل والمسكنات.
- في حال وجود التهاب أو تورُّم في أحد المفاصل، فقد يكون استخدام مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية مفيداً من أجل تخفيف الأعراض.
- وفي حال وجود بعض الاختلاطات قد يكون من الضروري إضافة الكورتيزونات مثل الميتيل بريدنيزولون عن طريق الوريد، ومن ثم تخريج الطفل على بريدلون فموي لبضعة أسابيع، وفق ما يراه الطبيب مناسباً لحالة الطفل.
- بعض الحالات القليلة المستعصية على العلاج قد تتطلب إعطاء الغلوبولين المناعي عن طريق الوريد، والذي يُعَدُّ أكثر فاعلية من الكورتيزون، ويحدث الشفاء بشكل سريع ولكنَّه دواء باهظ الثمن.
- يجب مراقبة الطفل بعد خروجه من المشفى؛ إذ يجب الَّا يركض كثيراً أو يمارس رياضات عنيفة قد تعرِّضه للوقوع أرضاً والنزف.
هل يمكن أن تتكرر حالات داء هينوخ شون لاين عند الطفل؟
من الممكن لهذه الحالة أن تتكرر "sich widerholen" وخصوصاً خلال أول ستة أشهر؛ لذلك يوصي الأطباء الأهلَ بإجراء متابعة "die verfolgung" خلال هذه الفترة.
لكن لا داعي للقلق فأغلب الحالات لا تتكرر، وإن تكررت فتكون أقل شدة من المرة الأولى، وفي أغلب الحالات حين يتخطى الطفل حاجز الستة أشهر دون أن يعاود المرض، فهو لن يعاود الظهور بنسبة كبيرة.
هل يمكن للرشح أو الزكام أن يسبب اضطرابات في التخثر عند الأطفال؟
إنَّ الرشح أو الزكام أو الإنفلونزا لا يمكن أن تسبب اضطرابات في التخثر، لكن في بعض الحالات وعند بعض الأطفال قد يؤدي فيروس الإنفلونزا إلى تثبيط نقي العظم لفترة أسبوع أو أكثر بقليل من الإصابة، وهذا التثبيط لا يطال كل السلاسل الدموية؛ وإنَّما فقط تلك المسؤولة عن إنتاج الصفيحات الدموية؛ وهذا يؤدي إلى نقص في هذه الصفيحات، ومن ثم حدوث نزوف أو فرفريات أو حبرات نتيجة رضوض بسيطة.
في الختام:
إنَّ أي نزيف يحصل عند الطفل هو أمر يستدعي الاستقصاء واستشارة الطبيب المختص، وعدم الاعتماد على ما يقوله غير المتخصصين من أقارب أو جيران، فالكثير من هذه التصرفات - التي تكون نيتها إنقاذ الطفل - تساهم مساهمة كبيرة في مفاقمة المشكلة بدلاً من حلها.